خاتمة في المراثي

- رثاء الشيخ عليّ ابن المرحوم الحاج حسن الجشيّ
 

أتَجْزَعُ مِنْ وَحْشَةِ الأَرْبَعِ وتَبْكي على طَللٍ بَلْقَعِ
وَقاسِي عَلى جِيرةٍ بالحِمَى دَعاها الحِمامُ فلمْ تَرْجِعِ
وَقَفْتَ بأَرْبَعَ إِذْ لا ترى لِسُؤْلِكَ مَنْ إنْ تَسَلْهُ يَعِي
فَرُحْتُ مِنَ الوَجْدِ مُسْتَنْطِقاً لِعُجْمِ المَنازِلِ والأَرْبَعِ
وما العُجْمُ ناطِقةً إنْ تُسَلْ فإنْ شِئْتَ تَصْبِرُ أَوْ فاجْزَعِ
ودَعْ عَنْكَ عَتْباً لِدَهْرِ أَسىً فليسَ عِتابُكَ بِالمُنْجِعِ
وهلْ ذِمَّةٌ فيهِ تُرْعَى وَذا  ذِمامُ بَنِي المُصطَفى مَا رُعِي
وهَلْ فَوْقَ أَسْهُمِ بَغْيٍ رَمَى بها أَفْضَلَ السُّجَّدِ الرُّكَعِ
إذا دُرِعَ الصَّبْرُ في كَرْبَلا وقالَ لِأُمِّ الخُطُوبِ اصْنَعِي
فضاقَ الزَّمانُ بما أَجْلَبَتْ كمَا ضاقَ رَحْبُ الفَضا الأَوْسَعِ
وكادَتْ مِنَ الغَيْظِ تَقْضِي ومَا أَباحَتْ حِمَى صَبْرِهِ الأَمْنَعِ
وحَقَّ عُلاكَ الَّذِي لم يُحِطْ بِمَعْناهُ خُبْراً سِوَى المُبْدِعِ
فهَبْ أَنَّ ما نالَ مِنْكَ العِدَى وإنْ عَظُمَ الخَطْبُ لَمْ تَدْفَعِ

89


تضِيعُ تُراثَ بَنِي أَحْمَدٍ وعَزْمُكَ أَمْضَى مِنَ اللُّمَّعِ
وتُغْضِي فَدَيْتُكَ عَنْ عُصْبَةٍ أَبادَتْ سُراتَكَ في مَصْرَعِ
وأَنْتَ ترَاها بِرَمْضِ الطُّفوفِ  ضَحايا عَلَى التُّرْبِ لَمْ تُرْفَعِ
وَتتَّخِذُ النَّوْحَ طُولَ الحَياةِ علَى فِتْيَةٍ في الثَّرَى صُرَّعِ
يُخالِطُ زادَكَ ماءُ العُيونِ وتَمْزُجُ ماءَكَ بِالأَدْمُعِ
كَسَتْكَ المصَائِبُ ثَوْبَ الأَسَى وشَمْلُ النُّبُوَّةِ لَمْ يُجْمَعِ
وهَلْ كَيْفَ تَخْلَعُ ثَوْبَ الأَسَى إِلَى أَنْ قَضَيْتَ وَلَمْ تُرْفَعِ
وَما صَدَّ عَنْكَ العِدَى مَا أَتَوْا وبِالأَسْرِ في الطَّفِّ لَمْ تَقْنَعِ
فأُشَخِصْتَ لِلشَّامِ مِنْ يَثْرِبٍ ولكِنْ أَبَتْ حِكْمَةُ المُبْدِعِ
وقَدْ سَهِرَتْ في تدَابِيرِها لإِزْهاقِ نَفْسِكَ في المَضْجَعِ
كَأنَّ بقَاكَ قَذَى عَيْنِها  وقَبْلَ هَلاكِكَ لَمْ تَهْجَعِ
وقَدْ هَجَعَتْ عِنْدَما أَدْرَكَتْ مُناها بِتَدْبِيرِها الأَشْنَعِ
ومَا خِلْتُ تُغْتالُ بِالسَّم يا عَلِيماً بِسِرِّ القَضا الموُدَعِ
ومَا خِلْتُ قَلْبَكَ قَلْبَ الوُجُودِ يُقَطَّعُ مِنْ سُمِّها المُنْقعِ
فَقُلْ لِلرَّدَى مَنْ لنَا بَعْدَهُ تَرَكْتَ لدَى البَأْسِ مِنْ مَفْزَعِ
عَذَرْتُ إِمامَ الهُدَى بَعْدَهُ وسِرُّ الحَقِيقَةِ أَنْ يَجْزَعِ
غَداةَ رَأَى عِنْدَ تَغْسِيلِهِ جُرُوحاً مِنَ الأَسْرِ لَمْ تُنْزَعِ

