الحسين عليه السلام في بيت علي عليه السلام

المناسبة: ولادة الإمام الحسين عليه السلام

التاريخ: 3 شعبان


من الثابت أن للوراثة دوراً مهماً في تكوين شخصية الانسان، وقد توافقت النصوص الدينية مع الإكتشافات العلمية الحديثة في هذا المجال، فقد ورد في الحديث المعروف " العرق دسَّاس" وجاء هذا المضمون على لسان علماء الوراثة كمندل الذي قال:" إن كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغيّر من أحد الأصلين أو منهما الى الفرع"1.

قبل الولادة:

وفي بيت الإمام علي عليه السلام ثلاثة نماذج لعب العِرق فيها دوراً بارزاً:


124


النموذج الأول: محمد بن الحنفية الذي ورد أن أباه أمير المؤمنين عليه السلام طلب منه يوم الجمل أن يحمل على القوم، فتوقف قليلاً، ثم كرَّر عليه أبوه الإمام عليه السلام قائلاً له:" أحمل"،فأجابه يا أمير المؤمنين، أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر ؟!! فدفعه الإمام في صدره وقال له:" أدركك عرقٌ من أمك"2.

النموذج الثاني:

أبو الفضل العباس وأخوته الذين أراد لهم أبوهم الإمام علي عليه السلام أن يكونوا من أنصار أخيهم الحسين عليه السلام في كربلاء، فسأل عن امرأة تنتسب الى بيت شجاعة وإقدام ليجدها في أمهم أم البنين.

النموذج الثالث:

الحسن والحسين عليه السلام اللذان جمعا كمال الوراثة.

الحسين عليه السلام المولود:

وفي شهر شعبان ولد الإمام الحسين عليه السلام، وكان يوم


125


الفرح الأكبر لولا دمعةٌ انسكبت من عين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي احتضن سبطه الحسين وأخذ يبكي، قالت له أسماء: فداك أبي وأمي ممَّ بكاؤك ؟!! فأجابها صلوات الله عليه وآله:" من إبني هذا ! تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي "3.

واحتضن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسيناً ليسمعه من فمه المبارك أول كلمة في الحياة الدنيا.

إذ أدنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمه الطاهر ناحية أذن الحسين اليمنى، وقال: " الله أكبر، الله أكبر" فأذَّن فيها ثم أقام في أذنه اليسرى 4،فكانت كلمة " الله" أول كلمة دخلت أذن الحسين عليه السلام، وقد ورد في الخبر أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم 5.

تسمية الحسين عليه السلام:

واختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسبطه اسم الحسين عليه السلام، وقال المؤرّخون: لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذا الأسم، وإنما سمَّاه النبي به بوحي من السماء6.


126


الحسين عليه السلام في سورة الدهر:

وترعرع الحسين عليه السلام في البيئة الطاهرة تحت رعاية الأنوار الثلاثة الأولى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام وفاطمة عليه السلام، وشاء الله تعالى أن يُعرِّف الناس كرامته حينما بشَّره بالجنة وهو طفل صغير، وذلك حين مرض الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام فنذر أبوهما علي وأمهما فاطمة إن عافاهما الله أن يصوما ثلاثة أيام، وكذا فعل الحسن والحسين عليه السلام مع صغر سنهما، واقتدت بهم خادمتهم فضة.

وحينما برئا، أصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق علي عليه السلام إلى يهودي وأخذ منه جزة من الصوف على أن تغزلها السيدة الزهراء عليها السلام مقابل ثلاثة أصواع من الشعير، فغزلت عليه السلام ثلث الصوف ثم طحنت صاعاً من الشعير وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا مسكين على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده وأعطى قرصه للمسكين، وكذا فعلت فاطمة عليه السلام


127


وكذا فعل الحسنان عليه السلام، فباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً، ولم يذوقوا إلاَّ الماء، وفي اليوم الثاني غزلت السيدة فاطمة عليه السلام ثلث الصوف الآخر وطحنت صاعاً من الشعير وعجنته وخبزته خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا يتيم على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فدفع جميعهم الطعام الى هذا اليتيم وباتوا جياعاً وقاموا صياماً، وتكرَّر المشهد في اليوم الثالث حينما وقف على الباب اسيرٌ من أسرى المشركين يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا، ففعلوا كما فعلوا بالأمس وقبله، وباتوا جياعاً واستيقظوا ليأتي إليهم نبيُّ الإسلام بالبشرى الكبرى وهو قوله تعالى:﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا 7.


