الفصل السابع: تطبيقات عامّة

النموذج الأوّل

وَلَيْسَ كَيَوْمِ الطَّفِّ يَوْمٌ فَإِنَّهُ                     أَسَالَ مِنَ العَيْنِ المَدَامِعَ عَنْدَمَا
غَدَاةَ اسْتَفَزَّتْ آَلُ حَرْبٍ جُمُوعَهَا               لِحَرْبِ ابْنِ مَنْ قَدْ جَاءَ بِالْوَحْيِ مُعْلِمَا
هَوَى فَهَوَى الطَّوْدُ الأَشَمُّ فَزُلْزِلَتْ              لَهُ الأَرَضُونَ السَّبْعُ وَاغْبَرَّتِ السَّمَا
فَأَضْحَى لُقَىً فِي عَرْصَةِ الطَّفِّ شِلْوُهُ           تَرُضُّ العَوَادِي مِنْهُ صَدْراً مُعَظَّمَا
وَيُهْدَى عَلَى عَالِي السِّنانِ بِرَأْسِهِ               لِأَنْذَلَ رِجْسٍ فِي أُمَيَّةَ مُنْتَمَا
وَلَهْفِي لِآلِ اللهِ بَعْدَ حُمَاتِهَا                      وَقَدْ أَصْبَحَتْ بَيْنَ المُضِلِّينَ مَغْنَمَا
إِذَا اسْتَنْجَدَتْ فِتْيَانَهَا الصَّيْدَ لَمْ تَجِدْ             بِرُغْمِ العُلَى غَيْرَ العَلِيلِ لَهَا حِمَى
حَوَاسِرَ مِنْ بَعْدِ التَّخُدِّرِ لا تَرَى                 لَهَا سَاتِراً إِلَّا ذِرَاعاً وَمِعْصَمَا
وَزَيْنَبُ تَدْعُو وَالشَّجَا يَسْتَفِزُّهَا                  أَخَاهَا وَدَمْعُ العَيْنِ يَنْهَلُ عَنْدَمَا
أَخِي يَا حِمَى عِزِّي إِذَا الدَّهْرُ سَامَنِي          هَوَاناً وَلَمْ يَتْرُكْ لِيَ الدَّهْرُ مِنْ حِمَى
لَقَدْ كَانَ دَهْرِي فِيكَ بِالأَمْسِ مُشْرِقاً             فَهَا هُوَ أَمْسَى اليَوْمَ بَعْدَكَ مُظْلِما
عَدِمْتُ حَيَاتِي بَعْدَ فَقْدِكَ إِنَّنَي                   أَرَى بَعْدَكَ العَيْشَ السَّعِيدَ مُذَمَّمَا
رَحَلْتَ وَقَدْ خَلَّفْتَنِي بَيْنَ صِبْيَةٍ                   خِمَاصِ الحَشَى حَرَّى القُلُوبِ مِنَ الظَّمَا
أَرَى كُلَّ رُزْءٍ دُونَ رُزْئِكَ فِي الوَرَى           فَلِلَّهِ رُزْءٌ مَا أَجَلَّ وَأَعْظَمَا


173


يهلنه احسينكم رضوا اضلوعه           وذاق الموت روعه بعد روعه
تعالوا لبنكم غسلوه والكفن وياكم         دجيبوه وجيبوا ماى لحسين واسقوه

الموضوع: معاجز وكرامات النبيّ الأكرم صلى الله عليه وإله وسلم

ذكر المجلسيّ في البحار: لمّا قدم النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم إلى المدينة تعلّق الناس بزمام النّاقة، فقال صلى الله عليه وإله وسلم : دعوها فإنّها مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده. فأطلقوا زمامها وهي تهفّ في السير، فبركت على باب أبي أيّوب خالد بن زيد الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه، ولم يكن في المدينة أفقر منه، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبيّّ صلى الله عليه وإله وسلم ، ونادى أبو أيوب: يا أُمّاه افتحي الباب، فقد قدم سيّد البشر، وأكرم ربيعة ومضر، ففتحت الباب وقالت: واحسرتاه، ليت لي عيناً أبصر بها وجه سيدي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وكانت عمياء، فكانت أوّل معجزة للنبيّ صلى الله عليه وإله وسلم في المدينة وضع كفّه الشريفة أمام وجه أُمّ أيّوب فانفتحت عيناها.

