المقدمة

"أللَّهمَّ صلّ على عليّ بن الحسين سيّد العابدين, الذي استخلصته لنفسك، وجعلت منه أئمّة الهدى، الذين يهدون بالحقّ، وبه يعدلون, الذي اخترته لنفسك، وطهّرته من الرجس، واصطفيته وجعلته هادياً مهديّاً، أللهم فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحدٍ من ذريّة أنبيائك, حتّى يبلغ به ما تقرّ به عينه في الدنيا والآخرة, إنّك عزيز حكيم"1.

بسم الله الرحمن الرحيم


والصّلاة والسَّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى عِترته وأهل بيته المظلومين المعصومين, الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

يمثّل الإمام زين العابدين إحدى حلقات السلسلة الطيّبة والطاهرة لأئمّة أهل البيت, وقد كانت حياته المباركة مليئة بالأحداث والأبعاد المختلفة, التي تستحقّ الوقوف عندها ودراستها، لما تحمله من دروس وعِبَرٍ للأجيال عبر التاريخ.

يقول الإمام السيّد عليّ الحسينيّ الخامنئيّ : "الإمام السجّاد عليه السلام من الشموس المنيرة التي لا نستطيع أن ننظر إلى شعاعها إلَّا عن بُعد"2.
فالإمام زين العابدين عليه السلام فاتح لعهدٍ جديد، ومؤسّس لمرحلة جديدة من حياة أئمّة أهل البيت, اختلفت ظروفها عن الظروف التي كانت سائدة قبل شهادة أبيه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.

وقد تميّز هذا الإمام العظيم بمكانته الخاصّة بين المسلمين جميعاً, وعلى اختلاف مذاهبهم ومشاربهم, يشهد لذلك ما حكي عن الجاحظ في رسالة له، صنّفها في فضائل بني هاشم, حيث يقول: "وأمّا عليّ بن الحسين, فلم أرَ الخارجيّ في أمره إلّا كالشيعيّ, ولم أرَ الشيعيّ إلّا كالمعتزليّ, ولم أرَ المعتزليّ إلّا كالعاميّ, ولم أرَ العاميّ إلّا كالخاصيّ, ولم أرَ أحداً يتمارى في تفضيله، ويشكّ في تقديمه"3.


ولهذا نجدهم قد أقرّوا جميعاً له بالفضل

فعن ابن شهاب الزهريّ أنّه قال: "ما رأيت قرشيّاً أفضل من عليّ بن الحسين"4.
وعن زيد بن أسلم أنّه قال: "ما جالست في أهل القِبلة مثله, يعني عليّ بن حسين"5.
وقال رجل لسعيد بن المسيّب: "ما رأيت أحداً أورع من فلان؛ قال: هل رأيت عليّ بن الحسين؟ قال: لا, قال: ما رأيت أحداً أورع منه"6.
وقال عمر بن عبد العزيز يوماً، وقد قام من عنده عليّ بن الحسين: "من أشرف الناس؟ قالوا: أنتم؛ قال: كلّا, فإنّ أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفاً, من أحبّ الناس أن يكونوا منه, ولم يحبّ أن يكون من أحد"!!

وذكره يوماً فقال: "ذهب سراج الدنيا وجمال الإسلام وزين العابدين"7.

إلى غير ذلك من كلمات يجدها الباحث والقارئ في حقّ هذا الإمام العظيم.

وهذا ما يدعو المسلمين في هذا الزمان إلى تحمّل مسؤوليّاتهم تجاه هذا الإمام العظيم، وهؤلاء الصفوة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعترته الطاهرة, وذلك من خلال الرجوع إلى سيرتهم وتوجيهاتهم وتعاليمهم في مختلف مرافق الحياة، بما يؤمّن لهم سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ويدخل في هذه المسؤوليّة القيام بنشر فضائلهم, والتأكيد على محبّتهم ومودّتهم، التي أوصى بها الكتاب الكريم, وتعريف الناس بسيرة حياتهم العطرة والمباركة..


هذا الكتاب

وإذ كان هؤلاء الصفوة هم لحم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ودمه, يفرحه ما يفرحهم, ويحزنه ما يحزنهم, فإنّ ما يقتضيه أجر الرسالة وواجب المودّة, المنصوص عليه في الكتاب الكريم:
﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى8, هو التقرّب إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، بادِّكار أحزانهم, واستحضار آلامهم, إظهاراً لمكنون الحبّ, وبراءة من البغض والنصب.

ولهذا قام معهد سيّد الشهداء للمنبر الحسينيّ بإعداد هذا الكتاب "سيّد البكّائين", ليكون واحداً من الإصدارات التي يصدرها ضمن سلسلة مجالس العترة, ليكون معيناً للأخوة القرّاء، ومساعداً لهم في المجالس التي يقيمونها في ذكرى شهادة هذا الإمام العظيم.


