المحاضرة الثالثة: الإسلام وتقديم الصورة الأحسن

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ1.

الهدف:

بيان أن الإسلام يحثّ المسلم على تقديم الصورة الفُضْلَى في سلوكه.


179


المقدَّمة
المتأمّل في آيات الله يرى أنّ القرآن الكريم لم يكتفِ من المسلم بتقديم الصورة الحُسْنَى في أدائه وسلوكه وتصرّفاته وأخلاقه، بل أكّد على ضرورة تقديم الأحسن والأفضل دائماً، سيّما في حالات التعامل والتواصل مع الآخرين ليكون بذلك قدوةً لغيره من جهة، وليبقى المسلم في حالة تهذيب وتطوير وتَرَقٍّ مع نفسه، وقد أكّدت الكثير من الآيات على أنّ الله تعالى قدّم للإنسان الأحسن في كلّ ما أفاضه عليه.

محاور الموضوع

الأحسن صفة القرآن الكريم
يقدّم الله تعالى القرآن الكريم على أنه أفضل السبل إلى الله وأحسنها والسبيل الأقوم لهداية الخلق إلى التوحيد والعبادة .

قال تعالى:
﴿صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ2.


180


قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ3.

قال تعالى:
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ4.

قال تعالى:
﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا5.

الأحسن في أفعال الله

ويصف الله تعالى أفعاله في الخلق والتدبير والجزاء بأنها أحسن الأفعال لتشكّل حافزاً للإنسان لتقديم الفعل الأحسن في حياته.

1- خلقه للإنسان:
قال تعالى:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ6.


181


قال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ7.

2- خلقه لبقية الكائنات:
قال تعالى:
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ8.

3- الجزاء الإلهي يوم القيامة:
قال تعالى:
﴿وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ9.

قال تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ10.

دعوة الإنسان إلى أداء الأحسن

ويحثّ الله تعالى الإنسان على تقديم الأحسن في ساحة الموت والحياة التي جعلها الله محلّاً لابتلاءاته، فالمسلم إذا ما ابتلاه ربّه سعى ليقدّم أحسن ما عنده.


182


قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ11.

قال تعالى:
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا12.

قال تعالى:
﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا13.

علاقة الإنسان بالآخر

ومن أبرز مصاديق تقديم الفعل الأحسن هو العلاقة بالآخر بحيث يشكّل هذا الفعل قدوة للآخرين ونقطة جذب إلى الدين الحنيف، ومن المهم هنا لَفْتُ النظر إلى ضرورة مراعاة الأحسن في كافّة أبعاد الصورة المقدّمة.

قال تعالى:
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ14.


183


قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ15.

قال تعالى:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ16.

قال تعالى:
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ17.

قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ18.

قال تعالى:
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ19.

تفاوت الأحسن بتفاوت الأشخاص

والفعل الأحسن ليس واحداً من كافّة شرائح المجتمع، بل يختلف من شريحةٍ إلى أخرى بحسب المهمّة التي يؤدّيها أو


184


المنصب الذي يشغله، أو بكلمةٍ أصحّ فإنّ كلّ ما يأتي على الإنسان من صفات ونعوت ومناصب وغيرها إنما تشكّل ابتلاءات للإنسان ليرى الله تعالى ليس أداءَه الحسن فحسب بل فعله الأحسن الذي يجزيه الله تعالى في الآخرة بأحسن منه.

العدل حسن، ولكنْ في الأمراء أحسن، السخاء حسن، ولكنْ في الأغنياء أحسن، الورع حسن، ولكنْ في العلماء أحسن، الصبر حسن، ولكنْ في الفقراء أحسن، التوبة حسن، ولكنْ في الشباب أحسن، الحياء حسن، ولكنْ في النساء أحسن.


185


هوامش


1- النحل 125.

2- البقرة 138.

3- يوسف: 3.

4- الزمر: 23.

5- الفرقان: 33.

6- التين: 4

7- المؤمنون: 14.

8- السجدة: 7

9- التوبة: 121

10- النحل: 97.

11- هود: 7.

12- الكهف: 7.

13- الفرقان: 24.

14- العنكبوت: 46.

15- المؤمنون: 96.

16- فصلت: 34.

17- الزمر: 55.

18- فصلت: 33.

19- الأحقاف: 16.