المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الّذي منّ علينا بالأئمّة الهداة, وجعلهم في حلك الظلمات سفينة النجاة, وجعل في السفينة مصباح الهدى, ومناراً على طول المدى, والصلاة والسلام على النبيّ وآله الميامين الطاهرين.

وبعد..
فإنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين اسم الحسين عليه السلام وذرف الدموع ونزول العبرات, فهو"قتيل العبرة"1 أو "العبرات"2, كما جاء في الروايات والزيارات, ورُوي عنه عليه السلام قوله: "أنا قتيل العبرة, لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر"3. ويعود ذلك إلى أسباب عديدة, منه:  طبيعة الجريمة, وعِظَمُ المصاب, وفظاعة الخطب, الذي قُتل به الحسين عليه السلام, حتّى صار:  "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"4, فقد اجتمعت عليه, صلوات الله عليه, المصائب المتعدّدة المختلفة والتي لم يجتمع مثلها في يوم واحد على قلب واحد غيره, فقد قُتل أصحابه وأهل بيته عليهم السلام, وأولاده وأولاد أخيه وإخوته وأبناء عمومته, وذُبح أطفالهم وأوتمت الأولاد وأُرملت النساء, وحوصر ومنع من الماء, والطعام, حتّى قُتل ومن معه جائعاً عطشان, واستخدموا في قتله السهام والنبال والرماح, والحديد والنّار والخيّالة والفرسان, واعتدوا عليه حيّاً وميت, إلى غيرها من المصائب... هذا كلّه وهو في غربة عن وطنه وداره وعشيرته وأقاربه...

ومنه:  بكاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام, الذين أسّسوا لهذا البكاء, وربطوا بين الحسين عليه السلام , وبين البكاء عليه, فبكاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وأمير المؤمنين عليه السلام, وأمّه الزهراء عليها السلام, وأخوه الحسن عليه السلام, قبل شهادته... وبكاه ولده زين العابدين بقيّة حياته, وما وُضع طعام ولا شراب إلّا ويمزجهما بدموع عينيه, وكذلك ولده الباقر عليه السلام كان يبكيه ويستنشد الشعراء ليرثوه, وهكذا كان الصادق عليه السلام, لا يُذكَر عنده الحسين عليه السلام, في يوم فيُرى في ذلك اليوم مبتسماً إلى الليل, وعلى هذا جرى ديدن أئمّتنا عليهم السلام, وصولاً إلى إمام زمانن عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يُروى عنه في زيارة الناحية المقدّسة: "لأندبنّك صباحاً ومساءً, ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً.."5, واستمرّ على هذا المنوال حال شيعتهم ومحبّيهم, الذين يحزنون لحزنهم ويفرحون لفرحهم, إلى زماننا هذ, فصار عليه السلام - بحقّ- قرين الدمعة الساكبة وصاحب المصيبة الراتبة...

وإنّ لشهر محرّم الحرام الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام , أهميّة خاصّة, حيث تُحيَى فيه مجالس العزاء في كلّ أرجاء المعمورة, ويقوم الخطباء والقرّاء باعتلاء المنبر الحسينيّ ويستدرّون دموع المحبّين ويستذكرون دروس كربلاء وعبره, وسيرتها ومصائبه, وذلك في أجواء استثنائيّة من اندفاع الموالين والعاشقين لأبي عبد الله الحسين عليه السلام, بما يشكّل فرصة للإفادة والاستفادة لا تتوفّر في غيرها من المناسبات الأخرى.. كلّ هذا يلقي بالمسؤوليّة على الخطباء والقرّاء أن يعطوا هذه المناسبة حقّها على صعيد الموضوعات التي يتناولونها أو المجالس التي يقدّمونها.

ومن هن, قمنا في معهد سيّد الشهداء عليه السلام, للمنبر الحسينيّ - وكعادته في كلّ عام - بإعداد هذا الكتاب "مجالس السيرة الحسينيّة":  ليكون عوناً للإخوة القرّاء في مجالسهم, ويستفيدوا منه في قراءتهم.

وقد تميّز هذا الإصدار ب:
إعداد المجالس الحسينيّة مقتصرين فيها على القصيدة والنعي, بدون ذكر الموعظة أو المحاضرة, اعتماداً منّا على خبرة القرّاء الكرام في انتقاء الموضوع المناسب للمجلس.
اختيار الأبيات الشعبيّة- العراقيّة- المألوفة والمسموعة, ذات العبارات الواضحة عموماً.

اختيار قصائد جديدة غير مستهلكة في الغالب, لتُضاف إلى جعبة القرّاء الأعزّاء.

ختام, يرحِّب المعهد بكلّ ملاحظة أو إشارة أو نصيحة بنّاءة تقدّم على هذا الطريق, ونسأل الله تعالى أن يتقبّل عملنا ويحشرنا مع الحسين عليه السلام وأصحابه, وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم, إنّه قريب مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ

هوامش

1- كامل الزيارات, ص 214.
2- إقبال الأعمال, ج 2 ص 342.
3- كامل الزيارات, ص 215.
4- أمالي الصدوق, ص 178.
5- المزار, ص 501.