الفصل الثاني:الخطاب

في هذا الفصل تتعرّف على:
1. تهيئة موادّ الخطاب.
2. الإرتجال.
3. صياغة الخطاب.
4. مادّة الخطاب.


65


الدرس السادس: تهيئة مواد الخطاب‏

الأمر الأوّل: تهيئة موادّ الخطاب‏

يمكن وضع منهاج تدريجيّ لتهيئة موادّ الخطاب وجمعها يتكوّن من ستّ مراحل تخدم الخطيب بشكل كبير لا بدّ من اتباعه للمبتدئ وكلّ من لم يتمرّس في هذا الفنّ.

و أمّا من تمرّس فيه واشتدّ ساعده فقد لا يحتاج في تحضير خطابه إلّا إلى مراجعة بسيطة لبعض المصادر ليضيف إليها ما لديه من معلومات سابقة وينسّق الجميع في ذهنه ليخرج بخطبة كاملة متكاملة.

وهذه المراحل هي:

المرحلة الأوّلى:

تحديد نوعيّة الخطاب المنويّ إلقاؤه، كأن يكون في حقل الأخلاق أو في حقل التفسير أو السياسة أو التاريخ أو القضاء، كما لو كان الخطيب قائداً عسكريّاً أو مسؤولاً سياسيّاً أو واعظاً


67


 دينيّاً أو محاضراً في علم التاريخ أو كان محامياً عن متهم أو وكيلاً للنيابة العامّة أو ما شابه ذلك، فإنّ عليه أن يحدّد نوعيّة الخطاب.

المرحلة الثانية:

تحديد عنوان الموضوع الذي سيتناوله في خطبته، مثلاً:

"الغيبة" في الموضوع الأخلاقيّ.

"تفسير سورة القدر" في علم التفسير.

"تحديد الموقف العمليّ للمسلمين في مقابل الغزو الفكريّ" في عرض المفاهيم الإسلاميّة، أو تطبيق السياسة الإسلاميّة.

"معركة النهروان" في التحليل التاريخيّ.

"الدفاع عن متهم بالقتل" في القانون والقضاء. وما شابه ذلك.

المرحلة الثالثة:

طلب الموضوع من مظانّه من الكتب التي تتعرّض لهذا النوع من الخطب أو البحوث، وعليه أن يراجع كتابين في كلّ علم على أقلّ تقدير، وكلّما طالع أكثر وعّدد المصادر كان أفضل، فإنّ ذلك يعطيه مجالاً أوسع في استعراض الآراء ومناقشتها والاستفادة منها في إثبات المطلوب، ويفسح له المجال للتعرّض لدقائق الأمور وجزئيّاتها، ففي موضوع "الغيبة" يراجع مثلاً: "المحجّة البيضاء" للفيض الكاشانيّ وكتاب "الغيبة" للشهيد الثاني...


68


وفي موضوع التفسير يراجع مثلاً: "الكشّاف" للزمخشريّ و"مجمع البيان" للطبرسيّ...

وفي الموضوع التاريخيّ يراجع مثلاً: "تاريخ الطبريّ" و"مروج الذهب" للمسعوديّ وهكذا.

"ويمكن معرفة الكتب التي تحتوي على مراد الخطيب بواسطة أمرين:"

1 - أن يكون عنده اطلاع تفصيليّ على ما في الكتب التي تخدمه نتيجة مطالعاته السابقة، أو اطلاع عام إجمالي على الكتب التي تمتّ إلى موضوعه بصلة بحيث لو راجعها لتفتّحت أمّا مه أبواب أخرى ومصادر ثانية لموضوعه.

2 - مراجعة فهارس المكتبات العامّة في المادة التي يريد البحث فيها، فيبحث في فهارس مادّة التاريخ عن الكتب التي تناسب موضوعه وهكذا في التفسير والأخلاق وغيرهما"1.

ويجب ألّا تخفى على الخطيب هكذا أمور و إلّا فعليه أن يعود للمطالعة العامّة لمدّة من الزمن فيقرأ بتروٍّ وإمعان ويكتب رؤوس أقلام لما قرأ. ويحفظ ما له علاقة بالمواضيع التي يحتمل أن يتطرّأ لها ويبحث عنها.


69


المرحلة الرابعة:

البحث عن الشواهد التي تنفع الخطيب في دعم الموضوع الذي يريد التحدّث فيه كالبحث عن الآيات التي تتعرّض للغيبة مثلاً والأحاديث الشريفة والأقوال المأثورة والقصص التي تناسب المقام وبعض الأشعار والأمثال وما شابه ذلك ممّا سيأتي تفصيله وكيفيّة الاستفادة منه.

