مجلس الليلة الثالثة: الخروج من مكة إلى العراق - الموت حافز أم مانع؟

القصيدة

القريض

هي المعالمُ ابلتها يدُ الغِيَر                    وصارمُ الدهرِ لا ينفكُّ ذا أثرِ

يا سعدُ دعْ عنك دعوى الحبّ ناحيةً         وخلنّي وسؤال الأرسُمِ الدُثِرِ

أين الأُّلى كان اشراقُ الزمانِ بهم            اشراقُ ناصيةِ الآكامِ بالزَهَرِ

جار الزمان عليهم غير مكترثٍ              وايُّ حُرٍّ عليه الدهرُ لم يَجُرِ

وكم تلاعب بالأمجادِ حادثُهُ                  كما تلاعبت الصبيان بالأكري1

وإن يَنَل منك مقدارَّ فلا عجبٌ               هلِ ابنُ آدمَ إلاّ عُرضةُ الخطرِ

وكيف تأمن من جورِ الزمانِ يدٌ             خانت بآل عليٍّ خيرةِ الخِيَرِ

افدي القرومَ الأُلى سارت ركائبهم           والموت خَلفُهُم يمشي على الأثرِ

ساروا فلولا قضاءُ اللهِ يُمسكهُمْ             لم يتركوا لبني سفيان من أثرِ

(قد غادروا مكَّةً والدمع منهمرٌ            نحو العراق بعزمٍ رائع الصِوَرِ)٭


43


(فائزي): من شاف دين الله بخطر من آل أميّة         عزّم على ترك الحجيج ابن الزكيّة

من سمعوا بنيته اكصدوه الهاشمييّن                   قالوله ناوي بالسفر يحسين لاوين

عزنا يتهدم بعد عينك والمسلمين                       يذلون وبيوتك تظل وحشه وخليّة

محمد يقلّه يصعب اعليّ هالفراق                       من روحتك ذاب القلب بيّ الفضا ضاق

إن كان هذي سفرتك خويه للعراق                     إتركْ أخاف عليك غدر جيوش أُميّة

ناده يخويه هالسفر خارهُ الرحمان                     لا بد اروح لكربلا وانذبح عطشان

وتبكي عليّ أملاكها والأنس والجان                   وأميّ وأبوي المرتضى وسيد البريّة

(تخميس): سارت بهِ تطوي الفيافي بُدنهُما           يرمي سهولَ البيد فيه حَزنُها

قد غادر البطحاء يندبُ ركنُها                          وقد انجلى عن مكةٍ وهوَابنُها

(تخميس): وبه تشرفت الحطيمُ وزمزمُ               من مكةٍ خرجوا بخيرِ تحيّةٍ

وتجهُّزوا نحو السرُى بضحيّةٍ                        حتى إذا ركبوا بأحسنَ هيئةٍ


44


حفتّه خير جماعةٍ مضريّةٍ                            كالبدر حين تحفّ فيه الأنجمُ

(أبو ذيّة): اكتبوله اتنعش ألف كتاب بالسرّ        إمام وشيعتك تنخاك بالسرّ

آمر للفواطمْ تشد بالسر                              اركبنْ والعزم للغاضريّة


الموضوع


من خطبة للإمام الحسين عليه السلام:

"خُطَّ الموت على وليد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء"2.


مقطع من خطبة للإمام الحسين عليه السلام خطبها بمكة المكرمة حينما عزم على البدء بمسيرته الاستشهادية الخالدة باتجاه كربلاء. حيث كان الإمام عليه السلام يرمي إلى عدة أبعاد من خطبته هذه، منها: إن كل المؤشرات تدلّ على أن الأمر سينتهي بمواجهة لا بدّ منها مع الأمويين، لأنه عليه السلام يرفض البيعة ليزيد، والأمويون لا يتركون الحسين فإما البيعة أو القتل. ومنها: إن الحسين عليه السلام أراد أن يهيء نفوس أنصاره الذين التحقوا به في مكة وغالبيتهم من الكوفة مع بعض الأفراد من البصرة، وكذلك نفوس أهل بيته، لتبدأ عملية الأعداد ورفع حالة الاستعداد، والبدء بأولى مراحل الاختبار، الذي ينتهي بيوم عاشوراء الذي سطّر فيه هؤلاء الأشاوس ملحمة الطف الخالدة.

