الفصل الرابع: نماذج من الخطب‏

تتعرّف في هذا الفصل على:
1. خطبة المتقين.
2. خطبة المنافقين.
3. خطبة الجهاد.
4. في فضائل أهل البيت عليهم السلام.
5. في ذمّ إبليس.
6. عيد الفطر.
7. خطبة الإمام الحسين عليه السلام.
8. خطبة السيّدة الزهراء عليها السلام.
9. خطبة السيّدة زينب عليها السلام.
10. من خطب الزواج.


119


الخطبة الأوّلى:

صفات المتـّقين


روي أنّ صاحباً لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همّام كان رجلاً عابداً, فقال: يا أمير المؤمنين, صف لي المتّقين حتّى كأنّي أنظر إليهم.

فتثاقل عليه السلام عن جوابه, ثمّ قال: يَا هَمَّامٌ, اتَقِ اللهَ وَأحسِنْ فإنَّ اللهَ مَعَ الذينَ اتَقُوا وَالذِينَ هُمْ مُحْسِنُون. فلم يقنع همّام بهذا القول حتى عزم عليه, فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى الله غليه وآله وسلم ثمّ قال:

أَمَّا بَعْدُ, فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ, آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ, لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ ولَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ, فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ.
فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ, مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ, ومَلْبَسُهُمُ


121


 الِاقْتِصَاد, ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ, غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ, ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ, نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاء2ِ, ولَولَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ, وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ.

عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ, فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا3 فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ, وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ. قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ, وشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ, وأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ4, وحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ, وأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ.

صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً, أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً, تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ5 يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ. أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا, وأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا. أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا, يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ ويَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِم6ْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً, وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ


122


 إِلَيْهَا شَوْقاً, وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ. وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ, وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ7, فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ, مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وأَكُفِّهِمْ ورُكَبِهِمْ وأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ, يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ. وأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ, أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ. قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ8, يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى, ومَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ, ويَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا9, ولَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ.

لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ, ولَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ, فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ, ومِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ10. إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ11 خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ, فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي, ورَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي, اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ, واجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ, واغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ.

فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ, وحَزْماً فِي لِينٍ,


123


 وإِيمَاناً فِي يَقِينٍ, وحِرْصاً فِي عِلْمٍ, وعِلْماً فِي حِلْمٍ, وقَصْداً فِي غِنًى12, وخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ, وتَجَمُّلًا فِي فَاقَةٍ, وصَبْراً فِي شِدَّةٍ, وطَلَباً فِي حَلَالٍ, ونَشَاطاً فِي هُدىً, وتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع13ٍ. يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وهُو عَلَى وَجَلٍ, يُمْسِي وهَمُّهُ الشُّكْرُ, ويُصْبِحُ وهَمُّهُ الذِّكْرُ, يَبِيتُ حَذِراً, ويُصْبِحُ فَرِحاً, حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ, وفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ والرَّحْمَةِ. إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ14 لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ. قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لَا يَزُولُ, وزَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَبْقَى15. يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ, والْقَوْلَ بِالْعَمَلِ. تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ, قَلِيلًا زَلَلُهُ, خَاشِعاً قَلْبُهُ, قَانِعَةً نَفْسُهُ, مَنْزُوراً أَكْلُهُ, سَهْلًا أَمْرُهُ, حَرِيزاً دِينُهُ16, مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ, مَكْظُوماً غَيْظُهُ. الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ, والشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ. إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ, وإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ17. يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ, ويُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ, ويَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ. بَعِيداً فُحْشُه18ُ, لَيِّناً قَوْلُهُ, غَائِباً مُنْكَرُهُ, حَاضِراً مَعْرُوفُهُ, مُقْبِلًا خَيْرُهُ, مُدْبِراً


124


 شَرُّهُ. فِي الزَّلَازِلِ وَقُورٌ19, وفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ, وفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ. لَا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ, ولَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبّ20ُ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ. لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ, ولَا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ, ولَا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ21, ولَا يُضَارُّ بِالْجَارِ, ولَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ, ولَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ, ولَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ. إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ, وإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ, وإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللهُ هُو الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ. نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ, والنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ, أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ, وأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ. بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ ونَزَاهَةٌ, ودُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ ورَحْمَةٌ, لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وعَظَمَةٍ, ولَا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وخَدِيعَةٍ.

قَالَ: فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا22. فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام:

أَمَا واللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ أَهَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا! فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ 23؟! فَقَالَ عليه السلام: وَيْحَكَ! إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا يَعْدُوهُ, وسَبَباً لَا يَتَجَاوَزُهُ, فَمَهْلًا, لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا, فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ.