ولعلّ البحث عن الشواهد أو ما نسمّيه بالأعوان أصعب وأشقّ من البحث عن أصل الموضوع، وذلك لأنّ الأعوان أمور جزئيّة متفرّقة هنا وهناك، فربما تحصل على شاهد للأخلاق من كتب التاريخ وربما تحصل على شاهد للسياسة من كتب التفسير وهكذا...

ويمكن القول بكلّ وضوح أنّ سعة اطلاع الخطيب، وكثرة معلوماته ومحفوظاته تظهر جليّة في هذا المضمار.

فمن الخطباء البارزين من باستطاعته أن يعتمد على محفوظاته في إلقاء الخطب الطوال ويذكر فيها من الشواهد والأعوان ما لا يدع عند السامع شكّاً في صحّة كلامه وأحقيّته فيورد قصّة من هنا ويروي حادثة من هناك ثمّ يدعمه بالآيات القرآنيّة وبالشعر المحفوظ بشكل دقيق. وعليه ألّا ينسى إيراد اسم صاحب الأبيات أو أسماء الأشخاص الذين نزلت الآية فيهم أو دارت القصّة حولهم.


70


المرحلة الخامسة:

كتابة النقاط الرئيسيّة على ورقة بشكل مرتّب ومنسّق على هذا الشكل:

أ - الآية أو الحديث أو القول المأثور الذي يفتتح به الخطاب.

ب - بعض الألفاظ الخاصّة التي تصلح للمقدّمة كمدخل إلى قلب الموضوع.

ج - طرح الموضوع، وذلك على النحو التالي:
1 - تعريف محور البحث وتوضيح المعاني التي تحيط به.
2 - ذكر التقسيمات والتفريعات بشكل مرتّب ومنظّم.
3 - تبيين حكم كلّ قسم.

د - الأدلّة والشواهد والأمثلة على كلّ قسم من الأقسام المتقدّمة بأن تكتب إلى جنبه.

هـ - القصص المناسبة للمقام والتي لا بدّ من توزيعها بالشكل الذي يتناسب مع نقاط البحث...

و - الأعوان العامّة أو الخاصّة كالآيات والأحاديث والأمثال والأشعار، وما إلى هنالك... بشرط توزيعها في أمّا كنها المناسبة حين الكتابة أو على الأقل حين الإلقاء.

ز - الخاتمة وما يمكن أن يوجد فيها من ألفاظ بها أو أعوان كذلك كما سيأتي في بحث الخاتمة.


71


فإذا كان للخطيب سابقة خطابيّة ويتمتّع بذهنيّة جيّدة يمكنه أن يكتفي بهذا المقدار من التحضير و إلّا فلا بدّ أن يمرّ في المرحلة السادسة.

المرحلة السادسة:

كتابة الخطاب مفصّلاً، كما لو كان الخطيب يكتب بحثاً أو رسالة أو مقالة، ولا يوجد كثير فرق بين الخطاب والبحث إلّا من حيث نوعيّة القضايا التي تستعمل في الخطابة فإنّها مشهورات ذائعات في الغالب دون البحث العلميّ أو المقالة الأدبيّة، ومن حيث الألفاظ الرنّانة التي يمتاز بها الأسلوب الخطابيّ عن غيره وهكذا من حيث التكرار فإنّه يستحسن في الخطابة ولا يستحسن في غيرها.

ثمّ بعد إتمام الكتابة يطالع الخطاب عدّة مرّات ويصحّح ما وقع فيه من الخطأ ثمّ يقرأه بصوت عال عدّة مرّات ليتعوّد على قراءته ولا يفاجأ به على المنبر.

فإن كان الخطيب مبتدئاً فلا بدّ له أن يصطحب معه الأوراق التي كتب الخطاب عليها ليتلوه من على المنبر.

وننصح الخطيب هنا ألّا يظهر الأوراق للمخاطبين إن أمكنه ذلك وخصوصاً إذا كان الموضوع طويلاً وقد استغرق عدّة أوراق، أو كان قد كتبه على ورقة كبيرة، فإنّ رؤية المخاطب لهذه الأوراق الكبيرة ومعرفته بأنّها ستتلى عليه بعد قليل بأكملها تقود إليه


72


 الضجر والسأم باكراً حتّى في بداية القراءة. فإن أمكنه ستر الأوراق الكثيرة خلف المنبر سترها، و إلّا فالأحسن أن تكتب على ورقة واحدة أو اثنتين من الحجم المتوسّط أو الصغير، وعدم مراعاة هذا الأمر سيؤدّي بالخطيب إلى نفس المصير الذي وصل إليه الخطيب النابي الذي مرّ كلام "ديكوب" عنه2.

و أمّا إذا كان صاحب خبرة سابقة وتجربة ماضية فالأحسن له أن تكتب رؤوس الأقلام فقط، أي يكتفي بالمرحلة الخامسة التي تقدّم الكلام عنها، ثمّ يضع الورقة في كفّه بشكل غير ملحوظ للجمهور ويشرع في خطابه. فإذا احتاج إلى مراجعة آية أو نقطة ما استرق النظر إلى الورقة فقرأها أو استذكر بها ما يريده.

