الفصل السابع: تطبيقات عامّة

النموذج الأوّل

وليس كيومِ الطفِّ يومٌ فإنّه                        أسال من العين المدامعَ عَندما

غداةَ استفزّت آلُ حرب جموعَها                  لحربِ ابنِ من قد جاء بالوحيُ معلما

هوى فهوى الطودُ الأشمُّ فزُلزلت                 له الأرَضون السبعُ واغبّرت السما

فأضحى لُقىً في عرصةِ الطفِ شِلوه              ترّضُ العوادي منه صدراً معظّما

ويُهدى على عالي السنان برأسه                  لأنذلَ رجسٍ في أميّةَ مُنتما

ولهفي لآلِ الله بعد حُماتِها                         وقد أصبحت بين المضلّين مغنما
 
إذا استنجدت فتيانها الصيد لم تجد                برغم العُلى غيرَ العليل لها حمى

حواسرَ من بعد التخدّر لا ترى                    لها ساتراً إلّا ذراعاً ومعصما

وزينبُ تدعو والشجا يستفزّها                     أخاها ودمعُ العين ينهل عَندما

أخي يا حمى عزّي إذا الدهرُ سامني             هواناً ولم يَدَعْ لي الدهر من حمى

لقد كان دهري فيك بالأمس مشرقاً               فها هو أمسى اليومَ بعدك مظلماً

عدمت حياتي بعد فقدك إنّني                      أرى بعدك العيشَ السعيدَ مذمّماً

رحلتَ وقد خلّفتني بين صبية                     خماصِ الحشى حرّىَ القلوبِ من الظما

 


161


أرى كلَّ رزء دون رزئك في الورى             فلّله رزءٌ ما أجلَّ وأعظما

يهلنه احسينكم رضوا اضلوعه                   وذاق الموت روعه بعد روعه

تعالوا لبنكم غسلوه والكفن وياكم                دجيبوه وجيبوا ماى لحسين واسقوه


الموضوع: معاجز وكرامات النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

ذكر المجلسيّ في البحار: لمّا قدم النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة تعلّق الناس بزمام النّاقة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : دعوها فإنّها مأموره فعلى باب من بركت فأنا عنده. فأطلقوا زمامها وهي تهفّ في السير، فبركت على باب أبي أيّوب خالد بن زيد الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه، ولم يكن في المدينة أفقر منه، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ونادى أبو أيوب: يا أُمّاه افتحي الباب، فقد قدم سيّد البشر، وأكرم ربيعة ومضر، ففتحت الباب وقالت: واحسرتاه، ليت لي عيناً أبصر بها وجه سيديّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت عمياء، فكانت أوّل معجزة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة وضع كفّه الشريفة أمام وجه أُمّ أيّوب فانفتحت عيناها.

وروي بسند معتبر أنّ أبا أيّوب أتى بشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عرس فاطمة عليها السلام فنهاه جبرئيل عن ذبحها، فشقّ ذلك على أبي أيوب، ثمّ أمر بذبحها، فذبحها ابن جبير الأنصاريّ بعد يومين، فلمّا طبخت أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا تأكلوا إلّا بسم الله، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّ أبا


162


أيّوب رجل فقير، إلهي أنت خلقتها وأنت أمتّها، وإنّك قادر على إعادتها فاحيها يا حيّ لا إله إلّا أنت، فأحياها الله تعالى، وجعل فيها بركة لأبي أيّوب، وشفاء المرضى في لبنها، وسمّاها أهل المدينة: المبعوثة.

وفي خبر سلمان رضوان الله عليه : أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزل دار أبي أيّوب لم يكن له سوى جدي وصاع من شعير، فذبح له الجدي وشواه، وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدّمه بين يدي النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمر صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينادي: من أراد الزاد فليأت إلى دار أبي أيّوب، فجعل أبو أيّوب ينادي والناس يهرعون إلى داره حتى امتلأت الدار، فأكل الناس بأجمعهم والطعام باقٍ، فضجّ الناس بالشهادتين.

معجزته في الغار

وعن علي بن إبراهيم: ما زال أبو كرز الخزاعيّ يقفو أثر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم خروجه إلى الغار حتى وقف على بابه وقال: هذه قدم محمّد، وهذه قدم ابن أبي قحافة ما جاوزا هذا المكان.

وجاء فارس من الملائكة في صورة الأنس فوقف على باب الغار وهو يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس ها هنا. وتبعه القوم وكانوا دهاة العرب، وأمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار، وأمر العنكبوت فنسجت، وأمر حمامتين بفم الغار. ولمّا قربوا منه تقدّم بعضهم لينظر، ثمّ رجع


163


فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنّه ليس فيه أحد.

