الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

الشعر الفصيح

1- الدرج الدرج الفارسي الدرج الجنوبي.
2- المثكل المتّصل المثكل المنفصل.
3- التخميس العراقيّ التخميس الإحسائيّ.
4- الحدي.
5- الدشتي.
6- القزويني الخفيف القزويني الثقيل.
7- الركباني.
8- النعي العاملي.
9- الزُريجي.
10- الكعبي.
11- الهادئ.
12- الملاّئي.


79


دور الخطيب في ترتيب أطوار القصيدة

لا بدّ أن ينوّع الخطيب في استعمال الأطوار من طورين إلى أربعة أطوار على حسب عدد الأبيات. إلّا أنّ الغالب في الحدّ الوسطي الذي هو ثلاثة عشر بيتاً أن ينوّع فيه من واحد إلى ثلاثة أطوار وترتيبها، وهو ما اصطلح عليه أهل الفن العزائيّ بأطوار القصيدة.

وهذه الأطوار مثل: التخميس، والدرج، والقزويني، والحدي، والدشتي، والركباني وغيرها، ممّا سنعرض له من أطوار القريض (أي الفصيح) وأطوار الشعر الشعبيّ إن شاء الله تعالى.


81


الطور الأوّل: الدرج
كيفيّته: يُقرأ بطريقة هادئة لا يستعمل فيها المدّ إلّا بحدّه الأدنى. فيتدرّج الخطيب بقراءة الأبيات بلا تطويل ويستعمل فيها من حنجرته، طبقة القرار في البداية، ثمّ يرتقي شيئاً فشيئاً إلى الأعلى مع مدّ وترجيع وتحزّن.
ولكلّ خطيب طريقته التي تتلاءم مع صوته في قراءة طور الدرج كما في جميع الأطوار.

والدرج: رثائيّ، وملحمي.

أ-الرثائيّ:

لَمْ أَنْسَ زَيْنَبَ بَعْدَ الخِدْرِ حَاسِرَةً            تُبْدِي النِّيَاحَةَ أَلْحَانَاً فَأَلْحَانَا
مَسْجُورَةَ القَلْبِ إلَّا أَنَّ أَعْيُنَها               كَالمُعْصِراتِ تَصُبُّ الدَّمْعَ عِقْيانا
تَدْعُو أَبَاهَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ أَلَا              يَا وَالِدِي حَكَمَتْ فِينَا رَعَايَانَا
وَغَابَ عَنَّا المُحَامِي وَالكَفِيلُ فَمَنْ          يَحْمِي حِمَانا وَمَنْ يُؤْوِي يَتَامَانَا


83


ب- الملحمي:

وهو الشعر الملحميّ الذي له طابعُ الخلود وطابع الشجاعة، حيث يبيّن عظمة الإمام الحسين عليه السلام ، مثال: قصيدة محمّد مهدي الجواهريّ: وهذا اللون من الشعر لا يحتاج إلى ترقيق الصوت بل يُقرأ بوتيرة واحدة غير عاطفية لأنّه لو قرأ بطريقة مهيّجة للعاطفة لانتفى الغرض منه، إذ أن غرضه الحماس في النفوس، ولذا لا يناسب أن يُقرأ أثناء المصيبة، بل تقتصر قراءته في مقدّمة المجلس.

فِدَاءً لِمَثْوَاكَ مِنْ مَضْجَعِ            تَنَوَّرَ بِالأَبْلَجِ الأَرْوَعِ
بِأَعْبَقَ مِنْ نَفَحَاتِ الجِنَا             نِ رَوْحَاً، وَمِنْ مِسْكِهَا أَضْوَعِ
وَرَعْيَاً لِيَوْمِكَ يَوْمِ الطُّفُوفِ         وَسَقْيَاً لِأَرْضِكِ مِنْ مَصْرَعِ
وَحُزْنَاً عَلَيْكَ بِحَبْسِ النُّفُوسِ        عَلَى نَهْجِكَ النَّيِّرِ المَهْيَعِ
وَصَوْنَاً لِمَجْدِكَ مِنْ أَنْ يُدَالَ        بِمَا أَنْتَ تَأْبَاهُ مِنْ مُبْدِعِ
فَيَا أَيُّهَا الوَتْرُ فِي الخَالِدِيـ          ـنَ فَرْدَاً، إِلَى الآنَ لَمْ يُشْفَعِ
وَيَا عِظَةَ الطَّامِحِينَ العِظَامِ         ل هِينَ عَنْ غَدِهِمْ قُنَّعِ
تَعَالَيْتَ مِنْ مُفْزِعٍ لِلْحُتُوفِ          وَبُورِكَ قَبْرُكَ مِنْ مَفْزَعِ
تَلُوذُ الدُّهُورُ فَمِنْ سُجَّدٍ             عَلَى جَانِبَيْهِ وَمِنْ رُكَّعِ


84


ويُقرأ في موضعين:

1- الموضع الأوّل: في مقدّمة القصيدة:

الشاهد الأوّل: الرثاء.

حَرَّ قَلْبِي لِزَيْنَبٍ إِذْ رَأَتْهُ              تَرِبَ الجِسْمِ مُثْخَنَاً بِالجِرَاحِ
أَخْرَسَ الخَطْبُ نُطْقَهَا فَدَعَتْهُ         بِدُمُوعٍ بِمَا تَجِنُّ فِصَاحِ
يَا مَنَارَ الضُّلَّالِ وَاللَّيْلُ دَاجٍ          وَظِلَالَ الرَّمِيضِ وَاليَوْمُ ضَاحِي
كُنْتَ لِي يَوْمَ كُنْتَ كَهْفَاً مَنِيعَاً         سَجْسَجَ الظِّلِّ خَافِقَ الأَرْوَاحِ

2 الموضع الثاني: في أثناء المصيبة:

كانت فاطمة عليها السلام إذا جنّ عليها الليل تأتي إلى أمير المؤمنين عليه السلام تقول له: يا بن العمّ كم مضى من الليل؟ يقول الإمام: ثلثه، تقول: يا ابن العمّ، أريد أن أخرج إلى قبر والدي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ، كانت تخرج، حسن عن يمينها، حسين عن شمالها، أمير المؤمنين أمامها، تقوم تارة وتقعد أخرى، وهي تنادي: وا أبتاه وا محمّداه، قال لها أمير المؤمنين عليه السلام ، يا ابنة العمّ، أقلي من البكاء وتعزي بالعزاء، إني أخشى عليكِ أن تكوني من الهالكين. قالت: يا بن العمّ، لا تلمني، واعذرني، إنّ الفراق مرّ المذاق خصوصاً فراق أبي سلطان الرسل وعصمة أمري، إلى أن


85


 تصل إلى قبره الشريف ترمي بنفسها عليه ثمّ تأخذ قبضة من تراب القبر تشمّها وتدنيها على عينيها، وهي تقول:

مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ         أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا          صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا

ويمكن أن تكون أبيات الختام في نهاية المجلس مقروءة بطور الدرج.

مثال:

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ           لَوْ كُنْتَ شَاهِدَها لَمْ تَكْثُرِ الخُطَبُ
إِنَّا فَقْدْنَاكَ فَقْدَ الأَرْضِ وَابِلَهَا        وَاخَتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نُكِبُوا

وهناك أنواع أخرى من الدرج منها:

الدرج الجنوبيّ: نسبة إلى جنوب العراق وإيران.

ويُقرأ بحزن ورقّة وترجيع خفيف في أغلب كلمات البيت..

