المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعترته أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً"1.

تختصر هذه الرواية قصّة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته لتبيّن أنّها نهضة كُتِبَ لها البقاء والدوام والخلود، فكثيرة هي الثورات التي لم يكتب لها البقاء ولم يبق لها ذكر إلّا في مطاوي الكتب وذاكرة التاريخ.

ولعلّ أهمّ ما يمكن الإشارة إليه كسبب لبقاء وخلود هذه النهضة هو عدّة أمور:
أوّلاً: شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام الاستثنائيّة، حيث امتاز هذا الإمام العظيم- كبقيّة أئمّة أهل البيت عليهم السلام - بصفات ومؤهّلات لا توجد في بقيّة أفراد هذه الأمّة، ما جعله امتداداً لخطّ النبوّة دون سواه، كيف؟ وقد قال فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين منّي وأنا من حسين"2، وفيما قاله الإمام الحسين عليه السلام للوليد بن عتبة: "أيّها الأمير إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم الله.."3.

ثانياً:
إنّ ما اجتمع له من أهل بيت وأنصار وأصحاب كانوا أيضاً استثنائيّين، وهذا ما جاء في وصفهم على لسان الإمام الحسين عليه السلام نفسه: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً"4.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً فيما قاله فيهم حين مرّ بكربلاء: "..ومصارع عشّاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم، ولا يلحقهم من بعدهم"5.

وثالثاً:
الشعارات الخالدة التي تظهر الدوافع والأهداف لهذه النهضة والتي لا ترتبط بظرفٍ خاصّ ولا بحالة خاصّة، وإنّما تنصبّ على حركة المجتمع وإصلاحه وهدايته نحو السعادة الحقيقيّة، ويمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح إذا نظرنا إلى كلمات الإمام الحسين عليه السلام، أمثال قوله:
"إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ.."6.

وقوله عليه السلام: "ألّلهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك.."7.

وقوله عليه السلام: "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون.."8، إلى غير ذلك من نصوص وكلمات.

ورابعاً:
ما أفرزته هذه الثورة والنهضة من تصنيف على مستوى النتائج، فقد وضعت حركة الإمام عليه السلام هذه الأمّة أمام امتحانٍ عظيم، اختصره عليه السلام بسطرين لما فصل متوجّهاً إلى العراق ودعا بقرطاس وكتب فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم، أمّا بعد، فإنّه من لحق بي استشهد، ومن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح والسلام"9، ففاز بنصرته فريق وتخلّف آخرون..

ومن هنا كان من الضروري التعرّف على الشخصيّات والوجوه التي ضمّها كلا المعسكرين، لتكون درساً للأمّة في مسيرتها، وعبرة لها في اتخاذ المواقف المختلفة التي تميّز بين الحقّ والباطل.

هذا الكتاب:


ومن هنا جاءت فكرة تعريب هذا الكتاب من اللغة الفارسيّة، لمؤلّفه الفاضل المتتبّع "محمّد باقر بور أميني"، حيث احتوى على تراجم للشخصيّات والوجوه التي لها علاقة بكلا المعسكرين من قريب أو بعيد، مستعرضاً أهمّ ما يذكر حولهم دون أن يكون بصدد استقصاء كلّ شيء عنهم، ممّا جعله- بحقّ- معجماً لكربلاء، فجاء الكتاب صغيراً في حجمه غنيّاً في مضمونه، فللّه درّه وعلى الله سبحانه وتعالى أجره.

واحتوى الكتاب على خمسة فصول:


الفصل الأوّل: بعنوان "سيّد الشهداء"، استعرض فيه سيرة سيّد الشهداء عليه السلام باختصار من الولادة وحتّى الشهادة، وضمّنه بيان المنازل والأماكن التي مرَّ فيها ركب الحسين من مكّة إلى كربلاء وما جرى فيها من أحداث.

الفصل الثاني:
بعنوان "السابقون" استعرض فيه على الترتيب ذكر: الهاشميّين والصحابة والشباب والأطفال والفتيان والنساء والبنات والسفراء والأسرى والجرحى والموالي وختاماً أصحاب وأنصار الحسين عليه السلام.

الفصل الثالث:
بعنوان "الملتحقون" استعرض فيه ترجمة الذين التحقوا بالإمام عليه السلام في الطريق أو في كربلاء ونالوا درجة الشهادة.

الفصل الرابع: بعنوان "المتخلّفون"، وهم من تخلّف عن الإمام عليه السلام في كربلاء أو قبلها.

الفصل الخامس: بعنوان "الظالمون" وهم أعداء الحسين عليه السلام ومن شاركوا في قتله وظلمه وظلم أهل بيته عليهم السلام وأنصاره أو كان له دور في ذلك.

عملنا في الكتاب:

- حاولنا قدر الإمكان تعريب النصّ دون التصرّف بالمضمون إلّا بمقدار الضرورة.

- حافظنا على ترتيب الكتاب بنفس ترتيب المصنّف له، والذي اعتمد فيه على العناوين، فربما تكرّرت بعض الأسماء في عدّة من هذه العناوين ولكن تمّت ترجمة الشخص تحت عنوان واحدٍ منها، وأرجعت إليه بقيّة المواضع، مثال ذلك: الحسن بن الحسن المثنّى، حيث تمّت ترجمته ضمن بني هاشم، ثمّ أورد مرّة أخرى ذكر الاسم فقط ضمن عنوان الجرحى تارة والأسرى تارة أخرى. فليلاحظ.

