حسن العاقبة

المناسبة: عيد الفطر السعيد

التاريخ: 1 شوال


ها قد مضى شهر رمضان المبارك، انقضت أيامه وتصرَّمت (انقطعت) لياليه، وجاء عيد الفطر ليكون يوم الجوائز لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، لكن جوائز الفطر معلّقة على أمر هام وهو المحافظة عليها، فكم من طاعات كثيرة يحرقها حرام، وكم من حسنات كبيرة يبدلها إثم، ولذا كان أفضل الأعمال في شهر رمضان هو الورع عن محارم الله تعالى.

الحفاظ على العمل:

فالفوز الحقيقي في زرع شهر رمضان ليس في يوم الجائزة بل في يوم الحصاد، فاليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا


195


عمل، وهذا يعني أن زرع الطاعات والمحافظة عليها لا بد أن يستمر حتى تُختم حياة الإنسان في هذه الدنيا، فشهر رمضان هو مدرسة في تعبئة الروح وتزيينها بحلى الإيمان ليستمر المؤمن بعده مستفيداً منه فيتابع القرآن قراءةً وتدبراً والصلاة نافلةً وتطوعاً والقيام في أسحار الأنس مع الله وغيرها مما أحبّه الله في الشهر المبارك ويحبه بعده..كل ذلك مع الدعاء والتضرع إلى الله أن يثبته على الإيمان والإخلاص له حتى يُختم له بخير.

شواهد سوء العاقبة:

1-
فلا يكون كإبليس الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: " فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذا أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يدري أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل بمعصيته"1.

2-
وها هو الزبير بن العوام الذي كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وابن عمة صفية وهو ممن شهد بدراً واحداً والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة والطائف وفتح مصر، وهو


196


الذي وقف مع بني هاشم في بيت فاطمة عليه السلام واقفاً إلى جانب الإمام علي عليه السلام يوم السقيفة وهو ممّن حضر الجنازة المطهرة لبضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي وهب حقّه -المزعوم- من الأصحاب الستة يوم الشورى لأمير المؤمنين علي عليه السلام.لكنه في النهاية خرج على أمير المؤمنين عليه السلام محرضاً على قتاله، فهو مسؤول أساسي عن حرب الجمل ويتحمّل دم قتلاها وشهدائها وما حصل بعدها.

كيف يختم لنا بخير؟ إنه سؤال يسأله كل مجاهد في معركة الجهاد الأكبر، الذي كان أكبر لاستمرار الجهاد فيه إلى حين انتقال الإنسان إلى عالمه الأخروي.وجواب السؤال من أهل البيت الأطهار عليه السلام يعلموننا خطى النجاة بحسن العاقبة.

1- الدعاء:


فعلى قائمة الأعمال لنيل كرامة الختم بسعادة: الإستمرار بالتضرع لله تعالى بالثبات على الإيمان والطاعة وأن نردد دائماً قوله تعالى:
﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا..2،وما ورد من أدعية أهل البيت عليه السلام: " وأحسن لي العاقبة حتى لا


197


تضرني الذنوب".والدعاء بالثبات على الإيمان بشروطه يعتبر أساسياً في حسن العاقبة، والتخلي عن هذا الدعاء يعني قطع الرابطة بين الإنسان وربه ودعوى الاستقلال عنه تعالى وهذا ما يؤدي إلى سوء العاقبة كما حصل مع أحمد بن هلال الذي كان من الصلحاء وقد حج أربعة وخمسين حجة عشرين منها على قدميه، وقد كان ابن هلال من رواة الشيعة في العراق التي تفاجأ شيعتها بكتاب للإمام الحسن لعسكري عليه السلام يقول فيه: " احذروا الصوفي المتصنّع" وحينما كرّر أهل العراق السؤال من الإمام عليه السلام عن ذلك قال لهم: " لا شكر الله قدره لم يدع المرء ربه بأن لا يزيغ قلبه بعد إذ هداه وأن يجعل ما منّ به عليه مستقراً"3.

2- إرشادات الإمام الصادق عليه السلام:


وأفاض أهل بيت العصمة عليه السلام في ذكر أعمال تفيد في حسن العاقبة نقتصر منها الحديث منها على ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام حين كتب: " إن أردت أن يُختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل الأعمال فــعظِّم لله حقه أن تبذل


198


 نعماءه في معاصيه،وأن تغترّ بحلمه عنك، وأكرم كل من وجدته يذكرنا أو ينتحل مودتنا، ثم ليس عليك صادقاً كان أو كاذباً،إنما لك نيتك وعليه كذبه"4.


199


هوامش

1- خطب الامام علي عليه السلام – نهج البلاغة – ج 2 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 138
2- آل عمران:8
3- الأمين – السيد محسن – أعيان الشيعة – ج 3 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 201
4- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 70 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 351