مثلاً:

عَجَبَاً لِحِلْمِكَ كَيْفَ قَرَّ وَدَامَا                وَفَظِيعُ رُزْئِكَ يَنْسِفُ الأَعَلَامَا
فَمَتَى نَرَاكَ عَلَى العِدَى مُتَطَلِّعَاً            تُرْدِي الكَمِيَّ وَتَعْقِرُ الضِّرْغَامَا
وَمَتَى تَشُبُّ لَظَى الحُرُوبِ بِدُورِهِمْ         فَتُبِيدُ مِنْها أَشْيُبَاً وَغُلَّامَا
وَتَبِيحَ حَوْزَتَهَا وَتَنْهَبَ رَحْلَهَا               وَتَذُودَ مِنْهَا الأَشْوَسَ المِقْدَامَا


86


مَاذَا يُهِيجُكَ إِنْ صَبَرْتَ لِمِحْنَةٍ          مَلَأَتْ قُلُوبَ المُسْلِمِينَ ضِرَامَا
أَنَسِيتَ مَا فَعَلَتْ بَنُو حَرْبٍ وَقَدْ          سَبَوُا النِّسَاءَ وَصَفَّدُوا الأَيْتَامَا
وَسَرَوْا بِهِنَّ عَلَى النَّجَائِبِ حُسَّراً        وَدُمُوعُهَا تَحْكِي الحَيَا سِجَامَا

وقد جرت عادة أهل الجنوب العراقيّ أو الإيرانيّ أن يكرّروا كلمة وا سيّداه أو إماماه وما شاكل ذلك أثناء القراءة وفي الموضع المناسب.

مثال: ماذا يهيجك إن صبرت لمحنة "يا صاحب الزمان".

وفي كلّ الأحوال يُقرأ الدرج من القصيدة بحسب عدد الأبيات، وفي الأغلب الأعمّ أن طور الدرج له الحصّة الكبرى من مساحة القصيدة بالنسبة للأطوار الأخرى، فإن كانت ثلاثة عشر بيتاً، وأردت أن تنوّع الأطوار فيها فمن المناسب أن تقرأ الأبيات الخمسة الأولى بطور الدرج والباقي بأطوار مختلفة.

ومنها:الدرج الفارسي: وقد جرت عادة خطباء الفرس أن يقرؤوا به لأنّه طورهم، حيث تظهر فيه النغمة الفارسيّة جليّة.

مثال على ذلك:


87


البِدَارَ البِدَارَ آلَ نِزَارِ                   قَدْ فُنِيتُمْ مَا بَيْنَ بِيضِ الشِّفَارِ
قَوِّمُوا السُّمْرَ كَسِّرُوا كُلَّ غِمْدٍ          نَقّبُوا بِالقَتَامِ وَجْهَ النَّهَارِ
لا تَمُدُّوا لَكُمْ عَنِ الشَّمْسِ ظِلَّا          إِنَّ فِي الشَّمْسِ مُهْجَةَ المُخْتَارِ
حَقَّ أَنْ لا تُكَفِّنُوا عَلَوِيَّاً                  بَعْدَمَا كَفَّنَ الحُسَينَ الذَّارِي
لا تَشُقُّوا لِآلِ فِهْرٍ قُبُوراً                 فَابْنُ طَهَ مُلْقَىً بِلا إِقْبَارِ
هَتِّكُوا عَنْ نِسَائِكُمْ كُلَّ خِدْرٍ             هَذِهِ زَيْنَبٌ عَلَى الأَكَوَارِ
شَأْنُهَا النَّوْحُ لَيْسَ تَهْدَأُ آناً              عَنْ بُكًى بِالعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ
أَيْنَ مِنْ أَهْلِهَا بَنُو شَيْبَةِ الحَمْـ          ـدِ لُيُوثُ الوَغَى حُمَاةُ الذِّمَارِ

يُقرأ أثناء المصيبة في بيتين أو ثلاثة نحو:
وَاللهِ إِنْ قَطَعْتُمُ يَمِينِي                إِنِّي أُحَامِي أَبْدَاً عَنْ دِينِي
وَعَنْ إِمَامٍ صَادِقِ اليَقِينِ             نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ


88


الطور الثاني: المثكِل

وهو على قسمين: منفصل ومتّصل.

الأوّل: المثكِل المنفصل

كيفيّته: المدّ والترجيع الخفيف من بداية الشطر الأوّل والإسراع في القراءة عند بداية الشطر الثاني. ويمتاز بالونّة على حرف العلّة الساكن في أواخر البيت الشعريّ. بأن يقرأ الخطيب صدر البيت وقبل إكمال عجزه يقطع الكلام.
يُقرأ المثكل من موضعين الأوّل في القصيدة والثاني أثناء المصيبة ولا يُقرأ في أبيات الختام.

الموضع الأوّل: في القصيدة

تَاللهِ لَا أَنْسَى ابْنَ فَاطِمَ وَالعِدَى               تُهْدِي إِلِيْهِ بَوَارِقَاً وَرُعُودَا
قَدْ كَانَ بَدْرَاً فَاغْتَدَى شَمْسَ الضُّحَى         مُذْ أَلْبَسَتْهُ يَدُ الدِّمَاءِ لُبُودَا
قَتَلُوا بِهِ بَدْرَاً فَأَظْلَمَ لَيْلُهُمْ                     فَغَدَوْا قِيَامَاً فِي الضَّلَالِ قُعُودَا
لِلَّهِ مَطْرُوحٌ حَوَتْ مِنْهُ الثَّرَى                 نَفْسَ العُلَا وَالسُؤْدُدَ المَعْقُودَا
وَمُجَرَّحٌ مَا غَيَّرَتْ مِنْهُ القَنَا                  حُسْنَاً وَلا أَخْلَقْنَ مِنْهُ جَدِيدَا
وَثَوَاكِلٌ فِي النَّوْحِ تُسْعِدُ مِثْلَهَا               أَرَأَيْتَ ذَا ثُكْلٍ يَكُونُ سَعِيدَا


89


إِنْ تَنْعَ أَعْطَتْ كُلَّ قَلْبٍ حَسْرَةً                 أَوْ تَدْعُ صَدَّعَتِ الجِبَالَ المِيدَا
عَبَرَاتُها تُحْيِي الثَّرَى لَوْ لَمْ تَكُنْ                زَفَرَاتُهَا تَدَعُ الرِّيَاضَ هُمُودَا

الموضع الثاني:المثكل أثناء المصيبة

لمّا وصلت مولاتنا زينب عليها السلام إلى كربلاء، راجعة من الشام، ولاح لها قبر أخيها الحسين بن علي عليه السلام الذي قتلوه عطشاناً، ورأت نساء أهل السواد مجتمعات حول القبر قالت - بلسان الحال-:

مَا حَالُ جُثَّةِ مَيِّتٍ فِي أَرْضِكُمْ              بَقِيَتْ ثَلَاثَاً لَا يُزَارُ مَقَامُهَا

ملاحظة: يُقرأ في أثناء المصيبة فيما لو تضمّنت أبياتاً من الشعر القريض.

يستحسن أن لا تكون الونّة في وسط الكلمة، حتّى لا يضيع فهمها على الجمهور، كما ويستحسن أن تكون الونّة في آخر الحرف ما قبل الكلمة الأخيرة، أو أوّل الكلمة الأخيرة، بما لا يحدث خللاً في معناها عند السامع.

وحينما يصل الخطيب إلى قوله سعيداً مثلاً، يمدّ الياء في (سعيداً) مدّاً مناسباً مع هذا الطور ثمّ يقطع الصوت كلّياً ليأخذ


90


 نفساً، ومن ثمّ يكمل الياء والدال ويمدّ الألف مدّاً مناسباً مع الطور، وهنا ينبغي على الجمهور أن يواكب الخطيب في المدّ قبل أن يقطع الخطيب صوته، بحيث إذا انقطع صوته واختفى لا يبقى إلّا صوت الجمهور يدوّي في المجلس، وكذلك عندما يكمل من حيث قطع لا بدّ أن يرتفع صوت الجمهور مع صوته فيتابعونه على نفس الوتيرة والحركة، فإذا كانت ونّته "وا" أكمل الجمهور ذلك، وإن كانت "عي" أكملوا ذلك مما يضفي على المجلس روحانيّة خاصّة وتأثيراً حزيناً.