وروي بسند معتبر أنّ أبا أيّوب أتى بشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم في عرس فاطمة عليها السلام فنهاه جبرئيل عن ذبحها، فشقّ ذلك على أبي أيوب، ثمّ أمر بذبحها، فذبحها ابن جبير الأنصاريّ بعد يومين،


174


 فلمّا طبخت أمر رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أن لا تأكلوا إلّا بسم الله، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إنّ أبا أيّوب رجل فقير، إلهي أنت خلقتها وأنت أمتّها، وإنّك قادر على إعادتها فأحيها يا حيّ لا إله إلّا أنت، فأحياها الله تعالى، وجعل فيها بركة لأبي أيّوب، وشفاء المرضى في لبنها، وسمّاها أهل المدينة: المبعوثة.

وفي خبر سلمان (رضوان الله عليه): أنّه صلى الله عليه وإله وسلم لمّا نزل دار أبي أيّوب لم يكن له سوى جدي وصاع من شعير، فذبح له الجدي وشواه، وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدّمه بين يدي النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم ، فأمر صلى الله عليه وإله وسلم بأن ينادي: من أراد الزاد فليأت إلى دار أبي أيّوب، فجعل أبو أيّوب ينادي والناس يهرعون إلى داره حتّى امتلأت الدار، فأكل الناس بأجمعهم والطعام باقٍ، فضجّ الناس بالشهادتين.

معجزته في الغار

وعن علي بن إبراهيم: ما زال أبو كرز الخزاعيّ يقفو أثر النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم يوم خروجه إلى الغار حتّى وقف على بابه وقال: هذه قدم محمّد، وهذه قدم ابن أبي قحافة ما جاوزا هذا المكان.

وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار


175


 وهو يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس ها هنا. وتبعه القوم وكانوا دهاة العرب، وأمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار، وأمر العنكبوت فنسجت، وأمر حمامتين بفم الغار. ولمّا قربوا منه تقدّم بعضهم لينظر، ثمّ رجع فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنّه ليس فيه أحد.

أمّا معجزته عندما خاطب الشجرة أن تأتي إليه ففي نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة القاصعة أنّ النبيّّ صلى الله عليه وإله وسلم قال:

أيّتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يدي، فو الّذي بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها، وجاءت ولها دويّ شديد، وقصف كقصف أجنحة الطير حتّى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم مرفوفة، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وببعض أغصانها على منكبه، وكنت على يمينه، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا علوّاً واستكباراً: فمرها فليأتك نصفها. فأمرها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشدّه دويّاً، وكادت تلتفّ برسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ، فقالوا كفراً وعلوّاً: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه، فأمره فرجع.


176


الربط:

لحا الله أهل العناد، كم رأوا من رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أمثال ذلك، فلم يقلعوا عن عنادهم، وكذا رأى جيش يزيد يوم الطفّ من الحسين عليه السلام كرامات باهرة، ولكن كما قال الشاعر:

قَسَتِ القُلُوبُ فَلَمْ تَمِلْ لِهِدَايَةٍ             تَبَّاً لِهَاتِيكَ القُلُوبِ القَاسِيَهْ

ولقد وقف الحسين عليه السلام متّكئاً على سيفه، ووعظهم فلم يتّعظوا، وذكّرهم فضل جدّه وأبيه عليه السلام فلم يذّكروا، فكان من جملة كلامه يومئذٍ:

أنشدكم (الله) هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أمّي فاطمة الزهراء بنت مُحَمَّدٍ المصطفى؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

إلى أن قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أنا متقلّده؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أنا لابسها؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

قال: فبم تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض، ولواء الحمد


177


 بين يديه يوم القيامة؟ قالوا: قد علمنا ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.

التمهيد الصوتي للنعي

فلمّا سمعت بناتُه وأخواتُه ذلك بكين ولطمن وارتفعت أصواتهنّ، فوجَّه إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّاً وقال: سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.