- النصوص التي قام بترجمتها المصنّف من المصادر العربيّة، قمنا بالرجوع إلى نفس تلك المصادر واستخرجنا منها النصّ بالعربيّة.

- قمنا بتغيير اسم الكتاب الذي كان بالفارسيّة "چهره ها در حماسه كربلا" والذي يعني وجوه وسمات من ملحمة كربلاء، واستبدلناه بـ: "معجم كربلاء (لمحة عن الشخصيّات والأحداث والأماكن)" كون هذا الأخير أقرب إلى مضمون الكتاب وأكثر مناسبة مع اللغة العربيّة.

- تمّ حذف بعض الفقرات من النّص -وهي قليلة- وذلك لعدم انسجامها مع السياسات المعتمدة في المعهد.

وفي الختام فإنّنا نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه وأن يثيب العاملين فيه والقارئين له أجراً عظيماً ويرزق الجميع شفاعة محمّد وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، إنّه سميع مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ

مقدّمة المؤلّف


وَوُجُوهٍ كَالمَصَابِيحِ فَمِنْ قَمَرٍ غَابَ وَمِنْ نَجْمٍ هَوَى

لَيْسَ هَذَا لِرَسُولِ اللهِ يَا أُمَّةَ الطُّغْيَانِ وَالبَغْيِ جَزَى
10

تمثّل واقعة كربلاء ثورة كشفت العديد من وجوه الشخصيّات في امتحان إلهيّ عسير.

لقد قام الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام من أجل إحياء الأمّة الإسلاميّة وإرشادها إلى طريق الخير والصلاح، ولم يكن هذا السعي لأجل "منافسة في سلطان" أو "التماس شيءٍ من فضول الحطام" بل كان هدفه "إعلاء راية دين الله" و"الإصلاح في البلاد" و"ليأمن المظلومون من عباد الله" وتعمل الأمّة بما وجب عليها من الفرائض والسنن.

ولقد كانت هذه الثورة امتحاناً شاملاً: للعامّة والخاصّة؛ للصغار والكبار، للنساء والرجال، للعرب والعجم. وقد توجّه سيّد الشهداء عليه السلام بالخطاب فيها إلى النخب السياسيّة وعوام الأمّة فلبّى "السابقون" نداء هذه النهضة، والتحق بهم آخرون "المهتدون" في هذا المسير الأحمر القاني. وأمّا الأكثريّة فكانت في صفّ الظالمين الذين نعتهم الإمام الحسين عليه السلام بأنّهم: "طواغيت الأمّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب ومطفئي السنن"11.

ومضافاً إلى هؤلاء فإنّ طائفة رابعة بردّها لدعوة الإمام عليه السلام رأت أنّ تكليفها مراقبة اصطفاف جبهة الحقّ في مقابل جبهة الباطل ويمكننا تسمية هؤلاء بـ"الخاسرون" لثورة كربلاء الخالدة.

شعر

سَوْفَ يَأتِي مِنْ العَالَمِ نِدَاءَانِ مُتَضَادَّانِ      فَلِأَيٍّ مِنْهُمَا أَنْتَ مُسْتَعِدُّ

نِدَاءٌ لِنُشُورِ الأَتْقِياءِ                          وَنِدَاءٌ لِغُرورِ الأَشْقِيَاءِ

وَآخَرُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَ الأَخْيَارِ               لا جَرَمَ أَنْ سَيَكُونُ مَعَ الفُجَّارِ

وَمَا دُمْتَ لَنْ تَعْرِفَ الظَّلَامِ                   فَاسْعَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ لِتَتَهَيَّأَ للْإِمَامْ
12

من حكاية طلوع الوجوه وأفولها تتداعى في الأذهان، غصص السقوط وقصص وقائع التاريخ وأحداثه، وفي كلّ ثورة ونهضة هناك "متخلّف عن الطريق" وآخر "ملتحق به".

وجمال التاريخ وروعته أن تبقى أنت خالداً في صفّ أصحاب اليمين.

شعر

العِبْرَةُ فِي تِلْكِ القِصَّةِ             فَيَا نَفْسُ اعْتَبِرِي بِهَا
13

محمّد باقر پور أميني
ذو الحجّة 1424هـ.ق
بهمن 1382هـ.ش

هوامش

1- النوريّ المحدّث الشيخ حسين: مستدرك الوسائل ج 10 ص 312.
2- ابن قولويه: كامل الزيارات ص 117.
3- ابن طاووس: اللهوف في قتلى الطفوف ص 17.
4- الطبريّ: تاريخ الطبريّ ج 4 ص 317.
5- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 41 ص 295.
6- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 44 ص 330.
7- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 97 ص 80, ويروى ذلك عن أمير المؤمنين  عليه السلام  أيضاً, وكلّهم نور واحد.
8- الأمين السيّد محسن: لواعج الأشجان ص 131.
9- الطبريّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 188.
10- من قصيدة للشريف الرضيّ.
11- الخوارزميّ، مقتل الحسين، ج2، ص6.
12- الشعر بالفارسيّة:
از جهان دو بانكـ مي آيد بضد تا كدامين را تو باشى مستعد
آن يكى بنكش نشور اتقيا وآن ياكى بانكش قريب اشقيا
آن يكى جون نيست باختيار يار لا جرم شد بهلوى فجار جار
كر تو نشناشى كسى را از ظلام بنكر او را كوش سازيدست امام

13- عبرت اسست آن قصه اي جان ممر تو را