ويمكن أن يستعيض الخطيب عن حرف العلّة - مع عدم وجوده - بالحركات الفتحة والضمّة والكسرة.

الثاني: المثكل المتّصل

وكيفيّته: لا يختلف عن المنفصل بشيء إلّا بأنّه لا قطع للصوت فيه بل يبقى في عمليّة مدٍّ خاصّة مناسبة جدّاً مع الطور وهذه الونّة التي في آخر الكلمة تتناسب مع الجمهور الذي لا يونّ, ومن هنا تكون الونّة واحدة في آخر الكلمة بخلاف المنفصل ففيه ونّتان.

وعلى أيّ حال لا يُقرأ المثكل المتّصل في بداية القصيدة ولا في خاتمة المجلس عادة بل لا بدّ له من تمهيد بأربعة أبياتٍ في


91


 مطلع القصيدة أو أكثر بحسب عدد أبيات القصيدة.

مثال:

ذِكْرُ الطُّفُوفِ وَيَوْمُ عَاشُورَاءِ              مَنَعَا جُفُونِي لَذَّةَ الإِغْفَاءِ
وَتَذَكُّرِي رُزْءَ الحُسْينِ بِكَرْبَلا             أَغْرَى دُمُوعَ العَيْنِ بِالإِجْرَاءِ
لَمْ أَنْسَهُ لَمَّا سَرَى مِنْ يَثْرِبٍ               بِعِصَابَةٍ مِنْ رَهْطِهِ النُّجَبَاءِ
حَتَّى أَتَى البَيْتَ الحَرَامَ مُلَبِّياً              وَالقَلْبُ فِي هَمٍّ وَفَرْطِ عَنَاءِ
فَقَضَى مَنَاسِكَ حَجِّهِ ثُمَّ انْثَنَى               يَبْغِي العِرَاقَ بِأَهْلِهِ السُّعَدَاءِ
حَتَّى أَتَوْا أَرْضَ الطُّفُوفِ فَدَتْهُمُ           أَرْضُ الطُّفُوفِ وَأَرْضُ كُلِّ بَلاءِ
وَيْلاهُ، إِذْ وَقَفَ الجَوَادُ وَلَمْ يَسِرْ            فَغَدَا يَقُولُ لِصَحْبِهِ الخُلَصَاءِ
يَا قَوْمُ مَا اسْمُ الأَرْضِ قَالُوا نَيْنَوَى        قَالَ افْصِحُوا عَنْهَا بِغَيْرِ خَفَاءِ
قَالُوا تُسَمَّى كَرْبَلا فَتَنَفَّسَ الـ              ـصُّعَدَا وَقَالَ هُنَا حُلُولُ فَنَاءِ
حُطُّوا الرِّحَالَ فَذَا مَحَطُّ خِيَامِنَا            وَهُنَا تَكُونُ مَصَارِعُ الشُّهَدَاءِ
حُطُّوا الرِّحَالَ فَذَا مَنَاخُ رِكَابِنَا            وَبِهَذِهِ وَاللهِ، سَبْيُ نِسَاءِ
وَبِهَذِهِ الأَطْفَالُ تُذْبَحُ وَالنِّسَا                تَعْلُو عَلَى قَتَبٍ بِغَيْرِ وِطَاءِ
وَبِهَذِهِ تَتَفَتَّتُ الأَكْبَادُ مِنْ                   حَرِّ الظَّمَا وَحَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ
وَبِهَذِهِ وَاللهِ يَسْلُبُنِي العِدَى                 وَتَجُولُ خَيْلُهُمُ عَلَى أَعْضَائِي
وَبِهَذِهِ نَهْبُ الخِيَامِ وَحَرْقُهَا               وَبِهَذِهِ حَرَمِي تُقِيمُ عَزَائِي


92


مثال آخر يمكن الاستفادة منه للمثكل المتّصل:

قِفْ بِالطُّفُوفِ وَجُدْ بِفَيْضِ الأَدْمُعِ             إِنْ كُنْتَ ذَا حُزْنٍ وَقَلْبٍ مُوْجَعِ
يِا سَعْدُ سَاعِدْنِي عَلَى طُولِ البُكَا             وَأَذِلْ دُمُوعَكَ بَيْنَ تِلْكَ الأَرْبُعِ
وَالْبَسْ ثِيَابَ الحُزْنِ سُوداً وَاكْتَحِلْ            إِنْ كُنْتَ مُكْتَحِلاً بِحُمْرِ الأَدْمُعِ
أَيَبِيتُ جِسْمُ ابْن ِالنَّبِيِّ عَلَى الثَّرَى             وَتَبِيتُ مِنْ فَوْقِ الحَشَايَا أَضْلُعِي
تَبَّاً لِقَلْبٍ لَا يُقَطَّعُ بَعْدَهُ                          أَسَفَاً بِسَيْفِ الحُزْنِ أَيُّ تَقَطُّعِ

ملاحظة: لا يُقرأ المثكل المنفصل، ولا المتّصل، إلّا في الشعر الرثائيّ، ولا يُقرأ شعر الحماسة والشجاعة، الذي يهدف إلى عرض مواقف الشجاعة، والبطولة، لا الإبكاء، بينما المثكل يُقرأ بغرض الأنين والنوح.


93


الطور الثالث: التخميس

للتخميس طريقتان: العراقيّة والإحسائيّة.

الأولى: التخميس العراقيّ

كيفيّته: مدُّ كلّ شطرٍ من البيت ثلاث مرات مع انخفاض ولا بدّ أن يكون المدّ على حرف العلّة أو على الحركات الإعرابيّة التي تستعيض بها عن حرف العلّة، عند فقده في كلّ موضع يجب فيه المدّ.

وإنّما سمي تخميساً، لأنّه في الغالب يُقرأ هذا الطور على المخمسيّات وهي التي يضاف فيها ثلاثة أشطر من الشعر أيّ بيت ونصف إلى أصل البيت المؤلف من شطرين، فيصبح المجموع خمسة أشطر. ويمتاز التخميس العراقي بالمدّ الأطول.

مثال: أصل البيت:

أَنْعِمْ جَوَاباً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى                شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعِي

فيضيف إليه الشاعر ثلاثة أشطر فيقول:

جَرَتِ المَدَامِعُ يَوْمَ شِمْرٌ شَمَّرَا             عَنْ سَاعِدَيْهِ وَمَتْنَ زَيْنَبَ أَثَّرَا
صَرَخَتْ وَنَادَتْ وَالفُؤَادُ تَفَطَّرَا              أَنْعِمْ جَوَابَاً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى
                   شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعِي


94


مثال آخر أصل البيت:

فَأَجَابَهَا مِنْ فَوْقِ شَاهِقَةِ القَنَا                     قُضِيَ القَضَاءُ بِمَا جَرَى فَاسْتَرْجِعِي

بعد الإضافة أصبح على النحو التالي:

غَدَرَ الزَّمَانُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا جَنَى             وَأَنَا العَقِيلَةُ أَنْتَ تَعْلَمُ مَنْ أَنَا
أَمَرَ الدَّعِيُّ بِأَنْ يَسِيرَ بِنَا فَأَجَابَهَا             مِنْ فَوْقِ شَاهِقَةِ القَنَا
                    قُضِيَ القَضَاءُ بِمَا جَرَى فَاسْتَرْجِعِي

لكنّه وممّا لا شكّ فيه فإنّ طور التخميس أضحى يُقرأ في كلّ شعرٍ حتّى ولو لم يكن مخمّساً.
ويُقرأ التخميس في ثلاثة مواضع: في ختام القصيدة بعد المثكل، وأثناء المصيبة، وفي ختام المجلس.
الموضع الأول: التخميس بعد المثكل
مثال:
وَسَرَوْا بِنِسْوَتِهِ عَلَى عَجَفِ المَطَا                 تَطْوِي سُهُولاً بِالفَلا وَحُزُوناً

