مجلس الليلة التاسعة: شهادة علي الأكبر عليه السلام - مسؤولية الأبوين

القصيدة

القريض

حزن ابن ليلى يستدر مدامعي                       ومضاء عزمته يثير هنائي

بدر تتوجه شمائل أحمد                             بفصاحة وسماحة ومضاء

متجلبب من حيدر بشجاعة                          ومن الحسين موشح بإباء

ملك الوغى بحسامه فأحالها                         دهماء أعيت ألسن البلغاء

والسبط يرصده وفوق جبينه                        للناظرين بوادر السراء

وإذا به يدعوه أدركني فقد                          دارت عليَّ بجمعها أعدائي

فانقض مثل الصقر شاء فريسة                     وجلى الصفوف وجال في الأرجاء

حتى إذا دفع العدى عن شبله                       آوى إليه بلوعة وبكاء

ألفاه متعفر الجبين تمازجت                        حمر الدماء بوجنة بيضاء

فجثا وأقنع للسماء بشيبة                          مغمورة بمدامع ودماء


131


يا عدلُ قد قتلوا شبيه محمد                      أنزل بساحتهم عظيم بلاء

أبُني أقصدني الزمان وفتّ في                    عضدي فلا أستطيع حمل ردائي

أبُنيّ كنت لي الأنيسَ إذا دجى                    الليل البهيم وكنت بدر سماء(٭)

(فائزي ـ بحراني):

نادى الشهيد حسين راح ابنك يليلى              تركي البكاء وردي للخيمة افرشيله

قالت عساه من العطش برد غليله                 قلها قضى ظامي وهوت تلثم محياه

عاف ابنه يمها ومدت طولها عليه               تمسح عن اخدوده الدمه ومرة تحاكيه

تضمه من الدهشة لنفسها وتسبل ايديه          وتصيح كدرة عيشتي وصعبة بلّياه

يبني ابهرت ليلى وتركت النوم برباك            ولا غمضت عيني ولا ساعة بلّياك

أملَّت عمري ينقضي يوليدي وياك               وخابت اظنوني آه يا فقد الابن آه

(أبو ذيه): يماي لمين ربيتك وريدك             كنت تبقه ويظل عيشي وريدك


132


بعدما حسبت ينخز وريدك                        بالطف وامشي اخلافك سبيه

(أبو ذيه): بدليلي يا سيوف العتب يمي         طريح وينعه بس الوحش يميّ

اتركي العتب لتعتبين يميّ                        أشد من قتلي اعتابك عليَّ


الموضوع:


قال تعالى:
﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا1.

جاء هذا الدعاء القرآني الكريم عن لسان الإنسان المؤمن الذي ينظر إلى علاقته بزوجته وأبنائه
﴿أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾، علاقة تنطلق من كونهم سائرين على خط الهداية والالتزام ورضا الله تبارك وتعالى.

وإن من سعادة الإنسان المؤمن ـ وأي سعادة ـ أن يرى عائلته وأبناءه وبناته وهم على التزام وهدى وصلاح.

وقد وردت آيات قرآنية أخرى تؤكد هذا المعنى الرائع، كما رسمت هذه الآية الكريمة لوحة إيمانية جميلة في دعاء المؤمن في أن يكون هو وذريته من المصلين :
﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾2.

ولكي يحثنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على أن نولي مسألة التفكير والاهتمام بتربية العائلة تربية إسلامية مستقيمة، جعل أحد الموارد التي تستمر معها الحسنات في رصيد الإنسان حتى بعد وفاته، الولد الصالح الذي يدعو لأبيه، قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث: علم يُنتفع به،


133


صدقة جارية، ولد صالح يدعو له"3.

وورد في الأخبار أن عيسى بن مريم عليهما السلام مرّ ذات يوم بقبر فوجد صاحبه يتعذب فيه، ثم أنه عليه السلام مرّ بهذا القبر بعد مدةٍ من الزمن فوجد أن العذاب قد رفع عن صاحبه، فخاطب الله تعالى سائلاً منه كيف رفع العذاب عن ذلك الميت؟ فجاءه الجواب: أن لهذا الميت طفلاً صغيراً، فلما بلغ نشأ صالحاً فأصلح طريقاً وقضى حاجة ويسر أمراً، فغفر الله ببركة عمله لأبيه.

