المحاضرة التاسعة عشرة: أسباب النزاعات في الحياة الزوجيّة


قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا1.

الهدف:بيان أهمّ الأمور التي تعزّز الثقافة الأسريّة على صعيد التنبّه لأسباب النزاعات قبل حدوثها.


مقدّمة

إنّ أصل الخلاف بين الزوجين أمر طبيعيّ، إذ ليس منطقيّاً أن تتفق أفكارهما في كلّ شيء من شؤون الحياة، وهو في حدّ


127


ذاته عامل رقيّ وتطوّر للأسرة إن أحسن الطرفان التعامل معه وتحويله إلى أساس صلب وراسخ يمكن الإنطلاق منه لتخطيّ العوائق في المستقبل، وبكلمةٍ أوضح إنّ انفعال الزوجين مع الخلاف هو الذي يجعله سلبيّاً أو إيجابيّاً.


وللبحث عن بواعث النزاع يمكن الإشارة إلى جملة من الأسباب التي لها دور كبير في تعكير صفو المحبّة وظهور المشاكل في الحياة الزوجيّة.

1-
المراء والجدال: يقول أبو الدرداء، كنّا ثلاثة نماري ونجادل بعضنا بعضاً، وبينا كنّا على تلك الحال، وإذا برسول الله صلى الله علية واله وسلم يأتي وقد بان عليه الغضب وقد تغيّر لون وجهه، يقول أبو الدرداء، لم أر رسول الله صلى الله علية واله وسلم في هكذا حالة أبداً.

بعد ذلك قال الرسول الكريم صلى الله علية واله وسلم: "
ما ضلّ قوم إلاّ أوثقوا الجدل"2.


128


وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ3.
وقال تعالى:
﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا4. قال الإمام عليّ عليه السلام بأنّ الجدل يؤدّي إلى الشكّ: "إيّاكم والجدل، فإنّه يورث الشكّ"5.

2- العناد: إنّ القرآن الكريم يقسّم الناس إلى قسمين


أ - قسم يمتثّل للحقّ تطمئنّ قلوبهم إلى ذلك، بل وتفيض أعينهم من الدمع فرحاً وسروراً بقبول الحقّ: قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ6.

ب - وقسم آخر يرى بأمِّ عينه ويتنكّر له، بل يقول: إذا كان هذا هو الحقّ من عندك، فأتني بعذابك الشديد.قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ7.


129



3-
التوقّع الزائد عن الحدّ: كأن تتوقّع الزوجة الخدم والألبسة الفاخرة والهدايا الباهظة الثمن والأثاث الراقي وهي تعلم علم اليقين براتب زوجها والإرهاقات الماديّة التي يعاني منها، وفي المقابل كأن يتوقّع الزوج الطموحات اللّامعقولة أمثال الملائكيّة في زوجته والنظام الدقيق جدّاً الدائم والمستمرّ والاستسلام الكامل دون مناقشة أو مشاركة من زوجته والتشديد في السيطرة والتضييق عليها والإغراق في الاحترام بشكل دائم والعمل والسعي الفائقان والخارجان عن حدّ المألوف.

4-
عدم تقبّل الانتقاد: والنقد والإنتقاد مسألة ضروريّة في بناء الحياة الأسريّة، وعدم تقبّلهما يستبطن حبّ السيطرة والتعالي والأنانية فلا ينبغي تحوّلهما الى داء يوميّ وممارسة دائمة والتعليق على كافّة القضايا ممّا يحوّل جوّ البيت الى جوّ مشحون ومتوتّر بشكلٍ دائم.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "أحَبُّ إخواني إليَّ من أهدى عُيوبي إليَّ"8.


130


5- السلبيّة: سواء في التواصل اليوميّ والتجاوب بين الطرفين في شؤون الحياة أو السلبيّة بمعنى التعنيف أو الإساءة بالقول أو الفعل أو الضرب، وقد استغرب رسول الله صلى الله علية واله وسلم إمكانيّة التواصل الجسديّ مع المرأة التي يعنّفها زوجها، فقال صلى الله علية واله وسلم: "أيضرب أحدكم المرأة ثمّ يظلّ معانقها"9.
وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة، التدخّل في الشؤون الخاصّة، المراقبة المستمرّة، الإهمال، الإهانة، والتعنيف الدائم، وغير ذلك.


131


هوامش

 1- المؤمن: 35.
2- بحار الأنوار، ج2، ص138.
3- الحج: 3.
4- غافر: 4.
5- بحار الأنوار، ج10، ص94.
6- المائدة: 83.
7- الأنفال: 32.
8- بحار الأنوار، ج74، ص282.
9- وسائل الشيعة، ج14، ص119، ح1.