وقد راعى هذا الإصدار الأمور التالية

أدرجنا ثلاث قصائد من الشعر القريض, ليتسنّى للقارئ الكريم اختيار ما يشاء منها.
أضفنا للكتاب العديد من الأبيات الشعبيّة الدارجة والمفهومة إلى حدٍّ ما.
ذكرنا موجزاً عن حياة الإمام عليه السلام, ولم نستقص كلّ شيء عن حياته المباركة, لئلّا يخرج الكتاب عن حدّ الإيجاز, واتكالاً منا على جدارة الأخوة القرّاء من جهة أخرى.

قمنا بتخريج المصادر والمراجع لكلّ ما ورد في المتن, لتسهيل الرجوع إليها لمن أحبّ.
وفي الختام, كلّنا رجاء أن يلقى هذا الكتاب القَبول والرضا من إمام زماننا عجّل الله تعالى فرجه, وأن يزوّدنا الأخوة القرّاء بإرشاداتهم وملاحظاتهم الهامّة والبنّاءة، لنصل بعملنا إلى المستوى اللائق والمقبول..


هذا ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومن الجميع, وأن يرزقنا شفاعة مولانا عليّ بن الحسين, إنّه سميع مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني


10


القصيدة الأولى: لبعض الأدباء

جميلُ الصبرِ مِفتاحُ الفلاحِ                  وعُقباهُ جَناحٌ للنجاحِ
                                   
فما يعقوبُ ما أيّوبُ صبراً                  كزَيْنِ العابدين فتَى الصلاحِ
                                   
وليسَ لغيرِهِ رُزْءٌ كرُزْءٍ أصابَ             عُلاهُ في كلِّ النَّواحي
                                    
ولمْ تَكْفِ ابْنَ مروانٍ قُيودٌ                 بيَوْمِ الطّفِّ تُؤْذِنُ باجْتِياحِ
                                    
فدَسَّ لقَتْلِهِ سُمّاً نَقِيعا                      نِياطُ القلبِ قُطِّعَ بالشَّراحِ
                                    
فَوالَهفاهُ للسَّجَّادِ مُضْنىً                   بَرَتْهُ سمومُه بَرْيَ القِداحِ
                                    
تُذَكِّرُهُ السُّمُومُ لَظَى سَمُومٍ                 يُكابِدُه أبوهُ لدَى الكِفاحِ
                                   
فَيسْلُو سُمَّهُ بِلظَى أَبيهِ                    وما ذِكْرُ السَّمُومِ بمُسْتراحِ
                                   
ويَذْكُرُ إِذْ تَجْرَحُهُ سمُومٌ                   أباهُ حينَ أُثْخِنَ بالجِراحِ
                                   
إِلى أَنْ سَمُّهُ اسْتَوْفَى قِواهُ                فَأَطْفَأَ مِنْهُ مِصْباحَ الفَلاحِ
                                   
قضَى السَّجَّادُ مَظْلوماً بسُمّ               فمَا طِيبُ الكَرَى لي مِنْ مُباحِ
                                  
قضَى السَّجَّادُ فالصَّدقَاتُ سِرّاً           تُقِيمُ عليهِ مَأْدُبَةَ النِّياحِ
                                   
قضَى السَّجَّادُ فالدَّعَواتُ تَهْمِي          دُموعاً مِنْهُ تَهْمِي بالمنَاحِ9
                               


11


أبوذيّّه

كظيم ولعد سيف الصبر سلّيت
                                       وكم طفله وطفل باليسر سلّيت
عليل ومن مرار الدهر سلّيت
                                       وبعد ما ترهم الوصفات اليّه

شعبيّ

مطروح ظل على الفرش يجذب الونات
                                               من حوله اطفال وحرم تجذب الحسرات

وبدر الإمامة الباقر اعيونه هميلات
                                               لغياب شمس الدين عبراته جريّه
اتوجّه القبله واسبل اشماله ويمينه
                                               يتلو الشهادة وبالعرق يرشح جبينه
عينه شبحها وضجّت احريمه وبنينه
                                               ودّع عياله وفاضت النفس الزكيّه


12



القصيدة الثانية: للشيخ محمّد رضا الغراويّ

ما لِلْهُمومِ تَراكَمتْ بفؤادِي  أَضُعونُ مَنْ أَهْوَى حَداها الحادِي
وديارُهُمْ ظلَّتْ غواسِقَ بعدَما كانتْ شوارِقَ مِنْ سناها الوادي
أَمْسَتْ خَلاءً لَمْ يَبِتْ فيها سِوَى أَزَلٍ وإلّا مُسْتَكِنُ الوادي
فكَأنَّها أبياتُ آلِ المصطفَى لمَّا خَلَتْ عَنْ أَهْلِها الأمجادِ
حَيْرانَ حَرَّانَ الحَشَى مِمَّا لَقِي مِنْ مِحْنَةٍ هارَتْ ذُرَى الأَطْوادِ
أَعْني بهِ زَيْنَ العبادِ ومَنْ دُعِي دُونَ الورَى بالسَّيِّدِ السَّجَّادِ
هُوَ حُجَّةُ اللهِ ارْتَضاهُ لِخَلْقِهِ وأَبُو الأئِمَّةِ عِلَّةُ الإيجادِ
حَتَّى سَقَتْهُ السُّمَّ آلُ أُميَّةٍ  فقضَى سَمِيمَ الضَّغْنِ والأَحْقادِ
لم يَِكْفِهِمْ ما جَرَّعُوهُ بكَرْبلا مِنْ فادِحٍ قَدْ فَتَّ لِلأكبادِ
قَدْ قَطَّعَ السُّمُّ الذُّعافُ فُؤادَهُ قطعاً فليت به أصيب فؤادي
فمضَى حَمِيدَ الذِّكْرِ غَيْرَ مُذَمَّمٍ عَفَّ المآزِرِ طاهِرَ الأَبْرادِ
أللهُ أكبرُ أيُّ خَطْبٍ مُذْ دهَى قَدْ بَرْقَعَ الإِسْلامَ ثوبُ حِدادِ 10