أمّا معجزته عندما خاطب الشجرة أن تأتي إليه ففي نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة القاصعة أنّ النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم قال:

أيّتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي، فو الّذي بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها، وجاءت ولها دويّ شديد، وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرفوفة، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وببعض أغصانها على منكبه، وكنت على يمينه، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا علوّاً واستكباراً: فمرها فليأتك نصفها. فأمرها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشدّه دويّاً، وكادت تلتفّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا كفراً وعلوّاً: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه، فأمره فرجع.

الربط

لحا الله أهل العناد، كم رأوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمثال ذلك، فلم يقلعوا عن عنادهم، وكذا رأى جيش يزيد يوم الطفّ من الحسين كرامات باهرة، ولكن كما قال الشاعر:

قست القلوب فلم تمل لهداية                  تبّاً لهاتيك القلوب القاسية

ولقد وقف الحسين عليه السلام متّكئاً على سيفه، ووعظهم فلم يتّعظوا،


164


وذكّرهم فضل جدّه وأبيه عليه السلام فلم يذّكروا، فكان من جملة كلامه يومئذٍ:

أنشدكم (الله) هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أمّي فاطمة الزهراء بنت مُحَمَّدٍ المصطفى؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم.

إلى أن قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا متقلّده؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا لابسها؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم.

قال: فبم تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض، ولواء الحمد بين يديه يوم القيامة؟ قالوا: قد علمنا ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً.


165


التمهيد الصوتي للنعي

فلمّا سمعت بناتُه وأخواتُه ذلك بكين ولطمن وارتفعت أصواتهنّ، فوجَّه إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّاً وقال: سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.

أمّا ليلة عاشوراء
فقد رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال:

"إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قُتِلَ أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي زينب تُمرّضُني، إذ اعتزَل أبي في خِباءٍ له، وعنده (جَون) مولى أبي ذرّ وهو يُعالج سيفه ويُصلحه - وأبي يقول:

يا دهرُ أفٍ لك من خَليلِ                  كم لك بالإِشراق والأصيلِ

من صاحبِ أو طالبٍ قتيلِ                والدهرُ لا يقنع بالبديلِ

وإنّما الأمرُ إلى الجليلِ                   وكلّ حيٍ سالكٌ سبيلِ


فأعادها أبي مرتين أو ثلاثاً حتى فهمتُها، فعرفتُ ما أراد، فخنقتْني العَبرة، فرددتُ دمعتي، ولزمتُ السكوت، وعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزل.

وأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا سمعتْ ما سمعتُ فلم تَملِكْ نفسَها دون أن وَثبتْ تجَرّ أذيالَها، وهي حاسرة، حتى انتهتْ إليه وهي تنادي: وآثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليومَ ماتتْ أميّ فاطمة، وأبي عليّ، وأخي الحسن، يا خَليفة الماضين، وثِمالَ الباقين.


166


فنظر إليها الحسين عليه السلام نظَر رأفةٍ ورحمة وقال:

يا أخيّة، لا يَذْهبنَّ بحلمكِ الشّيطان.

قالت: بأبي أنت وأميّ، استقتلت؟ نفسي فداك.

فردّ الحسينُ عليه السلام غُصّتَه، وترقرقتْ عيناه بالدموع.

فقالت: ردّنا إلى حرَم جدنّا رسول الله.

فقال: هيهات، لو تُرك القَطا ليلاً لغفا ونام.

فقالت: يا وَيلتاه!! أفتغتصب نفسَك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي.

ثمّ لطمتْ وجهَها، وأهوتْ إلى جَيبها فشقّته، وخرّت مغشيّاً عليها.

انا مقدر بعد علهظم مقدر                  لوني انخطف والقلب فرفر
 
لون قلبي يخويه صخر مرمر             من هالمصايب چا تفطر


فلمّا أفاقتْ، قال لها: "يا أخيّة، تَعزَّي بعزاء الله، واعلَمي أنّ أهل الأرض يموتُون، وأنّ أهلَ السماءلا يَبقَون، وأنّ كل شيء هالك إلّا وجهُ الله تعالى، أبي خيرٌ منيّ، وأميّ خيرٌ منّي، وأخي خيرٌُ منيّ، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة".

فعزّاها بهذا ونحوه، ثمّ قال لها:

"يا أختاه، إنيّ أقسمُ عليك، فأَبرّي قَسمي، إذا أنا قُتلتُ فلا تشقّي


167


 عليّ جيباً، ولا تَخمِشي عليّ وجهاً، ولا تَدعيْ علي بالويل والثبُور إذا أنا هلكت".

