المقدمة


"أللَّهمَّ صلِّ على جعفر بن محمّد الصادق,خازن العلم, الداعي إليك بالحقّ,النور المبين، أللهمّ وكما جعلته معدن كلامك ووحيك, وخازن علمك, ولسان توحيدك, ووليّ أمرك, ومستحفظ دينك، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أصفيائك وحججك,إنّك حميد مجيد"
1.
 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى عترته وأهل بيته المظلومين المعصومين, الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

هو الإمام الصادق عليه السلام, أحد أئمّة أهل البيت عليهم السلام, وإليه ينتسب المذهب الإماميّ الاثني عشري, الذي عرف بالمذهب الجعفريّ الذي كان رئيسه.

يقول الإمام روح الله الموسويّ الخمينيّ قدس سره الشريف في وصيّته السياسيّة الإلهيّة: "و(نحن) نفخر بأنّ مذهبنا جعفريّ وأنّ فقهنا- وهو البحر اللامتناهي- واحد من آثاره عليه السلام"2 .

لقد تسنّى للإمام الصادق عليه السلام في عصره ما لم تسمح به الفرصة لغيره من الأئمّة عليهم السلام, فقام بدور رائد وفريدٍ ومتميّز على جميع الأصعدة وفي مختلف الاتجاهات, ممّا يجعل عصره- بحقّ- عصر نهضة في تاريخ هذه الأمّة.

يقول الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ رحمه الله: "الإمامة في زمن الإمام الصادقعليه السلام كانت بعثاً جديداً للأهداف والمعارف الإسلاميّة"3 .

وإذا كان من علامة الإمام أنّ الناس يحتاجون إليه ولا يحتاج إلى أحد على - ما جاء في بعض الروايات4 -, فإنّك ترى في هذا الإمام العظيم بحراً زاخراً يقف على ساحله آلاف الطلّاب والمتعلّمين رجاء أن يرفدهم بشيء من علمه ومعارفه, فاجتمعوا حوله حلقاً حلقاً, حتّى غص مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بهم, ثمّ توزعوا في البلدان والأقطار كلٌ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد صلوات الله عليه!!

وإنّ تسمية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له قبل ولادته بالصادق لتشير إلى هذه المهمّة التي قام بها الإمام عليه السلام, ليعيد بصدقه في مقاله, التعاليم الدينيّة إلى معدنها الأصيل بعدما دخل فيها الكثير من الغث والسمين, واختلط الحقّ بالباطل..

ومن الطبيعيّ أن توكل هذه المهمّة إلى شخصيّة كالصادق عليه السلام, فهو من أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة, ومختلف الملائكة, ومهبط الوحي, ومعدن الرحمة, وخزّان العلم, ومنتهى الحلم, وأصول الكرم, وقادة الأمم, وأولياء النعم, وعناصر الأبرار, ودعائم الأخيار, وساسة العباد, وأركان البلاد, وأبواب الإيمان, وأمناء الرحمن, وسلالة النبيّين, وصفوة المرسلين, وعترة خيرة ربّ العالمين..

ويا ليت المسلمين في عصرنا هذا يعرفون قيمة هذا الإمام العظيم- وهو ممّن لا يوفى حقّه- ولو بالمقدار الذي نطقت به كلمات أهل عصره التي أثنت عليه, لاتّخذوه عنواناً جامعاً لوحدة المسلمين في هذا العصر كما كانت شخصيّته عليه السلام في عصره فكان إمام أئمّة أهل زمانه..

وإليك نبذة ممّا قيل في حقّه ممّن عاصره من أهل زمانه:

فهذا زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام يقول فيه: في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ الله به على خلقه، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمّد، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه5 .

وقال مالك بن أنس: ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً.

وعن عمرو بن المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنّه من سلالة النبيّين6 .

وسيمرّ عليك في هذا الكتاب القول المشهور لأبي حنيفة: لولا السنتان لهلك النعمان, وقوله: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد.

حتّى أنّ ابن أبي العوجاء قال مشيراً إلى الصادق عليه السلام: ما هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحانيّ يتجسّد إذا شاء ظاهراً ويتروّح إذا شاء باطناً فهو هذا7 .

إلى غير ذلك من كلمات منثورة وأقوال مشهورة, يجدها الباحث والقارئ في طيات كتب التراجم ومصادر التاريخ.

إلّا أنّ هذا الإمام وبالرغم من المكانة العالية والمنزلة الرفيعة التي تميّز بها على جميع أهل زمانه, لم يُعط حقّه ولم يبيّن فضله, حاله كحال العترة من أهل البيت عليهم السلام الذين ظلموا وقهروا واضطهدوا وكانت خاتمة أمرهم الشهادة إمّا بالسمّ وإمّا بالقتل.

وهنا تأتي مسؤوليّتنا كمسلمين تجاه أئمّتنا وقادتنا من أهل بيت نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة, وهي أن نقوم بنشر فضائلهم والتأكيد على محبّتهم ومودّتهم, وتعريف الناس بسيرتهم ومظلوميتهم.

هذا الكتاب:

وإنّ من حقّ هذا الإمام علينا ونحن من محبّيه وأتباعه أن نستذكر أحواله وتاريخه وما جرى عليه, ونذكّر الناس بذلك, إحياءً لأمره, وإظهاراً لفضله, علّنا نكون بذلك ممن يحيي أمرهم فلا يموت قلبه يوم تموت القلوب.

ولهذا قام معهد سيّد الشهداء للمنبر الحسينيّ بإعداد هذا الكتاب "صادق العترة", ليكون واحداً من الإصدارات التي يصدرها ضمن سلسلة مجالس العترة, ليكون معيناً للإِخوة القرّاء, ومساعداً لهم في المجالس التي يقيمونها في ذكرى هذا الإمام العظيم.

وقد راعى هذا الإصدار الأمور التالية:

1- أدرجنا ثلاث قصائد من الشعر القريض, ليتسنّى للقارئ الكريم اختيار ما يشاء منها.

2- أضفنا للكتاب العديد من الأبيات الشعبيّة الدارجة والمفهومة إلى حدٍّ ما.

3- ذكرنا موجزاً عن حياة الإمام عليه السلام, ولم نستقص كلّ شيء عن حياته المباركة, لئلّا يخرج الكتاب عن حدّ الإيجاز, واتّكالاً منّا على جدارة الإِخوة القرّاء من جهة أخرى.

4- قمنا بتخريج المصادر والمراجع لكلّ ما ورد في المتن, لتسهيل الرجوع إليها لمن أحبّ.

وفي الختام, كلّنا رجاء أن يلقى هذا الكتاب القبول والرضا من إمام زماننا عجّل الله تعالى فرجه, وأن يزوّدنا الإِخوة القرّاء بإرشاداتهم وملاحظاتهم الهامّة والبنّاءة لنصل إلى المستوى اللائق والمقبول..

هذا ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومن الجميع, وأن يرزقنا شفاعة مولانا الإمام جعفر الصادق عليه السلام, إنّه سميع مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني

هوامش

 1- الطوسي: مصباح المتهجد ص 3- 4.
2- النداء الأخير ص 5.
3- الكلمات القصار لآية الله العظمى السيّد عليّ الحسينيّ الخامنئيّ دام ظله, ص 86.
4- النعمانيّ محمّد بن إبراهيم: كتاب الغيبة ص 249.
5- الصدوق: الأمالي ص 637.
6- ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 248- 249.
7- الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 75.