125


الخطبة الثانية:

صفات المنافقين


أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ, وأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ, فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ, والزَّالُّونَ الْمُزِلُّون24َ, يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً, ويَفْتَنُّونَ افْتِنَانا25ً, ويَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ, ويَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ, قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ26, وصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ, يَمْشُونَ الْخَفَاء27َ, ويَدِبُّونَ الضَّراءَ, وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ, وقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ, وفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ28, حَسَدَةُ الرَّخَاءِ29, ومُؤَكِّدُو الْبَلَاءِ, ومُقْنِطُو الرَّجَاءِ, لَهُمْ بِكُلِّ


127


طَرِيقٍ صَرِيعٌ30, وإِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ, ولِكُلِّ شَجْو دُمُوعٌ31, يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاء32َ, ويَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ, إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا33, وإِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا, وإِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا, قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلًا, ولِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلًا, ولِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلًا, ولِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً, ولِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً, يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ, ويُنْفِقُوا بِهِ أَعْلَاقَهُمْ34, يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ35, ويَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ, قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ36, وأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ, فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ37, وحُمَةُ النِّيرَانِ, أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ, أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.


128


الخطبة الثالثة:

خطبة الجهاد


أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ, وهُو لِبَاسُ التَّقْوَى, ودِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ, وجُنَّتُهُ الْوَثِيقَة38ُ, فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ, وشَمِلَهُ الْبَلَاءُ, ودُيِّثَ بِالصَّغَارِ والْقَمَاءَة39ِ, وضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْأسْدَاد40ِ, وأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ, وسِيمَ الْخَسْفَ41 ومُنِعَ النَّصَفَ.

أَلَا وإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا ونَهَاراً وسِرّاً وإِعْلَاناً, وقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ, فَوَ اللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ


129


قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا42, فَتَوَاكَلْتُمْ وتَخَاذَلْتُمْ, حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ, ومُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ, وهَذَا أَخُو غَامِدٍ (وَ) قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَار43َ, وقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ, وأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا44, ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ, فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا ورُعَاثَهَا45, مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ والِاسْتِرْحَامِ46, ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ47, مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ, ولَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ, فَلَو أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً, بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً, فَيَا عَجَباً, عَجَباً واللهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ, ويَجْلِبُ الْهَمَّ, مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ, فَقُبْحاً لَكُمْ وتَرَحاً48, حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى, يُغَارُ عَلَيْكُمْ ولَا تُغِيرُونَ,


130


 وتُغْزَوْنَ ولَا تَغْزُونَ, ويُعْصَى اللهُ وتَرْضَوْنَ, فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ49, أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَر50ُّ, وإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ51, أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ, كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ والْقُرِّ, فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ والْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ واللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ ولَا رِجَالَ, حُلُومُ الْأَطْفَالِ وعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ52, لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ ولَمْ أَعْرِفْكُمْ, مَعْرِفَةً واللهِ جَرَّتْ نَدَماً, وأَعْقَبَتْ سَدَما53ً, قَاتَلَكُمُ اللهُ, لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً, وشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً, وجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً54, وأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ والْخِذْلَانِ, حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ ولَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ, لِلهِ أَبُوهُمْ؛ وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً, وأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي55, لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا ومَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ, وهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ56, ولَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ.


131


الخطبة الرابعة:

فضائل أهل البيت عليهم السلام

ونَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَه57ُ, ويَعْرِفُ غَوْرَهُ ونَجْدَهُ, دَاعٍ دَعَا ورَاعٍ رَعَى, فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي واتَّبِعُوا الرَّاعِيَ.

قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ, وأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ, وأَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ58, ونَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ, نَحْنُ الشِّعَار59ُ والْأَصْحَابُ والْخَزَنَةُ والْأَبْوَابُ, ولَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا, فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً.

(منها) فِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ60, وهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ, إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا, وإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا61, فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ, ولْيُحْضِرْ عَقْلَهُ, ولْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ, فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ,


133


فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ, فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ, وإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ, فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ, فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ, والْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ, فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَسَائِرٌ هُو أَمْ رَاجِعٌ, واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ, فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ, ومَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ, وقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ صلى الله عليه وآله:" إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ62 ويُبْغِضُ عَمَلَهُ ويُحِبُّ الْعَمَلَ ويُبْغِضُ بَدَنَهُ"*, واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً, وكُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ, والْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ, فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وحَلَتْ ثَمَرَتُهُ, ومَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.