وهذا الأسلوب متّبع عند كثير من الخطباء. وقد شاهدت العديد من الخطباء لا يبدو عليهم التحرّج من هذا الأسلوب، وميزته أنّه ارتجال إلى حدّ ما ويعين على الارتجال التامّ. والمخاطب يرتاح إلى الخطاب الارتجاليّ أكثر بكثير من ارتياحه للخطاب المقروء عن الورقة.

وبما أنّ الكلام قادنا إلى الارتجال فلنبحث عنه في هذا الفصل.


73




74

الدرس السابع: الإرتجال‏

الأمر الثاني: الارتجال.

لا بدّ للخطيب أن يعوّد نفسه على الارتجال فيشارك في إلقاء الخطب في المناسبات البسيطة وبين أصدقائه ثمّ يحاول أن يرتجل في مناسبات أكبر وأهمّ، وهكذا إلى أن يصل إلى المرتبة المطلوبة.

تعريفه: والمراد من الارتجال هنا الاستغناء عن الورقة وإن كان بعضهم يفسّره بأنّه الإلقاء دون تحضير مطلقاً.

ما يساعد على الارتجال:

ومن أهمّ الأمور التي تساعد على الارتجال كثرة محفوظاته وسعة إطلاعه، بل يمكن القول أنّه من الصعب جدّاً أن يصبح المرء خطيباً مرتجلاً بدون محفوظات يعتمد بها.

وهناك أشياء معيّنة إذا حفظها الخطيب ساعدته على الارتجال:


75


أوّلاً: أكبر قدر ممكن من القرآن الكريم حفظاً محكماً مع مراعاة كلّ ما في الآية من حركات وسكنات والاطلاع على معاني الآيات إجمالاً.

ثانياً: أكبر قدر ممكن من الأحاديث النبويّة وروايات الأئمّة عليهم السلام ، وخصوصاً الأحاديث القصيرة أو ما يسمّى بالكلمات القصار.

ثالثاً: بعض خطب نهج البلاغة مثل:
أ - خطبة المتقين.
ب - خطبة الجهاد.
ج - الخطبة الشقشقيّة.
د - خطبة الحثّ على الصلاة.
هـ - كتابه عليه السلام إلى عامله في البصرة عثمان بن حنيف. فإنّ فيها مادّة واسعة يمكن الاستشهاد بها في كثير من الموضوعات.
و - عهده عليه السلام إلى مالك الأشتر عامله على مصر.

رابعاً: أكبر قدر ممكن من الأقوال المأثورة والحكم والأشعار والأمثال.

خامساً: جمع ما تيسّر من القصص الهادفة والقصيرة التي كان لها أساس في الكتب دون ما كان على سبيل الخرافة والأسطورة، اللهم إلّا بعض القصص العظيمة الفائدة.


76


سادساً: أكبر قدر ممكن من استعمالات البلغاء وعباراتهم وتركيباتهم القابلة للحفظ.

سابعاً: الاعتياد على استعمال الكلمات الجزلة مكان الكلمات المبتذلة.

مثل أن يقال: "ديمة" مكان "غيمة"، و"عبرة" مكان "دمعة"، و"ليث" مكان "أسد"، و"صارم" مكان "السيف" و"أديم" مكان "التراب"، و"قرطاس" مكان "الورق" وما إلى ما هنالك من ألفاظ من الواضح إنّها أجمل من غيرها ممّا سار على ألسن الناس وتؤدّي نفس المعنى تقريباً.

والشي‏ء الأساسي الذي يحتاجه الارتجال هو الإلقاء وممارسته بين الناس والتعوّد على مواجهتهم والإقبال عليهم. فإنّ ذلك يعلّم الخطيب أشياء كثيرة لا يمكنه أن يتعلّمها من الخطابة التي تعتمد على الورقة. فقد يحتاج الخطيب في بعض الأحيان أن يغيّر بعض الأفكار التي وردت في ضمن خطابه نتيجة عروض طارئ يستلزم ذلك كما لو كان في ضمن الخطاب فقرة ترحيب بقدوم شخص يتوقّع حضوره الحفل ولم يحصل ذلك أو بالعكس، فقد يلزم الترحيب به لمجيئه فجأة. فإن كان الخطيب مرتجلاً أمكنه فعل ما يريد من الإطالة أو التقصير أو الحذف أو الزيادة أو التبديل لبعض الأمور أو غير ذلك ممّا لا يتيسّر فعله لمن لا يمكنه الاستغناءعن الورقة.