أمّا ليلة عاشوراء

فقد رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال:

"إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قُتِلَ أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي زينب تُمرّضُني، إذ اعتزَل أبي في خِباءٍ له، وعنده (جَون) مولى أبي ذرّ وهو يُعالج سيفه ويُصلحه وأبي يقول:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلِ          كَمْ لَكَ بِالإِشْرَاقِ وَالأَصِيلِ
مِنْ صَاحِبٍ أَوْ طَالِبٍ قَتِيلِ        وَالدَّهْرُ لا يِقْنَعُ بِالبَدِيلِ
وَإِنَّمَا الأَمْرُ إِلَى الجَلِيلِ           وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيلِي

فأعادها أبي مرتين أو ثلاثاً حتّى فهمتُها، فعرفتُ ما أراد، فخنقتْني العَبرة، فرددتُ دمعتي، ولزمتُ السكوت، وعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزل.


178


وأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا سمعتْ ما سمعتُ فلم تَملِكْ نفسَها دون أن وَثبتْ تجُرّ أذيالَها، وهي حاسرة، حتّى انتهتْ إليه وهي تنادي: وآثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليومَ ماتتْ أمّي فاطمة، وأبي عليّ، وأخي الحسن، يا خَليفة الماضين، وثِمالَ الباقين.

فنظر إليها الحسين عليه السلام نظَر رأفةٍ ورحمة وقال:
يا أخيّة، لا يَذْهبنَّ بحلمكِ الشّيطان.

قالت: بأبي أنت وأمّي، استقتلت؟ نفسي فداك.

فردّ الحسينُ عليه السلام غُصّتَه، وترقرقتْ عيناه بالدموع.

فقالت: ردّنا إلى حرَم جدّنا رسول الله.

فقال: هيهات، لو تُرك القَطا ليلاً لغفا ونام.

فقالت: يا وَيلتاه!! أفتغتصب نفسَك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي.

ثمّ لطمتْ وجهَها، وأهوتْ إلى جَيبها فشقّته، وخرّت مغشيّاً عليها

انا مقدر بعد علهظم مقدر              لوني انخطف والقلب فرفر
لون قلبي يخويه صخر مرمر          من هالمصايب چا تفطر

فلمّا أفاقتْ، قال لها: "يا أخيّة، تَعزَّي بعزاء الله، واعلَمي أنّ أهل الأرض يموتُون، وأنّ أهلَ السماءلا يَبقَون، وأنّ كل شيء هالك إلّا


179


وجهُ الله تعالى، أبي خيرٌ منيّ، وأمّي خيرٌ منّي، وأخي خيرٌ منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة.

فعزّاها بهذا ونحوه، ثمّ قال لها:
يا أختاه، إنيّ أقسمُ عليك، فأَبرّي قَسمي، إذا أنا قُتلتُ فلا تشقّي عليّ جيباً، ولا تَخمِشي عليّ وجهاً، ولا تَدعيْ علي بالويل والثبُور إذا أنا هلكت".

ومن أحداث هذهِ الليلة، أنّه جاء حبيب بن مظاهر إلى خيمة زينب عليها السلام مطأطئاً برأسه إلى الأرض ودموعه تجري على خدّيه وهو يقول: آهٍ لوجدكِ يا زينب يوم تُحملين على بعيرٍ ضالع ورأس أخيك الحسين على رأس الرمح تحفُّ به رؤوس أهل بيته وأصحابه، وكأنّي برأسي هذا معلَّق بعنق الفرس يضربه بركبتيه، لمّا سمعت زينب كلامه قالت: يا حبيب لقد أخبرني أخي الحسين بهذهِ المصائب وَلَوَددتُ أنّي عمياء حتّى لا أرى هذهِ المصائب.

تدرون بيه هاشميه                وكلمه عدو تصعب عليه
             انا منين إجتني الغاضريه
جَادُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِ سَيِّدِهِمْ                 وَالجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الجُودِ