90


كَأَنَّ القُيُودَ وغِلَّ اليَدَيْنِ  وجَامِعَةَ الأَسْرِ لَمْ تُنْزَعِ
وحَقَّ الأَسَى لِفَقِيدٍ بَكَى لَهُ أَسَفاً كُلُّ شَيْءٍ يَعِي
فَلا عَجَباً إِنْ بَكَتْهُ النِّياقُ وخَنَّتْ إِلَى قَبْرِهِ الأَرْفَعِ
فيَا وَفْدَ أَفْدِيَةِ المَكْرُماتِ قُنوطاً فَسَعْيُكَ لَمْ يَنْجَعِ
ويا طالِبي الرُّشْدَ بَدْرُ الهُدَى عَراهُ الأُفُولُ فلَمْ يَطْلُع 1

91


-رثاء الشيخ محمّد الأصفهانيّ من أرجوزته الشهيرة
 

وصَبْرُهُ الجَمِيلُ في المصَائِبِ وحِلْمُهُ مِنْ أَعْجَبِ العَجائِبِ
ونالَ مِنْ ذَوِي القُلُوبِ القاسِيَةْ ما لا تُطِيقُهُ الجبالُ الرَّاسِيَةْ
شاهَدَ بِالطَّفِّ مِنَ الفَظائِعِ ما لا أَمَضَّ مِنْهُ في الفَجائِعِ
كَيْفَ وفي مَصارِعِ الكِرَامِ مَصارِعُ العُقُولِ والأَحْلامِ
وكادَ أَنْ تَقْضِي عَلَى حَياتِهِ وَهْوَ عَلَى ما هُوَ مِنْ ثَباتِهِ
شاهَدَ رَضَّ هَيْكَلِ التَّوْحِيدِ بَعادِياتِ الشِّرْكِ والجُحُودِ
وهْوَ يُضَعْضِعُ السَّماواتِ العُلَى فهَلْ ترَى أَعْظَمَ مِنْ هَذا البَلا
شاهَدَ رَأْسَ المَجْدِ والمعَالي علَى العَوالِي في يَدِ الأَنْذالِ
وإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الرَّزايا عَلَى النَّبِيِّ سَيِّدِ البرَاي
كَيْفَ وَهذا الرَّأْسُ رَأْسُ الدِّينِ وهْوَ مَدارُ عالَمِ التَّكْوِينِ
وقِبْلَةُ العُقولِ والنُّفُوسِ  ومَطْلَعُ الأَقْمارِ والشُّمُوسِ
رَأَى اضْطِرامَ النَّارِ في الخِباءِ وهْوَ خِباءُ العِزِّ والإِباءِ
رَأَى هُجُومَ الكُفْرِ والضَّلالَةْ علَى بَناتِ الوَحْيِ والرِّسالَةْ

