المحاضرة العاشرة: الجانب الإنساني في الجهاد

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ1.

الهدف:

إبراز الجوانب الإنسانية لفريضة الجهاد والتي من شأنها تصحيح المفهوم لدى المؤمنين وعموم الناس.


87


المقدَّمة
شُرِّع الجهاد في الإسلام للدفاع عن دولة الإسلام ومجتمع المؤمنين وحماية المقدّسات والأعراض، أو لردّ ظالم أو معتدٍ لتكون كلمة الله هي العليا، وبالتالي نَشْر السلام والوئام، وبناء المحبّة وإرساء المؤاخاة بين عموم الناس. وأمّا الجهاد الذي يقتل المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ وعموم الناس الآمنين ويدمّر ممتلكات الناس، وينهب ثرواتهم ويهدر كراماتهم فهذا ليس جهاداً وإنما هو عنف ووحشية لا تمتّ إلى الإسلام بصِلة.

لقد كانت سنّة المصطفى و سيرته صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى للتنفيذ. ففي الجانب الماديّ ارتفع الظلم وحلّ العدل، انتشرت الخيرات وعمّت الأرزاق. وفي الجانب المعنويّ بزغت شمس حضارة جديدة، ووجد علم يهدي ويرشد وسادت قيم عالية، وأخلاق فاضلة..لم يكن أهل تلك البلاد يحلمون بها!


88


أجل إنّ من أولويات هذه الأدبيات للقتال في الإسلام سموّ الهدف، فالمسلمون في قتالهم لا يخرجون بطراً واستكباراً واستعراضاً للقوى والعضلات كما هو حال المحاربين اليوم حين تضيق وسائل الإعلام بضجيجهم وألقاب ومسمّيات معاركهم، بل قيل للمسلمين وأدّبوا ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ2.

محاور الموضوع

والجهاد عبادة كبقية العبادات التي سنّ الله فيها جملة من الآداب والمستحبّات والأخلاقيّات سيّما وأنّ هذه العبادة من أهمّ مظاهر التعامل مع الآخر وأبرز وجوه تقديم الإسلام له، وهي من العوامل التي تؤدّي إلى النصر عند التزامه،ا فقد يقوم المجاهدون بتصرّفات طائشة وغير مسؤولة تضيع إنجازات النصر والغلبة


89


ومن جملة آداب وأخلاقيّات الجهاد في سبيل اللَّه تعالى التي يجب التقيد بها ولا يحلّ الخروج عليها:

‏1- ذكر الله تعالى:
يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ3.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"4.

2- تحريم الأعمال غير الخلقية:
ويكمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوصيته: "لا تغلوا ولا تمثلّوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلّا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبى فأبلغوه مأمنه، ثم استعينوا بالله عليه"5.


90


وفي خبرٍ آخر: "لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلّوا، ولا تقتلوا وليداً، ولا مبتلا في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً، لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه، إلا ما لا بد لكم من أكله"6.

ومن جملة ما يُستفاد من هاتين الروايتين:

أ- عدم التعدي على المدنيين: وذلك مستفاد من قوله عليه السلام "ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة"7، قال تعالى:
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ8.أي أنّ القتال في الإسلام يقتصر على المقاتلين فقط، وقتال غيرهم من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة هو صورة من صور الاعتداء.

ب- حرمة الغلول أو الخيانة:
شدّد الإسلام على النهي عن الغُلول، وهو اغتصاب شيء من الغنائم،


91


فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ9.

فالغُلُول نوع من السرقة والتعدّي والطمع، لذا يحرم على المجاهد أن يمدّ يديه إلى ما لا يحل له، وعليه أن يترفع عمّا لا يليق به، ولا يضيع أجره وثوابه بحطامٍ فانٍ.

ج- عدم الإضرار بالأملاك الخاصّة:
"لا تحرقوا النَّخلَ، ولا تُغرِقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرةً مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً"10.