180


النموذج الثاني

يَا وَقْعَةَ الطَّفِّ كَمْ عَيْنٍ بِكِ انْذَرَفَتْ                    وَكَمْ إِلَى الدِّينِ مِنْ رُكْنٍ بِكِ انْهَارَا
تَزَلْزَلَتْ فِيكِ أَرْضُ اللهِ وَانْسَكَبَتْ                      عَيْنُ السَّمَاءِ دَماً وَالعَرْشُ قَدْ مَارَا
أَفِيكِ يَقْضُونَ آلُ المُصْطَفَى عَطَشاً                    وَالمَاءُ طَامٍ فَلَيْتَ المَاءَ قَدْ غَارَا
وَيُصْبِحُ السِّبْطُ شِلْواً فِيكِ تَصْهَرُهُ                      شَمْسُ الهَجِيرِ عَلَى الرَّمْضَاءِ إِصْهَارَا
تَذْرِي الرِّيَاحُ عَلَيْهِ ثُمَّ تُلْبِسُهُ                           ثَوْباً مِنَ التُّرْبِ غُدْوَاناً وَإِبْكَارَا
لِمَنْ ظُعُونٌ بِأَرْضِ الطَّفِّ سَائِرَةٌ                      تَنْحُو الشَّآمَ فَلَيْتَ الرَّكْبَ لا سَارَا
وَمِمَّنْ النُّسْوَةُ الآتِي يُسَارُ بِهَا                          تَخَالُهُنَّ عَلَى الأَقْتَابِ أَقْمَارَا
حَوَاسِراً سَلَبَ الأَعْدَا بَرَاقِعَهَا                         وَابْتَزَّهَا القَوْمُ أقَرَاطاً وَأَطْمَارَا
لَهْفِي لِزَيْنَبَ إِذْ قَالَتْ مُوَدِّعَةً                          وَالحُزْنُ بَادٍ وَدَمْعُ العَيْنِ قَدْ فَارَا
هَلَّا تَمُرُّونَ بِالقَتْلَى نُوَدِّعُهُمْ                           وَنَقْضِي مِنْ تَرِبِ الخَدَّيْنِ أَوْطَارَا
سَقَطْنَ مِنْ حَلَسِ الأَقْتَابِ بَاكِيَةً                       وَجِئْنَ يَلْثِمْنَ أَثْغَاراً وَأَنْحَارَا
يَمْسَحْنَ تُرْبَ الفَلا عَنْ فَيْضِ مَنْحَرِهِ                  طَوْراً وَتَلْثِمُهُ طَوْراً وَأَطْوَارَا
تَقُولُ يَا نَائِياً شَطَّتْ زِيَارَتُهُ                            بُعْدَ النَّوَى لَيْتَنَا كُنَّا لَكُمْ جَارَا


181


أُنْظُرْ فَدَيْنَاكَ أَطْفَالَاً شَكَوْا ظَمَأً                   نَائِينَ مَا أَلِفُوا مَأْوَى وَلا دَارَا
وَاْنْظُرْ مَرِيضَكَ مَغْلُولاً أَضَرَّ بِهِ                 ثِقْلُ الحَدِيدِ أَسِيرا أَيْنَمَا سَارَا

انا مشيت درب المامشيته              وذباح اخيي رافقيته
                  انا لو ينشره الموت اشتريته

ومن وصيّة لأمير المؤمنين عليه السلام أوصى بها عسكره قبل لقاء العدو بصفيّن:
"لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْد اللهِ على حُجَّةٍ وَترككم إِيّاهُمْ حتّى يبْدؤُوكُمْ حُجةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَلا تُصِيبُوا مُعْوِراً وَلا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذى وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ...".

بأبي أنت وأميّ يا أمير المؤمنين ليتك شاهدت العقيلات يوم العاشر من المحرّم حين تسابق القوم إلى نهب بيوتهن وتزاحموا على سلبهن وضربهن وانتزعوا الملاحف عن ظهورهن، فبرزن وهنّ كريماتُ رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم حاسرات حافيات مدهوشات حائرات في أسْر الذلّة ووثاق السبي، وإذا بهذه المخدّرات أسارى على نياق هزّل أدخلوها إلى الكوفة، يقول السيّد ابن طاووس: أشرفت امرأة


182


 من الكوفيّات من على سطح دارها وقالت: من أي الأسارى أنتن؟ فأجابتها زينب: نحن أسارى آل بيت رسول الله فنزلت المرأة إلى صحن دارها فجمعت لهنَّ أُزراً ومقانع.