ولهذا فإن الذي يسعى ويهتم ويواصل العملية التربوية داخل أسرته يحظى برضا الله تعالى ومدح الناس له وثناءهم عليه في الدنيا، ورحمة الله ومغفرته ومزيد حسنات بعد وفاته. بل إن الأمر يصل إلى يوم القيامة حيث جاءت بعض الروايات لتؤكد أن المؤمن يؤذن له بدخول الجنة، فيقول: إلهي ومعي أبواي، فيأتيه النداء أن خذ بيدي والديك وادخلهما الجنة معك!

إن مسألة التربية مسألة غاية في الأهمية والحساسية والخطورة، لأنها عملية بناء إنسان الذي هو أغلى وأهم ما خلق الله تعالى.

وهذه القضية لها ثلاثة مؤشرات أساسية هي:

1) الأسرة أي الأجواء الأسرية والعائلية، التي يوفرها الأبوان داخل البيت.

2) المدرسة: وهي الحضن الثاني للطفل بعد بيئته الأولى في البيت.

3) المجتمع: من جيران وأقارب وشارع وعلاقات عامة.

والأهم في هذه المؤثرات الثلاثة هي الأسرة والتي يمكن للأبوان أن يوفرا فيها ما يستطيعان توفيره من عوامل التربية ـ كما سيأتي بيان أهمها ـ إذ لا يستطيع طرف آخر خارج نطاق الأبوين ـ عادة ـ أن يؤثر في تربية الطفل.

ثم تأتي المدرسة التي يمكن أن تكون منسجمة مع الاتجاه التربوي


134


والأخلاقي الذي كان يعيشه الطفل في أسرته، ويمكن أن تكون المدرسة بعيدة عن تلك الأجواء.

ومن هنا تبرز مسؤولية الأبوين في اختيار المدرسة المناسبة أخلاقياً وتربوياً مع الأساس التربوي الذي نشأ عليه طفلهما. ومن نعم الله تعالى وجود مدارس تعنى بالبعد التربوي والسلوكي والأخلاقي إضافة إلى توفير الأجواء التعليمية والعلمية الجيدة والمتفوقة كذلك.

ولكننا نجد ـ شديد الأسف ـ بعض الآباء والأمهات لا يراعون البعد التربوي والأخلاقي في اختيار مدرسة أطفالهم. فقد نجد بعض هؤلاء الآباء والأمهات يفتخرون أنهم أدخلوا طفلهم ـ أو طفلتهم ـ في مدرسة لا تتكلم اللغة العربية مطلقاً بل هم يتكلمون اللغة الفرنسية أو الإنكليزية فقط.

إن حجب اللغة العربية عن أبنائنا وبناتنا، يعني غرس الوحشة والشعور بالغربة مع منابع ثقافتنا وحضارتنا وديننا، فالقرآن كتاب الله الخالد هو كتاب عربي وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام وقادة المسلمين هي عربية وتاريخنا ولغتنا وأدبنا، كلها بجذور عربية.

نعم إن علينا أن نولي تعلم اللغات الأجنبية اهتماماً قد يكون كبيراً، لكن لا يكون ذلك على حساب لغتنا الأم لغة القرآن والسنة والتاريخ والأدب والحضارة.

ولو أن المسألة اقتصرت على إزواء اللغة العربية وإهمالها لها فقط، لخفت المصيبة نوعاً ما، ولكن الخطورة تكمن مع تسرب قيم أخلاقية ومناهج سلوكية مخالفة لديننا وقيمنا وحضارتنا.

فإذا دخل الطفل مدرسة لا تهتم بالجوانب الأخلاقية فإن جهود الأبوين التربوية السابقة تذهب إدراج الرياح، أو تكون في خطورة على أقل التقادير.


135


ما أروع أن نجد المدرسة منسجمة مع الأسرة في رعاية الطفل أخلاقياً وتربوياً وعلمياً وثقافياً. إن المدرسة تأتي في المرحلة الثانية من حيث الأهمية بعد الأسرة.

أما بالنسبة للمؤثر الثالث وهو المجتمع، فهو مؤثر غير مشجع عموماً لأننا لا نستطيع أن نضمن الشارع أو نطمئن لما يأخذه الطفل منه.

