مجلس الليلة الخامسة: شهادة مسلم بن عقيل رضي الله عنه - ثورة الإمام الحسين عليه السلام والتغير في الأمة

القصيدة

القريض

إن رمتَ خيرَ حمىً وخيرَ مقيلِ                             فاعقِل بمثوى مسلمِ بنِ عقيلِ

مثوىً تعالى الله أعلى شأنَهُ                                من أن يُرامَ موازَناً بعديلِ

مثوىً تضمّن للشهادةِ سيّداً                                فاق الورى بالفضلِ والتفضيلِ

أمجشِّماً غسق الدجى زيافةً                                تطوي حزوناً للفلا بسهول

يمم بها البطحاء من وادي منىً                           وادعو الحسين برنةٍ وعويل

وقل: السلام عليك أسلم مسلم                             فرداً لطعن قناً وقرع نصول

قردٌ يفرُّ الجمع منه كأنما                                  نعشى الكريهة منهم بقبيل

أردوه بالبيضِ الصفاحِ وأثخنو                          هُ بالجراحِ فخرَّ خيرَ جديل

صعدوا به قصر الأماة نازلاً                               للأرض حين رموه أيُّ نزول

سحبوه في الأسواق وهو مرمل                           بدم الشهادة أفضل الترميل


73


فليبكين المسلمون لمسلم                                  ما كان أمثلهم له بمثيل

قتلوه ظمآناً وقد صنعوا به                                ما ليس يصنعُ قاتلٌ بقتيل

(نعي): وين الذي يقصد بها لحسين                      لأرض الحجاز ويخبر احسين

مسلم وحيد ولاله معين                                   ودارت عليه القوم صوبين

بكوفان ظلّ يدير بالعين                                  في وين راحوا هله الطيبين

(نصاري): المقدّر جره وشاعت أخباره                 رموه القوم من قصر الامارة

هاني انقتل بعده وبقت داره                              مظلمة ولا بعد واحد يصلها

مصيبتهم مصيبة اتصدع الأجيال                        ومن قبل الشيب اتشيب الأطفال

شفت ميت يجرونه بالحبال                              يناعي لا تظن صاير مثلها

(أبو ذيّة): عادة اليستجير ايكون ينجار                 وعن قتله حليف الشرف ينجار

مثل مسلم صدق بالحبل ينجار                          وتتباشر بقتله جنود أميّة


74


الموضوع

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...1.

أحدث الإسلام تغييراً كبيراً وتاريخياً في انطلاقته الأولى، حيث امتدّ هذا التغيير ليتجاوز المسلمين والعرب حتى بلغ شعوب الأرض. وما كان هذا التغيير أن يبلغ هذا المدى لولا تغيير المسلمين الأوائل لأنفسهم، حيث نزعوا ثياب الجاهلية ومفاهيمها، وانتهجوا الإسلام ومبادئه، فكانوا خير أمة أخرجت للناس
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ2.

وذكر بعض الباحثين أن اختيار الجزيرة العربية لم يكن صدفة أو اعتباطاً، إذ أن الإنسان العربي قبل الإسلام كان خلى الذهن عن الأديان والعقائد والأفكار المعقدة، ولهذا كان من السهولة أن يتبنى مفاهيم الإسلام لأنها المفاهيم الأولى بالنسبة إليه. في حين يحتاج غيره إلى عملية مضاعفة في إزالة تأثيرات المعتقد القديم وصياغة مفاهيم الدين الجديد.

ولو تأملنا الآية الكريمة
﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ3، أي أن تغيير الأمم والمجتمعات يكون نتيجة لما يحدثه أبناء ذلك المجتمع من تغيير في نفوسهم واختيار في مواقفهم وهذا أمر كما يجري في التغيير من الحسن إلى السيئ كذلك يجري في التغيير من السيئ إلى الحسن فالآية مشجعة للتغيير الايجابي (من السيئ إلى الحسن) ومحذرة من التغيير السلبي (من الحسن إلى السيئ). والأمر يصدق كذلك على الأفراد فرداً فرداً كما يصدق على المجتمعات. فهناك خطوتان الأولى بيد الإنسان (يغيّر نفسه) والأخرى بيد الله تعالى (يغير ما بقوم).


75


والإنسان مخير في الخطوة الأولى التي يختارها في أن يسعى حتى يكون مغيّراً نحو الأحسن (تغييراً ايجابياً) أو مغيّراً نحو الأسوأ (تغييراً سلبياً). ولكنه غير مخيّر في الخطوة الثانية لأنها مترتبة ومبنيّة على الخطوة الأولى، ولأنها خطوة بيد الله، لكن لا فيها، لأنها بدأت من اختيار الإنسان وموقفه الحر.