عزّ ذلك على زينب

تتصدق الوادم علينه              وعطايا الخلگ كلهه امن ادينه
ما خاب ظنّه اليعتنينه             ايظل كل سنة إيروح ويجينه

ويروى أنّ الأعداء صاروا يخلّصون كلّ من ينتمي إلى عشائرهم من النساء من السبي، فصاروا ينادون بين السبايا: أين فلانة الأسديّة؟ فلتخرج فلانة العامريّة؟ أين فلانة الثقفيّة؟ حتّى لم يبق إلّا بنات رسول الله، إلّا سيّدتنا زينب وأخوات زينب، فكأنّي بزينبِ تلتفت يميناً شمالاً، ألا من ينادي أين زينب الهاشميّة؟ أين بنات فاطمة الزهراء؟ أين بنات عليّ؟

صاحت بويه يحيدر ما تجينه                 واتشوفنه اشلون انسبينه
                       واتشوف احسين الذابحينه

وَمَدَّتْ إِلَى نَحْوِ الغَرِيَيْنِ طَرْفَهَا               وَنَادَتْ أَبَاهَا خَيْرَ مَاشٍ وَرَاكِبِ


183


ملحق

عيوب الصوت وعلاجها

لدينا ثلاثة عيوب في الصوت في الأغلب الأعمّ.

الأوّل: في رنّة الصوت.

الثاني: في قوّة الصوت.

الثالث: قصور النفس.

العيب الأوّل: في رنّة الصوت:

أن تكون رنّات الصوت مزعجة خشنة أو ما يعرف بـ(خامة الصوت) وهذه المشكلة إمّا أن تكون قائمة بالأصل، وإمّا بالعارض وكذلك العيبان الآخران (في قوّة الصوت وقصور النفس) فإن كانت قائمة بالأصل ( أي بحسب الخلقة) فإنّ علاجها ليس مستحيلاً، ولكن نسبة تحسّن رنّات الصوت لن تكون عالية بشكل عامّ.

وأمّا إن كانت المشكلة عرضيّة، فإنّ علاجها أيسر وأسهل، ونسبة تحسّن رنّات الصوت ستكون عالية، اللهم إن التزمنا بالعلاج المطلوب.


187


العيب الثاني: في قوّة الصوت:

إنّ مصدر حدوث الصوت في الإنسان هما الحبلان الصوتيان في الحنجرة، والحبلان الصوتيان غشاءان عضليان مثبتان بين الغضروف العلويّ والخلفيّ للحنجرة، وبينهما فتحة ضيّقة، ويتحكّم في شدّ وارتخاء هذين الغشاءين عضلات خاصّة، فإذا كان الإنسان صامتاً فإنّ الحبلين الصوتيّين يكونان مرتخيين، وإذا تحدّث الإنسان فإنّ الحبلين الصوتيّين يصبحان مشدودين وتضيق الفتحة بينهما، وعندما يندفع الهواء بين الحبلين الصوتيّين فإنّهما يهتزّان، وبمساعدة الحلق واللسان والشفتين والأسنان يتشكّل الصوت وتُسمع الكلمات.

فقوّة الصوت مرجعها القوّة التي تطرد الهواء من الرئتين عبر الحبلين الصوتيّين المشدودين، وعضلات الحنجرة المشدودة كما أنّ قوّة الصوت الخارج من أوتار العود مرجعها قوّة ضرب الأنامل على الأوتار المشدودة.

العيب الثالث: قصور النفس:

قد يؤدّي ضيق النفس إلى أن يتكلّم الخطيب بكلمات غير مفيدة بحيث يقطع هذا العيب على الخطيب بيانه ويفسد عليه


188


 استرساله، وهذا من أهمّ العيوب الخطابيّة فضلاً عن قراءة العزاء وهذا العيب يسمّونه بالبُهُر أي انقطاع النفس والإعياء، حتّى جمع أحدهم عيوب الخطابة ببيت من الشعر ونصّ فيها على البُهُر بقوله:

مَلِيءٌ بَبُهْرٍ وَالتِفَاتٍ وَسُعْلَةٍ                وَمَسْحَةِ عُثْنُونٍ وَتَلِّ الأَصَابِعِ

والعثنون هو اللحية.

ولا يخفى أنّ ركيزة الخطيب الحسينيّ أن يعتمد على الصوت، وقصور النفس يتنافى مع المهمّة الملقاة على عاتقه، فإن لم يكن الخطيب ذا نفس طويل، فلا أقلّ أن لا يكون نفسه قصيراً ضيّقاً حرجاً وإلّا سيحرم من أداء الكثير من الأطوار فضلاً عن الوصول إلى الطبقات العالية.