ومن أحداث هذهِ الليلة، أنّه جاء حبيب بن مظاهر إلى خيمة زينب عليها السلام مطأطأً برأسه إلى الأرض ودموعه تجري على خدّيه وهو يقول: آهٍ لوجدكِ يا زينب يوم تُحملين على بعيرٍ ضالع ورأس أخيك الحسين على رأس الرمح تحفُّ به رؤوس أهل بيته وأصحابه، وكأنّي برأسي هذا معلَّق بعنق الفرس يضربه بركبتيه، لمّا سمعت زينب - كلامه - قالت: يا حبيب لقد أخبرني أخي الحسين بهذهِ المصائب وَلَوَددتُ أنّي عمياء حتى لا أرى هذهِ المصائب.

تدرون بيه هاشميه                   وكلمه عدو تصعب عليه

               انا منين إجتني الغاضريه

جادوا بأنفسهم عن نفس سيّدهم     والجود بالنفس أقصى غاية الجو
د
                


168


النموذج الثاني

يا وقعة الطفّ كم عين بك انذرفت              وكم إلى الدّين من ركن بك انهارا

تزلزلت فيك أرض الله وانسكبت               عين السماء دما والعرش قد مارا

أفيك يقضون آل المصطفى عطشاً              والماء طام فليت الماء قد غارا

ويصبح السبطُ شلواً فيك تصهره                شمس الهجير على الرمضاء اصهارا

تَذري الرياح عليه ثمّ تُلبسه                     ثوباً من الترب غدوانا وإبكارا

لمن ظعون بأرض الطفّ سائرة                تنحو الشأم فليت الركبُ لاسارا

وممن النسوة الآتي يسار بها                    تخالهن على الأقتاب أقمارا

حواسراً سلب الأعدا براقعَها                   وابتزّها القومُ أقراطاً وأطمارا

لهفي لزينب إذ قالت مودّعة                    والحزن باد ودمع العين قد فارا
 
هلا تمرّون بالقتلى نودّعهم                     ونقضي من تربِ الخدّين أو طارا


سقطن من حلس الأقتاب باكية                  وجئن يلثمن اثغاراً وانحارا

يمسحن ترب الفلا عن فيض منحره            طوراً وتلثمه طوراً وأطورا
 
تقول يا نائياً شطت زيارته                      بُعدَ النوى ليتنا كنّا لكم جارا

   


169


انظر فديناك أطفالاً شكوا ظمأً                       نائين ما الفوا مأوىً ولادارا

وانظر مريضك مغلولاً اضرّ به                     ثقلُ الحديد أسيراً أينما سار

انا مشيت درب المامشيته                           وذباح اخيي رافقيته

                      انا لو ينشره الموت اشتريته


ومن وصيّة لأمير المؤمنين عليه السلام أوصى بها عسكره قبل لقاء العدو بصفيّن:

"لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْد اللهِ على حُجَّةٍ وَترككم إِيّاهُمْ حتّى يبْدؤُوكُمْ حُجةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَلا تُصِيبُوا مُعْوِراً وَلا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذّى وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ...".

بأبي أنت وأميّ يا أمير المؤمنين ليتك شاهدت العقيلات يوم العاشر من المحرّم حين تسابق القوم إلى نهب بيوتهن وتزاحموا على سلبهن وضربهن وانتزعوا الملاحف عن ظهورهن، فبرزن وهنّ كريمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاسرات حافيات مدهوشات حائرات في أسْر الذلّة ووثاق السبي، وإذا بهذه المخدّرات أسارى على نياق هزّل أدخلوها إلى الكوفة، يقول السيّد ابن طاووس: أشرفت امرأة من الكوفيّات من على سطح دارها وقالت: من أي الأسارى أنتن؟ فأجابتها زينب: نحن أسارى آل بيت


170


رسول الله فنزلت المرأة إلى صحن دارها فجمعت لهنَّ أُزراً ومقانع.

عزّ ذلك على زينب                    تتصدق الوادم علينه

وعطايا الخلگ كلهه امن ادينه        ما خاب ظنّه اليعتنينه


               ايظل كل سنة إيروح ويجينه

ويروى أنّ الأعداء صاروا يخلّصون كلّ من ينتمي إلى عشائرهم من النساء من السبي، فصاروا ينادون بين السبايا أين فلانة الأسديّة؟ فلتخرج فلانة العامريّة؟ أين فلانة الثقفيّة؟ حتى لم يبق إلّا بنات رسول الله، إلّا سيّدتنا زينب وأخوات زينب، فكأنّي بزينبِ تلتفت يميناً شمالاً، ألا من ينادي أين زينب الهاشميّة؟ أين بنات فاطمة الزهراء؟ أين بنات عليّ؟

صاحت بويه يحيدر ما تجينه           واتشوفنه اشلون انسبينه

                        واتشوف احسين الذابحينه

ومدّت إلى نحو الغريين طرفها        ونادت أباها خير ماشٍ وراكب


                


171