المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ فَاطِمةَ وخَدِيجَة، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ أَمِيرِ المُؤْمِنين، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ الحَسَنِ وَالحُسَين، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَليكِ يَا أُخْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَليكِ يَا عَمَّةَ وَلِيِّ الله السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ مُوسَى بنِ جَعْفَر، وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. السَّلامُ عَليكِ عَرَّفَ اللهُ بَينَنَا وَبَينَكُم فِي الجَنَّةِ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِكُم وَأَوْرَدَنَا حَوْضَ نَبِيِّكُم وَسَقَانَا بِكَأْسِ جَدِّكُم مِنْ يَدِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَواتُ اللهِ عَلَيكُم، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُرِيْنَا فِيكُمُ السُّرُوْرَ وَالفَرَجَ، وَأَنْ يَجْمَعَنَا وَإيَّاكُم فِي زُمْرَةِ جَدِّكُم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلهِ، وَأَنْ لا يَسْلُبَنَا مَعْرِفَتَكُم إِنَّه وَلِيٌّ قَدِير1.

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى عترته وأهل بيته المظلومين المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
ما إن تشرف على مدينة قمّ المقدّسة وأنت قادم إليها من بعيد حتّى تشرق عليك أنوار قبّة حفيدة النبيّ وكريمة أهل البيت عليهم السلام فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام المعروفة بـ "المعصومة" لتضيء سماء هذه المدينة المقدّسة التي تشرّفت باحتضان هذا الجثمان الطاهر.

يقول الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظلّه:
"لا شكّ أنّ دور السيّدة المعصومة عليها السلام في جعل قمّ على ما هي عليه وإضفاء العظمة على هذه المدينة الدينيّة التاريخيّة العريقة هو دور لا كلام فيه فهذه السيّدة المعظّمة والفتاة التي ترعرعت في حضن أهل بيت النبيّ بحركتها بين الأتباع والأصحاب والمحبّين للأئمّة عليهم السلام ومسيرها بين المدن المختلفة ونثر بذور المعرفة والولاية بين الناس على امتداد هذا المسير وبعد وصولها إلى هذه المنطقة ونزولها في قمّ تمكّنت من جعل هذه المدينة تسطع كمركزٍ أساسيّ لمعارف أهل البيت عليهم السلام في ذلك العصر الظلمانيّ والحالك لحكومة المتجبّرين وتتحوّل إلى قاعدةٍ تشعّ منها أنوار العلم وأنوار معارف أهل البيت عليهم السلام على أطراف العالم الإسلاميّ بشرقه وغربه" 2.

وقد حظيت هذه السيّدة الطاهرة باهتمام واحترام كبار العلماء والفقهاء والرواة على مرّ التاريخ وأوصى العديد منهم أن يدفنوا بجوارها فاحتوى مرقدها الطاهر على مجموعة كبيرة من مراجع التقليد والعلماء الأعلام من بينهم القطب الراونديّ الشيخ الفاضل المتبحّر، المدفون في صحن فاطمة المعصومة، وينقل له كرامات آخرها أنّه عند بناء صحن المعصومة الشريف انهدم قبره وظهر بدنه الشريف طريّاً بعد سبعمائة عام وليس فيه أقلّ تغيّر وكأنّه نائم فيه3.

وينقل عن المرحوم الملّا صدرا الشيرازيّ أنّه على أثر حوادث عصيبة وقضايا مريرة انتابته في وقته ممّا اضطرّته إلى ترك موطنه شيراز وشدّ الرّحال إلى ضواحي مدينة قمّ المقدسة التي تعتبر عشّ آل محمّد وحرم العترة الطاهرة عليهم السلام حسبما جاء في الحديث: "إذا عمّت الفتن والبلايا فعليكم بقمّ وحواليها فإنّ البلاء مدفوع عنها" فاستوطن إحدى قرى قمّ المسمّاة كَهَك بينها وبين قمّ أربعة فراسخ فكان الشيخ في بعض الأحايين التي تعتريه مسائل علميّة عويصة وقضايا فلسفيّة مبهمة يقصد قبر العقيلة الجليلة فاطمة بنت موسى بن جعفر سلام الله عليها ويستلهم منها حلّ مشاكله العلميّة والفلسفيّة ثمّ يعود إلى مقرّه4.

كلّ ذلك لعلم هؤلاء بفضل هذه السيّدة الجليلة ومكانتها التي هي من سلالة النبوّة وعبق الرسالة المحمّديّة الذين من تمسّك بهم نجا ومن تخلّف عنهم غرق وهوى.
وإنّ التعرّف على حياة أمثال هذه السيّدة الكريمة وغيرها من بنات النبوّة والرسالة أمر بالغ الأهميّة- في وقتٍ لم تعد تعرف البشريّة من النساء سوى نماذج أسقطت المرأة عن مكانتها التي حباها بها الباري تبارك وتعالى- مكلّلاً لها بتاج العلم والفقه والعفّة والطهارة والقداسة فإنّ هؤلاء النسوة من بيت النبوّة هنّ المصداق البارز في حياة المرأة اللواتي تستحق ّكلّ واحدة منهنّ أن تتعرّف عليها في عصرنا هذا وتجعلها القدوة لها في سيرها وحياتها والذي من شأنه أن يرفع المرأة من حضيض الشهوات إلى مدارج الكمال والرقيّ الحقيقيّ المبنيّ على تعاليم الإسلام الدّين الإلهيّ الحنيف.

ومن هنا قمنا في معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ بتأليف هذا الكتاب ليكون إطلالة صغيرة على حياة هذه السيّدة من أهل بيت النبوّة عليهم السلام حسبما وصلنا عنها من أخبار وروايات- وهو قليل في جانب هذه المرأة العظيمة- علّنا نكون بذلك قد أدّينا بعضاً من حقّها.

عملنا في الكتاب:
اقتصرنا في هذا الكتاب على عرض شيءٍ من حياة هذه السيّدة الجليلة وأشرنا إلى بعض فضائلها ومناقبها وما جرى عليها في المدينة وحين خروجها إلى قمّ ووفاتها ومدفنها هناك، وشيءٍ من فضل قمّ وأهلها وفضل زيارة المعصومة عليها السلام وما قيل من الشعر فيها.

وقد سمّينا هذا الكتاب بـ: "كريمة أهل البيت عليهم السلام فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام".
وكلّنا أمل أن يلقى هذا الكتاب الرضا والقبول وأن يساهم في نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام والتعريف بمنزلتهم ومكانتهم.

هذا ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا وأن يرزقنا شفاعة السيّدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام وشفاعة أبيها وأخيها عليهما السلام وأن يعرّف بيننا وبينهم إنّه سميع مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ

هوامش

1- مقطع من زيارتها عليها السلام الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام.
2- المركز الإسلاميّ للتبليغ خطاب الوليّ عند لقائه طلاب وأساتيذ الحوزة العلميّة قمّ المقدّسة - 13ذي القعدة 1431 هـ.
3- أنظر مقدّمة غنائم الأيّام للميرزا القمّي ج 1 ص 34.
4- الحسّون ومشكور: أعلام النساء المؤمنات ص 585.