المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الولاية لنبيه وآل نبيه صلوات الله عليهم، فجعلهم الشموس الطالعة، والأقمار المنيرة، والأنجم الزاهرة، وأعلام الدين وقواعد العلم، صالحاً بعد صالح، وصادقًا بعد صادق، وسبيلاً بعد سبيل.

والحمد لله الذي منّ علينا من بينهم بسفينة النجاة، ومصباح الهدى، الإمام الحسين بن علي عليهما السلام الذي أُمرنا بإحياء ذكره وإقامة أمره، تعظيماً لحقه.

وبعد

"إنّ من أعظم النعم الإلهية علينا هي مجالس العزاء التي تُقام إحياءاً لذكرى فاجعة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام. وهذه النعمة الإلهية تتطلب الاستثمار الكامل والبنّاء من قبل العلماء والجمهور معاً.

أمّا استثمار الجمهور لهذه النعمة، فيتمثَّل في إقامة مجالس العزاء وتوسيعها على أكبر نطاق ممكن، والمشاركة الفعّالة والجادّة فيها، وجعلها وسيلة لتعميق الارتباط القلبي والنفسي بينهم وبين الحسين عليه السلام وآل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واتّخاذها سبيلاً للوصل بينهم وبين روح الإسلام والقرآن.

وأما ما يرتبط بعلماء الدين، فإن القضية أكثر تعقيداً، فيجب على هذه المجالس أن تتميّز بثلاثة أمور:

الأمر الأول: هو تكريس محبة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم في القلوب؛ لأن الارتباط العاطفي ارتباط قيّم ووثيق، وعلى الخطباء أن يعملوا في هذه المجالس على تكريس مودة الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيت النبّوة عليهم السلام في قلوب المشاركين، وتوثيق ارتباطهم بمصادر المعرفة الإلهية أكثر فأكثر.

لأمر الثاني: الذي يجب أن تتميّز به المجالس الحسينية، هو إعطاء صورة واضحة عن أبطال قضية عاشوراء للناس وتبيانها لهم، وإن مجالس العزاء على الحسين بن علي عليه السلام، يجب أن لا تكون مجرد منبرٍ لخطابات غير هادفة، لأن هناك في هذه المجالس أناساً يتميّزون بالتفكّر والتعقّل والتأمّل في الأمور، وما أكثرهم في مجتمعنا من الشباب والشيوخ والنساء والرجال الذين يتساءلون مع أنفسهم:

لماذا جئنا إلى هذا المجلس وبكينا على الحسين عليه السلام؟

ما هو أصل القضية؟

لماذا يجب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام؟

لماذا جاء الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء وأوجد قضية عاشوراء؟

هذه الأسئلة يجب أن يجاب عنها في المجالس الحسينية، حتى تتعزّز معرفة المستمع بأصل قضية عاشوراء، وإذا لم تتطرّقوا في منابركم وخطبكم ونعيكم إلى هذا المعنى - ولو بالتنويه والإشارة -، فإنّ هذه المجالس ستفقد ركناً من الأركان الثلاثة المذكورة، ومن الممكن أن لا تتحصل الفائدة المتوخاة من المجلس، أو قد تؤدي - فَرضَاً - إلى الضرر لا سمح الله.

أمّا الأمر الثالث: الذي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في مجالس العزاء، فهو تكريس المعرفة الدينية والإيمان الديني. إذ أنه لابدّ من التحدّث عن تعاليم الدين في هذه المجالس، بشكل يعزّز إيمان المستمع ومعرفته بالله سبحانه، ولابّد من الموعظة والتطرّق إلى حديث شريف صحيح السند، أو رواية تاريخية لاستخلاص العبر منها، أو تفسير آية شريفة من القرآن الكريم، أو نقل موضوع مما تطرق له كبار العلماء والمفكرين الإسلاميين. يجب أن لا يكون الأمر بأن يرتقي خطيب المنبر ويتحدث بدون رؤية وبكلام غير هادف، أو يتطرّق في النعي إلى مواضيع هشّة من حيث الفحوى، ليس فقط لا تؤدي إلى تعزيز الإيمان وتقويته، وإنما تؤدي إلى إضعافه. وإذا حدث مثل هذا الأمر، فإننا سوف لن نبلغ الفوائد والأهداف المتوخاة من هذه المجالس.

