المحاضرة الخامسة: حرمة الحياة المعنوية للإنسان

تصدير الموضوع:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسب ابن آدم من الشرّ أن يحقّر أخاه المسلم"1.

الهدف:
بيان بعض أشكال التعدّي على حرمة الحياة المعنوية للإنسان وجزاؤها في الشرع الحنيف.


45


المقدَّمة
أولى الإسلام اهتماماً خاصّاً بالحياة المعنوية للإنسان وذلك لاعتقاده أنّ إنسانية الإنسان تكمن في هذا البعد قبل بعده المادي أو الاجتماعي أو سوى ذلك، ولذلك نرى أنّ الشرع الحنيف أسّس لقواعد وقيم أخلاقية تستهدف بمجموعها الحفاظ على حرمة الحياة المعنوية للإنسان معتبراً أنّ تخطي الحدود المعنوية للإنسان من أكبر المعاصي والتجاوزات التي يحاسب عليها الله والتي لا كفّارة ولا غفران لها إلا أن يسقط الآخر حقه ويعفو عمّن ظلمه. والمتأمل في النصوص الشريفة يرى ربطاً أكيداً بين البعد المعنوي للإنسان والذات المقدّسة وأنّ التعدي على هذا البعد تعدٍّ على الباري تعالى.

محاور الموضوع

1- الإيذاء: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من آذى مؤمناً فقد آذاني"2. ودلالة الحديث في اعتبار أنّ كرامة المؤمن وعزته من كرامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضحة، وبالتالي فإنّ الإستخفاف بها


46


استهتار بكرامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله، وإيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعدٍّ على الذات المقدسة، ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: قال الله عزَّ وجلَّ: "ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن"3.

2- الترويع:
بمعنى التخويف وإدخال الرعب إلى قلب الآخر، فعن الإمام علي عليه السلام: "لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلماً"4.

3- نظرة إخافة:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من نَظَر إلى مؤمن نظرةً يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظلَّ إلّا ظلّه"5.

4- الإهانة:
كاستعمال الألفاظ الجارحة أو بعض الكلمات النابية التي ينبغي للمؤمن الترفّع عنها، فعن الإمام الصادق عليه السلام: إنّ الله تبارك وتعالى يقول: "من أهان لي وليّا فقد أرصدَ لمحاربتي، وأنا أسرعُ شئٍ إلى نصرة أوليائي"6.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أذلّ الناس من أهان الناس"7.


47


5- الإحزان: وذلك بتفويت أمر يفرح المؤمن أو التعرض له أو لمحبيه بالإساءة أو ما شابه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحزن مؤمناً ثم أعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يؤجر عليه"8.

6- تحقير المؤمن:
وذلك من خلال التعالي عليه وتصغيره والحطّ من شأنه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من حقّر مؤمناً مسكيناً لم يزل الله له حاقراً ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إياه"9.

7- إذلال المؤمن:
بالحطّ من شأنه أو فضحه فيما خفي عن الآخرين أو التضييق عليه وما شابه، فعن عليّ عليه السلام: قال الله عزَّ وجلَّ: "ليأذن بحرب مني من أذلَّ عبدي المؤمن"10.

8- سباب المؤمن:
قال تعالى:
﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ11.

وفي رواية عن عياض بن حماد: قلت: يا رسول الله! صلى الله


48


عليك، الرجل من قومي يسبّني وهو دوني فهل عليَّ بأس أن أنتصر منه؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "المتسابّان شيطانان يتعاويان ويتهاتران"12.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكبر الكبائر أن يسبَّ الرجل والديه، قيل: وكيف يسبّ والديه؟! قال: يسبّ الرجل فيسبّ أباه وأمّه"13.

وللسباب مصاديق كثيرة منها:
سبّ المؤمن: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر وأكل لحمه من معصية الله"14.

سبّ الأعداء:
عن الإمام عليّ عليه السلام لما سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم، اللهم احقن دماءنا ودماءهم"15.

سبّ الناس:
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم"16.


49


9- السخرية: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ17.