77


وللخطابة تلاوة مميّزة عن الارتجال يجب أن لا نبخسها حقّها وهي: أنّ الخطيب المرتجل قد يلتبس عليه ما كان يريد أن يقوله ثمّ يأتي إلى ذهنه أيّ شي‏ء ممّا يصلح للمقال بخلاف من يستفيد ممّا كتبه، فإنّ ورقته في جيبه يتفقّدها قبل الصعود إلى المنبر فإذا استوى عليه أخرجها وتلا ما فيها.
ولا يمكن للمرتجل التخلّص من هذه الحالة إلّا إذا كان متمرّساً حادّ الذهن متوقّد البصيرة فإنّه يأتي بدل الكلام الذي كان يريد أن يقوله ونسيه بكلام آخر ربما كان أحسن من الأوّل وأجمل.
ومن الجدير بالذكر هنا أنّ العرب لم يكونوا ليستعملوا الإلقاء الإملائيّ أو ما شابه ذلك في خطبهم مطلقاً، بل كان عالمهم وجاهلهم سيّدهم ومسودهم، أميرهم ومأمورهم يلقون خطبهم ارتجالاً، ولذلك اشتهروا بأنّهم أقوى الشعوب طرّاً على الارتجال.


78


خلاصة الدرس‏



79


الدرس الثامن: صياغة الخطاب‏

الأمر الثالث: صياغة الخطاب‏

يقع البحث في صياغة الخطاب من جهتين:
الجهة الأوّلى: هيئته.
الجهة الثانية: مادّته.

هيئة الخطاب‏

تشكّل الهيئة العامّة للخطاب من ثلاثة أجزاء رئيسيّة هي:

1 - مقدّمة.
2 - عرض.
3 - خاتمة.

وقد قال عنها الشيخ الرئيس: "وللأقاويل الخطابيّة صدر واقتصاص وخاتمة"3.


81


المقدّمة:

وهي ما يقدّمه الخطيب بين يدي الموضوع الذي يريد أن يتعرّض له في خطبته من عبارات لطيفة يفتتح بها كلامه ليهيّئ السامعين للاقتناع بما سيأتي في ضمن العرض. ويشترط فيها أمران:

الأوّل: أن لا يكون فيها ما يسي‏ء للمخاطبين، أو ينفّرهم من استماع الخطبة، مثل أن يذكر ما يزعجهم من أخبار أو يعدّد ما فيهم من مساوئ أو يتلفّظ بألفاظ نابية أو يعرض أفكاراً مرفوضة عندهم سلفاً، اللهم إلّا إذا كان رئيسهم أو من لا يستطيعون الإنكار عليه. والمهمّ ألّا يكون في المقدّمة ما يفسد التئام أذواق المخاطبين مع الخطاب.

الثاني: أن يتحرّز الخطيب من إيراد ما يثير الحساسيّات فيما بينهم وهذا يشترط في كلّ الخطاب وعلى الأخصّ في المقدّمة. فلا يذكر فيها ما يذكرهم بعداوة قديمة فيما بينهم، أو ما يعدّ عندهم تغليباً لبعض السامعين على بعض خصوصاً إذا كانوا طائفتين أو قبيلتين متنافرتين ونحو ذلك.

والفرق بين هذا الشرط وسابقه أنّ الأوّل يكون حساسيّة بين الخطيب والجمهور بينما هذا يوجد الحساسيّة بين نفس الحاضرين الذين يتكوّن الجمهور منهم.


82


و أمّا ما يجب أن يقال في المقدّمة فسوف يأتي مفصّلاً في الجهة الثانية أي مادّة الخطاب.

العرض:

وهو ما يريد الخطيب طرحه من الدعاوى والأدلّة ممّا عليه أن يقنع الجمهور به. وهو العمدة في الخطاب وأساسه وركيزته. فإن نجح الخطيب فيه حقّق هدفه من الخطبة و إلّا فليس نصيبه إلّا الإخفاق. ويشترط فيه أمران أيضاً:

الأوّل: أن يقسّم الأفكار التي يريد عرضها تقسيماً سليماً شاملاً لجميع ما يحتوي عليه المقسم من جزئيّات يلزم طرحها. ولا بدّ أن يعرض الأقسام بشكل واضح وسهل خال من التعقيد كي يسهل على السامع تصوّرها وضبطها. والتحرّز قدر الإمكان عن استعمال الأسلوب العلميّ الجاف كأن يقول: "الشي‏ء الفلانيّ لا يخلو إمّا كذا أو كذا فالأوّل دليله كذا ويرد عليه كذا والثاني كذا ويرد عليه كذا" وإنّما من المستحسن جدّاً الاستفادة من الأسلوب الأدبّي بأن يعرض الأقسام متناسيّاً الطريقة المبتذلة للتقسيم مستعملاً عبارات أدبيّة جيّدة، على هذه الطريقة:

قسّم المتقدّمون الكائنات الأرضيّة إلى ثلاثة أجناس عامّة تسمّى بالمواليد الثلاثة، وهي: الجماد، والنبات، والحيوان. وعرّفوها بأنّ منها ما ينمو ومنها ما ينمو ويعيش ومنها ما ينمو


83


 ويعيش ويحسّ.

