المحاضرة العاشرة:الصدق والكذب وآثارهما على حياة الإنسان


تصدير الموضوع:

قال تعالى:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا1.

الهدف: بيان ما لفضيلة الصدق ورذيلة الكذب من تأثيرات مهمة وخطيرة على حياة الإنسان الشخصية والإجتماعية.


145


مقدمة

إن الصدق هو علامة وفضيلة المؤمن البارزة، إذ تراه يصدق مع نفسه، ويصدق مع ربه، ويصدق مع الناس.. والصدق بالنسبة إليه جزءٌ لا يتجزّأ من صميم وجوده وكيانه، فلا يعيش الازدواجية والنفاق والثنائية, فما يقوله هو ما يؤمن به، وما يفعله هو ما يؤمن به، وما يؤمن به يقوله ويفعله. وليست هناك أيّة مسافة بينه وبين الواقع الخارجي. فما يقوله للآخرين هو نفسه الذي يقوله لربه، وما يفعله هو الذي يرتاح إليه ضميره في الدنيا، ولن يخجل منه لدى لقائه ربَّه في يوم القيامة. فتراه يعيش في داخله حالةً رائعة من الإِستواء والإِستقرار والتوازن والاطمئنان.

بين الصدق والكذب

1- أثرهما على الشخص نفسه: فالصدق يجعل علاقة الإنسان بالآخرين أكثر راحةً واستقراراً كما أن الكذب يربك حياة المرء ويقلقها فيصبح الآخر مرآةً يرى نفسه فيها، فعن


146


 رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أشد الناس تصديقاً للناس أصدقهم حديثاً، وإن أشد الناس تكذيباً أكذبهم حديثاً"2.

2- إرتباطهما بحقيقة الإيمان: الإمام علي عليه السلام: "الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك، على الكذب حيث ينفعك"3.

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، قال: "أربع من كن فيه كمل إيمانه، و إن كان من قرنه إلى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك، وهي الصدق، وأداء الأمانة، والحياء، وحسن الخلق"4.

3- تأثيرهما على عاقبة المرء: الإمام علي عليه السلام: "الصادق على شفا منجاة وكرامة، والكاذب على شفا مهواة ومهانة".

وعنه عليه السلام: "الصدق ينجيك وإن خفته، الكذب يرديك وإن أمنته"5.

وهذه الأحاديث تشير إلى عاقبة المرء في الدنيا كما هو ظاهرها.


147


4- أثرهما على الأعمال: فالصدق يضفي جمالاً على أي عمل مهما رآه الآخرون قبيحاً، والكذب يسلب أي عملٍ جماله مهما رآه الآخرون جميلاً، فعن الإمام علي عليه السلام: "الصدق صلاح كل شئ، الكذب فساد كل شئ"6 .

5- أثرهما النفسي على الإنسان: فالصدق صفة أساسية في راحة الإنسان المؤمن، وهي تشمل جميع أبعاد حياته تقريباً، وهو إذا ما عاش هذه الحالة الإيجابية عاش راحة نفسية. في حين إن المدمن على الكذب من شأنه الخوف من ذياع حقيقته ونفاقه الخفيين، فلا يجد لنفسه راحة أو استقرار.

عن الإمام علي عليه السلام: "إن الصادق لمكرم جليل، وإن الكاذب لمهان ذليل"7.

وعنه عليه السلام: الصدق أمانة، الكذب خيانة8.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصدق مبارك، والكذب مشؤوم"9.


148


أثرهما على آخرة الإنسان: عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الصدق برّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ العبد ليتحرّى الصدق حتى يكتب عند اللّه صدّيق, وإنّ الكذب فجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النار، وإنّ العبد ليتحرّى الكذب حتى يكتب كذاباً"10.

مستثنيات الصدق

وحدد الشارع بعض العناوين التي يمكن للمرء أن لا يصدق بها لترتب بعض المفاسد على صدقه أو ترتب بعض المصالح الأهم من الكذب، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث يقبح فيهن الصدق: النميمة، وإخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه، وتكذيبك الرجل عن الخبر"11.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أيُّما مسلم سُئِل عن مسلم فصدق وأدخل على ذلك المسلم مضرة كتب من الكاذبين، ومن سئل عن مسلم فكذب فأدخل على ذلك المسلم منفعة كتب عند الله من الصادقين"12.


149


استماع الكذب

وإنما كانت من صفات المؤمنين في الجنة لأنهم كانوا لا يسمعون كذباً في الدنيا، قال تعالى:
﴿ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا13.

وعن الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن القصاص أيحل الاستماع لهم؟ قال: "لا"، وقال عليه السلام: "من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس"14.

ولذلك نقرأ إعراض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكاذب فقد ورد في الحديث: "ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الكذب وما إطّلع منه على شيءٍ من أصحابه فيبخل له من نفسه (أي يعرض عنه) حتى يعلم أنه أحدث توبة"15.


150


هوامش

1- الأحزاب، 23.
2- ميزان الحكمة، ج2، ص1573.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص1572.
4- الأمالي للطوسي، ص48.
5- ميزان الحكمة، ج2، ص1572.
6- ميزان الحكمة، ج2، ص1572.
7- ميزان الحكمة، ج2، ص1573.
8- ميزان الحكمة، ج2، ص1573.
9- ميزان الحكمة، ج2، ص1573.
10- رسائل ومقالات، الشيخ السبحاني، ص122.
11- وسائل الشيعة، ج12، ص252.
12- ميزان الحكمة، ج2، ص1574.
13- النبأ 35.
14- الكافي، ج6، ص424.
15- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج1، ص378.