ومن أبعاد هذه الخطبة كذلك، أن الإمام الحسين عليه السلام كان يواجه


45


مخططاً أموياً ركّز على تخويف الأمة من الموت، حتى تشُّل عزيمتهم ويهربون من مواقع مسؤولياتهم الشرعية والتاريخية، فيخضعوا لحكم الطغاة والظلمة، ولا يقوون على تأييد المخلصين ونصر المجاهدين.

لقد كان التخويف من الموت سلاحاً من أمضى الأسلحة ـ ولا يزال ـ عند الأنظمة الظالمة وطواغيت الأرض.

فحينما يخطب الحسين عليه السلام أول خطبة عامة، لأنه عليه السلام لم يخطب بالمدينة المنورة ولم يواجه الأمة، فكانت خطبته عليه السلام هذه في مكة هي أول خطبه التي ستسجّل على طول الطريق من مكة إلى كربلاء، إضافة إلى خطبه يوم عاشوراء، والتي تحتاج ـ أي هذه الخطب ـ وما حوته من مفاهيم وأبعاد إلى دراسة خاصّة.

إذاً أن أول خطبة للحسين عليه السلام كانت خطبة تتضمن توجيهاً وتربيةً ومفاهيم على خلاف التوجهات ومناهج التربية ومفاهيم الأمويين في تخويف المسلمين من الموت ومواجهة الظلم والطغيان.

إن الإنسان يحب الحياة ويكره فراق الدنيا، وهو أمر يحسه كل إنسان، فهو متعلق بهذه الحياة، وقد أشار القرآن الكريم في آيات عدّة إلى هذه الظاهرة الإنسانية.

1-
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ3.

﴿يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ4.

﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ5.

كما أن القرآن الكريم أكّد أن مسألة الموت هي مسألة حتمية لا بد أن تنتهي حياتنا بها في هذه الدنيا شئنا أم أبينا..


46


﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ6.

﴿يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ7.

وكما مات الآخرون فإننا لا بد أن نموت:

رأيت المنايا قسمّت بين أنفسٍ                   ونفسي سيأتي بينهن نصيبها

فيا هادم اللذات ما منك مهرب                   تحاذر نفسي منك ما سيصيُبها


فلا خلود في هذه الدنيا، هل خلد الأنبياء والأئمة عليه السلام؟ أم هل بقي العلماء والصالحون، فضلاً عن غيرهم.

ولو أن أحداً كان جديراً بالخلود لكان ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الله تعالى خاطبه بقوله جلّ اسمه:
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ8.

ولهذا فقد رثى أمير المؤمنين عليه السلام أخاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأبيات:

الموت لا والداً يُبقي ولا ولدا                   هذا السيلُ إلى أنه لا ترى أحدا

للموت فينا سهامٌ غير طائشةٍ                   من فاته اليوم سهمٌ لم يفته غدا

هذا النبي ولم يخلَّد لامتّه                       لو خلّد الله خلقاً غيرهَ خَلُدا


وهذه مسألة واضحة لا خلاف فيها، لأن الكل يؤمن بأن هذه الحياة تنتهي بالموت، ولكن الأمر يكمن في موضوع النظرة للموت والاستعداد له، وإنه لا يعتبر آخر مرحلة في وجود الإنسان بل إن الموت ينقل هذا الإنسان من عالم إلى


47


آخر. فكما كان الإنسان في صلب أبيه ثم صار جنيناً في بطن أمّه، ثم تدرّج في هذه الحياة من الطفولة حتى توافيه منيتّهُ، فإذا جاء الموت نقله إلى عالم البرزخ ثم الانتقال إلى عالم الآخرة.

إذاً، الموت يمكن أن يوظّف توظيفاً تربوياً هادفاً، فحينما يذكر الإنسان المسلم الموت، فإن هذا الأمر يدفعه إلى مزيد من القيام بالأعمال الصالحة، وترك المنكرات والإعانة على الخير ونصر المظلوم، وقول كلمة الحق.. والتخلق بالأخلاق الحميدة، وما إلى ذلك من المواقف النبيلة المسؤولة.