92


رَأَى فِرارَهُنَّ في البَيْداءِ وهْوَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ الأَرْزاءِ
شاهَدَ في عَقائِلِ النُّبُوَّةْ ما لَيْسَ في شَرِيعَةِ المُرُوَّةْ
مِنْ نَهْبِها وسَلْبِها وضَرْبِها ولَا مُجِيرَ قَطُّ غَيْرُ رَبِّه
لَقَدْ رَأَى رَبُّ الحِفاظِ والإِباءِ حَرائِرَ المُخْتارِ في أَسْرِ السِّباءِ
شاهَدَ سَوْقَ الخَفِراتِ الطَّاهِرَةْ سَوافِرَ الوُجوهِ لابْنِ العاهِرَةْ
وقَدْ رأَى مِنَ الدَّعِيِّ بْنِ الدَّعِي هَتْكَ المَصُوناتِ بِقَوْلٍ مُوجَعِ
وما رَآهُ في دِمَشْقَ الشَّامِ أَدْهَى مِنَ الكُلِّ عَلَى الإِمَامِ
ومِنْهُ مِنْ عُظْمِ البَلا لا جَزَعَا  يا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْني سُمِع
أَتُضْرَبُ الدُّفُوفُ والطُّبُولُ وابْنُ النَّبِيِّ رَأْسُهُ مَحْمُولُ
واتَّخَذُوا يَوْمَ المُصابِ عِيدا  بَغْيًا لَكَيْ يُرْضُوا بِهِ يَزِيد
شاهَدَ رَبَّاتِ خُدُورِ العِصْمَةْ مَهْتُوكَةً بَيْنَ لِئامِ الأُمَّةْ
كَأَنَّهُنَّ مِنْ سبَايا الرُّومِ فيَا لَهُ مِنْ مَنْظَرٍ مَشُومِ
رَأَى وُقُوفَ الطَّاهِراتِ الزَّاكِيَةْ قُبالَةَ الرِّجْسِ يَزِيدَ الطَّاغِيَةْ
وهُنَّ في الوِثاقِ والحِبالِ في مَحْشِدِ الأَوْغادِ والأَنْذالِ
وقَدْ رَأَى مِنْ ذَلِكَ الكَفُورِ ما دُونَهُ المَوْتُ علَى الغَيُورِ
كَيْفَ وَقَدْ شَاهَدَ مَرْشِفَ النَّبِي يُقْرَعُ بِالعُودِ فَيا لَلْعَجَبِ   
شُلَّتْ يَدٌ مُدَّتْ إليهِ مَدَّا كادَتْ لَهُ الأَرْضُ تُهَدُّ هَدَّ
تِلْكَ الثَّنايا نُقْطَةُ التَّوْحِيدِ ومَرْكَزُ التَّجْرِيدِ والتَّفْرِيدِ

93


ثَغْرٌ بِهِ نَمَتْ حُدُودُ المَعْرِفَةْ غَدَتْ رُسُومُها بِهِ مُنْكَشِفَةْ
ثَغْرٌ بِهِ سُدَّتْ ثُغُور الدِّينِ تَنْكُثُهُ مِخْصَرَةُ اللَّعِينِ
لا بِدْعَ مِنْ طاغِيَةِ الإِلْحادِ مِنْ أُمِّهِ آكِلَةِ الأَكْبادِ
وَما رَأَى في نَفْسِهِ مِنَ البَلا  مِنْ عُظْمِهِ تَنْدَكُّ أَطْوادُ العُل
كَيْفَ وَأَضْحَى قَائِدُ العِبادِ مُصَفَّداً يُقادُ في الأَصْفادِ
وباسِطُ اليَدَيْنِ بالعَطَاءِ  أَصْبَحَ مَغْلُولاً بِلا خَطاءِ
غُلَّتْ يَدُ الضَّلالِ والفَسادِ غَلَّتْ يَدَ المَعْرُوفِ والأَيادِي
أَيُسْحَبُ المُطْلَقُ في القُيودِ وهْوَ مُجَرَّدٌ عَنِ الحُدُودِ
أَصْبَحَ قُطْبُ حَلْقَةِ التَّوْحِيدِ في حَلَقِ القُيودِ مِنْ حَدِيدِ
وسِيقَ جَوْهَرُ الوُجودِ المُطْلَقِ إلى ابْنِ مَرْجانَةَ ذَلِكَ الشَّقِي
وَلا تَسَلْ عَمَّا رَأَى مِنَ الأذَى يا حَبَّذا المَوْتُ المُرِيحُ حَبَّذا
وما انْقضَى بُكاؤُهُ حَتَّى قَضَى حَياتَهُ وَهْوَ حَلِيفٌ لِلرِّضا
وكَيْفَ لا يَبْكِي وَقَدْ شاهَدَ ما بَكَتْ لَهُ عَيْنُ السَّماءِ بِالدِّم
وكَيْفَ لا تَبْكِي دَماً عَيْنُ السَّما وقَدْ بَكَتْ سَحائِبُ القُدْسِ دَمَ
وفي ذُرَى العَوالِمِ العُلْوِيَّةْ  أُقِيمَتِ المَآتِمُ الشَّجِيَّةْ
ناهِيكَ في ذَلِكَ لَطْمُ الحُورِ في جَنَّةِ الحُبورِ والسُّرورِ
فَكَيْفَ تَنْسَى هذِهِ الرَّزِيَّةْ والوِتْرُ وِتْرُ سَيِّدِ البَرِيَّةْ
إِنْ يَكُنِ المَوْتُورُ سَيِّدُ الورَى

