المحاضرة الحادية عشرة: موقف الإسلام من العنف

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ1.

الهدف:

بيان أنّ الأصل في الدعوة الإسلامية إلى الله يقوم على الحكمة والرفق والموعظة الحسنة، ولا مكان للعنف في الدعوة إلى الله.


97


المقدَّمة
يُعتبر الإسلامُ نقيضَ العنف والقمع لأنه دين التسامح والرحمة والعفو، وهو الدين الذي ينبذ كافّة أشكال العنف والإكراه والقسوة في كافّة مجالات الحياة، وعلى ذلك سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام ومن قبلهم كافّة الأنبياء والرسل الذين دعوا الناس إلى الله، ومع ذلك نقرأ بعض الدراسات المسمومة التي حاولت تشويه صورة هذا الدين الحنيف وتقديم الإسلام على أنه دين القوّة والغلبة والسيطرة، ولا ننكر هنا أنّ بعض الممارسات الخاطئة التي قام بها المسلمون وما يزالون - والإسلام بريء منها - ساهمت في تقديم مادّة مناسبة لهؤلاء من أجل تحقيق مآربهم وتنفيذ مخطّطاتهم المكشوفة.

محاور الموضوع

تعريفا الإسلام والعنف

العنف في الاصطلاح هو استخدام القوّة والشدّة والقسوة استخداماً غير مشروعٍ، ومن آثاره إلحاق الأذى بالآخرين


98


جسديّاً أو نفسيّاً، بينما الإسلام أصله من السلام أي الصفاء من كلّ الأمراض الظاهرية والباطنية، ولذلك سُمِّيت الجنة دار السلام، قال تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ2، وقال تعالى: ﴿وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ3.

ومن أرجع أصل الإسلام إلى السلم في مقابل الحرب أو التسليم وهو أداء الطاعة سالمة من الأدغال فمردُّهما إلى معنى واحد.

وقال تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ4. حيث دلت هذه الآية على أنّ عدم الدخول في السلم اتباعٌ لخطوات الشيطان.

منهج الرفق في الإسلام

فالإسلام نبذ العنف والإكراه في دعوة الآخرين واعتمد أسلوب مخاطبة العقول بالحجج والبراهين ومخاطبة القلوب بالآيات والمواعظ، قال تعالى:
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ


99


وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ5.

وفي الحديث النبوي: "إنّ الله رفيق يحبُّ الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف..."6.

ويرسم الإسلام للنبيّ آلية استقطاب الناس وجذبهم واستيعابهم القائمة على مبدأ الرحمة بهم والعفو عنهم والدعاء والإستغفار لمذنبيهم، قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ7.

ثم إنّ الدعوة إلى الله لا بدّ أن تتلقّى ردود فعل من الناس سواء صدرت منهم عن علم أو عن جهل، فأمّا ما صدر عن علم فمآله إلى الحوار، قال تعالى:
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، وأمّا ما صدر عن جهل فقد اكتفى الإسلام بالردّ الجميل عليهم، قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ


100


يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا8.

وأما الكلام اللامسؤول واللغو والهزل فيقابله بالإعراض الإيجابي الذي لا يستفزّ الآخر، قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ9.

ويطرح الإسلام مجموعة من القيم ومكارم الأخلاق في إطار التعامل مع الآخرين، قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ10، فالمسلم يتحسّس آلام الآخرين في السرّاء والضرّاء، وإذا أُغضب كظم غيظه ولم يخرجه غضبه عن حدود الشرع، ويعفو عمّن أساء إليه، بل أكثر من ذلك فإنَّا نرى في الآية تشجيعاً على الإحسان لمّن أساء إليك.

وفي مقامٍ آخر يبين القرآن الكريم ضرورة التحلّي بهذه المناقب والفضائل الأخلاقية، ويربيه على تجاوز سيّئات


101


الآخرين وعدم التمسك حتى بما هو حقٌّ له حيث يقول تعالى: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ11.

ويبين القرآن الكريم محورية هذه الفضائل ومنشأها في النفس ببيان أنّ المهمّة الملقاة على عاتق النبي الأكرم هي مهمّة توعية وتذكير وليست مهمّة تسلّط وسيطرة، فلا إكراه في الدين ولا عنف في الدعوة، يقول تعالى:
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ12.

وفي السنّة الشريفة بعض الأحاديث التي من المفيد إدراجها هنا تعزيزاً للفكرة:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نزع عن شيء إلا شانه"13.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لو كان الرفق خُلقاً يُرى ما كان ممّا خلق الله شيء أحسن منه"14.


102


وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من عملٍ أبغض إلى الله من الإشراك بالله تعالى والعنف على عباده"15.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من أراد أن ينال ما عند الناس فعليه بالرفق، ومن كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس"16.

وعنه عليه السلام: "أن امرأة عُذّبت في هرّة ربطتها حتى ماتت عطشاً"17.


103


هوامش

1- التوبة: 128.

2- الأنعام: 127.

3- يونس: 25.

4- البقرة: 208.

5- النحل: 125.

6- كنز العمال.

7- آل عمران: 159.

8- الفرقان: 63.

9- القصص: 55.

10- آل عمران: 134.

11- الشورى: 40.

12- الغاشية: 21 - 22.

13- الوافي، الكاشاني، ج4، ص463.

14- شرح أصول الكافي، المازندراني، ج8، ص257.

15- مستدرك سفينة البحار، ج7، ص456.

16- الوافي، ج4، ص465.

17- ثواب الأعمال، الصدوق، ص678.