ومن الملاحظ ـ من جهة أخرى ـ أن الإعجاز القرآني لا يشمل الكلمة القرآنية أو الآية التي ترد في قضية أو واقعة أو حكم، لكن الإعجاز القرآني يشمل المفاهيم كذلك.

فإنّ مفهوم التغيير الذي جاءت به هذه الآية الكريمة، مفهوم نجد مصاديقه في كل الآيات القرآنية التي تحدثت عن الأمم وتجاربها مع أنبيائها، فإننا لو تابعنا تلكم الأمم لوجدنا أن القرآن يشير إشارة واضحة إلى أن التغيير ـ وأغلبه مع الأسف سلبي بظلم من الناس وتكذيبهم وعنادهم ـ يبدأ من حيث ينتهي موقف تلك الأمم والأقوام والمجتمعات، ليأتي القرار الإلهي المترتب على أعمالهم ومواقفهم.

ما أروع القراءة الواعية والمتأملة لآيات القرآن الكريم. وكم نستعين بهذه الآيات على اتخاذ الخطة الصحيحة الأولى التي هي من اختيارنا.

كان ما تحدثنا عنه في الخطوة الأولى لم يهملنا الله تعالى معها، ولم يتركنا مع تخطبنا بل أوضح النهج الأقوم، وشجع على الخطوة الأفضل، وكتب لنا بها الحسنات عشراً وهي في مصلحتنا ولأجلنا
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ4 إذ حذّرنا من الأخطاء ونبهنا على مكائد الشيطان.

ولأن كانت أغلب تجارب الأنبياء السابقين مع أممهم قاسية ومؤلمة حتى


76


انتهت بإنزال العذاب وإحلال الغضب السماوي عليها، فإن تجربة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مع أمته كانت تجربة ناجحة تكللت بالنصر على الأعداء، وتمكين الدين من معاقل الشرك حتى امتد المسلم إلى الجزيرة العربية في عهده صلى الله عليه وآله وسلم. ثم امتد شعاع الإسلام في أعماق الأرض وقلوب الشعوب التي كانت تواقة له مندفعة نحوه مسرورة به.

وبعد أن أدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهمته أخلص في أمانته ونصح لأمته، رحل إلى بارئه تعالى وهو يوصي أمته بانتهاج الهدى بعده بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

"إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي"5. وإذا بالخطر يتعاظم على الإسلام يوماً بعد آخر، ومرحلة بعد أخرى، حتى رُشّح الفاسق يزيد بن معاوية ليتولى منصب الخلافة وليرتقي منبر رسول الله، ويصير من ثم في موقع التوجيه والرعاية لهذه الأمة.

فكيف يمكن تصور هذا التوجيه ونوعيته مع يزيد المشهور بشرابه ولعبه بالقرود والفهود وانغماسه باللذات وابتعاده عن أخلاق القرآن.

كيف يمكن أن نتصور مستقبل الأمة الإسلامية، إذا رضت وخنعت وقبلت بهذا التغيير السيئ بل وبالغ السوء أن النتيجة معروفة وهي ستكون مترتبة على هذه الخطوة حيث سينير من هذه الأمة وسيطيع دورها وتفقد موقعها، لأنها ما وصلت إلى ذلك في بداية أمرها إلا حينما اتخذت مواقف الإيمان والهجرة والجهاد والنصرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكانت خطوة السماء أن جعلها
﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؟.

لا بد للأمة إذن من موقف وإلا ستضيع كما ضاعت الأمم السالفة سينتهي دورها أسوة بمن سبقها.


77


وهنا لا بد من العمل على تغيير هذا الواقع المنحرف، هذا الواقع الذي صار من بعض إفرازاته انتشار دور الغناء والطرب في مكة والمدينة وانشغال الناس بالترف والأموال الطائلة والوجوه الحسان التي جاءت مع الفتوحات وغنائهما، خاصة بعد وفاة أو استشهاد كبار الصحابة المخلصين، ونشور جيل جديد من المسلمين لم يعيشوا أجواء الرسالة الأولى.

المسلمون كانوا ينظرون صوب مسلمين مكة والمدينة بل نحو المدينة بشكل أوضح، إذ فيها كبار المهاجرين والأنصار وأبناؤهم، وفيها كانت الخلافة أما أهل المدينة ومكة فكانوا ينظرون أيضاً نحو أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ماذا يفعلون؟ وكل هؤلاء وأولئك كانوا ينظرون إلى الإمام الحسين كيف يصنع؟ إن الشخصية الأبرز في المسلمين وهو بقية السيف والشعلة المتبقية من النبوة.