تخميس:
أَوَ مِثْلُ زَيْنَبَ وَهْيَ بِنْتُ مُحَمَّدٍ                 بَرَزَتْ تُخَاطِبُ شَامِتَاً مَلْعُونَاً
وَغَدَا بِمَحْضَرِهَا يُقَلِّبُ مَبْسِماً                  كَانَ النَّبِيُّ بِرَشْفِهِ مَفْتُوناً


95


نَثَرَتْ عَقِيقَ دُمُوعِهَا لَمَّا غَدَا                 بِعَصَاهُ يَنْكُتُ لُؤْلُؤاً مَكْنُوناً

الموضع الثاني: التخميس أثناء المصيبة

لمّا وقف الحسينُ عليه السلام على أصحابه رآهم على الثرى، ما بين من صافح التراب جبينه، وقطع الحمام أنينه، فناداهم: يا زهير بن القين، يا حرّ الرياحيّ، يا حبيب بن مظاهر، يا عليّ الأكبر، يا عبّاس بن عليّ...

لَمَّا رَأَى السِّبْطُ أَصْحَابَ الوَفَا قُتِلُوا              نَادَى أَبَا الفَضْلِ أَيْنَ الفَارِسُ البَطَلُ
أَيْنَ الَّذِي دُونَهُ الأَرْوَاحُ تُبْتَذَلُ                    بِالأَمْسِ كَانُوا مَعِي وَاليَوْمَ قَدْ رَحَلُوا
وَخَلَّفُوا فِي سُوَيْدَا القَلْبِ نِيرَانَاً

الموضع الثالث: في ختام المجلس بعد الشعر الشعبيّ

نقدّم في الخاتمة بيتين من الشعر الشعبيّ ثمّ نختم بطور التخميس.

مثال: حال السيّدة الزهراء عليها السلام عند خروجها لقبر أبيها صلى الله عليه وإله وسلم :

شعبيّ:

آه طبّت دارها وظلّت عليله               وجفنها من الولم ما غمض ليلة
تروح لقبر أبوها تشتكيله                  وهو بقبره على الزهره يتولم


96


تخميس: ماذا قالت السيّدة الزهراء عليها السلام :

أَبْدَتْ لِيَ الأَيَّامُ بَغْيَاً ضِغْنَهَا              وَعَلَيَّ تَابَعَتِ المَصَائِبُ حُزْنَهَا
قَسَماً بِمَنْ شَرَعَ الفُرُوضَ وَسَنَّهَا         صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا
                   صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا

الثانية: التخميس الإحسائيّ

وكيفيّته: يمتاز عن التخميس العراقيّ بعدم المدّ في آخر كلّ شطر مع إدخال بعض الكلمات أثناء القراءة مثل يا أبا عبد الله مثال:

مَنْ لِي حِمَىً بَعْدَ الحُسَيْنِ وَمُعْتَصَمْ                إِنْ جَلَّ خَطْبٌ فَادِحٌ وَبِنَا أَلَمّْ
نَادَيْتُ يَا أبَا عَبْدِ اللهِ يَا حُسَيْنُ نَادَيْتُ ـ              لَمَّا غَابَ بَدْرُ سَمَا الكَرَمْ يَا غَائِباً
يَا غَائِبَاً عَنْ أَهْلِهِ أَتَعُودُ أَمْ                          تَبْقَى إِلَى يَوْمِ المَعَادِ مُغَيَّبَا

ملاحظة: لا يُقرأ التخميس إلّا بعد المثكل، أو الدرج أو الدشت، وكذلك يُقرأ التخميس في خاتمة المجلس إيذاناً بانتهائه، كما ويُقرأ بعد الانتهاء من الگوريز وعند الوصول إلى المصيبة.


97


الطور الرابع: الحدي

وكيفيّته: وهو النطق بحروف الكلمات ببطء كأنّها تخرج من فم صاحبها رغماً عنه، كما يحدى للنّاقة عندما تمشي مشياً وئيداً، وميزة هذا الطور المدُّ في آخر صدر البيت كما في آخر عجزه بشكل متقطّع حزين.

ويُقرأ في موضعين:في القصيدة وأثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: في القصيدة وذلك بعد تمهيد ومقدّمة من طور الدرج, أو الدشتيّ:


مثال:

لَهْفِي لِرَأْسِكَ فَوْقَ مَسْلُوبِ القَنَا           يَكْسُوهُ مِنْ أَنْوَارِهِ جِلْبَابَا
تَرِبَ الجَبِينِ وَعَيْنُ كُلِّ مُوَحِّدٍ             وَدَّتْ لِجِسْمِكَ لَوْ تَكُونُ تُرَابَا
صَلَّتْ عَلَى جِسْمِ الحُسَيْنِ سُيُوفُهُمْ        فَغَدَا لِسَاجِدَةِ الظُّبَى مِحْرَابَا
وَقَضَى لَهِيفاً لَمْ يَجِدْ غَيْرَ القَنَا            ظِلَّاً وَلا غَيْرَ النَّجِيعِ شَرَابَا
ظَمْآنَ ذَابَ فُؤَادُهُ مِنْ غُلَّةٍ                لَوْ مَسَّتِ الصَّخْرَ الأَصَمَّ لَذَابَا
لَهْفِي لِجِسْمِكَ فِي الصَّعِيدِ مُجَرَّداً        عُرْيَانَ تَكْسُوهُ الدِّمَاءُ ثِيَابَا


98


الموضع الثاني: أثناء المصيبة

مثال:

يروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في كلّ ليلة يذهب إلى قبر الزهراء عليها السلام وينادي: وا حبيبتاه، فلم يجبه أحد.. فلمّا كان بعد ستّة أشهر اشتدّ شوقه جدّاً فبكى على القبر وجعل يقول:

مَالِي وَقَفْتُ عَلَى القُبُورِ مُسَلِّماً             قَبْرَ الحَبِيبِ فَلَمْ يَرُدَّ جَوَابِي
أَحَبِيبُ مَا لَكَ لا تَرُدُّ جَوَابَنَا                 أَنَسِيتَ بَعْدِي خُلَّةَ الأَحْبَابِ

فأجاب عن نفسه، وقيل بل أجابه هاتف:

قَالَ الحَبِيبُ وَكَيْفَ لِي بِجَوَابِكُمْ             وَأَنَا رَهِينُ جَنَادِلٍ وَتُرَابِ
أَكَلَ التُّرَابُ مَحَاسِنِي فَنَسِيتُكُمْ              وَحُجِبْتُ عَنْ أَهْلِي وَعَنْ أَصْحَابِي

كما يستحسن إضافة بعض الكلمات أثناء قراءة الحدي مثل: (وا إماماه، وا حسيناه) إذا كان موضوع الشعر هو الحسين، وإلّا فممّا يتناسب من كلمات مع الشعر، وإليك هذا المثال:

وَمُجَرَّحٌ مَا غَيَّرَتْ مِنْهُ القَنَا (وَا إِمَامَاه)                     حُسْناً وَلا أَخْلَقْنَ مِنْهُ جَدِيدَا

ويمكن أن تترك للمستمع فرصة ليجيبك بقوله: و(إماماه) أو يكمل آخر كلمة من البيت.