134


الخطبة الخامسة:

في ذم إبليس


الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ والْكِبْرِيَاءَ, واخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ, وجَعَلَهُمَا حِمًى63 وحَرَماً عَلَى غَيْرِهِ, واصْطَفَاهُمَا لِجَلَالِهِ, وجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ, ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ, لِيَمِيزَ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ, فَقَالَ سُبْحَانَهُ وهُو الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ, ومَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ:
﴿إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ, فَإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ, فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ, فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ, وتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ, فَعَدُو اللهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ, وسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ, الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ, ونَازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ, وادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ, وخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ, أَلَا تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللهُ بِتَكَبُّرِهِ, ووَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ, فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً, وأَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ سَعِيراً.


135


ولَو أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ, يَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ, ويَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ64, وطِيبٍ يَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ, لَفَعَلَ, ولَو فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً, ولَخَفَّتِ الْبَلْوَى فِيهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ, ولَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ, تَمْيِيزاً بِالِاخْتِبَارِ لَهُمْ, ونَفْياً لِلِاسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ, وإِبْعَاداً لِلْخُيَلَاءِ مِنْهُمْ.


136


الخطبة السادسة:

خطبة عيد الفطر

يخطب بها إمام الجماعة بعد صلاة العيد, وهي على ما رواها الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه, عن أمير المؤمنين عليه السلام كما يلي:

الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ, وجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورَ, ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ, لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً ولَا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً, والْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ومَا فِي الْأَرْضِ, ولَهُ الْحَمْدُ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ وهُو الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ, يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ ومَا يَخْرُجُ مِنْهَا, ومَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ومَا يَعْرُجُ فِيهَا وهُو الرَّحِيمُ الْغَفُورُ, كَذَلِكَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو إِلَيْهِ الْمَصِيرُ, والْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ.

اللهُمَّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ, واعْمُمْنَا بِمَغْفِرَتِكَ, إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ, والْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ, ولَا مَخْلُوٌّ مِنْ


137


 نِعْمَتِهِ, ولَا مُؤْيَسٌ مِنْ رَوْحِهِ, ولَا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبَادَتِهِ, الَّذِي بِكَلِمَتِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ, واسْتَقَرَّتِ الْأَرْضُ الْمِهَادُ, وثَبَتَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي, وجَرَتِ الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ, وسَارَ فِي جَو السَّمَاءِ السَّحَابُ, وقَامَتْ عَلَى حُدُودِهَا الْبِحَارُ, وهُو إِلَهٌ لَهَا وقَاهِرٌ, يَذِلُّ لَهُ الْمُتَعَزِّزُونَ, ويَتَضَاءَلُ لَهُ الْمُتَكَبِّرُونَ, ويَدِينُ لَهُ طَوْعاً وكَرْهاً الْعَالَمُونَ, نَحْمَدُهُ كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ, وكَمَا هُو أَهْلُهُ, ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَسْتَهْدِيهِ, ونَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, يَعْلَمُ مَا تُخْفِي النُّفُوسُ ومَا تُجِنُّ الْبِحَارُ, ومَا تَوَارَى مِنْهُ ظُلْمَةٌ, ولَا تَغِيبُ عَنْهُ غَائِبَةٌ, ومَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ, ولَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا, لَا إِلَهَ إِلَّا هُو, ولَا رَطْبٍ ولَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ, ويَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ, وأَيَّ مَجْرًى يَجْرُونَ وإِلَى أَيِّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ, ونَسْتَهْدِي اللهَ بِالْهُدَى, ونَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ونَبِيُّهُ ورَسُولُهُ إِلَى خَلْقِهِ, وأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ, وأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ, وجَاهَدَ فِي اللهِ الْحَائِدِينَ عَنْهُ, الْعَادِلِينَ بِهِ, وعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ صلى الله عليه وآله.

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي لَا تَبْرَحُ مِنْهُ نِعْمَةٌ, ولَا تَنْفَدُ مِنْهُ رَحْمَةٌ, ولَا يَسْتَغْنِي الْعِبَادُ عَنْهُ, ولَا يَجْزِي أَنْعُمَهُ الْأَعْمَالُ, الَّذِي رَغَّبَ فِي التَّقْوَى, وزَهَّدَ فِي الدُّنْيَا, وحَذَّرَ الْمَعَاصِيَ, وتَعَزَّزَ بِالْبَقَاءِ, وذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ والْفَنَاءِ, والْمَوْتُ غَايَةُ الْمَخْلُوقِينَ,


