الليلة الثامنة: مجلس شهادة عليّ الأكبر عليه السلام

يَا صَاحِبَ العَصْرِ الفُؤَادُ تَفَطَّرَا

لِابْنِ الحُسَيْنِ وَوَابِلُ الدَّمْعِ جَرَى
فَهْوَ الشَّبِيهُ بِأَحْمَدٍ خَلْقاً وَفِي خُلُقٍ كَرِيْمٍ مَنْطِقاً وَتَفَكُّرَا
قَدْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَجُودُ بِنَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ السِّبْطِ سَادَاتِ الوَرَى
فَبَكَى الحُسَيْنُ تَأَلمُّاَ لِوَدَاعِهِ وَالدَّمْعُ فَوْقَ خُدُودِهِ حُزْناً سَرَى

نَادَى إِلَهِي ذَا شَبِيهُ مُحَمَّدٍ

يَبْغِي القِتَالَ لِمَنْ بَغَى وَتَجَبَّرَا

وَمَضَى عَلِيٌّ لِلْجِهَادِ مُسَارِعَاً

خَيْرَ المَلَاحِمِ فِي الشَّجَاعَةِ سَطَّرَا

لَكِنْ شَكَا ظَمَأَ الفُؤَادِ لِوَالِدٍ

قَدْ قَضَّ أَحْشَاهُ الظَّمَاءُ وَأَثَّرَا

فَأَجَابَهُ عُدْ يَا بُنَيَّ إِلَى الوَغَى

يَسْقِيكَ جَدُّكَ مِنْ يَدَيْهِ كَوْثَرَا
فَغَدَا يَكِرُّ عَلَى العَدُوِّ مُصَابِرَاً وَإِذَا بِهِ يَرْمِيهِ رُمْحاً غَادِرَا
وَأَحَاطَتْ الأَعْدَاءُ فِيهِ بِأَسْرِهَا قَدْ قَطَّعَتْهُ سُيُوفُهُمْ فَوْقَ الثَّرَى

نَادَى أَبَاهُ قَدْ سَقَانِي المُصْطَفَى

مِنْ كَأْسِهِ الأَوْفَى شَرَاباً طَاهِرَا
فَأَجَابَهُ السِّبْطُ الشَّهِيدُ مُلَبِّياً وَرَآهُ جِسْمَاً بِالسُّيُوفِ مُشَطَّرَا
نَادَى عَلَى الدُّنْيَا العَفَا يَا مُهْجَتِي فَقَدِ اسْتَرَحْتَ مِنْ الهُمُومِ مُبَكِّرَا

85


شعبي:

امك يا علي يبني       تريد اتطالبك برباك

تخليها غريبه اشلون       يبني ابين هاي اعداك

انته اتكفلت بيها       اوجبتها امن المدينة اوياك

ليش اتعوفها ابها الحال       غريبه ابين جمع انذال

الك برض الطفوف اعيال       غيرك من عقب عينـك

يا هو البعـد يحماهـــا       يبني عمتك زينب

من عدها القلب فرفر       تعنت ليك للحومة

يبويه تنهض او تعثر       تصيح ابصوتها يحسين

دليني ابعلي الأكبر       إنهض يا علي ليها


86


يبني او أمن اعليها        واعلى الضيم سليه

تراهي واقفة اوتنخـاك       ما تنهـض النخواهـــا

أبوذية:

بفضلنه احنه على الوادم علينه       يزينب والدهر صوب علينه

هذا النعش بي جابو علينه       شبيه المصطفى سيد البريه


87


قال الإمام الحسين عليه السلام لمّا برز ابنه عليّ الأكبر: اللهمّ اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم أشبه النّاس برسولك محمّد خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه.

مولده: 11شعبان 33 هـ في المدينة, عمره 27 سنة.

أمه: ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ, وأبوها من صحابة الرسول صلى الله عليه واله وسلم وجدّها هو أحد العظيمين في الآية: "لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم», وقد أسلم السنة التاسعة للهجرة وعاد إلى قومه ثقيف يدعوهم إلى الإسلام فرموه بالنبل وقتلوه, فقال عنه النبيّ صلى الله عليه واله وسلم : ليس مثله في قومه إلّا كمثل صاحب ياسين في قومه.

زوجته: أمّ ولد.

كنيته: أبو الحسن كما يفهم من الزيارة (صلّى الله عليك يا أبا الحسن).

أولاده: غير معروفين, يفهم من الزيارة أن له ذريّة: (صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك).

اللافت أنّ الإمام الحسين عليه السلام ضحّى بكلّ أولاده في سبيل الله تعالى ولا نظير لهكذا قائد يقدّم كلّ أولاده من أجل عقيدته وقضيّته المقدّسة حتّى الإمام زين العابدين عليه السلام كاد أن


888


يستشهد لولا أن منعه الإمام الحسين عليه السلام لعلّته ومرضه, كما اقتضت الحكمة الإلهيّة ولئلَّا تخلو الأرض من حجّة لله ولتكتمل به وبالأئمّة الثمانية من صلبه سلسلة أنوار أهل البيت عليه السلام .

ميزاته وصفاته:

شبهه بالرسول في منطقه, أي فكره وبيانه.

خفق الإمام الحسين عليه السلام في طريقه إلى كربلاء برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول:

"إنّا لله وإنّا إليه راجعون, والحمد لله ربّ العالمين"فقال له ابنه عليّ بن الحسين الأكبر: يا أبه ممّ حمدت الله واسترجعت؟

قال الحسين عليه السلام : يا بنيّ, خفقت برأسي خفقة, فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول:

"القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم» فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا.

قال عليّ الأكبر: يا أبت - لا أراك الله سوءاً - ألسنا على الحقّ؟

قال الحسين عليه السلام : بلى والذي إليه مرجع العباد.