99


مثال:

قَوَاعِدُ بَيْتِ اللهِ فِيكَ تَدَافَعَتْ             وَجَانِبُ طُورِ المَجْدِ فِيكَ تَصَدَّعَا
فَيَا دَهْرُ أَرْدَيْتَ الَّذِي بِنَوَالِهِ            إِذَا العَامُ أَكْدَى مُجْدِباً عَادَ مُمْرِعَا

ملاحظة: لا يُقرأ الحدي في بداية القصيدة، بل لا يبتدأ بأيّ من الأطوار ذات الونّة أو التي تحتاج إلى جواب من الجمهور، لأنّه غير مستعدّ بعد، كما لا تصلح الإطالة بهذا الطور لئلّا يصاب الجمهور بالملل, ولذلك يستحسن أن يُقرأ بيتين أو ثلاثة من القصيدة بهذا الطور بعد المثكل.


100


الطور الخامس: الدشتي

وهو طور تطغى عليه النغمة الفارسيّة ويكثر الإيرانيّون من استخدامه حتّى في الآذان والدّعاء وزيارة الأئمّة عليهم السلام.

كيفيّته: يُقرأ النصف الأوّل من كلّ شطر مع مدّ وترجيع خفيفين وفي النصف الثاني يُقرأ مع مدّ وترجيع بوتيرة مرتفعة قليلاً. وهو طور حزين، يُقرأ على وتيرة واحدة.

ويُقرأ في موضعين: في القصيدة وأثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: أثناء القصيدة

مثال:

رَحَلُوا وَمَا رَحَلُوا أُهَيْلُ وِدَادِي             إِلّا بِحُسْنِ تَصَبُّرِي وَفُؤَادِي
سَارُوا وَلَكِنْ خَلَّفُونِي بَعْدَهُمْ                 حَزِناً أَصُوبُ الدَّمْعَ صَوْبَ عِهَادِي
وَسَرَتْ بِقَلْبِي المُسْتَهامِ رِكَابُهُمْ               تَعْلُو بِهِ جَبَلاً وَتَهْبِطُ وَادِي
وَلَقَدْ وَقَفْتُ بِها وُقُوفَ مُوَلَّهٍ                 وَلِمُهْجَتِي بِالوَجْدِ قَدْحُ زِنَادِ
أَبْكِي بِها طَوْراً لِفَرْطِ صَبَابَتِي               وَأَصِيحُ فِيها تَارَةً وَأُنَادِي
يَا دَارُ أَيْنَ مَضَى ذَوُوكِ أَمَا لَهُمْ             بَعْدَ التَّرَحُّلِ عَنْكِ يَوْمُ مَعَادِ


101


ويُقرأ في القصائد الوعظيّة كقصيدة الموت:

أَرَى عُمْرِي مُؤْذِنَاً بِالذَّهَابِ             تَمُرُّ لَيَالِيهِ مَرَّ السَّحَابِ
وَتُفْجِعُنِي بِيضُ أَيَّامِهِ                    فَتَسْلَخُ مِنِّي سَوَادَ الشَّبَابِ
فَمَنْ لِي إِذَا حَانَ مِنِّي الحِمَامُ          وَلَمْ أَسْتَطِعْ مِنْهُ دَفْعَاً لِمَا بِي

الموضع الثاني: أثناء المصيبة

مثال:

خرج الإمام الحسين عليه السلام من منزله تلك الليلة وأقبل على قبر جدّه صلى الله عليه وإله وسلم ، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله، أنّهم خذلوني وضيّعوني، ولم يحفظوني. فلمّا كانت الليلة الثانية، خرج إلى القبر وصلّى ركعات عند قبر جدّه، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول: أللهم هذا قبر نبيّك محمّد صلى الله عليه وإله وسلم ، وجعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه عند القبر فغفا، وإذا هو برسول الله ينادي: حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء.


102


سَتَذُوقُ المَوْتَ ظُلْمَاً ظَامِئاً فِي كَرْبَلا                  وَسَتَبْقَى فِي ثَرَاهَا ثَاوِيَاً مُنْجَدِلاً
وَكَأَنِّي بِلَئِيمِ الأَصْلِ شِمْرٍ قَدْ عَلَا                       صَدْرَكَ الطَّاهِرَ بِالسِّيْفِ يَحُزُّ الوَدَجَيْنِ
وَكَأَنِّي بِالأَيَامَى مِنْ بَنَاتِي تَسْتَغِيثُ                      لُغُباً تَسْتَعْطِفُ القَوْمَ وَقَدْ عَزَّ المُغِيثُ
قَدْ بَرَى أَجْسَامَهُنَّ الضَّرْبُ وَالسَّيْرُ الحَثِيثُ            بَيْنَها السَّجَّادُ فِي الأَصْفَادِ مَغْلُولَ اليَدَيْنِ


103


الطور السادس: القزويني

وهو على نوعين: الثقيل والخفيف.

الأوّل: القزوينيّ الثقيل

يُقرأ بطريقة صعبة وعرة إلى حدٍّ ما، ويخيّل لك أنّ قارئه يبكي.

وكيفيّته: الترجيع من بداية الشطر إلى آخره مع مدٍّ متقطّع بطريقة متقاربة جدّاً مع الحدي.

يُقرأ في مواضع ثلاثة هي: القصيدة، وأثناء المصيبة، الخاتمة.

الموضع الأول: في القصيدة بعد تمهيد، نحو:

إِنْ لَمْ أَقِفْ حَيْثُ جَيْشُ المَوْتِ يَزْدَحِمُ                   فَلَا مَشَتْ بِي فِي طُرْقِ العُلا قَدَمُ
مَنْ حَامِلٌ لِوَلِيِّ الأَمْرِ مَأْلُكَةً                             تَطْوِي عَلَى نَفَثَاتٍ كُلُّهَا ضَرَمُ
يَا بْنَ الأُُلَى يُقْعِدُونَ المَوْتَ إِنْ نَهَضَتْ                بِهِمْ لَدَى الرَّوْعِ فِي وَجْهِ الظُّبَا الهِمَمُ
أُعِيذُ سَيْفَكَ أَنْ تَصْدَا حَدِيدَتُهُ                            وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ تُجْلَى هَذِهِ الغُمَمُ
فَحَمْلَ أُمِّكَ قِدْمَاً أَسْقَطُوا حَنَقَاً                           وَطِفْلَ جَدِّكَ فِي سَهْمِ الرَّدَى فَطَمُوا
وَحَائِرَاتٍ أَطَارَ القَوْمُ أَعْيُنَهَا                            رُعْبَاً غَدَاةَ عَلَيْهَا خِدْرَهَا هَجَمُوا
فَغُودِرَتْ بَيْنَ أَيْدِي القَوْمِ حَاسِرَةً                        تُسْبَى وَلَيْسَ تَرَى مَنْ فِيهِ تَعْتَصِمُ


104


الموضع الثاني: أثناء المصيبة، نحو:

لمّا هجم القوم على دارها لاذت عليها السلام خلف الباب فعصروها بين الحائط والباب.

يَا بَابَ فَاطِمَ لا طُرِقْتَ بِخِيفَةٍ                 وَيَدُ الهُدَى سَدَلَتْ عَلَيْكَ حِجَابَا
أَوَلَسْتَ أَنَتَ بِكُلِّ آنٍ مَهْبِطَ الْـ                أَمْلاكِ فِيكَ تُقَبِّلُ الأَعْتَابَا
نَفْسِي فِدَاكَ أَمَا عَلِمْتَ بِفَاطِمٍ                 وَقَفَتْ وَرَاكَ تُنَاشِدُ الأَصْحَابَا..
أَوَمَا رَقَقْتَ لِضِلْعِهَا لَمَّا انْحَنَى               كَسْراً وَمِنْهُ تَزْجُرُ الخُطَّابَا

الموضع الثالث: في الخاتمة بعد الشعر الشعبيّ عوضاً عن التخميس، نحو:

شعبيّ:

يبويه عليّ الليل هوّد               وانا حرمه وغريبه وما لي أحد
بيمن يا يابا القلب يضمد            بالحسين هل عندي امّدد

قزويني:

آه وَمَدَّتْ إِلَى نَحْوِ الغَرِيّيْنِ طَرْفَهَا           وَنَادَتْ أَبَاهَا خَيْرَ مَاشٍ وَرَاكِبِ
أَيَا وَالِدِي لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا جَرَى             عَلَيْنَا جَمِيعاً بَعْدَ تِلْكَ المَصَائِبِ


105


الثاني: القزوينيّ الخفيف

وكيفيّته: تكون البداية عاديّة في الشطر الأوّل مع ترجيع خفيف وفي الشطر الثاني يكثر من الترجيع مع التوقّف عند بعض الكلمات.

