المحاضرة الأولى: كفالة اليتيم

تصدير الموضوع:
وقال تعالى:
﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى1.

الهدف:

بيان بعض المفاهيم المتعلّقة بتكريم اليتيم وكفالته وخطورة التعرّض لماله.


167


المقدّمة
حثّت الشريعة على ضرورة رعاية الأيتام والتحنّن عليهم كمؤشّر على سلامة المجتمع وتكاتفه وتعاضده، فالمجتمع الذي لا يكرّم أيتامه مجتمع مفكّك، وهذا أمير المؤمنين يوصي بالأيتام حتّى لحظة وفاته، فعنه عليه السلام - في وصيته قبل الموت -: الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من عال يتيماً حتّى يستغني أوجب الله عزَّ وجلَّ له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار"2.

محاور الموضوع
الأنبياء والأولياء متكفِّلو الأيتام

قال تعالى:
﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا. ولا يخفى أنّ كفالة نبيّ الله زكريا عليه السلام لمريم لم تكن كفالة ماديّة بل معنويّة وسياسيّة.
قال تعالى في مدحه للبيت العلويّ:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى


168


حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا3.

التكفّل ثقافة عامّة

قال تعالى:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا4.
وقوله (ويطعمون) يفيد أنّ هذه الآية تعلّمنا أنّ إطعام اليتيم ليس فعلاً فرديّاً وإنّما عمل عامّ ينبغي أن يتحوّل إلى ثقافة الأسر والعائلات، فالقرآن الكريم لم يمتدح فرداً معيّناً في الآية وإنّما مدح كافّة أفراد هذا البيت الذين كانوا يحملون هذه الثقافة.

ولذلك أشارت الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى التركيز على كونها ثقافة بيوت وليست ثقافة أفراد فقط، أي تربية عوائلنا على هذه الثقافة الإلهيّة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشرّ بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء


169


إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا"5.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير بيوتكم بيت فيه يتيم مُكرّم"6.

ضوابط التكفّل ومعاييرُه

قال تعالى:
﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي7.
هذه الآية التي وردت في قصّة موسى والخضر إشارة واضحة إلى بناء الخضر لجدار اليتيمين دون أن يتّخذ عليه أجراً كما أشار عليه موسى عليه السلام.

والآية تعلّمنا عدّة أمور:

1- أنّ الله هو الذي أمرنا برعاية الأيتام وتكفّلهم لقوله تعالى
﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي 8. وبالتالي فإنّ رعايتهم قبل كلّ شيء واجبٌ إلهيٌّ وتكليفٌ شرعيٌّ لا يجوز تجاهله أو تناسيه.


170


2- أنّ هذه الرعاية ينبغي أن تستمرّ حتّى يبلغ اليتيم أشدّه أي يصبح بالغاً راشداً، أي حتّى يستغني ويصبح قادراً على إعالة نفسه. وهذا المعنى أوردته الآية كذلك على أنّه إرادة إلهيّة لقوله تعالى: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا9.

وقال تعالى:
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ10.

3- أنّ الرعاية ينبغي أن تشمل المحافظة على أموال اليتامى، فقد سوَّغ الخضر عليه السلام فعله بقول الله تعالى
﴿وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا11، فإنّ الإستهتار بمال اليتيم والتفريط به لا يقلّ سوءاً عن أكل مال اليتيم.

4- أنّ هذه الرعاية ينبغي أن تكون مجانيّة فقد أبى الخضر أن يتخذ أجراً على عمله حتّى بعد أن أشار عليه موسى عليه السلام بذلك. وقد سوَّغ نبيّ الله الخضر عليه السلام هذا الأمر بقوله
﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ12 وفي ذلك إشارة إلى أنّ معاملة الأيتام


171


ينبغي أن تكون قائمة على الرحمة لا بدل ولا عوض فيها يطلبه الإنسان وإنّما يتوسّم الأجر والثواب وعلوّ الدرجات يوم القيامة.