هذه هي الأمور الثلاثة التي يجب أن تتميّز بها مجالس العزاء:

1. تكريس المودة للحسين بن علي عليه السلام ولأهل بيت النبوة عليهم السلام،

2. وتعزيز العلاقة والارتباط العاطفي بهم، وإعطاء المستمع صورة واضحة عن واقعة عاشوراء،

3. وتكريس المعرفة الدينية ووشائج الإيمان بالله سبحانه وتعالى لدى المستمع. وإنه يكفي لو تحقق الحدّ الأدنى من ذلك"1.

أيها الخطباء و خدّام المنبر الحسيني

يزداد ارتباط الأمة يوماً بعد يوم بذكرى شهادة المولى أبي عبد الله عليه السلام ويدل على ذلك بوضوح المشاركة الجماهيرية الواسعة في المجالس الحسينية والمسيرات العاشورائية التي تقام عاماً بعد عام.

ويقوم خطيب المنبر الحسيني بالدور الأكثر بروزاً وأهمية في استقطاب الأمة وشدّ الجماهير، في موقع يغبطه عليه العلماء والمفكرون والدعاة.

ومن هنا، تبرز أهمية أن يتحلى هذا الخطيب الحسيني بالمواصفات والمؤهلات، التي تجعل منه خطيباً يمتلك لياقة النجاح والتأثير. وهذه المؤهلات تكون في امتلاكه لمهارات فنية تتعلق بفنون الخطابة وحسن الصوت وطيب السمعة، هذا كله من جهة. ومن جهة أخرى، على الخطيب الاهتمام بالمادة العلمية التي يلقيها على أسماع المشاركين في المجالس العاشورائية.

والأمر الثاني يأخذ بعداً خاصة من الأهمية والخطورة التي تلزم الخطيب الحسيني بمزيد من الدقة والحذر والتنبه لما يعرضه على مسامع جمهوره.

وعندما يتعلق الأمر بعرض سير الشهداء العظام في كربلاء، تبدأ محنة الخطيب. ففي نفس الوقت الذي يكون مطلوباً منه الحديث عن هذه الشخصيات العظيمة يوم كربلاء، فانه لا يمتلك هو ولا غيره النصوص والأحداث الكافية التي تغني المجلس وتسد الحاجة.

ويزداد الأمر تعقيداً، عندما يحصر موضوع المجلس بالجانب التاريخي ويترك لخطيب آخر الحديث في القضايا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية.

وإذا بالخطيب الحسيني يلجأ مضطراً - ومن أجل إغناء موضوع مجلسه - إلى روايات ضعيفة وأخبار غريبة، بل وربما الرؤى والمنامات وأمور أخرى.

وهنا تأتي أهمية العمل على وضع مصدرٍ لخطباء المنبر الحسيني، يسهّل عليهم عملية التحضير والتثبت من المعلومات التي يلقونها على مسامع الجمهور؛ وهذا ما حاولنا القيام به في كتاب (المجالس الحسينية) في إصداره الثاني لهذا العام، والذي يعتبر خطوة صغيرة أخرى على طريق ممتدة، ترسم معالمها الأفكار و النصائح و التوجيهات التي تقدمونها و يقدمها أهل الخبرة في هذا المجال، فما لا يدرك كله لا يترك جله بأي حال.

يبقى أخيراً الإشارة إلى أنه جرى تحديد مجموعة عناوين في كل مجلس هي:

٭ قصيدة خاصة للمجلس، تتناسب مع الليلة والموضوع المبحوث فيه.

٭ موضوع خاص لكل مجلس، يحسن تناوله وإلقاؤه على مسامع الجمهور.

٭ التخلص والربط بين كل بحث من الأبحاث ومصيبة الليلة.

ختاماً، نسأل الله حسن القبول، وأن يرزقنا شفاعة الحسين عليه السلام يوم الورود، وأن يثبّت لنا قدم صدق مع الحسين وأصحاب الحسين عليه السلام الذين بذلوا مهجهم دونه.

والله من وراء القصد

معهد سيد الشهداء عليه السلام

هوامش
1- من كلمة للقائد الخامنئي حفظه الله بمناسبة حلول ذكرى عاشوراء / 29 ذي الحجة 1414هـ.