138


 وسَبِيلُ الْعَالَمِينَ, ومَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْبَاقِينَ, لَا يُعْجِزُهُ إِبَاقُ الْهَارِبِينَ, وعِنْدَ حُلُولِهِ يَأْسِرُ أَهْلَ الْهَوَى, يَهْدِمُ كُلَّ لَذَّةٍ, ويُزِيلُ كُلَّ نِعْمَةٍ, ويَقْطَعُ كُلَّ بَهْجَةٍ, والدُّنْيَا دَارٌ كَتَبَ اللهُ لَهَا الْفَنَاءَ, ولِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلَاءَ, فَأَكْثَرُهُمْ يَنْوِي بَقَاءَهَا, ويُعَظِّمُ بِنَاءَهَا, وهِيَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ, والْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ, ويَضَنُّ ذُو الثَّرْوَةِ الضَّعِيفَ, ويَجْتَوِيهَا الْخَائِفُ الْوَجِلُ, فَارْتَحِلُوا مِنْهَا يَرْحَمُكُمُ اللهُ, بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ, ولَا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْقَلِيلِ, ولَا تَسْأَلُوا مِنْهَا فَوْقَ الْكَفَافِ, وارْضَوْا مِنْهَا بِالْيَسِيرِ, ولَا تَمُدُّنَّ أَعْيُنَكُمْ مِنْهَا إِلَى مَا مُتِّعَ الْمُتْرَفُونَ بِهِ, واسْتَهِينُوا بِهَا ولَا تُوَطِّنُوهَا وأَضِرُّوا بِأَنْفُسِكُمْ فِيهَا, وإِيَّاكُمْ والتَّنَعُّمَ والتَّلَهِّيَ والْفَاكِهَاتِ, فَإِنَّ فِي ذَلِكَ غَفْلَةً واغْتِرَاراً.

أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَنَكَّرَتْ وأَدْبَرَتْ, واحْلَوْلَتْ وآذَنَتْ بِوَدَاعٍ, أَلَا وإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ رَحَلَتْ فَأَقْبَلَتْ وأَشْرَفَتْ, وآذَنَتْ بِاطِّلَاعٍ, أَلَا وإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ, والسِّبَاقَ غَداً, أَلَا وإِنَّ السُّبْقَةَ الْجَنَّةُ, والْغَايَةَ النَّارُ, أَلَا فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ يَوْمِ مَنِيَّتِهِ, أَلَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ وفَقْرِهِ, جَعَلَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَخَافُهُ ويَرْجُو ثَوَابَهُ, أَلَا وإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ لَكُمْ عِيداً, وجَعَلَكُمْ لَهُ أَهلْاً, فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ, وادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ, وأَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ, وفَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ, فَلْيُؤَدِّهَا كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ عَنْهُ وعَنْ عِيَالِهِ


139


 كُلِّهِمْ, ذَكَرِهِمْ وأُنْثَاهُمْ, صَغِيرِهِمْ وكَبِيرِهِمْ, وحُرِّهِمْ ومَمْلُوكِهِمْ, عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ صَاعاً مِنْ بُرٍّ أَو صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَو صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ, وأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ وأَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وحِجِّ الْبَيْتِ وصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ والْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ والْإِحْسَانِ إِلَى نِسَائِكُمْ ومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ, وأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ, مِنْ قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ, وإِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ, وشُرْبِ الْخَمْرِ, وبَخْسِ الْمِكْيَالِ, ونَقْصِ الْمِيزَانِ, وشَهَادَةِ الزُّورِ, والْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ, عَصَمَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ بِالتَّقْوَى, وجَعَلَ الْآخِرَةَ خَيْراً لَنَا ولَكُمْ مِنَ الْأُولَى, إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وأَبْلَغَ مَوْعِظَةِ الْمُتَّقِينَ كِتَابُ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ, أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ


140


الخطبة السادسة:

خطبة الإمام الحسين عليه السلام

روي أنّه صلوات الله عليه لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً, فقال:

الحمد لله وما شاء الله, ولا حول ولا قوّة إلّا بالله, وصلّى الله على رسوله وسلم, خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة, وما أوّلهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف, وخير لي مصرع أنا لاقيه, كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء, فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً, لا محيص عن يوم خطّ بالقلم, رضى الله رضانا أهل البيت, نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين, لن تشذّ عن رسول الله لحمته, وهي مجموعة له في حظيرة القدس, تقرّ بهم عينه, وتنجز لهم وعده, من كان فينا باذلاً مهجته موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا, فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله.