فإن رضي الحسين عليه السلام وبايع يزيداً، انهدم آخر حصن للمسلمين وضاع آخر معقل من معاقلكم وإن رفض الحسين وأطلق كلمة (لا) في ذلك الجو المخيف من جهة والمغري بالمال والمناصب من جهة أخرى، إن رفض الحسين، كمن الرجاء أن تنتبه الأمة وتعود إلى موقعها، وتنفض غبار الجاهلية الأموية عنها، وتوابعها بحق المخلصين والواعين تلك الخطة الجاهلية الأموية.

إذاً، لا بد من تغيير لا بد من موقف، ولن يكون هذا الموقف مؤثراً إلا إذا اتخذه الحسين، لأن لو فرضنا له أحداً آخر غير الحسين اتخذ مثل هذا الموقف فلن يكون بتأثير موقف الحسين ولا بعمقه ولا بأثره لما للحسين من موقع لا يضاهيه به أحد آخر في هذه الأمة.

لأن الحسين عليه السلام المغير، يريد أن يغير الانحراف ويواجه الضلال ويقف يوجه الردّة.

وهذا قاله الحسين عليه السلام بصراحة (... وأنا خير من غيّر) نعم أنت يا


78


ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من غير تلك الحقبة التي كانت تطبق على بقية دين جدك لولا رفضك وصرختك ثم دمائك.

ومن هنا، كما كان الحسين عليه السلام مدركاً لظروف عمله التغييري ومدرك أيضاً أنه لن يقف معه إلا القليل من هذه الأمة، لأن الداء استفحل وعليه أن ينهض بالقلة السليمة لعلها تعيد علاج الكثرة المبتلاة.

ولا بد من إحداث تغيير في الأمة وتحريك مواقفها، ولهذا كانت خطوته الأولى في رفض بيعة يزيد، والخطوة الثانية في هجرته من المدينة إلى مكة، والخطوة الثالثة في هذا العمل التغييري بلقائه بالحجاج والمعتمرين وتنبيههم وتوعيتهم على الخطر المحدق بهم، ثم الخطوة الرابعة في مراسلة رؤساء أهل البصرة، في خطوة لتوسيع دائرة التغيير، وحدثت الخطوة الخامسة المهمة والتي كانت مقدمة لخطوته الكبرى في وصوله إلى كربلاء ثم شهادته، كانت إرساله ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، التفت الناس من حوله وبايع له ثمانية عشر ألفاً، خطوات بالغة الأهمية في عملية التغيير، لأن هناك واقعاً، قد رفض الأمويين بصورة واضحة فالأمور هادئة في كل البلدان الإسلامية الأخرى، والبلدة الوحيدة التي تقاعدت واستجابت واستقبلت رسول الحسين عليه السلام هي الكوفة رغم النتيجة المؤلمة التي وصلها مسلم بن عقيل بالكوفة، وهي نتيجة تنتظر كل تحرك يبدو آنذاك في أي رقعة من بلاد المسلمين، فالأمويون في أوج قوتهم والناس في أوج خدرهم وتركهم مسؤولياتهم.

فالأمر المهم هنا أن تكون هناك منطقة رفض للنهج الأموي، حتى لو كانت نتيجتها قاسية ولكن لا بديل لكل هذه الخطوة.

والحسين عليه السلام كان يعلم أنه لن يلتحق به إلا المخلصون الواعون، ولن


79


يصدق معه إلا الذين امتحن الله قلوبهم بالتقوى والوعي، ومع ذلك فإنه لا بد من تشجيع خطوة الكوفة هذه رغم كل المخاطر والتضحيات، لأنها منطقة تحركت ورفضت، وهذا الرفض والتحرك سيوجد أرضية مهمة لنهضة الحسين والتحاق المخلصين به.

وعى مسلم رضي الله عنه مهمته وهو يعي موقفه ومسؤوليته، حيث سعى لأحداث أكبر قدر ممكن من التغيير والتجاوب مع أطروحة النهضة الحسينية، ولكن الأمويين تحركوا بسرعة عبر إرسال الطاغية المتفرعن عبد الله بن زياد الذي كان هو وأبوه سيئ الصيت بظلمهما ودمويتهما خاصة عند الكوفيين، ثم ما أحدثه من إخافة للقاعدة الجماهيرية الواسعة التي تحتضن القلة المخلصة، بات جيش الشام سيصل ويفعل ما يفعل، وبدأ العزف على وتر العلاقات الشخصية فأخذت الزوجة تتوسل بزوجها أن يترك مسلم بن عقيل رضي الله عنه، والأب أن يترك ولده مسلم، والأخ بأن يترك أخوه مسلماً.

إنها أحداث مؤلمة وقاسية ولكنها أيضاً مربية، فنحن الحمد لله قد استفدنا من تلك التجارب المؤلمة، فأمهاتنا هن اللواتي يدفعن أولادهن نحو الجهاد والمقاومة، والزوجة هي التي تحض زوجها على مواقف العز والفدا والأخ يفخر بأخيه المرابض في سبيل الله.

