أنواع التّقويم

اتفق غالبيّة علماء التربية على الحديث عن نوعي تقويم بالرجوع إلى وظائف العمليّة: تكويني ويحصل خلال عمليّة التّعليم والتعلّم ووظيفته الأساس تكوين معارف وقدرات ومهارات ومواقف المتعلّم، وتقريريّ ويحصل في نهاية عمليّة التّعليم والتعلّم ووظيفته الأساس الحكم على المتعلّم بالرجوع إلى مكتسباته في نهاية العمليّة. لقد انطلق تمييز أنواع التّقويم من هنا، ولكن ما هي الاتجاهات التي سار فيها علماء التّقويم نتيجة أبحاثهم وتجاربهم في هذا المجال؟

1- التّقويم التكوينيّ
نُعرّف التّقويم التكوينيّ على أنّه: "تقويم يتدخّل مبدئيًّا في نهاية كل نشاط تعلّميّ، ويكون موضوعه إعلام المتعلّم والمعلّم بمستوى التمكّن المحصّل، وأحيانًا اكتشاف أين وفي ماذا يعاني المتعلّم من صعوبات تعلّميّة، من أجل أن تُقترح عليه، أو أن يكتشف هو بنفسه استراتيجيّات تسمح له بالتقدّم. يؤكّد هذا المعنى على كون التّقويم التكوينيّ هو، قبل كل شيء، جزء لا يتجزّأ من العمليّة التّربويّة العاديّة، حيث تُعتبر فيه الأخطاء في التّعلّم (أو حلّ مسألة)، محطّات فيه، وليس نقاط ضعف أو ظواهر مَرَضيّة يعاقَب المتعلّم عليها".

تظهر في هذا التعريف الخطوات الأساسيّة الآتية:
أ- جمع المعلومات بخصوص التقدّم التّعلّميّ والصعوبات التي يواجهها المتعلّم.


47


ب- تفسير هذه المعلومات من منظور مرجعيّ معياريّ، وقدر الإمكان، تشخيص العوامل الأساسيّة الموجودة وراء الصعوبات التّعلّمية.
ج- تعديل نشاطات التّعليم والتّعلّم في ضوء تفسير المعلومات المجمّعة.

يندرج التّقويم التكوينيّ إذًا، ضمن إطار بيداغوجيا النجاح التي تختزن ثلاثة مبادئ:
أ- على المتعلّم أن يتعرّف، قبل الشروع بالتّعلّم، إلى ما نتوقّعه منه فيه، أي إعلامه بوضوح، عن الأهداف التّعلّمية المنشودة ومعايير النجاح فيها.
ب- على المتعلّم والمعلّم أن يعرفا إلى أي حدّ تمّ أو لم يتمّ النجاح، وما تمّ أو لم يتمّ فيه النجاح. ممّا يستدعي جمعَ المعلومات عن أداء المتعلّم وإعطاءَه فرصة للتصويب.
ج- يجب أن يُعطى المتعلّم، قدر الإمكان، إمكانيّة التوصّل إلى الهدف المنشود ممّا يفرض على المعلم، في حال الإخفاق في المهمّة، تصوّر إجراءات تساعد على ضبط التّعلّم.

نخلص ممّا تقدّم إلى أنّ التّقويم التكوينيّ:
- عمليّة تصويب، في عمليّة التّعليم والتّعلّم للسيرورة وللإنتاج، أي الكفاية المنشودة.
- يُفترض وضوح الهدف التّعلّميّ ومعايير التّقويم ومبيّناته، قبل الدخول في عمليّة التّعليم والتّعلّم.
- يُفترض جمع معلومات ومعطيات عن عمليّة التّعليم والتّعلّم (تقويم استعلاميّ) وتشخيص الأسباب (تقويم تشخيصيّ) وتصوّر الإجراءات المساعدة على الحلّ (تقويم تكوينيّ).
- جزء من عمليّة التّعليم والتّعلّم وليس نهايتها، أي أنّه يسبق التّقويم التقريريّ أو الختاميّ.
- يطال استراتيجيّات التّعلّم كما استراتيجيّات التّعليم ووسائله حسب الحالة.