- بعض الأسباب التي تؤدّي إلى مشاكل في الصوت:

1 التهاب الجهاز التنفسيّ العلويّ.

2 التهاب بسبب ارتداد أسّيد المعدة أثناء النوم مما يسبّب البحّة.

3 استعمال خاطئ للصوت أو إجهاد زائد له.

4 عُقد على الأوتار الصوتيّة.

5 سرطان الحنجرة.


189


- العناية بالصوت ورفع مستواه

العناية بالصوت تعتمد على أمور عدّة أهمّها:


1- الأطعمة 2- الأشربة 3- تمارين رياضيّة 4- وضعيات جسميّة معيّنة 5- عقاقير وأدوية.

وهذه الأمور تتعاطى معها على سبيل التخلية تارة والتحلية أخرى وللعناية برنّة الصوت أوّلاً إليكم النصائح التالية:

التخلية:

1- تجنّب الصياح بصوت عال، فأهم عامل في العناية بالصوت هو كيفيّة استخدامه، فإرهاق الصوت باستخدامه بطريقة خاطئة يضرب الأوتار.

2- تجنّب النوم الغير منتظم.

3- تجنّب النوم بعد الأكل مباشرة، حتّى لا تصعد عصارات المعدة إلى الحلق وتضرّ الحنجرة والأحبال الصوتيّة.

4- تجنّب تناول المشروبات الساخنة بعد التلاوة أو خلالها والاكتفاء بالماء الفاتر لأن الأحبال تكون وقتها متجرّحة ومنهكة.

5- تجنّب المأكولات والمشروبات الباردة.


190


6- تجنّب المأكولات الحارّة والبهارات.

7- تجنّب المأكولات والمشروبات الاصطناعيّة كالمشروبات الغازيّة.

8- تجنّب الكلام قدر المستطاع.

9- تجنّب المكسّرات والمأكولات التي تترك بقايا خشنة في الحلق.

10- تجنّب القهوة والشاي والكافيّين بشكل عامّ لأنّه يعتبر مع المشروبات الغازيّة من أهمّ المجفّفات للأوتار ويتأكّد الاجتناب عنها قبل ما يقارب الساعة من الإنشاد أو التلاوة.

11- تجنّب التدخين مطلقاً لأنّه يترك أثراً سيئاً على الأوتار.

12- تجنّب المقالي بالزيوت.

التحلية:

1- العسل مطلوب أكلاً وشرباً (عند مزجه) بماء دافئ.

2- المشروبات الدافئة كاليانسون والنعناع والأعشاب الطبيعيّة الأخرى الموصوفة لدى العطّارين بائعي الأعشاب العلاجيّة.

3- الإكثار من شرب الماء ولكن بكميّات ثابتة.

لأنّ الأوتار الصوتيّة مغطّاة بطبقة من المخاط وذلك لتأمين


191


 ارتجاجها، وأفضل مليّن لهذه الأوتار هو شرب كميّات وافرة من الماء. وكقاعدة (إن لم يكن لديك مشاكل في القلب والكلى) هو أن تشرب 8 12 كوباً من الماء، وذلك لأنّ الماء الذي شربته أولاً يذهب إلى أنحاء الجسم عامّةً والفائض منه هو ما يستفاد منه لتليين الأوتار لذلك فإنّ كميّة الماء يجب أن تكون أكثر من الحاجة العادية للإنسان العادي. ولا تستخدم الثلج والماء المثلّج.

استعمل المرطّبات للحنجرة مثل سكّر النبات بشكل دائم أو بعض العقاقير الموصوفة طبيّاً مثل T عليهم السلام achisan (حبّة مص كلّ 4 ساعات).

عندما يصاب الحلق بجفاف ينصح الأخصائيّون بالغرغرة بهذه التركيبة: 2/1 ملعقة طعام من الملح + 2/1 ملعقة من بيكربونات الصوديوم (الكربونة) + 2/1 الملعقة من زيت الذرة + 4/3 كوب من الماء الدافئ المقطّر. تغرغر بدون إصدار أيّ صوت وبنعومة لمدّة دقيقتين لا تغسل بعدها، واستعملها مكرراً كلّما أحسست بجفاف في الحلق أو تقرّح.