وعليه تبقى الأسرة هي المنطلق التربوي الأول، والمعهد الأخلاقي الأقدم. ونحاول هذه الليلة (أو هذا اليوم إذا كان المجلس نهارياً) ونحن نعيش أيام الحسين عليه السلام وولده علي الأكبر وآثار تلك التربية الراقية والإعداد المميز، نحاول أن نقف عند أبرز النقاط في قضية الدور التربوي والأخلاقي للأسرة، حيث تبرز النقاط التالية:

1) ضرورة اختيار الشريك الملتزم، سواء كان في اختيار الزوجة أو في قبول الزوج. لأننا قد نجد بعض الناس لا يولي مسألة الالتزام اهتماماً، فالمهم هو الجانب المادي والموقع الوظيفي والمرتبة الأسرية أو الاجتماعية، أو مسألة الشكل الخارجي والبعد الجمالي.

يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تخطب المرأة لأربع: "لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين"4.

لأن كل الأمور الأخرى أمور عارضة وزائلة ويمكن التعويض عنها بصفة الالتزام (الدين) في حين لا يعوّض عن الالتزام شيء آخر.

عن الإمام الحسن عليه السلام: "زوج كريمتك من مؤمن، فإن أحبها أسعدها وإن كرهها لم يظلمها"5 ما أروع هذا القول وأجمله.


136


إن انسجام الزوجين على خط فكري وإيماني واحد يجعل العملية التربوية ناجحة بدرجات عالية.

2) الاهتمام باختيار الاسم المناسب للطفل، لأن الاسم هو جزء من شخصية الإنسان ولهذا جاءت روايات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام لتؤكد على أهمية اختيار الاسم الذي ينسجم مع العملية التربوية.

ويمكن لنا أن نقول أن لكل مرحلة من المراحل التي يمر بها المجتمع ـ أي مجتمع ـ نمطاً من الأسماء، فحينما يكون المجتمع خاضعاً لفكر ما أو ثقافة ما، فإن نتائج ذلك الفكر وتلك الثقافة ينعكسان فيما ينعكسان عليه في أسماء أبناء ذلك المجتمع.

ولهذا نجد أن لكل جيل لون معين من الأسماء، وقد جعل الإسلام من حق الولد على والده اختيار الاسم المناسب له.

جاء رجل للإمام الصادق عليه السلام وقال له: يا ابن رسول الله إنا نسمي أبناءنا بأسمائكم فهل ينفعهم ذلك؟ فقال عليه السلام: "أي والله وهل الدين إلاَّ الحب"6.

3) إن سلوك الأبوين منذ نعومة أظفار الطفل يعتبر أكبر مؤثر سلوكي وتربوي، فالتربية لا تعني إسداء النصائح وإلقاء المحاضرات، بقدر ما تعني التعليم بالسلوك اليومي والتربية بالتعامل الحياتي.

يقول علماء التربية هناك نمطين للتربية: الأول: المباشر، الثاني غير المباشر، أي عبر السلوك والموقف وهو الأبلغ.

فما فائدة قولنا لطفلنا إن الكذب حرام، وإذا جاء أحدهم على الباب، أو رن جرس الهاتف ليسأل عن الوالد وهو موجود في البيت، فيلتفت إلى ولده


137


ويقول له: قل لهذا الرجل أن أبي غير موجود في البيت. إنه درس عملي في الكذب واستسهاله.

4) تشجيع الأبناء على السلوك الملتزم أو القيام ببعض المسؤوليات والعبادات، مثل منح الهدايا لحفظ آيات أو سور من القرآن الكريم، أو أحاديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام، أو هدية تذكارية عند بداية الصلاة أو عند أول شهر رمضان يصومه أبناؤنا أو بناتنا.

وعموماً فإنه يستحب للرجل أن يهدي أهله زوجته وأطفاله وأبويه، لأن الهدية تحبب النفوس وتقرب بين القلوب.

5) ضرورة أن يعيش الأولاد أجواء عائلية أخرى ملتزمة، ومن هنا يأتي التعاون والتآلف بين العوائل الملتزمة في زيارات أو رحلات، لتتوثق مهمة الأسر الملتزمة، فالولد يجد ولداً ملتزماً مثله، والبنت تجد بنتاً محجبة مثلها. وهذا مما يؤكد تلك القيم التربوية التي سعى الأبوان لإحلالها في نفوس أولادهما.