وهذا المعنى نراه كذلك في آية
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ...لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا13 والمعنى أنّ كافل اليتيم لا ينتظر جزاءً أو بدلاً على عمله، بل إنّه لا ينتظر ولا يريد حتّى كلمة شكر على ذلك.

5- أنّ رعاية الأيتام ضروريّة حتّى ولو كانوا يملكون كفايتهم الماديّة، فالآية تشير إلى أنّ هذين اليتيمين كانا يملكان كنزاً لقوله
﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا14، ومع ذلك لم يتّخذ نبيّ الله الخضر منهما أجراً على عمله مع أن الفعل الذي قام به نبي الله الخضر فعلٌ ماديٌّ وهو إقامة الجدار، وذلك لأنّ الرعاية التي يستحقّها اليتيم ليست دائماً رعاية ماديّة، بل هناك رعاية معنويّة ونفسيّة واجتماعيّة وسوى ذلك، ومن الواجب ألّا نقصّر فيها.


172


6- ولعلّ هذه الآية أكثر دلالةً على اليتيم الذي كان أبوه صالحاً والذي يأتي بلا شكّ الشهيد على رأس هذه القائمة كونه مثال الصلاح ورمز الإصلاح، وبالتالي فإنّ هذه الآية أكثر مطابقةً لأبناء الشهداء.

أكل مال اليتيم

قال تعالى:
﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ15.
ولا يخفى أنّ أكل مال اليتيم لا يعني انتزاع حقّه من يده وسلبه إيّاه كما قد يتوهّم البعض، بل يصدق كذلك على عدم إعطائه حقّه الذي افترضه الله له ومنعه منه، فكلاهما أكلٌ لمال اليتيم.

1- من الكبائر:
أي من الذنوب التي توعّد الله صاحبها بالخلود في النار. فعن الإمام الصادق عليه السلام- لمّا سئل عن الكبائر - قال: "منها أكل مال اليتيم ظلماً"16.

2- النار في الدنيا: قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى


173


ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا17.

والآية واضحة أنّهم يأكلون في بطونهم ناراً في الدنيا قبل أن يصلوا السعير في الآخرة.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "شرّ المآكل أكل مال اليتيم ظلماً"18.

3- شدّة العذاب في الآخرة: والآخرة هنا تشمل عذاب البرزخ وعذاب الجحيم كما في تفسير الآية.
وأمّا عذاب يوم القيامة فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يبعث ناس عن قبورهم يوم القيامة تأجّج أفواههم ناراً"، فقيل له: يا رسول الله من هؤلاء ؟ قال: "الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً "19.

وأمّا عذاب البرزخ فعنه صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث المعراج -: "نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكّل بهم من يأخذ بمشافرهم ثمّ يجعل في أفواههم صخراً من نار، فتُقذف في أحدهم حتّى تخرج من أسافلهم ولهم خوار وصراخ، فقلت: يا


174


جبرئيل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً"20.

وفي الروايات أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقف يوم القيامة في مواجهة آكلي مال اليتيم في إشارة إلى أنّ التعدّي على اليتيم إنّما هو تعدٍّ عليه، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا خصيم يوم القيامة عن اليتيم والمعاهد، ومن أخاصمه أخصمه"21.


175


هوامش

1- البقرة، 177.
2- الكافي ، ج7 ، ص 51.
3- الإنسان 8 ـ 9.
4- الإنسان 8 ـ 9.
5- مشكاة الأنوار، ص 292.
6- كنز العمال، ج3، ص 168.
7- الكهف 82.
8- الكهف 82.
9- الكهف 82.
10- الأنعام 152.
11- الكهف 82.
12- الكهف 82.
13- الإنسان 8 ـ 9.
14- الكهف 82.
15- الضحى 9.
16- ميزان الحكمة ، ج4 ، ص 3709.
17- النساء ، 10.
18- من لا يحضره الفقيه ، ج4 ، ص377.
19- مستدرك الوسائل ، ج13 ، ص 191.
20- ميزان الحكمة ، ج4 ، ص 3709.
21- كنز العمال، ج3، ص 177.