141


الخطبة السابعة:

خطبة السيـّدة الزهراء عليها السلام


حدّثنا محمّد بن المتوكّل عن عليّ بن الحسين السعد آباديّ عن أحمد بن عبد الله البرقيّ عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمّد بن جابر عن زينب بنت عليّ عليه السلام , قالت: قالت فاطمة عليها السلام في خطبتها:

لله فيكم عهد قدّمه إليكم, وبقيّة استخلفها عليكم, كتاب الله بيّنة بصائره, وآيّ منكشفة سرائره, وبرهان متجلّية ظواهره, مديم للبريّة استماعه, وقائد إلى الرضوان أتباعه, ومؤدّ إلى النجاة أشياعه, فيه تبيان حجج الله المنيرة, ومحارمه المحرّمة, وفضائله المدوّنة, وجمله الكافية, ورخصه الموهوبة, وشرائعه المكتوبة, وبيّناته الجالية, ففرض الإيمان تطهيراً من الشرك, والصلاة تنزيها من الكبر, والزكاة زيادة في الرزق, والصيام تثبيتاً للإخلاص, والحجّ تسلية للدين, والعدل مسكاً للقلوب, والطاعة نظاماً للملّة, والإمامة لمّاً من الفرقة, والجهاد عزّاً للإسلام, والصبر معونة على الاستيجاب, والأمر بالمعروف


143


 مصلحة للعامّة, وبرّ الوالدين وقاية عن السخط, وصلة الأرحام منماة للعدد, والقصاص حقناً للدماء, والوفاء للنذر تعرّضاً للمغفرة, وتوفية المكاييل والموازين تغيّيراً للبخسة, واجتناب قذف المحصنات حجباً عن اللعنة, واجتناب السرقة إيجاباً للعفّة, ومجانبة أكل أموال اليتامى إجارة من الظلم, والعدل في الأحكام إيناساً للرعيّة, وحرّم الله عزّ وجلّ الشرك إخلاصاً للربوبية, فاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ فيما أمركم به, وانتهوا عمّا نهاكم عنه"65.


144


الخطبة الثامنة:

خطبة السيـّدة زينب عليها السلام

قال الراوي: قامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام في مجلس يزيد لعنة الله عليه فقالت:

الحمد للَّه ربّ العالمين, وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين, صدق الله سبحانه كذلك يقول:
﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض, وآفاق السماء, فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى, أنّ بنا على الله هوانا, وبك عليه كرامة, وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده, فشمخت بأنفك, ونظرت في عطفك, جذلان مسروراً, حين رأيت الدنيا لك مستوسقة, والأمور متّسقة, وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا, مهلاً, مهلاً, أنسيت قول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌأمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا, قد هتكت ستورهن, وأبديت وجوههن, تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد,


145


 ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل, ويتصفّح وجوههن القريب والبعيد, والدني والشريف, ليس معهن من رجالهن وليّ, ولا من حماتهن حميّ, وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء, ونبت لحمه بدماء الشهداء, وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن, والإحن والأضغان, ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم:
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً                   ثمّ قالوا يا يزيد لا تشلّ


منتحياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك؟! وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة, واستأصلت الشافة, بإراقتك دماء ذريّة محمّد صلى الله غليه وآله وسلم, ونجوم الأرض من آل عبد المطلب, وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم, فلتردنّ وشيكاً موردهم, ولتودنّ أنّك شللت وبكمت, ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت, اللهم خذ بحقّنا وانتقم من ظالمنا, وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا, وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت إلّا جلدك, ولا جززت إلّا لحمك, ولتردنّ على رسول الله بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته, وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته, حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقّهم
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ, حسبك بالله حاكماً وبمحمّدٍ خصيماً وبجبرئيل ظهيراً, وسيعلم من سوى لك, ومكّنك من رقاب المسلمين, بِئْسَ


146


 لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وأيّكم شَرٌّ مَكاناً وأَضْعَفُ جُنْداً, ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك, إنّي لأستصغر قدرك, وأستعظم تقريعك, وأستكبر توبيخك, لكن العيون عبرى والصدور حرى, ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء, فهذه الأيدي تنطف من دمائنا, والأفواه تتحلّب من لحومنا, وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل, وتعفوها أمهات الفراعل, ولئن اتخذتنا مغنماً, لتجدنّا وشيكاً مغرماً, حين لا تجد إلّا ما قدمت, وما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

فإلى الله المشتكى وعليه المعوّل, فكد كيدك واسع سعيك, وناصب جهدك, فو الله لا تمحو ذكرنا, ولا تميت وحينا, ولا تدرك أمدنا, ولا ترحض عنك عارها, وهل رأيك إلّا فند, وأيامك إلّا عدد, وجمعك إلّا بدد, يوم يناد المناد:
﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ, فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة, ولآخرنا بالشهادة والرحمة, ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب, ويوجب لهم المزيد, ويحسن علينا الخلافة, إنّه رحيم ودود, وحَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ.