6) كما يؤكد على ضرورة أن يعيش الأطفال أو الأسرة عموماً الأجواء الإيمانية العامة، ما أروع أن يأخذ الأب عائلته وأطفاله إلى عمرة البيت الحرام ثم يعرج على المدينة المنورة، أو زيارة البقاع الطاهرة لأئمة أهل البيت عليهم السلام.

وكذلك اهتمام الأسرة بالمساجد خاصة في الليالي والأيام العبادية مثل ليلة الجمعة ويومها أو ليالي القدر، أو المناسبات الأخرى ومنها هذه المجالس الحسينية المباركة التي تعقد تخليداً لمواقف شهداء الطف الخالدة. تلك الواقعة التي ما تزال تحظى بحضور تاريخي وواقعي لافت، لأنها تضمنت مواقف ودروساً امتدت إلى الإنسان في أي مرحلة أو حال كان عليها.

فإن ذكرت الأطفال كان هناك الطفل الرضيع، وإذا ذكرت الأخ كان هناك


138


العباس وأخوته، وإذا ذكرت البنت كانت هناك رقية وسكينة وإذا ذكرت الأخوات كانت هناك زينب وأخواتها، وإذا ذكرت الأخوة كان هناك القاسم وأخوته، وإذا ذكرت الأبناء والشبان كان هناك شبيه رسول الله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً، نعم كان هناك علي الأكبر بن الحسين عليه السلام.

الذي تصفه بعض الزيارات أنه كان من الفرحين بلقاء الله تعالى، وهذه الصفة تعني ذلك المستوى التربوي الكبير وذلك الاستعداد والوعي العميق، الذي جاء نتيجة لتلك التربية والتواصل والأخذ من ذلك الأب العظيم من الحسين السبط، سبط رسول الله، الإمام المعصوم وتلك الأسرة بيت الوحي ومهبط الرسالة وموضع التنزيل.

وقد تجسدت ـ فيما تجسدت فيه ـ تلك التربية الإيمانية الراقية لعلي الأكبر، في الطريق إلى كربلاء، حيث كان الركب الخالد يسير إلى حيث الواقعة التي لم تلد الدنيا نظيراً لها ولا شبيهاً، حيث غفت عينا الحسين، فعنّ له فارس في رؤياه وهو يقول: إن القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فانتبه الحسين مسترجعاً حامداً، إن لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين، وكان ولده الأكبر إلى جانبه، فأثار انتباهه مقالة أبيه العظيم عليه السلام فقال: يا أبت لم استرجعت؟ فقص الإمام الحسين عليه السلام عليه رؤياه.

يا ترى ماذا تتوقع أن تكون ردة فعل هذا الشاب الذي لم يكمل العشرين من عمره، وعلى رواية تجاوز العشرين ببضع سنوات، هل يقول له لنرجع أو نسالم أو نتفاوض أو أو؟؟

وإذا بشبيه رسول الله، وسليل علي والحسين يبادر أباه سائلاً: أو لسنا على الحق؟ نعم هذا هو الأساس الحق وموقف الحق والدفاع من أجل الحق والتضحية في سبيل الحق، وما قيمة الحياة بلا مواقف يؤيدها الحق ويخلدها؟


139


فأجابه الحسين: أي والذي إليه مصير العباد، وإذا بالأكبر يعقب بقوله: إذن لا نبالي أن نموت محقين7.

ورث الصفات الغر وهي تراثه                     من كل شهم أصيل

في بأس حمزة في شجاعة حيدر                   بابى الحسين في مهابة أحمد


فعلت ابتسامة رضا وانشراح محيا الحسين عليه السلام وقال: جزاك الله خير ما يجزي ولداً عن والده.

هنيئاً لك أبا عبد الله بهذا الابن الذي جسد مفاهيم القرآن وقيم الإسلام وسلوك جدك المصطفى خلقاً وخلقاً ومنطقاً. لكن أبا عبد الله، ولكن نقول أيضاً: ساعد الله قلبك وأعظم الله أجرك وأجر جدك المصطفى وأبيك المرتضى وأمك الزهراء وأخيك المجتبى حينما جاءك ولدك الحبيب هذا يستأذنك في الخروج للمعركة ليكون أول هاشمي يبادر للقتال يوم عاشوراء.