1- يُقرأ القزوينيّ في ثلاثة مواضع من مجلس العزاء: في القصيدة، في المصيبة، في الختام.

الموضع الأوّل:في القصيدة


مثال:

كَأَنِّي بِالحُسَيْنِ غَدَا يُنَادِي              عَلَيْنَا يَا لَيَالِي الوَصْلِ عُودِي
رَجَوْتُكَ يَا عَلِيُّ تَعِيشُ بَعْدِي           وَتُوَسِّدُ جُثَّتِي رَمْسَ اللُّحُودِ
وَتَمْشِي بَاكِياً مِنْ خَلْفِ نَعْشِي          كَمَا يَبْكِي الوَلِيدُ عَلَى الفَقِيدِ

الموضع الثاني:في المصيبة

مثال:

خرجت مولاتنا فاطمة عليها السلام إلى قبر أبيها ذات ليلة، ومعها أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا تراءى لها القبر الشريف، أنّت أنّة، وبكت ولمّا وصلت إليه انحنت عليه، وأخذت قبضة من ترابه، وضعتها على عينيها وأنفها وشمّتها وأنشأت تقول:


106


مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ             أَنْ لا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا              صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا

وهكذا الحال في الموضع الثالث.

ملاحظات حول قراءة الطور القزوينيّ:


أ- يُقرأ القزوينيّ بعد الدرج، أو بعد الدرج والمثكل، أو بعد الدشتيّ والمثكل، ولا تُقرأ القصيدة به ابتداءً لأنّه نشاز.

ب- القزوينيّ من الأطوار الحزينة فلا يستحسن قراءته إلّا في الشعر الرثائيّ.


107


الطور السابع: الركباني

هو مقام عراقيّ يحتاج إلى طبقة صوت عالية جدّاً(جواب الجواب), وكلّما ازدادت حدّة الطبقة أُعطي هذا الطور رقّة وجماليّة, ويجب أن لا يُكثر الخطيب من قراءته حتّى لا يبعد المتلقّي عن المطلوب.

وكان العربيّ يقرأه وهو في المسير, وهو ينسجم مع حدي الإبل وسير القافلة.

وهو أشبه بطور الحدي إلّا أنّه أطول، ويُقرأ في مناسبات خاصّة، مثل الوداعيّات.

كيفيّته: المدّ في الصدر في موضعين والمدّ في العجز كذلك في موضعين مع الترجيع. ويكون المدّ والترجيع في بداية كلّ شطر وقبل نهاية كلّ شطر مع الونّة الخفيفة في نهاية كلّ شطر, ويحتاج إلى مدّ بطبقة عالية مع ترجيع ويمكن أن يقتصر على المدّ في وسطه.

ويُقرأ في ثلاثة مواضع: أواخر القصيدة، أثناء المصيبة، ختام المصيبة1.


108


الموضع الأوّل: أواخر القصيدة، نحو:

يَا رِاكِبَاً مَهْرِيَّةًّ شَأَتِ الصَّبَا                   كَأَنَّ لَهَا بَرْقُ الغَمَامِ زِمَامُ
إِذَا جُزْتَ فِي وَادِي قِبَا قُلْ بِعَوْلَةٍ             أَهَاشِمُ قُومِي فَالقُعُودُ حَرَامُ
لَقَدْ حَلَّ فِيكُمْ حَادِثٌ أَيُّ حَادِثٍ                هَوَتْ فِيهِ لِلدِّينِ الحَنِيفِ دِعَامُ
وَبَيْنَا بَنَاتُ الوَحْيِ فِي الخِدْرِ إِذْ بِهَا           تَنَاهَتْ لِسَلْبِ الطَّاهِرَاتِ طَغَامُ
تُجِيلُ بِطَرْفٍ لِلْحُمَاةِ فَلا تَرَى                 سِوَى جُثَثٍ قَدْ غَالَهُنَّ حِمَامُ
أَيَا سَائِقَ الأَظْعَانِ قِفْ لِي هُنَيْهَةً              فَذَا إِخْوَتِي فَوْقَ الصَّعِيدِ نِيَامُ
أُغَسِّلُ أَجَسَاداً لَهُمْ بِمَدَامِعِي                  أُكَفْكِفُهَا بِالرَّاحِ وَهْيَ سِجَامُ

ملاحظة: لا بدّ له من تمهيد بلحن مناسب قبله.

الموضع الثاني: أثناء المصيبة، نحو:

لمّا وقف أمير المؤمنين عليه السلام على قبر فاطمة عليها السلام بعد أن دفنها وأهال على قبرها الثرى جلس يخطّ القبر بأنامله وهو يقول:

أَرَى عِلَلَ الدُّنْيَا عَلَيَّ كَثِيرَةً           وَصَاحِبُهَا حَتَّى المَمَاتِ عَلِيلُ
لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ         وَكُلُّ الَّذِي دُونَ الفِرَاقِ قَلِيلُ
وَإِنَّ افْتِقَادِي فَاطِمَاً بَعْدَ أَحْمَدٍ          دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ


109


الموضع الثالث: في الختام بعد أبيات من الشعر الشعبيّ يتبعها أبيات من القريض بطور الركبانيّ، نحو:

شعبيّ:

آنا اللي فجعني البين              ياهلي وصرت مفجوعة
آنا الْ شاهدت كفين               للعباس مقطوعة
آنا الْ شفت اخوي حسين          كلها مكسرة ضلوعه

ركباني:

آه وَتَنْثَنِي تَارَةً تَدْعُو عَشِيرَتَهَا                 مِنْ شَيْبَةِ الحَمْدِ أَشْيَاخَاً وَشُبَّانا
قُومُوا غِضَابَاً مِنَ الأَجْدَاثِ وَانْتَدِبُوا           وَاسْتَنْقِذُوا مِنْ يَدِ البَلْوَى بَقَايَانَا


110


الطور الثامن: النعي العاملي

هذا الطور معروف في جبل لبنان وهو من مجزوء الرمل، وفي الأصل يُقرأ في رثاء الميّت، بالخصوص عند الافتجاع بعزيز، وهو حزين ومشجٍ، ويمتاز بأنّه أربعة أشطر على وزن فاعلاتن فاعلاتن، والأشطر الثلاثة الأولى على نفس القافية والرابع (القفلة) تختلف فيه القافية عن سابقاتها.

كيفيّته: الشطران الأوّلان فيهما مدّ وترجيع خاصّان، والشطران الآخران يكون المدّ والترجيع على كلّ كلمة منهما مع تباطؤ وتوقّّف، يُقرأ الفصيح منه أثناء المصيبة وبعد القصيدة، وكذا العاميّ كما سيأتي في أطوار الشعر الشعبيّ.