48


- شخصيّ، خاصّ، تُستعمل فيه لغة خاصّة بين المعلّم والمتعلّم من أجل زيادة فعاليّته. فعندما يدوّن المعلم، على سبيل المثال، رموزًا متَّفقًّا عليها مع المتعلّم على نشاط خطيّ (+ إجابة كاملة وصحيحة، - إجابة ناقصة، × إجابة خطأ...) يفهم المتعلّم نوع الخلل ويطمئنّ إلى كون هذه الرموز لا تُجمع وتُدوّن في دفتر علامات المعلّم، ولا مجال لاستفادة شخص آخر منها غير المتعلّم المعنيّ بها.

يمكن تمثيل موقع ودور التقويم التكوينيّ في عمليّة التعليم والتعلّم في الترسيمة الآتية:


49


1- فوائد اعتماد التّقويم التكوينيّ في التّعليم والتّعلّم
تظهر من خلال ما تقدّم عن التّقويم التكوينيّ فوائد عديدة نذكر منها:
- تنمية الثقة المتبادلة بين المعلّم والمتعلّم.
- تعزيز الدافعية الداخلية لدى المتعلّم وثقته بنفسه وبقدراته.
- إشاعة جوّ إنسانيّ في المؤسّسة التّربويّة هدفه الأساس نجاح المتعلّمين في أدائهم.

2- التّقويم التقريريّ

التقويم التقريريّ يحصل في نهاية عمليّة تعليم وتعلّم، وهو يشبه عمليّة جردة الحساب: قياس النتائج المحصّلة من قبل المتعلّم وإصدار الحكم عليه بالرجوع إلى هذه النتائج.

1- مراحل تنفيذ التّقويم التقريريّ

أمّا مراحل تنفيذ التّقويم التقريريّ فهي باختصار:
- تحديد الهدف التّعلّميّ أو الكفاية موضوع التّقويم (ماذا نقوّم؟).

- تحديد المعايير والمبيّنات التي سيتمّ التّقويم عمليًّا بالرجوع إليها (كيف نقوّم؟). هذه الخطوة والتي هي الشرط الأساسيّ في كلّ تقويم أعطت للتقويم التقريريّ بشكل خاصّ اسم التّقويم المعياري.

- اختيار وتحضير أدوات التّقويم (الأسئلة، الاختبارات)، التي تكشف عن تحقّق الهدف.

- وضع أسس التصحيح (توزيع العلامات) بالرجوع إلى المبيّنات وبالاستفادة من المؤشّرات، قبل تنفيذ عمليّة التّقويم، من أجل تجنّب الوقوع في تقويم المقابلة، بالرجوع إلى مقارنة النتيجة بالمعدّل الوسطيّ، أو مقارنة نتائج المتعلّمين بعضِها بالبعض الآخر، وليس إلى


50


بأُسس التصحيح.

- تنفيذ عمليّة التّقويم (أداء القدرة، المهارة).
- القيام بالتصحيح وقياس النتائج وجمع العلامات.

- إصدار الحكم على المتعلّم بالرجوع إلى النتائج بالنجاح أو الرسوب، أو أحيانًا، بإعطائه فرصة ثانية من خلال تأجيل اتّخاذ القرار النهائيّ، أو السماح له بمحاولة ثانية (امتحان إكمال.

