المحاضرة الأولى: حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم


تصدير الموضوع:

قال تعالى:
﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ1

الهدف: التعريف بالحقوق التي فرضها علينا الإسلام تجاه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتي يعتبر عدم التحلي بها خروجاً عن الدين.


153


مقدمة

عند الحديث عن حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن الموضوع ليس ناظراً إلى الإعجاب بشخصه أو جميل أخلاقه أو التغني بإنجازاته أو أن نختزن لهذا الإنسان العظيم الإحترام والتقدير، بل إِن حق النبي أمرٌ أبعد من ذلك ويرتبط بعلاقة الإنسان بربه وخالقه التي يمثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفتاح هذه العلاقة وسبيلها ونورها التي من دونه لا يمكن للإنسان أن يهتدي معالم الطريق الأكمل إلى الله تعالى.

طاعته: وهي من الأمور التي ورد التأكيد عليها في كتاب الله، قال تعالى:
﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا2. فطاعته سبيل إلى طاعة الله تعالى.

وقال تعالى:﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ3.

وقال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ


154


 أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا4 وهذه الآية واضحة في أن التسليم لقضاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحكمه شرط في تحقق الإيمان، وليس للمسلم خيار بعد رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى:
﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا5. فشرط الإيمان ليس مجرد القبول بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما عدم الإحساس بأي حرجٍ أو ضيق تجاه حكمه.

محبته: ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مسألة المحبة ترتبط إرتباطاً مباشراً بمشاعر المرء وأحاسيسه التي أراد الله سبحانه أن تبقى نقية طاهرة تساهم في سلامة الفطرة ومنشأ لسلامة السلوك والفعل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبني فقد أحب الله ومن أبغضني فقد أبغض الله"6.

وفي حديثٍ آخر: "أخذ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بيد الحسن والحسين


155


 فقال: مَنْ أحبّني وأحبّ هذين، وأباهما، وأُمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة"7.

الصلاة عليه: قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا8.

وعن الإمام الرضا عليه السلام: "من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمد وأله، فإنها تهدم الذنوب هدما"9.


وفي الروايات ما يؤكد ما للصلاة على النبي من أثرٍ بالغ في قبول الأعمال واستجابة الدعاء وإزالة الهموم وتنوير القلب واستحبابها المطلق في الذكر بشكلٍ عام.

مودة أهل بيته: قال تعالى:
﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ10. وما أروع هذا التفاني من رسول الله وأهل بيته عندما يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجر الرسالة أمراً لمصلحة العباد وسعادتهم وهو لا يرد بأي خير على الأئمة أنفسهم بل يستلزم منهم جهداً ومشقةً وجهاداً وإنما نفعه وخيره


156


 كله على الرسالة وعلو كلمة المسلمين في الأرض.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يُسأل عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته، وعن حبنا أهل البيت"11.


157


هوامش

 1- الاحزاب 6.
2- النساء، 80.
3- الحشر، 7.
4- الأحزاب، 36.
5- النساء 65.
6- كشف الغطاء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج1، ص17.
7- كشف الغطاء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج1، ص17.
8- الأحزاب، 56.
9- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج8، ص471.
10- الشورى، 23.
11- خاتمة المستدرك، الميرزا النوري، ج3، ص246.