مثال الأوّل: لمّا مرّ النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم على بيت إحدى عمّاته وكان الحسين عليه السلام عندها رضيعاً، سمع صوت الحسين عليه السلام وهو يبكي، فقال: لها ألم تعلمي أنّ بكاه يؤذيني؟ أقول: يا رسول الله ليتك حاضر، يوم كربلا لترى ولدك الحسين:

كَانَ يُؤْذِيهِ بُكَاهُ              وَهْوَ فِي المَهْدِ رَضِيعُ
بِابْنِهِ قِدْمَاً فَدَاهُ               قَبْلَ حَزِّ الوَدَجَيْنْ


111


لَيْتَهُ الآنَ يَرَاهُ             وَهْوَ فِي التُّرْبِ صَرِيعُ
يَتَلَظَّى بِظَمَاهُ             فَاحِصَاً لِلْقَدَمَيْنْ

ومثال الثاني:

قَوِّضِي يَا خِيَامُ عَلْيَا نِزَار           ِ فَلَقَدْ قُوِّضَ العِمَادُ الرَّفِيعُ
وَامْلَئِي العَيْنَ يَا أُمَيَّةُ نَوْماً           فَحُسِيْنٌ عَلَى الصَّعِيدِ صَرِيعُ


فَتُنَادِي أَيْنَ خَلَّـفْـ                   ـتَ حُسَيْنَاً يَا جَوَادْ
كُنْ خَبِيرِي أَيُّ أُرْضٍ              ضُمِّنَتْ جِسْمَ الحُسَيْنْ
مَا دَرَتْ أَنَّ أَخَاهَا                 عَافِراً فِي بَطْنِ وَادْ
وَدَمُ المَنْحَرِ جَارٍ                   خَاضِباً لِلْمَنْكِبَيْنْ


112


الطور التاسع: الزريجيّ

نسبة إلى خطيب يلقّب بالزريجيّ, وهو طور قديم من الأطوار الحسينيّّة المقروءة، وكان المرحوم الخطيب الشيخ عبد الزهراء الكعبيّ الكربلائيّ (ره)، يكثر من القراءة به في الشعر الفصيح والشعبيّ.

كيفيّته: يُقرأ بوتيرة واحدة وليس فيه مدّ ولكن فيه ترجيع خفيف.

مثال:

تَقُولُ أَخِي يَا شِقَّ رُوحِي وَمُهْجَتِي              وَيَا وَاحِداً مَا لِي سِوَاهُ مُؤَمَّلُ
أَخِي كَيْفَ تَنْسَانَا وَتَعْلَمُ أَنَّنَا                      لِبُعْدِكَ لا نَقْوَى وَلا نَتَحَمَّلُ

يُقرأ الزريجيّ في موضعين: في نهاية القصيدة، وفي المصيبة.

وأفضل قراءاته ضمن المصيبة، لاسيّما أثناء المصارع.

الموضع الأوّل:في نهاية القصيدة: المثال:

بِأَبِي أَبِيَّ الضَّيْمِ صَالَ وَمَا لَهُ                 إِلَّا المُثَقَّفَ وَالحُسَامَ نَصِيرُ
حَتَّى إِذَا نَفَذَ القَضَاءُ وَقُدِّرَ الـ                  مَحْتُومُ فِيهِ وَحُتِّمَ المَقْدُورُ
زَجَّتْ لَهُ الأَقْدَارُ سَهْمَ مَنيَّةٍ                     فَهَوَى لُقَىً فَانْدَكَّ مِنْهُ الطُّورُ


113


وَتَعَطَّلَ الفَلَكُ المُدَارُ كَأَنَّمَا                 هُوَ قُطْبُهُ وَعَلَيْهِ كَانَ يَدُورُ
وَالشَّمْسُ نَاشِرَةُ الذَّوَائِبِ ثَاكِلٌ              وَالأَرْضُ تَرْجُفُ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ
بِأَبِي القَتِيلَ وغَسْلُهُ عَلَقُ الدِّمَا              وَعَلَيْهِ مِنْ أَرَجِ الثَّنَا كَافُورُ
ظَمْآنَ يَعْتَلِجُ الغَلِيلُ بِصَدْرِهِ                 وَتُبَلُّ لِلْخَطِّيِّ مِنْهُ صُدُورُ
وَتَحَكَّمَتْ بِيضُ السُّيُوفِ بجِسْمِه            وَيْحَ السُّيُوفِ فَحُكْمُهُنَّ يَجُورُ
وَغَدَتْ تَدُوسُ الخَيْلُ مِنْهُ أَضَالِعاً            سِرُّ النَّبِيّ بِطَيِّهَا مَسْتُورُ

الموضع الثاني: أثناء المصيبة: المثال:

أقبل شمر إلى أبي عبد الله الحسين عليه السلام وهو يلوك بلسانه من شدّة العطش، وكانت أخته زينب عليها السلام عنده فصاحت بشمر: يا شمر دعني أقبّله، دعني أودّعه، دعني آتيه بابنته سكينة، فإنّه يحبّها وتحبّه، فأغار اللعين عليها فخرّت مغشيّاً عليها:

وَمَضَى يَحُزُّ النَّحْرَ غَيْرَ مُرَاقِبٍ                 مِنَ اللهِ لا يَخْشَى وَلا يَتَوَجَّلُ
وَزُلْزِلَتِ الأَرَضُونَ وَارْتَجَّتِ السَّمَا              وَكَادَتَ لَهَا أَفْلاكُهَا تَتَعَطَّلُ

ملاحظات حول قراءة الطور الزريجيّ:

1- يمكن قراءة الزريجيّ في القصيدة على أن تكون قراءته في آخر بيتين أو ثلاثة منها.


114


2- يُقرأ الطور الزريجيّ أثناء قراءة المقتل يوم عاشوراء ومسير السبايا أو مقاتل الأئمّة عليهم السلام.

3- لا يختم بهذا الطور لأنّ الختام به نشاز.

4- يُقرأ بهذا الطور شعر الرثاء فقط، ولا يُقرأ به الشعر الملحميّ والوعظيّ.


115


الطور العاشر: الكعبيّ

وهو من الأطوار الحسينيّة الذي اشتهر في العقود الأخيرة وعُرف بطور (المقتل), وقد كان يقرأه الشيخ عبد الزهراء الكعبيّ, فسمي بالكعبيّ نسبة إليه.

كيفيّته: ليس فيه مدّ ولا ترجيع، وهو أشبه بطور الدرج في بداية قراءته.

وكما يُقرأ الشعر بهذا الطور كذلك يُقرأ به نصّ السيرة.

مثال الأوّل:

بِأَبِي مَنْ شَرَوْا لِقَاءَ حُسَيْنٍ               بِفِرَاقِ النُّفُوسِ وَالأَرْوَاحِ
وَقَفُوا يَدْرَؤُنَ سُمْرَ العَوَالِي              عَنْهُ وَالنَّبْلَ وَقْفَةَ الأَشْبَاحِ
فَوَقَوْهُ بِيضَ الظُّبَى بِالنُّحُورِ الـ          ـبِيضِ وَالنَّبْلَ بِالوُجُوهِ الصِّبَاحِ
فِئَةٌ إِنْ تَعَاوَرَ النَّقْعُ لَيْلاً                  أَطْلَعُوا فِي سَمَاهُ شُهْبَ الرِّمَاحِ
وَإِذَا غَنَّتِ السُّيُوفُ وَطَافَتْ              أَكْؤُسُ المَوْتِ وَانْتَشَى كُلُّ صَاحِ
بَاعَدُوا بَيْنَ قُرْبِهِمْ وَالمَوَاضِي            وَجُسُومِ الأَعَدَاءِ وَالأَرْوَاحِ
أَدْرَكُوا بِالحُسَيْنِ أَكْبَرَ عِيدٍ               فَغَدَوْا فِي مِنَى الطُّفُوفِ أَضَاحِي


116


مثال الثاني:

وحملت النساء على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء، مكشّفات الوجوه بين الأعداء، وهنّ ودائع الأنبياء، وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم، فمرّوا بهنّ على الحسين عليه السلام وأصحابه وهم صرعى سائلةً دماؤهم، مقطّعةً أعضاؤهم معفّرين بالثرى، مرمّلين بالدماء، وصحن: واحسيناه...