13


أبوذيّه

علي حايز مراجلها وسمها
                                        علامه الغصص يجرعها وسمها
قضى والجامعه ابجيده وسمها
                                        وسمه بالكبد ناره سريه

شعبيّ

شاله البقيع او حفر قبره
                                        يم عمه الحسن وامه الزهره
ظل اعليه يجري الدمع عبره
                                        لمن سمه هشام او مات بالسم
عليه صاحت الوادم فرد صيحه
                                       او قام او غسله او حطه ابضريحه
بس جثة السبط ظلت طريحه
                                        او بالخيل الصدر منه تهشم


14



القصيدة الثالثة: للسيّد صالح النجفيّ القزوينيّ

أَلا يا أمينَ اللهِ وابْنَ أَمينِهِ علَى خَلْقِهِ العافي بِهِ والمُعَاقِبُ
أَنِسْتَ مَحارِيباً عليها مُواظِباً وطَرْفُكَ فيها للرُّقادِ مُحارِبُ
رِضاكَ رِضَى الباري وسُخْطُكَ سُخْطُهُ وفي مُحْكَمِ التنزيلِ وُدُّكَ واجِبُ
فيا ليتَ لا كان الطَّريدُ ولَمْ تَكُنْ تَنُوبُكُ مِنْ آلِ الطَّرِيدِ النَّوائبُ
ودَسَّ إليكَ السُّمَّ غَدْراً بمَشْرَبٍ وَليدٌ فلا ساغتْ لدَيْهِ المشَارِبُ
فيا لَإِمامٍ مُحْكَمُ الذِّكْرِ بَعْدَهُ تَداعَتْ له أَرْكانُهُ والجَوانِبُ
ويا لَسَقِيمٍ شَفَّهُ السُّقْمُ والبُكَا ويا لَنَحِيلٍ أَنْحَلَتْهُ المصَائِبُ
ويا لفَقِيدٍ قدْ أَقامَتْ مَآتماً عَليهِ المعالِي فَهْيَ ثَكْلَى نَوادِبُ
فلا عَجَبٌ بَيْتُ النُّبُوَّةِ أَنْ دجَا ومِنْ أُفْقِهِ بَدْرُ الإِمامَةِ غارِبُ
وَلِلَّهِ أَفْلاكُ البَقِيعِ فَكَمْ بها كَواكِبُ مِنْ آلِ النَّبِيِّ غَوارِبُ
حَوتْ مِنْهُمُ ما ليسَ تَحْوِيهِ بُقْعَةٌ وَنالَتْ بِهمْ ما لمْ تَنلْهُ الكواكِبُ11

15



أبوذيّه

المصايب بس على السجاد تنصاب
                                                ابيوم الموزمة بالمرض تنصاب
المآتم إلك يا مولاي تنصاب
                                                اشكم شدّه شفت واشكم رزيّه


شعبيّ

اويلي اعلى العليل المات بالسم
                                               عقب ذاك اليسر والهضم والهم
عقب ذيك الهضيمه ومحنة الطف
                                                اوأسره البي تقيد والتكتف
ونّه ما بطل ساعه ولا خف
                                                 لمن كبده يويلي امرد بالسم


16


هوامش

1- من صلاة مرويّة عن الإمام العسكريّ, أنظر: الطوسيّ: مصباح المتهجّد ص 287.
2- الكلمات القصار لآية الله العظمى السّيد عليّ الحسينيّ الخامنئيّ  ص 85.
3-المدنيّ الشيرازيّ السيّد عليّ خان: رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين, ج 1 ص 213.
4- ابن عساكر: ترجمة الإمام زين العابدين, من تاريخ مدينة دمشق بتحقيق المحموديّ, ص 32.
5-المصدر السابق ص 38.
6- المصدر السابق ص 44.
7-المصدر السابق هامش ص 23.
8- الشورى: 23.
9-البلادي البحراني الشيخ حسين: رياض المدح والرثاء ص 748.
10-المقرم السيد عبد الرزاق: حياة الامام زين العابدين ص 358.
11-الامين السيد محسن: المجالس السنية ج5 ص 434.