نافذ البصيرة

المناسبة: ولادة أبو الفضل العباس عليه السلام

التاريخ: 4 شعبان


قدَّم أبو الفضل العباس عليه السلام نموذجاً راقياً في الجهاد والإيثار وخصائل أخرى أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام في زيارته لعمه العباس عليه السلام قائلاً:
" سلام الله وسلام ملائكته المقرَّبين وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين...أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والتضحية لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب..."1.


133


الخصال الأربع:

وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام بهذه الزيارة إلى خصال أربع في فضائل أبي الفضل العباس عليه السلام مع ولي أمره عليه السلام نلقي بعض الضوء عليها مستلهمين منها دروساً في التولِّي:

1- التسليم:
وهو عنصر أساس في تكوين شخصية المسلم الذي يسلِّم أمره لله ويتعبِّد بأوامره ونواهيه دون اعتراض كما رسم النموذَج الراقي في ذلك خليلُ الله إبراهيم عليه السلام الذي مضى في ذبح ولده إلى مشارفِ النهاية مسلِّماً في ذلك أمرَه لله تعالى فاستحق ان يكون من أطلق تسمية المسلمين على عباد الله الصالحين، يقول تعالى:
﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ2،وأوضح الله تعالى في كتابه أنّ التسليم لله لا يتحقّق بدون التسليم لولي الأمر، بل لا يتمّ الإيمان حتى يتمّ التسليم له فيقول تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا3 من هنا كان القيمة في تسليم أبي الفضل


134


العباس لأخيه الإمام الحسين عليه السلام.

2- التصديق:
والتسليم تارة يكون من دون قناعة بصوابية العمل وتصديق به وتارة تكون عن بصيرة وقناعة به والتسليم الثاني هو الأرقى والأكمل لذلك كان المدح الكبير لأبى الفضل العباس عليه السلام في زيارته لاسيَّما حينما قال الإمام الصادق عليه السلام فيها: " أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين متبعاً للنبيّين"4.

وقال عليه السلام عنه: " كان عمّي العباس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان"5، فنفوذ البصيرة هو الذي يؤدي إلى صلابة الإيمان والتسليم لولي الأمر عن وعي وتصديق.

3- الوفاء:
والوفاء كما يكون بعهدٍ يلتزمه الإنسان يكون بأداء الحقوق وأداء حق ولي الأمر بنصرته والجهاد بين يديه من أعظم الوفاء وهذا ما تجلى بأبي الفضل عليه السلام في كربلاء كما يصفه أبن أخيه الإمام السجّاد عليه السلام: " رحم الله عمي العباس بن علي فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه".


135


4- التضحية: فقد ضحى عليه السلام فادياً أخاه واقياً له حتى وصل إلى منزلة قال عنها الإمام زين العابدين عليه السلام: " رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"6.

وأراد إمام الأمّة الراحل قدس سره أن يلفتنا في ذكرى ولادة أبي الفضل العباس عليه السلام إلى المقاومين الجرحى فأطلق على هذا اليوم يوم الجريح، جزاهم الله تعالى عن الأمّة خير جزاء المحسنين.


136


هوامش

1- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 98 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام– ص 217
2- الحج : 78
3- النساء:65.
4- العلامة المجلسي – بحار الانوار – ج 98 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 218
5- الشاكري – الحاج حسين – شهداء اهل البيت عليهم السلام قمر بني هاشم – مكتبة اهل البيت عليهم السلام- ص 31
6- الحائري – جعفر عباس – بلاغة الامام علي بن الحسين عليه السلام – مكتبة اهل البيت عليهم السلام ص 235