128


الحسين عليه السلام في آية المباهلة:

وأراد الله تعالى أن يعرِّف الناس كرامة الحسين عليه السلام وهو صغير حينما جاء وفدٌ من نصارى نجران ليناظروا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد حديث بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتفقوا على الابتهال أمام الله ليجعل تعالى لعنته على الكاذبين وعيَّنوا لذلك وقتاً محدداً...وفي ذلك الوقت خرج السيد النصراني والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ومعهم نصارى نجران، واحتشدت الجماهير لتنظر وفد المسلمين فإذا بهم يرون نبي الإسلام قد أقبل وهو يحتضن الحسين عليه السلام، ويمسك بيده الأخرى الحسن عليه السلام وخلفه الإمام علي عليه السلام والسيدة الزهراء عليها السلام وهو يقول لوفد النصارى: " أباهلكم بخير أهل الأرض، وأكرمهم إلى الله".

فرجعوا إلى زعيمهم الأسقف يستشيرونه في الأمر، فقال لهم: " أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحدٌ أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله".

فأسرعوا إلى النبي قائلين: " يا أبا القاسم، أقِلنا أقال الله


129


عثرتك"8.

ووثَّق القرآن هذه الحادثة العظيمة بقول الله تعالى:
﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ9.

الحسين عليه السلام تحت كساء العصمة:

واستمرت العناية الربَّانية بالحسين عليه السلام الطفل حينما قدمت أمه الزهراء فاطمة عليه السلام إلى أبيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم: " أدعي زوجك وأبنيك" فجاءت بهما ليجلّلهم بكساء ويقول: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً "10.

ويتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية العصمة التي أخبرت عن عصمة الحسين وأبيه وأمه وأخيه:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا11.


130


الحسين عليه السلام في صباه وأسلوب الدعوة:

ومضت الأيام ليظهر الحسين عليه السلام على مسرح الحياة وهو صبي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فقد رُوي أن الحسن والحسين عليه السلام رأيا أعرابياً يتوضأ بشكل خاطئ، فتقدما وطلبا منه أن يشرف على وضوئيهما ليعرفا أي الوضوءين أحسن ! فقال الحسين عليه السلام للأعرابي: " أيّنا يحسن الوضوء ؟ فأجاب الأعرابي: كلاكما تحسنانه، روحي لكما الفداء، ولكن أنا الذي لا أحسنه "12.

من أخلاق الحسين عليه السلام:


وكبر الحسين عليه السلام ليتجلَّى فيه خُلُق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأدب علي عليه السلام وجلال فاطمة عليه السلام، فكان العابد الذي يقضي أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، حتى قال عنه إبن الزبير: " أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه كثيراً في النهار صومه"13.

وكان الحليم عند القدرة، فقد ورد أن بعض مواليه جنى جناية توجب التأديب فأمر الحسين عليه السلام بتأديبه.


131


فانبرى العبد قائلاً:

يا مولاي: إن الله تعالى يقول:" الكاظمين الغيظ".

فقال الحسين عليه السلام: " خلّو عنه، فقد كظمت غيظي".

فسارع العبد قائلاً: " والعافين عن الناس".

فأجابه الحسين عليه السلام: " قد عفوت عنك".

فطلب العبد المزيد بقوله:" والله يحب المحسنين".

فإذا بالحسين عليه السلام يفصح عن أخلاقه النبوية بقوله: " أنت حرٌّ لوجه الله".

ثم أمر بجائزة سنيَّة تغنيه عن الحاجة ومسألة الناس14.

هذا هو الحسين عليه السلام وهذه هي أخلاق الحسين عليه السلام فلنتخذ منه القدوة، ومن أخلاقه قبس الإهتداء.


132


هوامش

1- القرشي- حياة الامام الحسين عليه السلام – منشورات دار الكتب العلمية- قم –ج1 – ص 43.
2- أنظر الأمين – أعيان الشيعة- منشورات دار التعارف – بيروت- ج 1 – ص 457.
3- أنظر: القرشي- حياة الإمام الحسين- منشورات دار الكتب العلمية- قم – ج 1 ص 27.
4- المصدر السابق – ص 30.
5- أنظر: الطفل نشوؤه وتربيته- اعداد ونشر مؤسسة البعثة – قم – ص 65.
6- القرشي – حياة الإمام الحسين – ص 30.
7- أنظر: المشهدي- تفسير كنز الدقائق – ج11 – ص 116 – 118، سورة الإنسان
8- أنظر: القرشي – حياة الحسين – ص 70 – 72.
9- آل عمران: 60 .
10- الفيروز آبادي – فضائل الخمسة- ج 1- ص 271.
11-الأحزاب: 32.
12- التستري- الخصائص الحسينية – ص 171.
13- القرشي- حياة الحسين- ج 1 – ص 133./
14- القرشي – حياة الإمام الحسين عليه السلام – ج 1- ص124.