147


الخطبة التاسعة:

خطبة الزواج

وكمثال على خطب النكاح نذكر الخطبة المعروفة باسم "خطبة عليّ بن موسى الرضا عليه السلام " حيث يقول فيها:

الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه, وافتتح بالحمد كتابه, وجعل الحمد أوّل محلّ نعمته, وآخر جزاء أهل طاعته, وصلّى الله على محمّد خير البرية, وعلى آله أئمّة الرحمة, ومعادن الحكمة.

والحمد لله الذي كان في نبئه الصادق, وكتابه الناطق, أنّ من أحقّ الأسباب بالصلة وأوّلى الأمور بالتقدمة سبباً أوجب نسباً وأمراً أعقب غنى, فقال جل ثناؤه:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا 66, وقال جلّ ثناؤه:﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ67, ولو لم تكن في المناكحة والمصاهرة آية منزلة ولا سنّة متّبعة لكان ما جعل الله فيه من برّ القريب, وتألّف البعيد


149


 ما رغب فيه العاقل اللبيب, وسارع إليه الموفّق المصيب, فأوّلى الناس بالله من اتبع أمره, وأنفذ حكمه, وأمضى قضاءه, ورجا جزاءه, ونحن نسأل الله تعالى أن يعزم لنا ولكم على أوفق الأمور, ثمّ إنّ فلان بن فلان من قد عرفتم مروءته وعقله وصلاحه ونيّته وفضله, وقد أحبّ شركتكم, وخطب كريمتكم فلانة, وبذل لها من الصداق كذا, فشفّعوا شافعكم, وأنكحوا خاطبكم في يسر غير عسر, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم68.