لم يتمالك الحسين عليه السلام حينما رأى ولده أمامه يودعه دون أن تنهمر دموع عينيه ثم يجمع كلتا يديه خلف عنق ولده علي الأكبر ثم يجذبه ليضمه إليه ويشبعه لثماً وتقبيلاً حتى اختلطت دموعهما.

(نصارى): أويلي من تلاقوا عند الاوداع           امشابك طول لمن هودّ للقاع

ابن لاع لأبيه والأبو لاع                             على اوليده يويلي وداع الأقشر


140


يقله والدمع بالعين دفّاق                              ابعبرة امكسرة وبقلب خفاق

يبويه وداعة الله هذا الفراق                          يبويه اشبيدنه هذا المقدّر


ثم ودع النساء اللواتي تحلقن حوله وقلن له: ارحم غربتنا فلا طاقة لنا على فراقك.

لكنه مضى إلى حيث لقاء الأحبة محمداً وحزبه صارخاً بالقوم:

أنا علي بن الحسين بن علي                         نحن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي                         اضربكم بالسيف حتى ينحني

اطعنكم بالرمح حتى ينثني                          ضرب غلام هاشمي علوي


وبعد أن قتل مقتلة عظمية من القوم عاد إلى أبيه الحسين عليه السلام يشكو إليه ما ألم به من العطش والألم.

يشكو لخير أب ظماه وما اشتكى                   ظمأ الحشى إلاّ إلى الظامي الصمدي

(نصاري):
يبويه شربة اميه لكبدي                            اتقوه وارد للقوم وحدي

يبويه انفطر كبدي وحق جدي                      الشمس والعطش والميدان والحر

يقله منين أجيب الماي ينبي                        مهو حكيك شعب قلبي


141


ارجع يا بني فإن لك كأساً مدخرة عند جدك رسول الله.

فرجع الأكبر إلى المعركة وما زال ينوشهم بسيفه وهم يفرون أمامه، إلى أن جاءه اللعين مرة بن منقذ العبدي، وهو يقول: عليَّ آثام العرب إن لم أثكل به أباه. وبينما كان الأكبر يطارد كتيبة من القوم، إذ جاءه هذا اللعين من خلفه ليضربه على رأسه ويفلق هامته، فنادى الأكبر! عليك مني السلام أبا عبد الله هذا جدي رسول الله وقد سقاني من حوضه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً. ثم أن فرسه ذهب به إلى مخيم الأعداء "عظم الله أجوركم". هذا يضربه بسيفه وذاك يطعنه برمحه والآخر يريد بسهم حتى سقط على الأرض، وجاءه الحسين مسرعاً اضطجع إلى جنبه واضعاً خده على خده وهو يقول: بني علي على لدينا بعدك العفا، أما أنت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وأبقيت أباك لهمها وغمها وما أسرع اللحاق بك.

(نعي): يبني قول واسرع رد الأجواب              يبويه بيا جنب مض بيك الصواب

ردتك ترد وحشة الغياب                             وردتك تهيل علي التراب


                           ماي وتبده بطولك وغاب

وبينما كان الحسين مستغرقاً في لوعة ولده وإذ به يسمع صوتاً عزيزاً عليه وهاتفة تنادي: والده واعلياه واابن أخياه، نعم إنه صوت زينب، فنهض الحسين نحو المخيم.

(أبوه) شافه والنبل شابك علي راح                 جذب حسرة وصفق راح علي راح

ناده حسين يا زينب علي راح                        يخويه اظلمت الدنيا عليه


142


(تخميس): أرى يقابلني زماني بالوفا                 وأرى الهنا من بعد فقدك والصفا

وسيوفه جزرت شبيه المصطفى                      فلتذهب الدنيا على الدنيا العفا

                           ما بعد يومك من زمان أرغد

يا كوكباً ما كان أقصر عمره                         وكذا تكون كواكب الأسحار

جاورت أعدائي وجاور ربه                           شتان بين جواره وجواري


143


هوامش

*للشيخ احمد الوائلي (رحمه الله)
1- الفرقان: 74.
2- إبراهيم: 40.
3- شرح أصول الكافي، ج6، ص137.
4- إعانة الطالبيين، ج3، ص312.
5- ميزان الحكمة، ج2، ص1182.
6- مستدرك الوسائل، ج12، ص219.
7- بحار الأنوار، ج45، ص36.