فَهَلْ تَرى أَعْظَمَ مِنْهُ، هَلْ تَرى؟


94


أَمْ هَلْ تَرى يَذْهَبُ ثارُ المُصْطفَى هَدْراً ولاَ يُطْلَبُ مِنْ أَهْلِ الجفَ
فَلا وَرَبِّ العَرْشِ هذا الثَّارُ يَطْلُبُهُ المُنْتَقِمُ القَهَّارُ
عَلَى يَدِ الحُجَّةِ خَاتَمِ الحُجَجْ مَنْ يَفْتَحُ اللهُ بِهِ بابَ الفَرَجْ
فَكُلُّ قَلْبٍ بالأَسَى شَجِيِّ حَتَّى يَقُومَ القَائِمُ المَهْدِيِّ
فانْصُرْهُ يا رَبِّ وخُذْ بِثَارِهِ واجْعَلْنِيَ اللَّهُمَّ مِنْ أَنْصارِه 2

95


- رثاء الشيخ عبد المنعم الفرطوسيّ

قُرِحَتْ جُفُونُكَ مِنْ قَذًى وسُهادِ إِنْ لَمْ تَفِضْ لِمُصِيبَةِ السَّجَّادِ
فَأَسِلْ فُؤادَكَ مِنْ جُفُونِكَ أَدْمُعاً واقْدَحْ حَشاكَ مِنَ الأَسَى بِزِنادِ
وانْدُبْ إِماماً طاهِراً هُوَ سَيِّدٌ لِلسَّاجِدِينَ وزِينَةُ العُبَّادِ
ما أَبْقَتِ البَلْوَى ضَنًى مِنْ جِسْمِهِ وَهُوَ العَلِيلُ سِوَى خَيالٍ بادِي
مُلْقىً علَى النَّطْعِ الَّذِي فَوْقَ الثَّرَى أَلْقُوهُ مِنْهُ بِقَسْوَةٍ وعِنادِ
يَرْنُو لأَيْتامٍ تَضِجُّ أَمامَهُ وَتَعِجُّ إِعْوالاً ورَاءَ الحادِي
ولِصِبْيَةٍ تُدْمِي السِّياطُ مُتُونَها فَتُصاغُ أَطْواقاً علَى الأَجْيادِ
وَلِنِسْوَةٍ فَوْقَ النِّياقِ حَواسِراً تُسْبَى بِأَسْرِ أَرْذالٍ وأَعادِي
ويرَى جَبِينَ السِّبْطِ بَدْراً كامِلا يَزْهُو بِأُفْقِ الذَّابِلِ الميَّادِ
والنَّارُ يَلْهَبُ في الخِيامِ سَعِيرُها حَتَّى اسْتَحالَ ضِرامُها لِرَمادِ
لَهْفِي عَلَيْهِ يَئِنُّ في أَغْلالِهِ بَيْنَ العِدَى ويُقادُ بِالأَصْفادِ
مُضْنىً وجامِعَةُ الحَدِيدِ بِنَحْرِهِ غُلٌّّّ يُعاني مِنْهُ شَرَّ قِيادِ
تَحْدُو بهِ الأَضْعانُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى  بَلَدٍ وتُسْلِمُهُ إِلَى الأَحْقادِ
والشَّامُ إِنَّ الشَّامَ أَفْنَى قَلْبَهُ أَلمَاً وآلَ بِصَبْرِهِ لِنفَادِ


96


لَمْ يَلْقَ فِيهِ سِوَى القَطِيعَةِ والعِدَى وشَماتَةِ الأَعْداءِ والحُسَّادِ
سَلْ عَنْهُ طَيْبَةَ هَلْ بها طَابَتْ لَهُ بَعْدَ الحُسَيْنِ نَواظِرٌ بِرُقادِ
هَلْ ذاقَ طَعْمَ الزَّادِ طُولَ حَياتِهِ إلَّا ويَمْزُجُ دَمْعَهُ بِالزَّادِ
أَوْدَى بِهِ فَجَنَى وَليدُ أُمَيَّةٍ وَهْوَ الخَبِيثُ عَلَى وَلِيدِ الهادِي
حَتَّى قَضَى سُمّاً ومِلْءُ فُؤَادِهِ

أَلَمٌ تَحُزُّ مُداهُ كُلَّ فُؤادِ3


97


هوامش
1- مراجع من العلماء الأعلام: كتاب الوفَيات ج 2 ص 177.
2-الأصفهانيّ الشيخ محمّد حسين: الأنوار القدسيّة ص 66-71.
3-السيّد حسن داخل: من لا يحضره الخطيب ج 1 ص 349.