إنّ تأثير التغيير الحسيني تجاوز زمن إقامة مسلم بالكوفة ومكان انسلال الناس عنه وعن نصرته، ليصل هذا التأثير والدروس المستقاة منه إلينا وإلى مساحات واسعة من الأمة عبر الأجيال، إن الحسين ونهضته رافقت سفيره مسلم ومظلوميته امتدا عبر الزمن لأحداث تغيير تجاه كل مواقف الخذلان والهزيمة وترك المسؤولية الشرعية.

ولم يتفاجأ ابن عم الحسين وسفيره بما آل إليه أمر الناس، وخاصة بعد أن


80


تركه الناس ـ كما تذكر ذلك كتب المقاتل والسير ـ فأخذ يجول في أزقة الكوفة وشوارعها، حتى انتهت به المقادير إلى دار تلك المرأة الصالحة (طوعة) التي أوته وأحسنت إليه، فجزاها خيراً واعلمها بأنه سيمضي شهيداً، وأنه يوصيها بركب للسبايا سيدخل الكوفة بعد حين وفي ذلك الركب بنت له يتيمة اسمها (حميدة) إذ أوصاها بأن تبلغ سلامه إليها...

وبعد أن قاتل مسلم رضي الله عنه أعداء الله بشجاعة علوية وإصرار حسينيين ومبدأيته محمدية:

أقسمت لا أقتل إلا حرّا                            وإن رأيت الموت شيئاً نكراً

كل الذي يوماً ولات شراً                          رُدّ شعاع الشمس فاستقرا


فقتل مقتلة عظيمة من القوم، ثم أعياه التعب ونزف الدماء حتى تكاثروا وأدخل على الطاغية ابن زياد، لؤم الغلبة وسوء الطبيعة فواجهه مسلم بكل قوة وشجاعة ومبدأية ومسلم بهذا يستمر في أحداث عملية التغيير صراخ نفوس أولئك الذين أتوا مع الطاغية في قصره ثم أمر به أن يقتل فصعد القصر لا يرفع رجلاً ولا يضعها إلا بذكر الله ثم صلى ركعتين ثم وجّه وجهه نحو الحجاز وسلم على الحسين عليه السلام، ثم هوى سيف اللعين ابن حمران على عنقه فسقط رأسه للأرض ثم الحق به جسده الشريف ثم قتل هاني بن عروة رضي الله عنه بعده.

(نصاري): المقدّر جره وشاعت اخباره          رموه القوم من قصر الامارة

هاني انقتل بعده وبقت داره                      مظلمة ولا بعد واحد يصلها


81


مصيبتهم مصيبة تصدع الأجيال                   ومن قبل المشيب تشيب الأطفال

شفت ميّت يجرونه بالحبال                         يصاحب لا تظن صاير مثلها


وجاءت طوعة تسأل عن ضيفها وما حلّ به:

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري              إلى هاني في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشّم الضرب وجهه                   وآخر يرمى من طمار قتيل


وهي تتذكر وصية مسلم لها:

قلها يطوعة اليوم ما تحصل سلامة                أوصيك كان ابها لبلد دخلوا يتامه

قولي تره مسلم يبلغكم سلامه                      واجرك على الله والنبي سيد الوصيين


ونفذت طوعة هذه الأمانة الغالية عليها، حيث راحت تسأل عن طفلة مسلم (حميدة) في خربة وضع فيها ركب السبي بعد واقعة كربلاء فيما دخلوا الكوفة.

فلما دخلت ووقعت عيناها على بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انتحبت باكية: عظم الله لكن الأجر يا بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم سألت عن حميدة وعرفتهن أنها ممن أجار مسلماً فلما دخلت حميدة بادرت لسؤالها:

(نعي): عمه يطوعة احكيلي حاله                  لمن طاح ياهو التدناله


82


غسله وعن القاع شاله                               كنت ارتجي عمي ابداله

يفيّ عليّ وعلى اعياله                               أويلاه سهم الموت ناله


وغرقت طوعة بأحزانها ودموعها:

هذه زينب ومن قبل كانت                           بحر دارها تحطّ الرحال

نعم هذه زينب عليها السلام مسبية مع بنات المصطفى ورؤوس الأهل والأحبة على رؤوس الرماح.

قوضي يا خيام عليا نزار                            فلقد قوّض العمادُ الرفيع

واملئي العين يا أمية نوماً                           فحسين على الصعيد صريع

بأبي التي ورثت مصائب أمها                      فغدت تقابلها بصبر أبيها


83


هوامش

1- الرعد: 11.
2- آل عمران: 110.
3- آل عمران: 110.
4- الأعراف: 157.
5- بحار الأنوار، ج32، ص95.