الخطبة الثانية: صفات المنافقين

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ، وأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ، فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ، والزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ1، يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً، ويَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً2، ويَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ، ويَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ، قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ3، وصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ، يَمْشُونَ الْخَفَاءَ4، ويَدِبُّونَ الضَّراءَ، وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ، وقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ، وفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ5، حَسَدَةُ الرَّخَاءِ6، ومُؤَكِّدُو الْبَلَاءِ، ومُقْنِطُو الرَّجَاءِ، لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ7، وإِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ، ولِكُلِّ شَجْو دُمُوعٌ8، يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ9، ويَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ، إِنْ سَأَلُوا


111


أَلْحَفُوا10، وإِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا، وإِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا، قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلًا، ولِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلًا، ولِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلًا، ولِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً، ولِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً، يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ، ويُنْفِقُوا بِهِ أَعْلَاقَهُمْ11، يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ12، ويَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ، قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ13، وأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ، فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ14، وحُمَةُ النِّيرَانِ، أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

 


112


هوامش

1- الزالون من زل أي أخطأ. والمزالون من أزله إذ أوقعه في الخطأ.
2- يفتنون أي يأخذون في فنون من القول لا يذهبون مذهباً واحدا. ويعمدونكم أي يقيمونكم بكلّ عماد. والعماد ما يقام عليه البناء أي إذا ملتم عن أهوائهم أقاموكم عليها بأعمدة من الخديعة حتى توافقوهم. والمرصاد: محل الارتقاب، ويرصدونكم يقعدون لكم بكلّ طريق ليحولّوكم عن الاستقامة.
3- دوية: أي مريضة من الدوى بالقصر وهو المرض، والصفاح: جمع صفحة، والمراد منها صفاح وجوههم، ونقاوتها صفاؤها من علامات العداوة وقلبوكم ملتهبة بنارها.
4- يمشون مشي التستّر ويدبّون أي يمشون على هيئة دبيب الضرّاء أي يسيرون سريان المرض في الجسم أو سريان النقص في الأموال والأنفس والثمرات.
5- الداء العياء: -بالفتح- الذي أعيى الأطباء ولا يمكن منه الشفاء.
6- حسدة: جمع حاسد، أي يحسدون على السعة وإذا نزل بلاء بأحد أكدوه وزادوه وإذا رجى أحد شيئاً أوقعوه في القنوط واليأس.
7- الصريع: المطروح على الأرض، أي أنّهم كثيراً ما خدعوا أشخاصاً حتى أوقعوهم في الهلكة.
8- الشجو: الحزن، أي يبكون تصنّعاً متى أرادوا.
9- يتقارضون كلّ واحد منهم يثني على الآخر ليثني الآخر عليه، كأنّ كلّاً منهم يسلف الآخر ديناً ليؤدّيه إليه وكلّ يعمل للآخر عملاً يرتقب جزاءه عليه.
10- بالغوا في السؤال وألحّوا. وإن عذلوا أي لاموا كشفوا أي فضحوا من يلومونه.
11- ينفقون أي يروّجون من النفاق- بالفتح-، ضدّ الكساد. والأعلاق: جمع علق، الشيء النفيس، والمراد ما يزيّنونه من خدائعهم.
12- أي يشبهون الحقّ بالباطل.
13- يهوّنون على الناس طرق السير معهم على أهوائهم الفاسدة ثمّ بعد أن ينقادوا لهم يضلعون عليهم المضائق أي يجعلونها معوجّة يصعب تجاوزها فيهلكون.
14- اللمّة- بالضمّ- الجماعة من الثلاثة إلى العشرة والمراد هنا مطلق الجماعة، واللمّة بالتخفيف: الإبرة تلسع بها العقرب ونحوها، والمراد لهيب النيران.