2- متى يُنفّذ التّقويم التقريريّ؟

يأتي التّقويم التقريري بشكل طبيعي في نهاية عمليّة التّعليم والتّعلّم. ولهذا أُطلق عليه اسم التّقويم الختاميّ أو النهائيّ. ولكنّنا عند عرض مفهوم الكفاية وعناصرها بيّنّا جدوائيّة التّقويم المتواصل، خلال عمليّة اكتساب الأهداف الخاصّة أو عناصر الكفاية. ولهذا فإنّنا لا نوافق على جعل التّقويم التقريريّ حصريًّا في نهاية عمليّة التّعليم والتّعلّم، وإنّما خلالها أيضًا بنسبة معيّنة من العلامات الكليّة، فيما يسمّى علامات التّقويم المستمرّ أو السّعي. إنّنا في كلّ مرّة نضع علامات على تقويم هدف تعلّميّ أو نشاط، نجمعها ونحسب معدّلاتها، ونأخذها بعين الاعتبار في اتّخاذ القرار أو الحكم على المتعلّم، نكون في صدد التعامل مع تقويم تقريريّ. ولهذا لا يكون هذا التّقويم نهائيًّا بمعنى أنه ينفّذ مرّة واحدة زمنيًّا ويُتَّخذ القرار فيه في نفس الوقت، وإنّما ينفّذ زمنيًّا على مراحل، ويأتي القرار مع المرحلة الأخيرة منه.

وهكذا يأخذ التّقويم التقريريّ صفة التّقويم المتواصل، وبهذا يلتقي مع التّقويم التكوينيّ. ويمتاز منهما في أنّهما يقودان إلى اتخاذ إجراءات تصويبيّة، بينما يكتفي هو بالقرار النهائي.
فإذًا، يُسمح الاعتماد، في التّقويم التقريريّ، على معطيات مجمّعة خلال تطوّر اكتساب الكفاية (تقويم مستمرّ) ومعطيات محصّلة مرّة واحدة آخر الطريق (تقويم نهائيّ) على توازن مستحسن في هذا التّقويم. توازن ييسّر وظائف الضبط والتحكّم (تقويم تكوينيّ) خلال


51


التّعليم والتّعلّم، ووظيفة الإرشاد والتوجيه، أو حتّى العودة إلى الوراء (التّقويم الاستعلاميّ).

3- أنواع أخرى من التّقويم

استعرضنا فيما تقدّم نوعين أساسيّين من التّقويم:
التّقويم التكوينيّ والبنائيّ من جهة، والتّقويم التقريريّ من جهة أخرى. أما التّقويم التكوينيّ فيركَّز فيه على السيرورة، أو ما يقوم به المتعلّم، أي الآليّات المعتمدة خلال مرحلة الإنجاز. بينما التّقويم التقريريّ فيهتمّ بالنتائج والمنتجات بالرجوع إلى مرجعيّة ثابتة مشكّلة مسبَّقًا. وهو يحاول الإجابة عن طلب المؤسّسة في التحقّق والتفتيش والمراقبة. وبيّنَّا إمكانيّة اللجوء إلى التّقويم التقريريّ، كما التّقويم التكوينيّ، في أيّ لحظة من عمليّة التّعليم والتّعلّم. وهكذا، لم يعد، مفهوم الزمن، حاسمًا في تعريف وظيفتي التّقويم (التكوين والانتقاء). وبذلك ننتقل من تعريف نوعين من التّقويم إلى تعريف وظيفتين يؤمّنهما التّقويم المتواصل بشكل مستمرّ.

1- تقويم المقابلة

تأخذ وظيفة الانتقاء عبر التّقويم، اسم تقويم المقابلة، ويكون ذلك عندما يخضع المتعلّمون إلى مباراة دخول إلى مؤسّسة تربويّة أو وظيفة. ولا يتمّ الرجوع هنا إلى معايير التمكّن وإنّما يؤخذ الأوائل حسب العدد المطلوب، حتّى ولو نجح عدد كبير من المتعلّمين في المباراة. كما وتُعتمد أحيانًا في هكذا تقويم معايير أخرى غير التفوّق: المحسوبيّة، الانتماء السياسيّ أو العائليّ أو المذهبيّ...

قد يقع المعلّم في هكذا تقويم عندما لا يُحدّد مسبّقًا لاختباره مبيّنات محدّدة مع توزيع العلامات عليها وتحديد سقف النجاح فيها. كما وينفّذ المعلّم تقويم المقابلة عندما يحدّد سقف العلامة في مادّة تعليمه، وعندما يُضمّن الاختبار آراء شخصيّة يصعب تقويمها بموضوعيّة.


