المحاضرة الأوّلى‏: الإنسان في القرآن

تصدير الموضوع:

قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً1.


الهدف:

استعراض بعض الجوانب الكمالية التي اختصَّ الله بها الإنسان كما ورد في القرآن الكريم.


13


المقدمة
من الطبيعي أن نفهم تفضيل الله للإنسان بأن أوكل إليه أمراً يعجز عنه كلّ من عداه، وإلا لأضحى هذا التفضيل تفضيلاً لغوياً لا هدف منه، وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، فالتكريم والتفضيل الإلهي إنما هو لطبيعة الدور الذي أوكله إليه وطبيعة المهمة التي أسندها إليه والتي يعجز عنها سائر الموجودات والكائنات، وهذا شأن الله مع عباده فكلما أفاض عليهم وقرّبهم كلما اتسعت دائرة المسؤولية والتكليف، ولذلك نرى أنّ أشدّ الناس حملاً لأمانة السماء هم أقرب الخلق إلى الله، أي الرسل والأنبياء والأولياء.


محاور الموضوع

لا ريب أنّ الإنسان أشرف المخلوقات وأكملها على الإطلاق بما أودعه الله تعالى من قوىً لم يعطها لغيره، وأفاض عليه من الكمالات والمقامات ما لا يمكن لسواه أن يبلغها فهو:

1- المخلوق المكرّم:
قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ


14


عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً2، فقد كرّم الله الإنسان أحسن تكريم، بما أودع فيه من قوى وصوّره فأحسن صوره، قال تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ3 ونفخ فيه من روحه، وأفاض عليه من الكمالات الإلهية ما جعله مؤهلّاً ليكون خليفةً له في أرضه.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما شيء أكرم على الله من ابن آدم، قيل: يا رسول الله! ولا الملائكة؟! قال: الملائكة مجبورون، بمنزلة الشمس والقمر"4.

عن الإمام الصادق عليه السلام في شرح ما يوجب تفضيل الإنسان على الملائكة - وقد سأله عبد الله بن سنان: "الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ -: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إنّ الله عزَّ وجلَّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرٌّ من البهائم"5.


15


2- خلقه الله في أحسن تقويم: قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ6، فقد خلقه بيده، وفي التفسير إنّ أحسنَ التقويم يشمل الجهة المادية التي لها علاقة بالشكل ومختلف القوى الظاهرية والجهة المعنوية التي لها علاقة بالروح والعقل وقواه الباطنية.

3- جعله خليفته في الأرض:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ7.

وهذه الخلافة تجعله محور الوجود في الكون بعد الله تعالى وله سلطته وسيطرته على كافّة الكائنات والموجودات.

4- أقرب الخلق إلى الله:
فالله تعهّده بالرعاية والعطف، يجيبه إذا ناجاه ويلبيه إذا دعاه ويعضده إذا ضعفت حيلته، قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ8.


16


5- ليس بينه وبين الله حجاب: قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ9.

وقال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ10.

وفي الحديث القدسي: قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ: "إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"11.

6- أسجَدَ له ملائكته:
قال تعالى:
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ12. فقد أمر ملائكته بالسجود له، وهذا الأمر لا يستبطن الإحترام والتقدير فحسب بل يتعداه إلى فارق كبير يرتبط بالخضوع له، فرغم أنّ الملائكة يعيشون في عالمٍ أرقى من العالم المادي الذي يعيش فيه الإنسان، وقد يتوهّم البعض أنّ


17


ذلك يجعلهم في مقامٍ أقرب، إلّا أننا نرى أنّ الله أمرهم بالخضوع الكامل للإنسان وأخرج من جنته ورحمته من اعترض على هذا الأمر الإلهي ناعتاً إياه بأنه مذموم ورجيم.

7- سخّر الكائنات له:
لقد سخّر الله له كلّ ما في هذا العالم من ليله ونهاره وشمسه وقمره وبرّه وبحره ونباتاته وجماده وحيوانه وما يدركه البشر وما لا يدركون لصلاح أمره وتمكينه في دوره.


قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ13.

قال تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ14.

وقال تعالى:
﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ15.


18


8- أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة: قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً16.

9- فضّله على سائر الخلق: قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً17.

وقال تعالى:
﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ18.

10- تهيئته لحمل الأمانة:
قال تعالى:
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا19.


19


11- إكرامه بالعلم: قال تعالى: ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ20.

12- إكرامه بالإرادة:
قال تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا21.

13- أعطاه حرية الاختيار:
قال تعالى:
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا22.

وقال تعالى:
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا23.
 


20


هوامش

1- البقرة:30.

2- الاسراء 70.

3- غافر 64.

4- ميزان الحكمة، ج1، ص 222.

5- المصدر نفسه، ج1، ص 222.

6- التين 4.

7- البقرة 30.

8- البقرة 186.

9- البقرة 115

10- المجادلة 7.

11- كنز العمال، ج1، 236.

12- الحجر 29.

13- لقمان 20.

14- الجاثية 12.

15- الجاثية13.

16- لقمان 20.

17- الاسراء 70.

18- ابراهيم 32 ـ 34.

19- الاحزاب 72.

20- العلق 5.

21- الشمس 7 ـ 10.

22- الكهف 29.

23- الانسان 3.