الدرس الثامن: صياغة الخطاب

هيئة الخطاب‏

تشكّل الهيئة العامّة للخطاب من ثلاثة أجزاء رئيسيّة هي:
1 - مقدّمة.
2 - عرض.
3 - خاتمة.
وقد قال عنها الشيخ الرئيس: "وللأقاويل الخطابيّة صدر واقتصاص وخاتمة"1.


المقدّمة

وهي ما يقدّمه الخطيب بين يدي الموضوع الذي يريد أن يتعرّض له في خطبته من عبارات لطيفة يفتتح بها كلامه ليهيّئ السامعين


71


للاقتناع بما سيأتي في ضمن العرض. ويشترط فيها أمران:

الأوّل: أن لا يكون فيها ما يسي‏ء للمخاطبين، أو ينفّرهم من استماع الخطبة، مثل أن يذكر ما يزعجهم من أخبار أو يعدّد ما فيهم من مساوئ أو يتلفّظ بألفاظ نابية أو يعرض أفكاراً مرفوضة عندهم سلفاً، اللهم إلّا إذا كان رئيسهم أو من لا يستطيعون الإنكار عليه. والمهمّ ألّا يكون في المقدّمة ما يفسد التئام أذواق المخاطبين مع الخطاب.

الثاني: أن يتحرّز الخطيب من إيراد ما يثير الحساسيّات فيما بينهم وهذا يشترط في كلّ الخطاب وعلى الأخصّ في المقدّمة. فلا يذكر فيها ما يذكرهم بعداوة قديمة فيما بينهم، أو ما يعدّ عندهم تغليباً لبعض السامعين على بعض خصوصاً إذا كانوا طائفتين أو قبيلتين متنافرتين ونحو ذلك.
والفرق بين هذا الشرط وسابقه أنّ الأوّل يكون حساسيّة بين الخطيب والجمهور بينما هذا يوجد الحساسيّة بين نفس الحاضرين الذين يتكوّن الجمهور منهم.
و أمّا ما يجب أن يقال في المقدّمة فسوف يأتي مفصّلاً في الجهة الثانية أي مادّة الخطاب.


العرض

وهو ما يريد الخطيب طرحه من الدعاوى والأدلّة ممّا عليه أن يقنع الجمهور به. وهو العمدة في الخطاب وأساسه وركيزته. فإن نجح الخطيب فيه حقّق هدفه من الخطبة و إلّا فليس نصيبه إلّا الإخفاق. ويشترط فيه أمران أيضاً:


72


الأوّل: أن يقسّم الأفكار التي يريد عرضها تقسيماً سليماً شاملاً لجميع ما يحتوي عليه المقسم من جزئيّات يلزم طرحها. ولا بدّ أن يعرض الأقسام بشكل واضح وسهل خال من التعقيد كي يسهل على السامع تصوّرها وضبطها. والتحرّز قدر الإمكان عن استعمال الأسلوب العلميّ الجاف كأن يقول: "الشي‏ء الفلانيّ لا يخلو إمّا كذا أو كذا فالأوّل دليله كذا ويرد عليه كذا والثاني كذا ويرد عليه كذا" وإنّما من المستحسن جدّاً الاستفادة من الأسلوب الأدبّي بأن يعرض الأقسام متناسيّاً الطريقة المبتذلة للتقسيم مستعملاً عبارات أدبيّة جيّدة، على هذه الطريقة:
قسّم المتقدّمون الكائنات الأرضيّة إلى ثلاثة أجناس عامّة تسمّى بالمواليد الثلاثة، وهي: الجماد، والنبات، والحيوان. وعرّفوها بأنّ منها ما ينمو ومنها ما ينمو ويعيش ومنها ما ينمو ويعيش ويحسّ.

الثاني: أن تكون الأفكار والأقسام التي يراد طرحها مرتّبة ومترابطة ببعضها البعض كي يسهل على السامع الانتقال من أوّلها إلى ثانيها وهكذا إلى الوصول إلى الغاية المنشودة. وهذا الأمر له فائدتان: الأوّلى أنّه يسهّل على السامع تصوّرها واستيعابها جميعاً. والثانية أنّه يسهّل على الخطيب حفظها وإلقاؤها.


الخاتمة

وتحتوي الخاتمة على صورة إجماليّة لما جاء في العرض مصوغة بشكل محكم ومختصر بحيث يبقى ما ورد فيها عالقاً في أذهان السامعين أطول مدّة ممكنة بعد انتهاء الخطاب. وفي الخاتمة يكون استخلاص النتائج من الموضوع وتقديمه كقضيّة كليّة إلى الجمهور.


73


هوامش

1- الشفاء، قسم الخطابة، ص236.