الثاني: أن تكون الأفكار والأقسام التي يراد طرحها مرتّبة ومترابطة ببعضها البعض كي يسهل على السامع الانتقال من أوّلها إلى ثانيها وهكذا إلى الوصول إلى الغاية المنشودة. وهذا الأمر له فائدتان: الأوّلى أنّه يسهّل على السامع تصوّرها واستيعابها جميعاً. والثانية أنّه يسهّل على الخطيب حفظها وإلقاؤها.

الخاتمة:

وتحتوي الخاتمة على صورة إجماليّة لما جاء في العرض مصوغة بشكل محكم ومختصر بحيث يبقى ما ورد فيها عالقاً في أذهان السامعين أطول مدّة ممكنة بعد انتهاء الخطاب. وفي الخاتمة يكون استخلاص النتائج من الموضوع وتقديمه كقضيّة كليّة إلى الجمهور.


84


خلاصة الدرس‏



85


الدرس التاسع: مادّة مقدّمة الخطاب

بما أنّ الخطاب ينقسم إلى الأجزاء الثلاثة التي بحثنا عنها في هيئة الخطاب فلا بدّ من تناول هذه الأقسام بعينها في مادّة الخطاب.

لا بدّ أن تحتوي المقدّمة على ما نفتتح به الخطبة كالبسملة والحمد والصلاة على النبيّ وآله عند المسلمين، أو الاكتفاء بالسلام على الجمهور كما يفعل غيرهم وربما كان هناك من غير المسلمين من لا يتحرّج من البدء بها بدون أيّ شي‏ء من هذا القبيل.

وكان المسلمون يسمّون الخطبة التي لا يبتدأ فيها بما ذكرنا بالبتراء، ولعلّه لأجل ذلك سمّيت خطبة زياد بن أبيه التي ألقاها حينما تولّى البصرة من قبل معاوية بالبتراء حتى عرفت بهذا الاسم.

ثمّ بعد الحمد والثناء يدخل الخطيب في ذكر أمور عامّة تكون كعنونة لما سوف يأتي الكلام عنه مفصّلاً في العرض.


87


ولا بدّ في المقدّمة من مراعاة الهدوء والتمهّل في الإلقاء واستعمال الألفاظ الجزلة الرقيقة الناعمة مهما أمكن.

ولا بأس بأن تكون محتوية على بعض الاستعارات والتشابيه ممّا يجعلها حسنة مقبولة لدى السامع.

وغالباً ما تلقى المقدّمة بصوت منخفض كما قدّمنا في بحث الإلقاء، إلّا الخطب العسكريّة فقد يلزم الأمر بل لعلّ ذلك هو الغالب فيها أن يبدأ الخطيب بكلمات قاسية فخمة وبصوت عال، كأن يقول: "بسم الله قاصم الجبّارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستضرخين..."4.

وتختلف افتتاحيات الخطب باختلاف أنواعها، فالخطب الدينيّة مثلاً إن كانت من خطب الوعظ والإرشاد تفتتح عادة بآية كريمة من القرآن الكريم أو بحديث نبويّ أو حديث قدسيّ وما شابه ذلك. وإن كانت من خطب المجالس الحسينيّة تفتتح عادة بعدّة أبيات شعريّة تصوّر بعض ما جرى في كربلاء وما شابه ذلك.

وفي غير الخطب الدينيّة تختلف الافتتاحيّات من خطيب إلى آخر ومن حفل إلى حفل ومن موضوع إلى موضوع ومن جمهور إلى جمهور ممّا لا يمكن تحديده.

فقد يبدأ الخطيب افتتاحيّته بذكر قول مأثور لأحد الحكماء


88


 أو الفلاسفة، وربما بدأ بذكر مثل شعبيّ أو ببيت من الشعر. وقد يشرع الخطيب في خطبته بتقديم نفسه كأحد أفراد الجمهور طالباً منهم أن يعدّوه واحداً منهم وألّا ينظروا إليه باعتباره صاحب مركز مرموق أو منصب اجتماعيّ أو مسؤوليّة سياسيّة، وربما كثر ذلك في افتتاحيّات الخطب الأخلاقيّة حيث يذكر لهم الخطيب أن ما سيعظهم به إنّما هو تذكرة له قبلهم، و أنّه يعلّم نفسه قبل نفوسهم فإنّ ذلك يدعو لراحة نفوس سامعيه وإقبالهم عليه.

