المحاضرة الأولى: مكانة المرأة في الإسلام

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ1.

الهدف:

بيان جعل الإسلام الذكر والأُنثى في كفّة واحدة فمن آمن منهما وعمل صالحاً فهما سيّان أمام اللّه تبارك وتعالى يجزيهما على حدّ سواء.


209


المقدَّمة
بزغ نور الإسلام في عصر لم يكن لجنس الأُنثى يومذاك أيّ قيمة تذكر في الجزيرة العربية، وكان الرجل يتشاءم إذا أنجبت امرأته أُنثى ويظلّ وجهه مسوداً متوارياً عن أنظار قومه وكأنّها وصمة عار على جبينه، قال سبحانه:
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ2.

فلم يكن للرجل بد إلاّ وأدُ بناته وقتلهنّ إثر الجهل بكرامة المرأة وفضيلتها ظنّاً منه أنّه يحسن صنعاً، وهذا هو القرآن الكريم يندّد بذلك العمل ويشجبه ويقول:
﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ *  بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ3.

محاور الموضوع

المرأة في التشريع الإسلاميّ

جعل الإسلام فطرة المرأة وخلقتها، المقياس الوحيد في


210


تشريعه وتقنينه والتشريع المبني على الفطرة يتماشى معها عبر القرون، وهذا هو سرّ خلود تشريعه، وأمّا التشريع الذي لا يأخذ الفطرة بنظر الاعتبار، ويقنِّن لكلّ من الأُنثى والذكر على حدّ سواء فربّما لا ينسجم مع الفطرة والخلقة ويخلق تعارضاً بين القانون ومورده ويورث مضاعفات كثيرة كما نشاهده اليوم في الحضارة الغربيّة.

التماثل في تشكيل المجتمع

وفي خضَمِّ تلك الأفكار الطائشة نجد القرآن الكريم يصف المرأة بأنّها أحد شطري البنية الإنسانية ويقول:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ4، فالأُنثى مثل الذكر يشكّلان أساس المجتمع بدون فرق بينهما.

التماثل في الاستقلالية

ومن جانب آخر يرى للأُنثى خلقة مستقلة مماثلة لخلقة الذكر بدون أن تُشتقّ الأُنثى من الذكر، وانّ كلاًّ من الذكر والأُنثى إنسان كامل وليس هناك أيّ نقص في إنسانية الأُنثى، يقول سبحانه:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ


211


وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء5.

فالنفس الواحدة، هي آدم وزوجها حواء وإليهما ينتهي نسل المجتمع الإنساني، ومعنى قوله:
﴿وَخَلَقَ مِنْهَا أي خلق من جنسها، فالزوجان متماثلان ولولا التماثل لما استقامت الحياة الإنسانية.

التماثل في التكريم

لقد شملت العناية الإلهية الإنسان لما جعلته أفضل الخلائق، وسخّرت له الشمس والقمر. ولا تختصّ هذه الكرامة بالذكر فحسب، بل شملت أولاد آدم قاطبة قائلاً:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً6.

التماثل في التكليف

وجعل الإسلام الذكر والأُنثى في كفّة واحدة فمن آمن منهما وعمل صالحاً فهما سيّان أمام اللّه تبارك وتعالى يجزيهما على حدّ سواء، قال سبحانه:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى


212


وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ7.

التماثل في القيمة الإنسانية

وممّا يعرب عن موقف القرآن الكريم في خلقة المرأة: هو أنّه جعل حرمة نفس الأُنثى كحرمة نفس الذكر وأنّ قتل واحد منهما يعادل قتل جميع الناس، قال سبحانه:
﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا8.

فقتل المرأة كقتل الرجل عند اللّه سواء فمن قتل واحداً منهما فكأنّما قتل الناس جميعاً.

هذا في القتل وكذلك في سائر الأحكام فقد نظر الإسلام إلى الشطرين نظرة واحدة هو أنّه يتخذ النفس موضوعاً لبعض أحكامه في مجال القصاص دون أن يركز على الذكر أو الأنثى، قال سبحانه:
﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ9.


213


نعم مشاركة المرأة والرجل في القِصاص لا يلازم مشاركتهما في الدية، لأنّ المعيار في القِصاص غير المعيار في الدية، فكلّ من جنى على إنسان يُقتصُّ منه باعتبار أنّ الجاني أعدم إنساناً فيعادل بإعدامه.

علّة التفاوت في الدية

وأمّا الدية فالمعيار في تعيينها هو تحديد الخسارة والضرر الماديّ الذي مُنيت به الأُسرة، ولا شكّ أنّ خسارة الأسرة بفقد معيلها الرجل هي أكبر من خسارتها بفقد الأُنثى، فلذلك صارت دية المرأة نصف دية الرجل على الرغم من أنّ المصيبة على حدّ سواء، وهذا لا يعني اختلافهما في الإنسانية.