لأن الإسلام علمنا أن ذكر الموت تعني مزيداً من العمل والاستعداد لما بعد الموت، لأن هناك اتجاهات متبانية في هذه القضية؛ فبعض الناس يرى أن الحياة لما كانت تنتهي بالموت، فلماذا نعمل ولماذا نكد ولماذا ننتج، فهم يقولون علينا أن نعتزل الحياة، ونترك المجتمع ونبقى في انتظار الموت، وهذا موقف رفضه الإسلام وشجبه، إذ لا رهبانية في الإسلام، بل أن الإنسان مخلوق مسؤول:
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ9.

في حين أن هناك اتجاهاً مغايراً لهذا التصوّر كلياً، فهم يقولون ما دامت الحياة تنتهي بالموت، إذن فلنسرع إلى الملذات والمتع والشهوات ونرتوي منها قبل أن يأتي الموت، فهم يدعون إلى مزيد من الانغماس في المجون والانحراف واللامسؤولية.

وكلا هذين الاتجاهين مجانب للصواب، ومخالف للحق.

أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه الذي يقول: إن الموت لمّا كان أمراً محتماً لا بدّ منه، فعلى الإنسان أن يستعد للقاء ربه بأفضل الأعمال أن يكون إنساناً مسؤولاً.

فلا الذين يترك الدنيا ويبقى ينتظر متى يأتيه الموت، يتخذ الموقف الصحيح،


48


ولا الثرى ينغمس في المحرمات قبل أن تخطفه يد المنيّة مصيب كذلك.

وإسلامنا هو الدين دعا الإنسان إلى أن يكون مراعياً لمفاهيمه التي تدعو ليكون إنساناً مسؤولاً عاملاً بالصالحات، لا يترك الدنيا ويهرب منها، كما لا ينغمس في الملذات بعيداً عن مسؤولياته.

بل إن الإسلام اعتبر أن بعض الأعمال تبقى من مصادر الحسنات للعامل بها حتى بعد وفاته، كقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث، علمٍ ينتفع به، ولدٍ صالح يدعو له، وصدقةٍ جارية"10.

فما بالك بمن يجد الموت طريقاً مضموناً إلى رضوان الله تعالى، حينما يجعل حياته ومواقفه في طاعة الله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وأفضل هؤلاء هم الشهداء الذين يرون في الموت في سبيل الله أقصر الطريق وأضمنها إلى رضوان الله تعالى ثم جنته.

وفي زمن الإمام الحسين عليه السلام وقف أصحاب الاتجاهين الأول والثاني ضد نهضته ولم يشاركوا في نصرته إن لم يكن قد أسهموا في مواجهته ومحاربته وقتاله بل وقتله عليه السلام مع أصحابه وأهل بيته.

فقد كان لمدعي الزهد آنذاك موقف سلبي مع الحسين ونهضته، ولسان حالهم ما قاله أحدهم من أنه سيغلق باب بيته عليه، فإذا بايع الناس يزيد أبايع هو أيضاً.

كما كان لأصحاب الشهوات والمنحرفين مواقف سلبية في التحشيد لحرب الحسين والخروج لقتاله، حتى اعتبروا الخروج لحربه عليه السلام مورداً من موارد كسب الغنائم حينما نهبوا رحل أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وسلبوا بناته عليه السلام.

وكان سلاح الأمويين لأصحاب هذين الاتجاهين الخاطئين، ومعهما عموم


49


الساكتين هو التخويف من الموت ومواجهة الظلم والطغيان.

فهنا لا بدّ من كسر هذا الحاجز، وإيقاظ الأمة وتوعيتها بل ودعوتها إلى أن تختار الموت طواعية إذا كان لا بد منه لمواجهة الانحراف.

ومن هنا ندرك السرّ في تأكيد الإمام الحسين عليه السلام وفي عدة مناسبات أن نهضته ستنتهي بالشهادة. ففي ذلك إعادة تربية الأمة على المفاهيم الإسلامية الحقّة، ومحاولات مستمرة لكي تنهض الأمة بمسؤولياتها، وسعي حثيث لإفشال المنهج الجاهلي في تخويف الناس من الموت، فيرضون أن يعيشوا أذلاء.


من تلك المناسبات:

1ـ هذه الخطبة بمكة في أولى خطوات الحركة باتجاه كربلاء.