150


هوامش

1- ملبسهم الخ, أي أنّهم لا يأتون من شهواتهم إلّا بقدر حاجاتهم في تقويم حياتهم فكان الإنفاق كثوب لهم على قدر أبدانهم لكنّهم يتوسّعون في الخيرات.
2- نزلت الخ, أي أنّهم إذا كانوا في بلاء كانوا بالأمل في الله كأنّهم كانوا في رخاء لا يجزعون ولا يهنون, وإذا كانوا في رخاء كانوا من خوف وحذر النقمة كأنّهم في بلاء لا يبطرون ولا يتجبّرون.
3- أي هم على يقين من الجنّة والنّار كيقين من رآهما, فكأنّهم في نعيم الأوّلى وعذاب الثانية رجاء وخوفاً.
4- نحافة أجسادهم من الفكر في صلاح دينهم والقيام بما يجب عليهم له.
5- يقال أربحت التجارة إذا أفادت ربحاً.
6- استئثار الساكن هيجه, وقارئ القرآن يستشير به الفكر الماحي للجهل فهو داؤوه.
7- زفير النّار؛ صوت توقّدها, وشهيقها الشديد من زفيرها كأنّه تردّد البكاء أو نهيق الحمار, أي أنّهم من كمال يقينهم بالنّار يتخيّلون صوتها تحت جدران آذانهم, فهم من شدّة الخوف قد حنوا ظهورهم وسلّطوا الانحناء على أوساطهم, وفكاك الرقاب خلاصها.
8- القداح: جمع قدح- بالكسر- وهو السهم قبل أن يرشّ. وبراه: نحته, أي رقّق الخوف أجسامهم كما ترقّق السهام بالنحت.
9- خولط في عقله أي مازجه خلل فيه, والأمر العظيم الذي خالط عقولهم هو الخوف الشديد من الله.
10- مشفقون: خائفون من التقصير فيها.
11- زكى: مدحه أحد.
12- قصد أي اقتصاداً. والتجمّل: التظاهر باليسر عند الفاقة أي الفقر.
13- التحرّج: عدّ الشيء حرجاً أي إثماً أي التباعد عن طمع.
14- إن استصعبت: أي إذا لم تطاوعه نفسه فيما يشقّ عليها من الطاعة عاقبها بعدم إعطائها ما ترغبه من الشهوة.
15- ما لا يزول هو الآخرة وما لا يبقى هو الدنيا.
16- منزوراً: قليلاً. وحريزاً: حصيناً.
17- أي إن كان بين الساكتين عن ذكر الله فهو ذاكر له بقلبه, وإن كان بين الذاكرين بلسانهم لم يكن مقتصراً على تحريك اللسان مع غفلة القلب.
18- الفحش: القبيح من القول.
19- في الزلازل أي الشدائد المرعدة, والوقور الذي لا يضطرب.
20- لا يأثم الخ لا تحمله المحبّة على أن يرتكب إثماً لإرضاء حبيبه.
21- أي لا يدعو باللقب الذي يكره ويشمئز منه.
22- صعق: غشى عليه.
23- فما بالك لا تموت مع انطواء سرّك على هذه المواعظ البالغة, وهذا سؤال الوقح البارد.
24- الزالون من زل أي أخطأ. والمزالون من أزله إذ أوقعه في الخطأ.
25- يفتنون أي يأخذون في فنون من القول لا يذهبون مذهباً واحدا. ويعمدونكم أي يقيمونكم بكلّ عماد. والعماد ما يقام عليه البناء أي إذا ملتم عن أهوائهم أقاموكم عليها بأعمدة من الخديعة حتى توافقوهم. والمرصاد: محل الارتقاب, ويرصدونكم يقعدون لكم بكلّ طريق ليحولّوكم عن الاستقامة.
26- دوية: أي مريضة من الدوى بالقصر وهو المرض, والصفاح: جمع صفحة, والمراد منها صفاح وجوههم, ونقاوتها صفاؤها من علامات العداوة وقلبوكم ملتهبة بنارها.
27- يمشون مشي التستّر ويدبّون أي يمشون على هيئة دبيب الضرّاء أي يسيرون سريان المرض في الجسم أو سريان النقص في الأموال والأنفس والثمرات.
28- الداء العياء: -بالفتح- الذي أعيى الأطباء ولا يمكن منه الشفاء.
29- حسدة: جمع حاسد, أي يحسدون على السعة وإذا نزل بلاء بأحد أكدوه وزادوه وإذا رجى أحد شيئاً أوقعوه في القنوط واليأس.
30- الصريع: المطروح على الأرض, أي أنّهم كثيراً ما خدعوا أشخاصاً حتى أوقعوهم في الهلكة.
31- الشجو: الحزن, أي يبكون تصنّعاً متى أرادوا.
32- يتقارضون كلّ واحد منهم يثني على الآخر ليثني الآخر عليه, كأنّ كلّاً منهم يسلف الآخر ديناً ليؤدّيه إليه وكلّ يعمل للآخر عملاً يرتقب جزاءه عليه.
33- بالغوا في السؤال وألحّوا. وإن عذلوا أي لاموا كشفوا أي فضحوا من يلومونه.
34- ينفقون أي يروّجون من النفاق- بالفتح-, ضدّ الكساد. والأعلاق: جمع علق, الشيء النفيس, والمراد ما يزيّنونه من خدائعهم.
35- أي يشبهون الحقّ بالباطل.
36- يهوّنون على الناس طرق السير معهم على أهوائهم الفاسدة ثمّ بعد أن ينقادوا لهم يضلعون عليهم المضائق أي يجعلونها معوجّة يصعب تجاوزها فيهلكون.
37- اللمّة- بالضمّ- الجماعة من الثلاثة إلى العشرة والمراد هنا مطلق الجماعة, واللمّة بالتخفيف: الإبرة تلسع بها العقرب ونحوها, والمراد لهيب النيران.
38- جنّته- بالضمّ- وقايته.
39- ديث مبنيّ للمفعول من ديثه أي ذلـله. وقمؤ الرجل ككرم قمأة وقماءة أي ذلّ وصغر.