البعد الروحي عند الرجل والمرأة

إنّ التساوي في الإنسانية لا يعني التساوي في جميع الجهات،وفي القدرات والغرائز والنفسيّات، حتى يتجلّـى الجنسان، جنساً واحداً لا يختلفان إلاّ شكليّاً، ومن يقول ذلك فإنّما يقول في لسانه وينكره عقله ولبّه.

لا شكّ انّ بين الجنسين فوارق ذاتيّة وعَرضية، فالأُولى نابعة من خلقتها، والثانية تلازم وجودها حسب ظروفها وبيئتها،


214


وبالتالي صارت تلك الفوارق مبدأً للاختلاف في المسؤوليات والأحكام.

وأمّا ما يرجع إلى الأُمور النفسية والروحية عند المرأة والرجل فنقول: لا شكّ ثمّة فارق واضح وجليّ بين الرجل والمرأة من هذه الزاوية وهي أنّ المرأة جيّاشة العاطفة ملؤها الحنان والعطف ولها روح رقيقة حسّاسة.

أودعت يد الخلقة ذلك فيها لتنسجم مع المسؤولية الملقاة على عاتقها، كتربية الأطفال التي ترافقها مشاقُّ ومصاعب جمّة لا يتحمّلها الرجل عادة، في حين أنّ الرجل يفقد تلك العواطف الجيّاشة، لأنّه خلق لوظائف أُخرى تتطلب لنفسها الغلظة والخشونة لتنسجم مع المسؤوليات التي تقع على عاتقه.

حقوق المرأة وواجباتها في القرآن الكريم

من خلال النظر إلى الأُسرة الإسلامية يتبين أنه لا تقوم حياة الأسرة إلاّ بالتعاون، وحقيقة التعاون عبارة عن أن يكون كلّ واحد له حقّ وعليه واجب وهذا ما يعبّر عنه الذكر الحكيم


215


بكلمة بليغة جامعة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ10، فمسؤولية المرأة القيام بالحضانة وتربية الأطفال وليس هذا أمراً سهلاً، لا تقوم به إلاّ الأُمّ التي ينبض قلبها بالعطوفة والحنان.

وفي مقابل تلك الحقوق ثمّة حقوق للرجل لا بدّ له من القيام بما تحتاج إليه المرأة في حياتها الضرورية والكمالية، فيشير القرآن إلى تلك المسؤولية الكبيرة على عاتق المرأة بقوله:
﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ11.

كما يشير إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الرجل بقوله:
﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا12.

نظرة قي ميراث المرأة قي الإسلام

نزل القرآن الكريم وكانت المرأة محرومة من أبسط حقوقها حتّى ميراثها، بل كانت كالمال تورث للآخرين، وفي هذا الجو المفعم بإهدار حقوقها قال:
﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ


216


وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا13.

وبذلك كسر الإسلام هذا الطوق الذي أحاط بالمرأة وحال بينها وبين ميراثها فهي في ميراثها تارة تعادل الذكر وأُخرى تنقص عنه وثالثة تزيد عليه، حسب المصالح المذكورة في محلّها. وما اشتهر بأنّ ميراث المرأة ينقص عن ميراث الرجل دائماً فليس له مسحة من الحقّ بل تتراوح فريضتها بين التساوي والنقصان والزيادة كما هو واضح.

ففيما إذا كان المورّث هو الأب والأُمّ فللذكر مثل حظّ الأُنثيين، وفيما إذا كان المورث هو الولد فالأُمّ والأب متساويان يقول سبحانه:
﴿لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ14 وإذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فالابنة ترث النصف والزوج الربع، فترث الأُنثى ضعف ما يرثه الذكر، قال سبحانه: ﴿فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ


217


بِهَا أَوْ دَيْنٍ15. إلى غير ذلك من صور الفرائض التي شرحها الفقهاء.

نعم الاختلاف في الميراث تابع لملاكات خاصة يجمعها عنوان الأقربية، ومسؤولية الإنفاق، فالأقرب يمنع الأبعد، كما أنّ من يقع على عاتقه الإنفاق يرث أكثر من غيره.

الحريّة المالية

ومن حقوقها حريتها المالية، أي استقلالية كلّ من الرجل والمرأة في حقوقهما وأموالهما والاستمتاع بهما، قال سبحانه:
﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا16.


218


هوامش


1- البقرة: 228.

2- النحل: 58 ـ 59.

3- التكوير: 8 ـ 9.

4- الحجرات: 13.

5- النساء: 1.

6- الإسراء: 70.

7- النحل: 97.

8- المائدة: 32.

9- المائدة: 45.

10- البقرة: 228.

11- البقرة: 233.

12- البقرة: 233.

13- النساء: 7.

14- النساء: 11.

15- النساء: 12.

16- النساء: 32.