المحاضرة السابعة: الفتح المبين بالرّحمة الواسعة

المناسبة: فتح مكّة.

التاريخ:
العشرون من شهر رمضان المبارك.

الهدف:

تقديم بعض الدروس والعبر الأخلاقيّة التي تلائم ثقافة النصر في الإسلام والتي جسّدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكّة.

تصدير الموضوع:

قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ1.

المدخل

فتح مكّة من الأيام المشهودة التي تهاوت فيها أكبر قلاع الشرك فتحطّمت الأصنام، وصدع صوت الله أكبر في مكّة، واستسلم أهلها


156


وكتب الله لرسوله النّصر المبين، ومن المعلوم أنّ هذه الحملة العسكريّة على مكّة إنّما كانت بعدما نقض المشركون بنود صلح الحديبيّة وذلك بإغارتهم على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين.

هذا اليوم سطّر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أروع معاني الأخلاق الكريمة والسجايا الفاضلة التي انصهرت شخصيّته الرساليّة بها، فكان فتحاً لا يشابهه أيّ فتح في أيّ من الحروب والمعارك.

محاور الموضوع:

ومن المهمّ والضروريّ في يوم فتح مكّة الوقوف على المشاهد التالية:

1ـ العفو عند المقدرة:
لمّا استتبّ الأمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكّة دخل الكعبة وطرح ما بها من أصنام وأمر بتكسيرها، ثمّ توجّه الى المكّيين وسألهم: ماذا ترون أنّي فاعلٌ بكم ؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي أقول لكم ما قال أخي يوسف لاخوته، لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء2.

وبهذا الموقف جسّد رسول الله أنّ الإسلام دين عفو ورحمة، وأنّه لا يعامل قريش بحقدً وانتقام رغم معاناته معهم طيلة عشرين عاماً،


157


 ومحاصرتهم له وخوضهم المعارك ضدّه وقتلهم لأصحابه وأنصاره ومحاولتهم اغتياله والقضاء على كلّ مشروعه.

2ـ المحافظة على الدماء والأعراض:
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد لهذا الفتح أن يكون نموذجاً وتجسيداً لمكارم الأخلاق في الإسلام، فقد كان باستطاعته أن يدخل مكّة بالقوّة وقد جاءها في عشرة الآف مقاتل، لكنّه أعلن أنّ الموقف ليس للإنتقام والكراهيّة، بل إنّ الناس وأموالهم وأرزاقهم وممتلكاتهم في أمنٍ وأمان فنادى فيهم مقولته المشهورة: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن
3.

وفي روايةٍ أنّ أحد قادة جيش المسلمين أخذ ينادي حين دخول مجموعته العسكرية مكّة من إحدى مداخلها: اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحُرمة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الشعار وقال ردّاً عليه: اليوم يوم المرحمة
4، ولم يكتفِ بذلك بل أمر بأخذ اللواء منه ودفعه إلى شخصٍ آخر تأديباً له.

3ـ التواضع عند النصر:
فالإنتصار عند غير المسلمين يكون مدعاة للتكبّر والتعالي والإستئثار وفرض القرارات الجائرة والإنتقاميّة والغفلة


158


عن الله، بينما نرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أشرف على مكّة ورأى منازلها إغرورقت عيناه بالدموع، فانحنى تواضعاً لله وشكراً، وأنّه لمّا دخل الكعبة فإنّ أوّل ما قام به أن صلّى ركعتي شكر لله تعالى.

4ـ الوفاء:
عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكّة في موكب عظيم وجليل دخلها من ناحيةٍ يُقال لها "أذاخر" وهي أعلى نقطة في مكّة، فضرب له قبّة عند قبر عمّه أبي طالب ليستريح فيها، وقد أصرّوا عليه أن ينزل في بعض بيوت مكّة فأبى5، وهذا الموقف منه صلى الله عليه وآله وسلم إنّما كان لشدّة محبّته لأبي طالب ووفاءً لدوره في رعاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحمايته الرسالة في بدايات الدعوة.


159


هوامش

1- الانبياء 107.
2- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج1، ص 428.
3- مستدرك سفينة البحار، ج8، ص109.
4- المغازي، ج2، ص821ـ 822 .
5- الإمتاع، ج1، ص380