طريقة تنظيف الأوتار من البلغم:

إنّ بعض الأدوية والمأكولات وإرجاع أسّيد المعدة تؤدّي إلى


192


 إفراز للبلغم ممّا يضطرّك إلى إخراجه، وهذه العادة هي من أكثر ما يمكن أن يؤذي الأوتار، لذلك ننصح باتباع الطريقة التالية: اشرب قليلاً من الماء، واخرج المخاط (البلغم) بدون إصدار أيّ صوت أو الفظ حرف الهاء مخرجاً كميّة كبيرة من الهواء دون إحداث أيّ صوت.

ما يتعلّق بضيق النفس:

التخلية:

تجنّب أن تكون المعدة ممتلئة بالطعام:

1 لأنّ ذلك يضغط على الحجاب الحاجز فيقصر النفس عن مراده.

2 تجنّب التدخين مطلقاً سيكارة أركيلة وقد ذكرنا أنّه يؤثر على الأوتار كذلك يؤثر على الجهاز التنفسي بحيث يدع النفس قاصراً.

التحلية:

1- رياضة السباحة والغطس قدر الإمكان في الماء بقطع النفس.

2- تعوّد تلاوة القرآن بصوت مرتفع إلى حدّ ما بدون تجديد النفس قبل انقطاعه.


193


3- الركض السريع والمواظبة عليه شيئاً فشيئاً.

4- حبس النفس بعد شهيق يملئ الرئتين أثناء المشي السريع ثمّ زفير بطيء فإنّه يقوّي الحجاب الحاجز.

5- إذا كان هناك حالات مرضية يمكن استخدام البخاخ الموصوف من الطبيب عندما تعرض مشكلتك عليه.

نصائح عامّة:

1- المداومة على الرياضة وخصوصاً السباحة والجري.

2- المداومة على التدريبات الصوتيّة بشكل منتظم، وخصوصاً في بداية اليوم.

3- إعطاء الصوت فترات راحة بين وقت وآخر، هذا يؤثر كثيراً في استرداد الصوت لقوّته وجماله.

4- المحافظة على نظافة الفم بتنظيف الأسنان واستخدام المسواك.

5- التنويع في الطبقات حين التلاوة، وعدم الاقتصار على الطبقات العالية فقط.

6- تجنّب التدريبات الصوتيّة العشوائيّة.


194


7- تجنّب التلاوة حين يكون الصوت مجهداً أو الحنجرة ملتهبة أو في حال إصابة الجهاز النطقيّ أو التنفسيّ.

8- تجنّب التدخين بأنواعه.

9- تجنّب التعرّض المباشر لأجهزة التكييف.

10- تجنّب الأغبرة والأدخنة.


195


سلوكيّات الخطيب الناجح

إنّ شخصيّة الخطيب الأخلاقيّة لها دور كبير في التأثير على المحيط الذي يخاطبه، وما لم تتوفرّ فيه المواصفات الأخلاقيّة المطلوبة، فلن يكون لكلامه وقع في نفوس السامعين، وسوف يفتقد إلى عنصر النجاح والتوفيق حينئذٍ. وأهمّ هذه المواصفات:

1- التوكّل على الله تعالى وطلب التوفيق منه.

2- الإخلاص في خدمة أهل البيت عليهم السلام ، وأن يكون هدفه هو التقرّب إلى الله تعالى قبل كلّ شي‏ء.

3- تقوى الله تعالى، فإنّ تقوى الله تعالى هي الأساس في شخصيّة الخطيب الناجح.

4- إحراز رضا أهل البيت عليهم السلام والجدّ والاجتهاد في خدمتهم، ليرتقي منبرهم عن رضا منهم عليهم السلام بذلك، فإنّ رضاهم رضا الله تعالى.


197


5- التعظيم الدائم للنبيّ صلى الله عليه وإله وسلم ولأهل البيت عليهم السلام ولكلّ ما يرتبط بالدّين.

6- الاستعانة ظاهراً وباطناً بالإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ويبرز ذلك في خطابه المنبريّ, ليربط الناس بصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف .

7- التخلّق بالأخلاق الحسنة، كالتواضع والوقار والصدق والصبر وصفاء النفس, ليكون نموذجاً فاضلاً في سلوكه وقدوة حسنة في أعماله.


198