40- الأسداد: جمع سدّ يريد الحجب التي تحول دون بصيرته والرشاد, قال الله:" وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون", ويروى بالإسهاب وهو ذهاب العقل أو كثرة الكلام, أي حيل بينه وبين الخير بكثرة الكلام بلا فائدة.
41- أديل الحقّ منه أي صارت الدولة للحقّ بدله. وسيم الخسف أي أوّلى الخسف وكلفه, والخسف الذلّ والمشقّة أيضاً, والنصف- بالكسر- العدل, ومنع- مبني للمجهول- أي حرم العدل بأن يسلّط عليه من يغلبه على أمره فيظلمه.
42- عقر الدار- بالضم-وسطها وأصلها, تواكلتم: وكّل كلّ منكم الأمر إلى صاحبه, أي لم يتولّه أحد منكم بل أحاله كلّ على الآخر, ومنه يوصف الرجل بالوكل أي العاجز, لأنّه يكل أمره إلى غيره. وشنّت الغارات: فرقت عليكم من كلّ جانب كما يشنّ الماء متفرّقاً دفعة بعد دفعة, وما كان إرسالاً غير متفرّق يقال فيه سنّ – بالمهملة-.
43- أخو غامد: هو سفيان بن عوف من بني غامد, قبيلة من اليمن من أزد شنوءة, بعثه معاوية لشنّ الغارات على أطراف العراق تهويلاً على أهله. والأنبار: بلدة على الشاطىء الشرقيّ للفرات, ويقابلها على الجانب الغربيّ هيت.
44- جمع مسلحة- بالفتح- وهي الثغر. والمرقب: حيث يخشى طروق الأعداء.
45- المعاهدة: الذميّة. والحجل- بالكسر-: خلخالها. والقلب بالضمّ: سوارها. والرعاث: جمع رعثة ويحرّك بمعنى القرط, ويروى رعثها بضمّ الراء والعين جمع رعاث جمع رعثة.
46- الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء, والاسترحام: أن تناشده الرحم.
47- وافرين: تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم, والكلم- بالفتح-: الجرح.
48- ترحاً بالتحريك: أي همّاً وحزناً أو فقراً, والغرض: ما ينصب ليرمى بالسهام ونحوها, فقد صاروا بمنزلة الهدف يرميهم الرامون وهم نصب لا يدفعون, وقوله: ويعصي الله, يشير إلى ما كان يفعله قوّاد جيش معاوية من السلب والنهب والقتل في المسلمين والمعاهدين ثمّ أهل العراق راضون بذلك إذ لو غضبوا لهمّوا بالمدافعة.
49- حمّارة القيظ: شدّة الحرّ.
50- التسبيخ بالخاء المعجمة والتخفيف والتسكين.
51- صبّارة الشتاء: برده, والقرّ- بالضمّ-: البرد.
52- حجال جمع حجلة: وهي القبّة وموضع يزين بالستور والثياب للعروس. وربّات الحجال: النساء.
53- السدم محرّكة: الهمّ أو مع أسفٍ أو غيظٍ. والقيح: ما في القرحة من الصديد. وشحنتم صدري: ملأتموه.
54- النغب جمع نغبة: كجرعة وجرع لفظاً ومعنى, والتهمام- بالفتح-: الهم وكلّ تفعال فهو بالفتح إلّا التبيان والتلقاء فإنّهما بالكسر, وأنفاساً: أي جرعة بعد جرعة.
55- مراساً: مصدر مارسه ممّارسة ومراساً أي وزاوله وعاناه.
56- ذرفت على الستين: أي زدت عليها, ويروى نيّفت بمعناه. وفي الخطبة روايات أخرى لا تختلف عن رواية الشريف في المعنى وإن اختلفت عنها في بعض الألفاظ. أنظر الكامل للمبرّد.
57- ناظر القلب, استعارة من ناظر العين: وهو النقطة السوداء منها, والمراد بصيرة القلب بها يدرك اللبيب أمده أي غايته ومنتهاه, والغور ما انخفض من الأرض. والنجد ما ارتفع منها, أي يدرك باطن أمره وظاهره.
58- أرز يأرز- بكسر الراء في المضارع- أي انقبض وثبت, وأرزت الحيّة لاذت بحجرها ورجعت.
59- ما يلي البدن من الثياب والمراد بطانة النبيّ(ص).
60- الضمير لآل النبيّ والكرائم: جمع كريمة, والمراد أنزلت في مدحهم آيات كريمات. والقرآن كريم كلّه وهذه كرائم من كرائم.
61- لم يسبقهم أحد إلى الكلام وهو سكوت أي يهاب سكوتهم فلم يجرؤ أحد على الكلام فيما سكتوا عنه.
62- أنّ الله يحبّ الخ أي يحبّ من المؤمن إيمانه ويبغض ما يأتيه من سيئات الأعمال ولا يفيده ذلك الحبّ مع هذا البغض إلّا عذاباً يتطهرّ به من خبث أعماله, ويحبّ من الكافر عمله إن كان حسناً ويبغض ذاته لالتياثها بدنس الكفر, ولا ينتفع بالعمل المحبوب إلّا نفعاً مؤقّتاً في الدنيا وله في الآخرة عذاب عظيم, فلا يكمل للإنسان حظّه من السعادة إلّا إذا كان مؤمناً طيّب العمل.
*- يوجد بهامش الأصل: ( المؤمن إذا صدرت منه صغيرة فالله يحبّه ويبغض عمله, والكافر إذا أحسن فالله يحبّ عمله ولا يحبّه).
63- الحمى: ما حميته عن وصول الغير إليه والتصرّف فيه.
64- الرواء- بضمّ ففتح- حسن المنظر. والعرف- بالفتح- الرائحة.
65- علل الشرائع, الشيخ الصدوق, ج1 ص 248.
66- سورة الفرقان الآية 54.
67- سورة النور, الآية 32.
68- بحار الأنوار, المجلسيّ ج 103, ص265.