المحاضرة الثانية: الإنفاق في سبيل الله (2)

تصدير الموضوع:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إن من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار"1.

الهدف:

بيان بركات الإنفاق وآثاره والأمور التي ينبغي الاحتراز عنها عند الإنفاق.


147


المقدّمة
لا شكّ أنّ الإنفاق في سبيل الله من أكبر التحدّيات التي يعيشها الإنسان في حياته لما لها من آثار دنيويّة ظاهرة على مستوى تودّد الناس للمنفق وتحبّبهم إليهم وإظهار الاحترام والتقدير وغيرها من الأمور التي يمكن للإنسان أن يستثمرها في كسب مصالح دنيوية ومناصب خاصّة، لظاهر أنّ المنفق إنسانٌ يشارك الناس في ماله، ولذا يعمد الشيطان إلى إبرازها له وتزيينها في عقله وقلبه حتّى يحجب عنه الدوافع الإلهيّة والمحفّزات الشرعيّة التي عليها تترتّب بركات الأجر والثواب ورفيع الدرجات في الآخرة وجمال الاسم والسمعة في الدنيا.

محاور الموضوع
فيما يبطل الإنفاق

قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ


148


عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ2.

فالمنّة على السائل وأذيته لا ينسجمان مع مفهوم الإنفاق أساساً الذي اعتبر الله تعالى أنّ السائل هبة الله للإنسان وبابه إلى الثواب وسبيله لاكتساب الدرجات وشموله بالمغفرة الإلهيّة، قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ3.

قال تعالى:
﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى4.

فضل إنفاق المقتر
والإنفاق ليس حكراً على أهل اليسر والأغنياء، بل فتح الله باب ثوابه للموسرين والمقترين على حدّ سواء، بل حثّ المقتر على الإنفاق واعداً إيّاه بعظيم الأجر، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاث من أتى الله بواحدة منهنّ أوجب الله


149


له الجنّة: الإنفاق من إقتار، والبشر لجميع العالم، والإنصاف من نفسه".5

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وإنصافك الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلّم"6

التحذير من كنز المال

فكنز المال بنظر الشرع معصيةٌ يعاقب الله عليها يوم القيامة لأنه تصرّفٌ في المال في غير الوجهة التي أرادها الله، بل في الوجهة المعاكسة لإرادة الله، ولذلك استحقّ كانز المال العقاب الأليم، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ7.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أوكى على ذهب أو فضة، ولم ينفقه في سبيل الله، كان جمراً يوم القيامة يكوى به"8.


150


وعنه صلى الله عليه وآله وسلم يحذّر من كنز المال خشية الفقر ففي روايةٍ أنّه قال لبلال وعنده صبر من تمر: "ما هذا يا بلال؟ قال: أعدّ ذلك لأضيافك، قال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم؟! أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً"9.

وفي سيرته الذاتيّة كان ينهى عياله عن إبقاء الطعام من يومٍ لآخر، فعن أنس بن مالك: أهديت للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث طوائر (طيور)، فأطعم خادمه طائراً، فلمّا كان من الغد أتته بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألم أنهك أن ترفعي شيئاً لغد! فإن الله يأتي برزق غد"10.

من لا تقبل نفقته

والإنفاق فريضةٌ ينبغي أن تتلازم مع الإيمان بالله ورسوله وأداء الفرائض وسلامة النيّة عند المنفقين لأموالهم فقد قال تعالى:
﴿قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ


151


يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ11.

ولا يكون مال الإنفاق إلّا من خير المال وأصفاه حلالاً فلا يقبل الله مالاً جُمع من حرام أو شبهات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم، حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ"12. وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ13.

فعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى:
﴿أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ: "كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهليّة، فلمّا أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها، فأبى الله تبارك وتعالى إلّا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا"14.


152

ونفس المعنى نقرأه عن الإمام الباقر عليه السلام لمّا سئل عن قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ، قال: "كان الناس حين أسلموا عندهم مكاسب من الربا ومن أموال خبيثة، فكان الرجل يتعمّدها من بين ماله فتصدّق بها، فنهاهم الله عن ذلك، وإنّ الصدقة لا تصلح إلّا من كسب طيّب"15.

آثار الإنفاق

1- ذخيرة يوم القيامة: قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ16.
2- ظلٌّ يوم القيامة: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن، فإنّ صدقته تظلّه"17.
3- مرتبة البِرّ: قال تعالى:
﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ18.


153

وعن الإمام الصادق عليه السلام - وقد قيل له، وكان يتصدّق بالسكّر، أتتصدق بالسكّر؟ فقال: "نعم، إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه، فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ"19.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام "أنه اشترى ثوباً فأعجبه فتصدق به"20.

4- الأجر الكبير:
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ21.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أعطى درهماً في سبيل الله كتب الله له سبعمائة حسنة" 22.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "الصدقة تنمى عند الله"23.

5- البركة وقضاء الدين:
فعن عليّ عليه السلام: "إنّ الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة" 24.


154

6- حسن الخلف على الولد: عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما أحسن عبد الصدقة إلّا أحسن الله الخلافة على ولده من بعده"25. وعن عليّ عليه السلام: "إذا قدّمت مالك لآخرتك واستخلفت الله سبحانه على من خلّفته من بعدك، سعدت بما قدمّت، وأحسن الله لك الخلافة على من خلّفت" 26.


155


هوامش

1- الكافي، ج2، ص 241.
2- البقرة 264.
3- البقرة 262.
4- البقرة 263.
5- الكافي، ج2، ص 103.
6- ميزان الحكمة، ج4، ص 3356.
7- التوبة 34 ـ 35.
8- ميزان الحكمة، ج4، ص 3356.
9- المصدر نفسه، ج4، ص 3356.
10- م.ن، ج4، ص 3356.
11- التوبة 53 ـ 54.
12- الكافي ، ج4، ص 22.
13- البقرة 267.
14- ميزان الحكمة، ج4، ص 3357.
15- ميزان الحكمة، ج4، ص 3357.
16- البقرة 255.
17- ميزان الحكمة، ج4، ص 3350.
18- ال عمران 92.
19- ميزان الحكمة، ج4، ص 3355.
20- المصدر نفسه، ج4، ص 3355.
21- البقرة 274.
22- ميزان الحكمة، ج4، ص 3350.
23- المصدر نفسه، ج4، ص 3350.
24- الكافي، ج4، ص 9.
25- ميزان الحكمة، ج4، ص 3355.
26- المصدر نفسه، ج4، ص 3354.