وقد يبدأ الخطيب بذكر ما هو مسلّم عندهم ممّا لا يشكّون في صحّته حتى إذا دلف إلى العرض اتخذ ذلك ذريعة وبنى عليه أفكاره ليصل إلى مطلوبه ممّا لم يكونوا يتوقّعونه، وحينئذٍ لا يجدون مفرّاً من الإذعان بما جاء، ومن أمثلة ذلك ما ورد في افتتاحيّة خطبة الوداع التي ألقاها رسول الله صلى الله غليه وآله وسلم في غدير خمّ حيث أراد إلزامهم بولاية عليّ بن أبي طالب بعده وفيهم من يكره ذلك فقال: "ألست أوّلى بكم من أنفسكم"؟

قالوا: "اللهم بلى".

فقال: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله..."5.

وكذلك ما ورد في خطبته بقومه حينما نزل قوله تعالى:
﴿وَأَنذِرْ


89


عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ حيث جمعهم وقال لهم: "أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدّقوني"؟

قالوا: "بلى".

قال: "فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد"6.

ومن الافتتاحيّات الناجحة في استدراج المستمعين أن يقول الخطيب إذا كان يخطب خطاباً عسكريّاً ويهدف إلى حثّهم على الاستبسال والتضحية: "أيّها الأبطال، يا من قهرتم الأعداء حتى خافتكم الأمم، يا من لم يركعوا لظالم قطّ ولن يركعوا مهما تكاثرت الأعداء وتكالبت في وجههم الوحوش الضارية، أنتم الشجعان يا أباة الضيم... الخ".

ثمّ بعد تقديم هكذا مقدّمة يذكر لهم ما يريده.

وممّا يحسن في المقدّمة مراعاة الاستهلال. وهي من المحسّنات البديعيّة وقد عرّفوها بأنّها: "اشتمال الكلام في المقدّمة على إشارة إلى ما سيق الكلام له"7.

ولنوضّح لك براعة الاستهلال بالمثال نعرض بين يديك ما ورد في مقدّمة كتاب الصمديّة في النحو للشيخ البهائيّ حيث قال:
"أحسن كلمة يبتدأ بها الكلام، وخير خبر يختم به المرام، حمدك اللهم على جزيل الأنعام. والصلاة والسلام على سيّد


90


 الأنام، محمّد وآله البررة الكرام سيّما ابن عمّه عليّ عليه السلام الذي نصبه علماً للإسلام، ورفعه لكسر الأصنام جازم أعناق النواصب اللئام وواضع علم النحو لحفظ الكلام..."8.

انظر إلى كلمة "يبتدأ"، "خبر"، "كلمة"، "نصبه"، "رفعه"، "علماً"، "جازم"، "النواصب"، وكلمة "كسر" ولاحظ تناسبها مع الموضوع الذي وضع له ذلك الكتاب وهو علم النحو.

وهكذا ظهر لنا كيف نأتي بمقدّمة موفّقة في مستهلّ خطبتنا وما علينا إلّا التمرّن والتطبيق.

وفي ختام بحث المقدّمة نقدّم لك مثالاً حيّاً يحتوي على ما ذكرنا من شرائط ويأخذ بيدك كي تحسن افتتاحيات الخطب:
قال عليّ عليه السلام في مقدّمة خطبة المنافقين، بعد البسملة: "نحمده على ما وفّق له من الطاعة وذاد عنه من المعصية، ونسأله لمنّته تماماً وبحبله اعتصاماً. ونشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله خاض إلى رضوان الله كلّ غمرة، وتجرّع فيه كلّ غصّة، وقد تلوّن له الأدنون، وتألّب عليه الأقصون وخلعت إليه العرب أعنّتها، وضربت إلى محاربته بطون رواحلها...".

ثمّ قال في ضمن العرض: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحذّركم أهل النفاق فإنّّهم الضالّون المضلّون، والزالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، ويفتنون افتناناً، ويعمدونكم بكلّ عماد،


91


ويرصدونكم بكلّ مرصاد..."9.

فلاحظ كيف بدأ بالحمد والصلاة وكيف ضمّن الصلاة الإشارة إلى ما يريد التعرّض له في العرض، وكيف ذكر ألفاظاً توحي بما سيأتي مثل كلمة "الاعتصام بحبل الله"، وكلمة "تلوّن" وكلمة "تألّب" ممّا يتناسب مع النفاق كما هو ظاهر.


92


الدرس العاشر: مادّة العرض‏

جهة اللفظ:

الأمور التي تراعى في ألفاظ العرض إمّا لازمة أو مستحسنة لا يجب مراعاتها، أمّا الأمور التي يلزم مراعاتها فعشرة أمور، ولكن قبل استعراضها نستمع إلى ما جاء في الشفاء حول أهميّة جهة اللفظ في الخطاب وهو:
"للفظ سلطان عظيم، وهو أنّه قد يبلغ به، -إذا أحكمت صنعته- ما لا يبلغ بالمعنى، لما يتبعه أو يقارنه من التخيّل. فإذعان النفس تهيّئه لها قوّة اللفظ فيقرّب البعيد من التصديق"10.