52


2- التّقويم الاستعلاميّ
وإذا كان التّقويم يطال في الأساس سيرورة عمليّة التّعليم والتّعلّم ونتائجها ومنتجاتها، أتى التّقويم الاستعلاميّ ليقوّم أداء المعلّم والأدوات التي يستعملها (الأسئلة ودقّة صياغتها ومستوى أمانتها وصدقها وموضوعيّتها). إنّ التّقويم الاستعلاميّ يساعد المعلّم والمشرفين عليه في ضبط عمليّة التّعليم والتّعلّم، والتحكّم في الأدوات والوسائل التي يستعملها في هذه العمليّة، وفي التّقويم بشكل أساسيّ.

ولكنّ وظيفة جمع المعلومات عن أثر التّعليم والتّعلّم وظيفة دائمة. صحيح أنّها في التّقويم الاستعلاميّ تأخذ شكل التحليل المنهجيّ الموضوعيّ، ولكنّها تأخذ أشكالاً مختلفة في كلّ مراحل العمليّة وخطواتها:
عند طرح سؤال على المتعلّمين، حلّ تمارين، نقاش موضوع، تقديم نشاط، مقابلة مع متعلّم أو مجموعة متعلّمين...
وفي كلّ مرّة يُحصّل المعلّم المعلومات يتّخذ إجراءات تقويميّة أو قرارات. إنّ المعلومات المحصّلة عبر علامة متدنّية نالها المتعلّم في تقويم تكوينيّ، لا تُحتسب علاماته، أو في تقويم خطيّ تقريريّ أو غير ذلك، تنبّئ بوجود صعوبة أو مشكلة ما، ولا تشخّص العوامل الكامنة وراءها. ولهذا لا تناسب المعالجة النمطيّة في مثل هكذا حالة, إذ قد يحصل متعلّمان على نفس العلامة المتدنيّة ولا يعني ذلك بالضرورة وجود نفس الأسباب لدى كلّ منهما!

إن التّقويم الاستعلاميّ وظيفة من وظائف مهنة التّعليم، على المعلّم أن يعطيها بعض الوقت والاهتمام وأن يُدرَّب عليها. وهي مطلوبة منه قبل وخلال عمليّة التّعليم والتّعلّم، وأحيانًا بعدها لدى تحليل الامتحانات والاختبارات التقريريّة للاستفادة منها لاحقًا.

3- التّقويم التعرّفي

يهدف هذا التّقويم إلى التعرّف إلى إمكانات المتعلّم وقدراته من أجل التنبّؤ بحظوظه في النجاح لاحقًا في دراسة معيّنة.


53


يتمّ هذا التّقويم في:
بداية الالتحاق بنوع من الدراسة.
نهاية مرحلة دراسيّة وقبل الانتقال إلى مرحلة أخرى لاحقة (من الثانويّة إلى الجامعيّة على سبيل المثال).
يؤسّس هذا التّقويم إمّا لاتخاذ قرار اختيار نوع الدراسة، وإمّا لقرار غربلة أو اصطفاء، وإمّا لقرار توجيه وإرشاد بالرجوع إلى القدرات المفترضة الوجود لحسن متابعة هذا الإعداد الجديد.

4- التّقويم التشخيصيّ

يسمح هذا التقويم بالكشف عن مدى وجود مكتسبات قبْليّة مفترضة لدى المتعلّم. يستفيد من هذه العمليّة:
- المعلّم من أجل تقدير ما إذا كان المتعلّم يمتلك القدرات الضروريّة للدخول في إعداد أو متابعة تعلّم معيّن.
- المعلّم من أجل الكشف عن ثغرات تعلّميّة تمهيدًا لردمها أو أخذها في عين الاعتبار حين متابعة عمليّات التّعليم والتّعلّم.
- المتعلّم من خلال زيادة وعيه لنقاط القوّة والضعف لديه، من أجل السَّعْيِ لاتخاذ الإجراءات العلاجيّة الممكنة حين الحاجة.


54