واعتبر القرآن الكريم أن السخرية والإستهزاء من الصفات الملازمة لأهل النفاق، قال تعالى:
﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ18.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بن مسعود! إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي فرائض الله، قال الله تعالى":
﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا19.

10- التعيير:
عن نبي الله الخضر عليه السلام في وصيته لموسى عليه السلام: يا بن عمران! "لا تعيّرن أحداً بخطيئة، وابكِ على خطيئتك"20.


50


وليكن نصب أعيننا إذا رأى أحدنا زلةً من أخيه أن الله قد يبتلينا بما ابتلى به أخانا المؤمن فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من عيَّر أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله"21.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى ابتلى أيوب عليه السلام بلا ذنب، فصبر حتى عُيِّر، وإن الأنبياء لا يصبرون على التعيير"22.

ومن أروع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحدّ ولا يعيرها"23. وذلك لأن التعيير مساس بالجانب المعنوي للزاني بينما الجلد مساس بالجانب المادي.

11- التوبيخ
: وهو استخدام عبارة قاسية ومشينة أو نعت الآخر بأوصاف ونعوت لا تليق به، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من أنَّب مؤمناً أنبه الله في الدنيا والآخرة"24.


51


12- الشماتة: وهي إظهار عدم الإهتمام بمصاب الغير ويراه مستحقاً لذلك وقد يبدي فرحاً إزاء مصاب الآخرين، والشماتة من أبرز مصاديق القلب الذي لا يعرف الرحمة بالآخرين، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تُبْدِ الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك، وقال: من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن"25.

13- الطعن:
والمراد منه تسفيه مقالة الغير ونعتها أو نعت صاحبها بما يسيئه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله عزَّ وجلَّ خلق المؤمن من عظمة جلاله وقدرته، فمن طعن عليه أو رد عليه قوله فقد ردّ على الله عزَّ وجلَّ"26.

14- القذف:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "القاذف يُجلد ثمانين جلدة ولا تُقبل له شهادة أبداً إلا بعد التوبة أو يُكذّب نفسه"27.


52


15- اللعن: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لعن المؤمن كقتله"28.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن استطعت ألا تلعن شيئاً فافعل"29.

16- النميمة:
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ30.

17- الغيبة:
قال تعالى: وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً فقال:
﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ31.

فيحرم القتل لأنّ الحياة مقدّسة ولا يحقّ إزهاقها بدون وجه حقّ، كما أنّ حياة الإنسان المعنوية محترمة، والغيبة هي هتك لهذه الحرمة.

18- التنابز بالألقاب:
قال تعالى:
﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ32.


53


هوامش

1- ميزان الحكمة، ج1، ص652.
2- مستند الشيعة، المحقق النراقي، ج14، ص159.
3- الكافي، ج2، ص350.
4- ميزان الحكمة، ج1، ص66.
5- المصدر نفسه، ج1، ص66.
6- الكافي، ج2، ص351.
7- الامالي، الشيخ الصدوق، ص73.
8- الكافي، ج2، ص548.
9- ميزان الحكمة، ج1، ص652.
10- الكافي، ج2، ص350.
11- الانعام 108.
12- ميزان الحكمة، ج2، ص1237.
13- المصدر نفسه، ج2، ص1237.
14- الكافي، ج2، ص360.
15- ميزان الحكمة، ج2، ص1236.
16- الكافي، ج2، ص360.
17- الحجرات 11.
18- البقرة 14.
19- ميزان الحكمة، ج2، ص1247.
20- المصدر نفسه، ج3، ص2212.
21- م.ن، ج3، ص2212.
22- م.ن، ج3، ص2212.
23- ميزان الحكمة، ج3، ص2212.
24- المصدر نفسه، ج3، ص2212.
25- م.ن، ج2، ص1678.
26- م.ن، ج3، ص2212.
27- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج78، ص177.
28- ميزان الحكمة.

29- ميزان الحكمة.
30- الحجرات 6.
31- الحجرات: 12.
32- الحجرات 11.