2ـ لما خرج من مكة بعث كتاباً إلى من بقي بالمدينة من بني هاشم: "أما بعد فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح"11.

3ـ وفي عدة مواطن في المنازل باتجاه كربلاء ابتداءً من تصديقه عليه السلام لقول الفرزدق: إن القوم قلوبهم معكم وسيوفهم عليكم... إلى أن بلغ أطراف كربلاء ومقالته لابنه الأكبر أن هاتفاً يقول: إن القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم.

4ـ لما وصل عليه السلام إلى كربلاء جمع أهل بيته وأنصاره وخطبهم قائلاً: "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برّما"12 واستمرت تلك المواقف حتى ليلة عاشوراء.

وفي يوم عاشوراء كذلك، فقد ذكر الحسين عليه السلام الموت في أكثر من مرة آخرها أرجوزته التي نزل بها للميدان:

الموت أولى من ركوب العار                    والعار أولى من دخول النار


50


إذاً، كان الحسين عليه السلام هادفاً في كل تلك المواقف ليحبط جهود الأمويين الذين سعوا لتربية الأمة أن تخاف الموت فتترك مهماتها الرسالية ومسؤولياتها الشرعيّة.

ولعل سرعة الإجهاز على الحسين عليه السلام وأنصاره تُعطي أبعاد بعض الهلع الذي أصاب الجهاز الأموي الحاكم الذي اكتشف أن فئة قليلة من الأمة أفلتت من برنامجها التخديري المثبّط وجاءت تنصر الحسين بكربلاء.

نعم، قالها الحسين عليه السلام وهو يوجه خطابه لما عقد العزم على أن يمضي معه نحو أسطورة الشهادة الخالدة نحو كربلاء، وكذلك لمن كان حاضراً بمكة ممن لم يوفق لذلك.

ولم تكتفِ خطبة الحسين هذه بل كل خطبه عليه السلام ومواقفه بمخاطبة من كان يستمع إليها، بل تعدّت القرون، لتخاطب الأجيال ولتبني المواقف، وتنتج مؤمنين صادقين لا يهابون الموت، بل يسرعون إلى ملاقاتهم ليحيا دينهم، وتسعد أمتهم، ويهزم أعداؤهم ومن أولئك كان شبان المقاومة الإسلامية الأشاوس الذين وعوا هذا الدرس من الإمام الحسين عليه السلام. في أن لا يتحول الموت إلى مخيف للأمة بل يكون قنطرة يعبر منها المخلصون إلى جنان الله تعالى، وحسن ثناء التاريخ، وإيقاظ الأمة.

نعم قرر الحسين ترك مكة وكان وقع قرار الحسين بالخروج من مكة إلى العراق شديداً على محبيّه لا سيما من أهل بيته وبني هاشم، مثل عبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس ومحمد بن الحنفية أخ الإمام الحسين عليه السلام:

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها         وبه تشرّفت الحطيمُ وزمزمُ


51


لقد حاول ابن الحنفية أن يقنع أخاهُ الحسين عليه السلام بالبقاء بمكة المكرّمة، وألا يلحق بالأماكن النائية في الصحاري وشعب الجبال وأن ينتقل من بلد إلى آخر كما اقترح عليه أن يذهب إلى اليمن.

فلما رأى الحسين عليه السلام شدة حرص أخيه عليه أراد أن يهدئ روعه فقال له: "أنظر فيما قلت" كان ذلك في آخر ليلة للحسين بمكة وفي سحر تلك الليلة تهيأ الحسين وركبه لمغادرة البيت الحرام، فلما سمع ابن الحنفيّة جاء مسرعاً وأخذ بزمام دابّة أخيه الحسين وهو يقول: "يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك"؟

فقال الحسين عليه السلام: "بلى... ولكن أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما فارقتك، وقال لي: يا حسين اخرج، فإن الله شاء أن يراك قتيلاً".

فبكى ابن الحنفية ثم قال للحسين عليه السلام: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فما معنى حمل هؤلاء النساء والأطفال، وأنت على مثل هذا الحال؟ فأجابه عليه السلام: "شاء الله أن يراهن سبايا"13!! فغرق ابن الحنفية بدموعه.