- يعتبر هذا الطور من أنسب الأطوار لقراءة المصارع نثراً وشعراً، لأنّه سهل وحزين.


117


الطور الحادي عشر: الهادئ

وهو من الأطوار الحسينيّة الرقيقة، والمعبّرة عن فداحة الخطب، وعظم المصيبة والرزيّة بآل محمّد صلى الله عليه وإله وسلم.

سمّي بالهادئ لقراءته بطبقة الصوت المنخفضة ولعدم احتياجه كثيراً إلى ترجيع الصوت، ولأنّ الخطيب يكون هادئاً أثناء القراءة به.

كيفيّته: فيه مدّ خفيف، الترجيع فيه كذلك خفيف ويغلب عليه الهدوء.

يُقرأ الهادئ في ثلاثة مواضع: في المقدّمة، المصيبة، أبيات الختام.

الموضع الأوّل: في المقدّمة.

يُقرأ الهادئ خصوصاً في الأبيات الأخيرة التي تتناول مقاتل أهل البيت عليهم السلام.

مثال:

أَأُخَيَّ مَا عَوَّدْتَنِي مِنْكَ الجَفَا           فَعَلامَ تَجْفُونِي وَتَجْفُو مَنْ مَعِي
أَنْعِمْ جَوَاباً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى         شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعِي


118


الموضع الثاني: في المصيبة.

يُقرأ في المواضع التي يبدو فيها الشخص مفجوعاً، كمن فقد القدرة على الصراخ والعويل بصوت مرتفع.

مثال:

لمّا وقفت مولاتنا زينب ونساء الحسين عليه السلام وأطفاله، ورأينه مقطّع الأوصال، جثّة بلا رأس، قالت: بلسان الحال ـ

أَخِي يَا قَتِيلَ الأَدْعِيَاءِ كَسَرْتَنِي                   وَأَوْرَثْتَنِي حُزْناً مُقِيماً مُطَوَّلا
أَخِي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ لَكَ الفِدَا              فَقَدْ خِبْتُ فِيمَا كُنْتُ فِيهِ مُؤَمِّلا
أَخِي لَيْتَنِي أَصْبَحَتُ عَمْيَا وَلا أَرَى              جَبِينَكَ وَالوَجَهَ الجَمِيلَ مُرَمَّلا

الموضع الثالث: يُقرأ به بيت الختام:

مثال:

بِالأَمْسِ كَانُوا مَعِي وَاليَوْمَ قَدْ رَحَلُوا             وَخَلَّفُوا فِي سُوَيْدَا القَلْبِ نِيرَانَا
نَذْرٌ عَلَيَّ لَئِنْ عَادُوا وَإِنْ رَجَعُوا                 لَأَزْرَعَنَّ طَرِيقَ الطَّفِّ رَيْحَانَا

ملاحظة: لا يُبتدأ بالهادئ، بل هو بحاجة لتمهيد ولو بأحد الأطوار الأخرى.


119


الطور الثاني عشر: الملّائيّ

هو من الأطور الحسينيّة الشهيرة التي قرأ بها العمالقة من الخطباء في الشعر الشعبيّ.

كيفيّته: يُقرأ بالطبقة الصوتيّة العالية ويبتدأ بقوّة وينتهي بمثلها وبينهما مدّ وترجيع مع ترقيق الصوت.

يُقرأ الملّائيّ في ثلاثة مواضع: القصيدة، المصيبة، الخاتمة.

الموضع الأوّل: القصيدة:

أَأَنْسَى حُسَيْناً بِالطُّفُوفِ مُجَدَّلاً               عَلَى ظَمَإٍ وَالمَاءُ يَلْمَعُ طَامِيَا
وَوَاللهِ لا أَنْسَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ                   بَقَيْنَ حَيَارَى قَدْ فَقَدْنَ المُحَامِيَا
إِذَا نَظَرَتْ فَوْقَ الصَّعِيدِ حُمَاتَهَا             وَأَرْؤُسَهَا فَوْقَ الرِّمَاحِ دَوَامِيَا
هُنَاكَ انْثَنَتْ تَدْعُو وَمْنْ حَرَقِ الجَوَى        ضَرَامٌ غَدَا بَيْنَ الجَوَانِحِ وَارِيَا
أُنَادِي وَلا مِنْكُمْ أَرَى مِنْ مُجَاوِبٍ            فَمَا بَالُكُمْ لا تَرْحَمُونَ صُرَاخِيَا
وَلَمْ أَنْسَ حَوْلَ السِّبْطِ زَيْنَبَ إِذْ غَدَتْ         تُنَادِي بِصَوْتٍ صَدَّعَ الكَوْنَ عَالِيَا
أَخِي لَمْ تَذُقْ مِنْ بَارِدِ المَاءِ شَرْبَةً            وَأَشْرَبُ مَاءَ المُزْنِ بَعْدَكَ صَافِيَا
أَخِي لَوْ تَرَى السَّجَّادَ أَضْحَى مُقَيَّداً           أَسِيراً يُعَانِي مُوجَعَ الضَّرْبِ قَاسِيَا


120


أَخِي صِرْتُ مَرْمىً لِلْحَوَادِثِ وَالأَسَى              فَلَيْتَكَ حَيَّاً تَنْظُرُ اليَوْمَ حَالِيَا
عَلَيَّ عَزِيزٌ أَنْ أَرَاكَ مُعَفَّراً                        عَلَيْكَ عَزِيزٌ أَنْ تَرَى اليَوْمَ مَا بِيَا
فَحَاشَاكَ أَنْ تَرْضَى نَرُوحُ حَوَاسِراً                 سَبَايَا بِنَا الأَعْدَاءُ تَطْوِي الفَيَافِيَا

الموضع الثاني: أثناء المصيبة:

لمّا أقبل الحسين إلى مصرع أخيه أبي الفضل ورآه على تلك الحالة مفضوخ الرأس، السهم نابت في العين، مقطوع اليسار واليمين

وَهَوَى عَلَيْهِ مَا هُنَالِكَ قَائِلاً              اليَوْمَ بَانَ عَلَى اليَمِينِ حُسَامُهَا
اليَوْمَ سَارَ عَنِ الكَتَائِبِ كَبْشُهَا           اليَوْمَ غَابَ عَنِ الصَلاةِ إِمَامُهَا

الموضع الثالث: في الخاتمة:

لمّا عاد الحسين عليه السلام إلى المخيّم بعد شهادة أخيه أبي الفضل العبّاس أقبلت إليه ابنته سكينه، وقالت له: أين عميّ العبّاس، أراه أبطأ بالماء علينا؟ فقال لها: إنّ عمّك قد قتل، فصرخت ونادت: وا عمّاه وا عبّاساه.. وسمعتها العقيلة زينب، فصاحت: وا أخاه، وا عبّاساه، وا ضيعتنا بعدك أبا الفضل..

عَبَّاسُ تَسْمَعُ زَيْنَباً تَدْعُوكَ مَنْ                لِي يَا حِمَايَ إِذَا العِدَى نَهَرُونِي
أَوَلَسْتَ تَسْمَعُ مَا تَقُولُ سَكِيْنَةٌ                 عَمَّاهُ يَوْمَ الأَسْرِ مَنْ يَحْمِينِي


121


ملاحظة:

1- إذا أردت (الونّة) وأنت تقرأ الملّائيّ فعليك بالانتقال، ولو بشطر واحد إلى طور آخر تصحّ الونّة فيه.

2- يحتاج الملّائيّ إلى صوت قويّ ذي طبقة عالية، ولذا ننصح الذين لا تتوفرّ أصواتهم على الشروط المطلوبة بعدم القراءة به.


122


هوامش

1- وبعضهم يرى أنّ الركباني لا يُقرأ في ختام المصيبة, لأنّ طبقته عالية والختام يحتاج إلى طريقة هادئة تُنبّه المستمع إلى الانتهاء.