الإمام الباقر عليه السلام : الزعامة العلمية والجهادية

المناسبة: شهادة الإمام الباقر عليه السلام

التاريخ: 7 ذو الحجة سنة 114 هـ


إن مساحة العمر الجهادي للإمام الباقر عليه السلام كانت غنية بالمواقف الحاسمة والأعمال التي أسست للسياسة المبدئية الناهضة لأهل البيت عليه السلام بعد نهضة كربلاء وفي مواجهة السلطة الجائرة سواء كانت أموية أم عباسية.

الامام في كربلاء:

عاش الامام الباقر عليه السلام مع جده الحسين عليه السلام حوالي أربع سنوات، وقد جمع بين وعيه الخاص الذي هو وعي الإمامة، لواقعة الطف وشهادة الآل والأصحاب، وبين الحضور المباشر في الواقعة، وهذا يعني أيضاً أنه قد واكب مراحل تسلط


224


الأمويين السفيانيين ثم المروانيين بعد معاوية بن أبي سفيان على الأمة الإسلامية وشؤونها.

لقد كان الإمام عليه السلام يدرك أن المواجهة طويلة وقلقة في مقابل السلطة الأموية ولتثبيت أقدام الولاية لأهل البيت عليه السلام في الأمة، لأن الأمر لا يتعلق بسلطة بقدر ما يتعلق بنهج وأصالة في الهوية الدينية والمستقبل.

بنو مروان بين البطش والخلاعة:

ولتوضيح صورة العصر الذي عاشه الإمام عليه السلام نشير الى أن مدة إمامته المباركة دامت حوالي 18 سنة، عاصر خلالها خمسة من ملوك بني مروان الذين انتقلت إليهم السلطة بعد إنهيار البيت السفياني، وكلا البيتين من أمية، وهم على التوالي بإيجاز:

الوليد بن عبد الملك بن مروان (ت – 96هـ) الذي عرف بالطغيان والإستبداد.

سليمان بن عبد الملك بن مروان (ت 99هـ)الذي كان يرتع في الشهوات.

عمر بن عبد العزيز بن مروان (ت- 101هـ) الذي عرف


225


 بسياسته الزكية في قبال حماقات آبائه اتجاه أهل البيت عليه السلام وعموم الأمة وحرمات الدين حتى اختلف في أمره المؤرخون بين قادح ومادح.

يزيد بن عبد الملك بن مروان (ت- 105هـ) وكان خليعاً ماجناً يهتك حرمات الدين.

هشام بن عبد الملك بن مروان (ت- 124هـ) وقد عرف بالظلم الشديد وكانت شهادة الإمام الباقر عليه السلام في عهده سنة 114هـ.

واقع الأمة:

تتألف الأمة بشكل أساسي من شريحتين هما:

العلماء وعامة الناس، ونقصد بالعلماء كل من يدعي علماً ومعرفة يجعله متقدماً على غيره وفي مقام المسؤولية أكثر، وإذا كانت تلك حال الحكام فما هي حال هؤلاء؟

إن الوضع العام في الأمة لم يكن مريحاً على الاطلاق، فموجات الشك والحيرة كانت تأخذ الناس يمنة ويسرة وسياسةالتجهيل المتعمدة التي اتبعتها السلطة الأموية أفقدت الكثيرين الإتزان.


226


والناس تحتاج الى إعداد وتربية طويلة الأمد لتنتقل الى طور القدرة على النهوض وإزالة الجور والفساد وإقامة العدل.

وأما العلماء فكثير منهم في خدمة السلطان ويرتزق من عطاياه ويشتهر بدعاياته ومناصبه أما المخلصون لدينهم الناطقون بالحق فكانوا فئة مضطهدة وملاحقة ومحاصرة يمنع السلطان الناس عنها خوفاً من أثرها.

المواجهة الشاملة:

أمام هذا الواقع المرير لم يكن يجدي الجهد الذي يبذل في اتجاه واحد، أو فتح معركة هنا وأخرى هناك، بل وجد الإمام عليه السلام في حسابات الواقع والأهداف المأمولة أن المطلوب هو خوض مواجهة شاملة على الصعد السياسية والثقافية والإجتماعية والتربوية والروحية وغيرها...بل ولم يكن الإمام يستبعد المواجهة العسكرية والأمنية إذا توفرت شروطها المناسبة.

دور الإعلام والدعاية:

وهناك حقيقة ثابتة في كل التجارب أن الناس تتأثر بقوة الدعاية والاعلام الموجّه وهو ما كانت تسعى السلطة الأموية


227


إستغلاله تقوية لمواقعها وإضعافاً لخصومها، وكان الإمام عليه السلام يدرك ذلك ايضاً ويسعى لجعله قوة لمشروع النهوض المشروط بالوعي والاحساس بضرورة التغيير، ولم يغفل هذا العامل حتى لما بعد شهادته، فقد أوصى كما ينقل عنه ولده الإمام الصادق عليه السلام حيث قال:" قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا النوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى"1، ولهذا الأمر دلالاته الهامة لا يسع المجال لتوضيحها، لكنه في الحد الأدنى يعلن ظلامة له في عنق بني أمية يسمعها للمسلمين أيام الحج وفي المنزل الذي ينزل فيه كل الحجيج وهو وادي منى.

خوف الطاغوت:

ولم يكن مستهجناً للمتتِّبع أن يجد السلطة الأموية طائفة مذعورة أمام الحضور القوي للإمام الباقر عليه السلام وعلمه الغزير وحجته القاطعة وجرأته الموجعة وسعيه الدؤوب لاستنهاض المسلمين وتشجيعهم على الإصلاح ومواجهة الظلم والفساد.
وأكثر ما أثار خوفهم حديث الإمام عليه السلام من انقطاع ملك


228


 بني أمية وزواله الحتمي والأكيد وانتشار ذلك بين الناس.

ولذلك كان هناك سعي دائم من الإمام عليه السلام للإتصال بالناس، وخوف كبير لدى السلطة من ذلك ومحاولتها عزل الإمام عن الأمة حتى في حالات السفر والترحال.فحينما خرج من الشام عائداً الى المدينة واجه الإمام عليه السلام حصاراً رسمياً بإعلان القطيعة معه من الناس.

عجز السلطة:

إن كل بطش السلطان لم يكن ليخيف الإمام عليه السلام أو يثنيه عن المواجهة حتى لو كانت في عقر داره، لا لإظهار قوة الحق وشجاعة أهله فقط بل ليظن أيضاً عجز الباطل مهما كان قوياً أمام عيون الأمة، وقد استدعاه هشام بن عبد الملك الى الشام وأوعز الى من حوله أن يوبخوا الإمام بمجرد دخوله، ودخل الإمام غير عابئ بهم وسلم دون تخصيص وجلس بلا استئذان مما أغضب هشاماً فراح يوبخه وهو ساكت الى أن انتهوا، فنهض قائماً وقال عليه السلام: " أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم؟ بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكاً مؤجلاً، وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة


229


يقول الله عزَّ وجلَّ ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ2،فأمر هشام به الى الحبس.

وقد آلى الأمر أن يتخلص الأمويون من الامام بدس السم إليه ليرحل إلى الله تعالى مكلَّلاً بالشهادة.


230


هوامش

1- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 46 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 220
2- الشيخ الكليني – الكافي – ج 1 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 471