و أمّا الأمور العشرة التي يجب مراعاتها فهي:

الأوّل: وضوح اللفظ.

لا بدّ أن تكون الألفاظ التي يتكوّن منها الخطاب واضحة للمخاطبين بحيث يمكنهم فهمها بسرعة من دون حاجة إلى كثير تأمّل وإعمال نظر. فإنّ وضوحها يقرّب الهدف من متناول


93


 يد الخطيب حيث يصبح من السهل عليه حملهم على الاعتقاد بصحّة ما يقوله. وكيف يأمل التأثير عليهم إذا استعمل كلمات غريبة بعيدة عن أذهانهم لا يفهمونها إلّا بالرجوع إلى كتب متن اللغة.

الثاني: مراعاة القواعد النحويّة.

فيجب أن يحرّك أواخر الكلمات تحريكاً صحيحاً، ويبتعد عن أسلوب تسكين أواخر الكلمات فراراً من الوقوع في الأخطاء النحويّة فإنّ ذلك يعود عليه بسلبية كبيرة حيث ينزل مستوى خطابه إلى أدنى المستويات ويصبح عاميّاً ليس عليه أي مسحة من الفصاحة.

ولا يخفى عليك أيضاً أنّ الخطأ في تحريك الكلمات يغيّر المعنى تغييراً أساسيّاً بل ربما أفسد المعنى في بعض الحالات. ألا ترى أنّ قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء لو قرأ بضمّ لفظ الجلالة لصار المعنى أنّ الله هو الذي يخاف من العلماء، وأنّ قوله تعالى: ﴿أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ لو قرأت كلمة "رسوله" بالكسر لصار المعنى أنّ الله بري‏ء من رسوله.

كلّ هذا بالإضافة إلى ما يتركه الخطأ النحويّ من اشمئزاز في نفوس سامعيه، واستصغار قدره وقد مرّ ما لذلك من تأثير عليهم.


94

الثالث: مراعاة القواعد الصرفيّة:

اللغة العربية لغة الاشتقاق وللكلمة اشتقاقات متنوّعة ومتعدّدة، وعلى الخطيب أن يجيد اشتقاق ما يريده من ألفاظ كي تكون ألفاظ خطابه صحيحة الصياغة والتصرّف، وذلك يحتاج إلى اطلاع على القواعد الرئيسيّة في علم الصرف وإتقانها، فمثلاً: يقال "نهى" "ينهى" وليس "ينهي" و"ينهوَن" وليس "ينهوُن". ويقال: "حاك الثوب" "يحوكه" وليس "يحيكه"... وهكذا.

الرابع: التلفّظ اللغويّ الصحيح.

لكلّ كلمة بالإضافة إلى ما لها في علميّ النحو والصرف من أحكام تلفّظ خاصّ من الناحية اللغوّية أي في أصل وضعها يفرّقها عن غيرها ممّا يشابهها من الألفاظ. فمثلاً يقال: "مِنْ ثَمَّ" وليس "مِنْ ثُمَّ"، ويقال: "الغَسْل" إن أردنا المصدر، و"الغُسْل" إن أردنا اسم المصدر... وهكذا.

الخامس: مراعاة التذكير والتأنيث.

والمراد هنا المراعاة في كامل الخطبة في الحالات كلّها إذ أنّ هناك بعض الحالات المحرجة للخطيب من هذه الناحية فقد يتعرّض للكلام عن مجموعة نساء ومجموعة رجال ويبتلى بلزوم إرجاع الضمائر بشكل صحيح إلى كلّ بحسبه فيقال مثلاً: "حينما دخل عدّة نساء دكان بائع الأزهار وهن يلبسن ثياباً فاخرة أسرع البائع لخدمتهنّ ثمّ دخل ثلاثة رجال وألقوا التحيّة على الجميع


95


 فأجبن عليهم السلام. وعندما حاول الرجال أن يجلسوا خجل النسوة وأردن الانصراف...".

قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ11.

السادس: مراعاة المفرد والمثنّى والجمع.

أمّا مراعاة المفرد فأمر يسير وكذلك الجمع إلى حدّ ما، وأمّا المثنّى فلا تخلو مراعاته من صعوبة خصوصاً إذا اجتمع المثنّى مع الجمع أو مع المفرد.

ولنعد إلى نفس المثال المتقدّم لنطبّقه على حالة التثنية: "حينما دخلت امرأتان دكّان بائع الأزهار وهما تلبسان ثياباً فاخرة أسرع البائع لخدمتهما ثم دخل ثلاثة رجال وألقوا التحيّة على الجميع فردّتا عليهم السلام. وعندما حاول الرجال أن يجلسوا خجلت المرأتان وأرادتا الانصراف".