أأخي أن الله شاء بأن يرى                            جسمي على حَرِّ الصعيد خضِبا

ويرى النساء على النياق حواسرا                    أسرى وزين العابدين غريبا

اكفف فقد خط القضاء بأنني                          أُمسي بساحةَ كربلاء سليبا

(فائزي): لاوين قاصد بالسفر ياابن الأماجيد        اقضّيه الجحد يا حبيبي وعيّد العيد


52


قلّه ودمع العين فوق الخدّ تبديد                      حجي وسعيّ في طفوف الغاضرية

حجي مهو بذي الحج حجيّ يوم عاشور             صدري الكعبة والحجر نحري المنحور

وحِجر النبي إسماعيل الأكبر بدر البدور           أما طوافي حول اخيام خليّه


ورجع ابن الحنفية إلى المدينة كسير الجناح القلب دامع العينين، حتى جرى ما جرى على الحسين وعياله من قتل وسبي ودخل بشر بن حذلم ينعاه في المدينة:

يا أهل يثرب لا مُقام لكم بها                       قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء                                والرأس منهُ على القناةِ يُدار


فضجّت المدينة بأهلها وكل يوماً شبيهاً بيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمع ابن الحنفية الضجّة وكثرة النحيب والبكاء، سأل عن ذلك فما أراد أهله إخباره بالخبر المؤلم خشية عليه لأنه كان مريضاً، فأخبروه بأن نعي مسلم بن عقيل قد وصل. فلما سأل عن أخيه الحسين، قيل له إنه خيّم بأطراف المدينة ينتظر قدومه عليه... فقال: لمَ لمْ يأتي إليّ وأنا مريض، لكن سعياً على الرأس لا سعياً على القدم...

فلما جيء له بفرس يركبها سقط من الثانية سقط من الثالثة وقع على وجهه فقال: ويحكم إن فيها مصائب آل يعقوب...

فلما بلغوا به أطراف المدينة ورأى كآبة المنظر أحس قلبه بالفاجعة فصرخ:


53


لقد فعلتها والله بنو أمية، واأخاه واحسيناه، ثم سقط مغشياً عليه فأسرع الناس إلى الإمام زين العابدين الذي جاء إلى عمه ورفع رأسه إلى حجره، فلما فتح ابن الحنفية عينيه، صرخ: ولدي علي أين أبوك الحسين؟ فقال الإمام: عظّم الله لك الأجر بأبي عبد الله!

اجيتك يا عمي يتيم                        ما من معي غير الحريم

والله بمصابي علي عليه السلام           وعباس راسه هشيم


هذا لقاء أول، ولقاء آخر كان لابن الحنفية مع أخته زينب عليها السلام التي غيرتها آلام المصائب ومحن السبا، وفراق الأخوة والأحبة، حتى سأل عنها بعد أن تغيرت ملامح وجهها...

(نعي): أنه زينب اليحكون عني                 سليت المصايب ما سلني

نزلنا على عيوني وعمني                        ومخدرتكم خويه مَنّي

(أبو ذيّة): قتلني الحزن يمحمد والخواي        الألم يسعر بدلاّلي والأخواي

اجيتك لا ولد عندي ولا اخوان                  عفتهم جثث بأرض الغاضرية

(تخميس): الا يا كرام الحي غبتم جمعيكم      وخلفتموا بالطف تنعى نساؤكم


54


ثواكلٌ بين القوم تدعو وراءكم                  أحباي لو غير الحِمام أصابكم

                       عتبت ولكن ما على الموت معتب

(التخلّص): قوطي يا خيام عَليا نِزارٍ            فلقد قوّض العمادُ الرفيعُ

واملئي العين يا أميةُ نوماً                       فحسين على الصعيد صريع


55


هوامش

٭ للشيخ كاظم الأزري رحمه الله، (عد البيت الأخير)، رياض المدح والرثاء، ص262.
1- جمع الأكره أي الكرة.
2- البحار، ج44، ص762.
3- الجمعة: 8.
4- النساء: 78.
5- البقرة: 94.
6- الجمعة: 8.
7- النساء: 78.
8- الزمر: 30.
9- الصافات:34.
10- شرح أصول الكافي، ج6، ص731.
11- كامل الزيارات، ص157.
12- ميزان الحكمة، ج2، ص2115.
13- بحار الأنوار، ج44، ص364.