الإمام الصادق عليه السلام: معالم الهوية الشيعية

المناسبة: ولادة الإمام الصادق عليه السلام

التاريخ: 17 ربيع الأول سنة 83 هـ


تميز عصر الإمام الصادق عليه السلام بانشغال الحكّام الظالمين عنه في الفترة التي أتاحت له إبراز معالم الإسلام المحمديّ الأصيل بتفاصيل أصوله وفروعه، وذلك في زمن أحتضار الدولة الأمويّة وبداية تكوُّن الدولة العبّاسيّة علم الامام.

بلغ تلامذة الامام أربعة آلاف تلميذ بينهم بعض أئمة المذاهب الإسلاميّة، حتى ورد أنّ أحدهم دخل مسجد الكوفة في تلك الفترة فشاهد في مسجدها تسعمائة شيخ كلّ منهم يقول حدّثني جعفر بن محمّد عليه السلام، بل وصلت غزارة الإنتاج الفكريّ للإمام الصادق عليه السلام إلى حدِّ أنّ أبان بن تغلب روى


57


عنه ثلاثين ألف حديث.

وقد أدّت هذه الغزارة في النتاج الفكريّ إلى انتساب مذهب أهل البيت عليه السلام إليه فسُمّي بالمذهب الجعفريّ.

وتعلّق الناس بالإمام الصادق عليه السلام ورأوا فيه القائد الذي سيحكم الدولة القادمة بعد الحكم الأمويّ ليقود الناس على المحجّة البيضاء لا سيما أنّهم ظنّوا أنّ الإمام الصادق عليه السلام هو المقصود في الشعار الموهم الذي رفعه العبّاسيّون وهو الدعوة إلى الرضا من آل محمد.

قلة الأنصار:

وهذا ما يظهره حوار الإمام عليه السلام مع صاحبه سدير حينما جاءه قائلاً: " والله ما يسعك القعود، فقال الإمام عليه السلام: ولمَ يا سدير؟ فأجابه: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك...فقال عليه السلام: يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قال: مائة ألف، قال عليه السلام: ومائة ألف؟ قال: نعم ومائتي ألف، فقال عليه السلام: ومائتي ألف؟قال سدير: نعم ونصف الدنيا فسكت الإمام عليه السلام ثمّ قال أيخف عليك ان تبلغ معنا إلى ينبع" فقلت:" نعم...فقال الإمام عليه السلام لسدير وهو ينظر إلى قطيع من الجداء: والله يا سدير لو


58


كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود..."1.

لذا توجّه الإمام عليه السلام لبناء الشيعة الحقيقيّين الذين يعيشون الإسلام ممارسة حتى في وقت الاستحقاق مقابل أولئك الذين يرفعون الشعار ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء وقفوا في الجانب المقابل أو على تلّ المشاهدة.

ومن أجل ذلك رسم الإمام صفات شيعة الاستحقاق في مواقف فريدة وكلمات مجيدة نعرض من هذه الصفات ما يلي:

التسليم المطلق للقيادة الإلهيّة:

وقد أبرز الإمام عليه السلام هذه الصفة حينما قدم عليه أحدهم يعرض عليه قيادة الثورة مدّعياً التسليم له فيها مع رفاقه الثائرين فإذا بالإمام يطلب منه أن يدخل التنور المسجّر، وهنا يتبيّن عدم إيمان القادم وعدم تسليمه للإمام عليه السلام فيرفض، وينادي الإمام عليه السلام صاحبه " هارون المكي" ويأمره بدخول التنّور فيدخل دون تردّد ليخرج بعدها سالماً بعد أن عبرّ عملياً عن تشيّعه الحقيقيّ بإيمانه وتسليمه لقيادة الإمام عليه السلام الإلهيّة.


59


التفقّه في الدين:

فقد كان الإمام عليه السلام يقول: " لا خير فيمن لا يتفقّه من أصحابنا"2.

التحلّي بمكارم الأخلاق:

ففي وصيّة الإمام الصادق عليه السلام لشيعته: " أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإنّ رسول الله كان يأمر بأداءالخيط والمخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفريّ ويسرّني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر، فوالله لحدثني أبي أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي فيكون زينها أدّاهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث"3.


60


هوامش

1- الشيخ الكليني – الكافي – ج 2 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 242
2- الشيخ الكليني – الكافي – ج 1 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام – ص 33
3- الشيخ الكليني – الكافي – ج 2 – مكتبة اهل البيت عليهم السلام –ص 636