قال تعالى:
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا


96


نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ12.

السابع: الترفّع عن الألفاظ الدنيئة.

كثيراً ما يحتاج الخطيب أن يعبّر عن أمر يستقبح ذكره، كالعورة وفضلات الإنسان وما شابه ذلك فلا بدّ له حينئذ من استعمال الكناية بدل التصريح كي لا يثير اشمئزاز السامعين.

وقد قال الشيخ الرئيس في هذا المضمار: "وقد يبدّل الاسم بالقول، إذا كان التصريح يستبشع، مثل الاسم الصريح لفرج النساء، فالأحسن أن يبدّل فيقال: "عورة النساء"، كما يبدّل اسم "الحيض" بدم النساء، ويبدّل الاسم الصريح للجماع "بلمس النساء". وربما بدّل الاسم بالصفة المفردة فيقال بدل الاسم الصريح للجماع الوطئ، وبدل اسم ذلك الذي لهن "العورة". وربما تركت الصفة وفُزِع إلى التشبيه والاستعارة"13.


97


الثامن: مراعاة تعدية الفعل المتعدّي ولزوم اللازم.

لا بدّ أن يعدّى الفعل المتعدّي إلى مفعوله أو مفعوليه أو مفاعليه بحسب استعمال كلّ فعل.

كما لا بدّ من التعدية بالحرف المناسب إذا أريد تعدية الفعل اللازم فيقال مثلاً: "ذهبت إليه" ولا يقال: "ذهبت له". ويقال: "رغبت عنه" إذا أريد التعبير عن إدبار النفس عن الشي‏ء و"رغبت فيه" إذا أريد إقبال النفس... وهكذا.

التاسع: مراعاة الرباطات.

الرباطات هي الحروف والأدوات التي يقتضي النطق بها مرّة أخرى لارتباط كلام آخر بها، فيجب الالتفات إليها ومراعاتها، فمثلاً إذا قال المتكلّم: " أمّا أنا فقد قلت كذا" فإنّه يجب أن يأتي بأمّا أخرى تقابلها فيقول مثلاً: "وأمّا أنت فما فعلت شيئاً".

فإنّ الوقوف على " أمّا " الأوّلى هو نقصان في الكلام إلّا في حالة يراد فيها التعويض وهي نادرة. وعلى الخطيب أن لا يباعد بين الرباطين بحشو كثير ينسي ما بينهما من الاتصال، وأن يراعي حقّ الرباط من التقدّم والتأخير، جاء في الشفاء أنّه يجب أن يقول: "لمّا كان كذا، كان كذا".

فإنّ حقّ لمّا أن تقدم ويقول: "كان كذا لأنّ كان كذا".

فإنّ تقديم "لأنّ" قبل الدعوى سمج14.


98


العاشر: سبك الجمل.

يجب مراعاة الدقّة في سبك الجمل، بحيث تكون محكمة ومتينة وكأنّها تصدر عن تصميم ورويّة، وذلك بأن يقدّم الفعل ويأتي بالمفعول بعد الفاعل إلّا إذا كان مقتضى الحال خلاف ذلك مثلاً لو أراد الحصر فيقدّم المفعول به على الفعل أو على الفاعل وما شابه ذلك. والخلاصة لا بدّ من مراعاة ما تتطلّبه قواعد علم المعاني في هذا المضمار.

ولترابط الجمل وقوّة سبكها الأثر الفعّال في مساعدة السامع على سلامة الانتقال من فكرة إلى فكرة والارتقاء بمشاعره وأحاسيسه من حالة إلى حالة حتّى الوصول إلى حالة الإقناع بالغرض وذلك بالوصول إلى ذروة الانفعال مع الخطيب والتأثّر بقوله.


99


خلاصة الدرسين: (9، 10)


100

هوامش

1- راجع حول هذا الموضوع كيف تكتب بحثاً أو رسالة لأحمد شلبي، ص41.
2- راجع ص 60، من هذا الكتاب.
3- الشفاء، قسم الخطابة، ص236.
4- مفاتيح الجنان، دعاء الافتتاح، ص180.
5- الغدير، العلاّمة الأمينيّ، ج1، ص11.
6- مجمع البيان في تفسير القرآن،الطبرسيّ، ج4، ص206.
7- شرح مختصر المعاني، العلّامة التفتازانيّ، ص246.
8- شرح الصمدية، الحسينيّ، ص4.
9- نهج البلاغة، خطبة رقم 194، ص207.
10- الشفاء، قسم الخطابة، ص220.
11- سورة الممتحنة، الآية: 10.
12- سورة القصص، الآية: 23.
13- الشفاء، قسم الخطابة، ص217.
14- الشفاء، قسم الخطابة، ص213.