3- حرمة أموالهم وممتلكاتهم:
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم، إلاَّ ما وجدتم في عسكرهم"11.‏

4- الوفاء بالعهود والمواثيق:
لقد شدَّد الإسلام على وجوب الصدق والمحافظة عليه وهو أن يكون الإنسان أميناً مع قيادته ونفسه وأمته وأميناً على كل عهد وميثاق يلتزمه، فلا يحلُّ للجندي الغدر والخيانة. قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ


92


آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ12. وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ13.

5- عدم التباهي على الآخرين:
قال تعالى:
﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ14.

6- اختيار القادة الأكفاء:
قال أميرُ المؤمنين عليه السلام في كتابه لمالك الأشتر: "فولِّ من جنودك، أنصحَهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقَاهم جيباً، وأفضلَهم حِلماً، مِمَّنْ يُبْطى‏ء عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبو على الأقوياء، ومِمَّنْ لا يُثيره العنف، ولا يقعد به الضَّعف15.‏

7ـ عدمُ المُثْلَةِ بالقتلى، أو هَتْكِ أستارهم :
‏يقول أمير المؤمنين عليه السلام:‏ "ولا تُمثِّلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال قومٍ فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً"16.


93


8- عدم التعرُّض للنساء ولو كنّ وقحات معكم: رُوي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:‏ "ولا تُهيِّجوا امرأةً بأذى، وإنْ شَتَمْنَ أعراضكم، وسبَبْن أمراءكم وصلحاءكم، فإنَّهنَّ ناقصاتُ القوى والأنفس والعقول"17.

9- مؤازرةُ الإخوان بعضهم بعضاً في ساحة المعركة:‏
المؤمن قويٌّ بإخوانه، ومَثَلُهم كَمَثَلِ البنيان المرصوص، فأيُّ مصابٍ لإخواننا، مُصابٌ لنا، وفَرَجُهم فرجٌ علينا.‏

وفي نصٍّ آخر "وإذا رأيتم من إخوانكم المجروح ومَنْ قد نُكِّل به أو مَنْ قد طَمِع فيه عدوُّكم، فقوُّوه بأنفسكم"18.‏

10- تركُ التشبِّه بأعداء الإسلام:‏
يُلاحَظ أحياناً أنَّ البعض يهوى التشبُّه بأعداء الدين في حمله للسلاح، وتصرُّفاته، ونزقه فقد رُوي عن مولانا الباقر عليه السلام: "أوحى الله إلى نبيّ من الأنبياء، أنْ قُلْ لقومك، لا تلبَسوا لباسَ أعدائي، ولا تطعَموا أعدائي، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي"19.


94


‏11- عدم الخيانة: قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ20.

والمراد من الآية أنه إن خفت من قوم أن ينقضوا عهداً بينك وبينهم.. فانبذ إليهم على سواء أي أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم وهم حرب لك، وإنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي تستوي أنت وهم في ذلك.

12- حسن التعامل مع الأسير:
فالأسير في حروب المسلين لا يؤذى ولا يُهان بل يُعامل معاملةً حسنة احتراماً للجانب الإنساني له، وقد وعدهم الله بالخير إن تابوا وأصلحوا، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ21.


76


هوامش

1- سورة البقرة, 218.

2- الأنفال: 47.

3- الأنفال: 45-46.

4- الكافي، ج5، ص 27.

5- الكافي، ج5، ص 27.

6- المصدر نفسه، ج5، ص 27.

7- م.ن، ج5، ص 27.

8- البقرة: 190.

9- آل عمران: 161.

10- الكافي، ج5، ص 27.

11- الكافي، ج5، ص 8.

12- المائدة: 1.

13- النحل: 91.

14- سورة العنكبوت: 6.

15- نهج البلاغة، ج3، ص 91.

16- الكافي، ج5، ص 39.

17- المصدر نفسه، ج5، ص 8.

18- م.ن، ج5، ص 42.

19- ميزان الحكمة، ج2، ص 1408.

20- الأنفال: 58

21- سورة البقرة: 218