فقال: يا أبت إذن لا نبالي أن نموت محقّين.


89


فقال له الحسين عليه السلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده.

شبهه به في خلقه: ويظهر ذلك جليّاً لمّا تقدّم مستأذناً للقتال من أبيه الحسين عليه السلام فنظر إليه الحسين عليه السلام نظر آيس منه وأرخى عينيه بالدموع ورفع شيبته الكريمة إلى السماء وقال:

اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمّد صلى الله عليه واله وسلم خلقاً وخُلقاً ومنطقاً, وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه. ثمّ صاح في عمر بن سعد قائلاً: ما لك قطع الله رحمك ولا بارك لك في أمرك وسلّط عليك من يذبحك على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

ثمّ ودّع عليّ الأكبر أباه وأمّه وعمّاته وأخواته فأحطن به وتعلّقن بأطرافه وقلن له: يا عليّ ارحم غربتنا فلا طاقة لنا على فراقك، فلم يعبأ بهن وتقدّم إلى الميدان وحمل على الأعداء وهو يرتجز ويقول:

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِي       نَحْنُ وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِي

تَاللهِ لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي       أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَنِي

أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي       ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٍّ عَلَوِي


90


قال الراوي: ووقف الحسين عليه السلام بباب خيمة القيادة يلاحقه بنظراته والنساء داخل الخيمة تنظر إلى وجه الحسين عليه السلام وتستعلم منه أحوال المعركة فكان وجهه متلألئاً بالنور وبادياً عليه السرور, لكن فجأة تغيّر لون وجه الحسين عليه السلام وبدت عليه الدهشة والقلق, يقال: أن ليلى أمّ عليّ الأكبر رأته وقالت: سيّدي أبا عبد الله هل أصاب ولدي عليّاً شيء؟ فقال لها: لا يا ليلى ولكن برز له من يخشى عليه منه, فادعي لولدك فإنّي سمعت جدّي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: إنّ دعاء الوالدة بحقّ ولدها مستجاب. فذهبت ليلى إلى خيمتها ورفعت يديها بالدعاء وقالت: يا راد يوسف على يعقوب ردّ عليَّ ولدي:

طبت الخيمتها الغريبـه       تبكي وعلى ابنيها مريبــه

وتوسـلت لله بحبيبــه       بالحسين واشما بيه مصيبه

يا راد يوسف من مغيبه       ليعقوب وســكن نحيبـه

إلهي ..أريدك علي سالم تجيبه

فاستجاب الله دعاءها وتغلّب الأكبر على خصمه وعاد إلى أبيه


91


وأمّه ولكن بأيّ حالة، عاد ينادي: أبه العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء؟

وماذا عند الحسين عليه السلام ليجيبه غير الدموع قالوا: فبكى الحسين عليه السلام وقال: واغوثاه يا بنيّ، من أين آتي لك بالماء، قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً. وقبل أن يعود الأكبر إلى الميدان مرّ على خيمة أمّه فوجدها مغمى عليها فجلس عند رأسها ووضعه في حجره وبكى رأفة بها فتساقطت دموعه على وجهها فأفاقت قائلة: من هذا؟ ولدي عليّ؟!، قال: بلى يا أمّاه فداك ولدك، فقالت: مرحباً بك يا نور عيني ويا ثمرة فؤادي:

قلي بيا سبب يبني وداعي       تصدعني ولا تسمع وداعي

أنا ما طالب بحقي وداعي       قلي اوداعة الله وهاي هيه

ثمّ رجع إلى الميدان وجعل يقاتل أشدّ القتال حتّى أكثر القتلى فيهم وقد ضجّ العسكر من كثرة الخسائر التي مني بها, فقال الخبيث مرّة بن منقذ العبديّ: عليَّ آثام العرب إن لم أثكل به أباه, وأسرع إلى شبيه الرسول صلى الله عليه واله وسلم وطعنه بالرمح في ظهره ثمّ

92


ثمّ ضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته فاعتنق عليّ فرسه ظنّاً منه أنّه يرجعه إلى أبيه الحسين عليه السلام إلّا أنّ دماء الأكبر سالت على عيني الجواد فلم يبصر طريقه وسار به إلى الأعداء فأحاطوا به من كلّ جانب وراحوا يقطّعونه بسيوفهم إرْباً إرْباً.

هذا يقطع ابسيفه وريده       او هذا بالخناجر فصل ايده

وهذا يعظ رمحه العنيده       ابخاصرته وهو يعالج ويفغر

فنادى برفيع صوته: عليك منّي السلام يا أبتاه، هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول: لك العجل العجل فإنّ لك كأساً مذخورة.

لمّا سمعه الحسين عليه السلام تنفّس الصعداء وصاح: وا ولداه فسمعته النساء وصرخن بالبكاء، فسكتهنّ الحسين عليه السلام وقال: إنّ البكاء أمامكن وأسرع إلى مصرع ولده وهو ينادي: ولدي عليّ، ولدي عليّ فلم يسمع جوابه حتّى وصل إليه وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدّه وهو يقول: قتل الله قوماً قتلوك يا بنيّ, ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، على الدنيا بعدك العفا.


93


بويه علي بطل ونينك آه       ادري الاعـادي باهضينـك

حال القدر بيني وبينك آه       انا ما ريد عمري عقب عينك

قيل وفتح عليّ الأكبر عينيه في وجه أبيه فتبسّم ثمّ بكى فسأله الحسين عليه السلام عن ذلك فقال: أمّا تبسّمي فلأنّي رأيت جدّي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبيده الكأس الذي وعدتني به وأمّا بكائي فلأنّي رأيت جدّتي الزهراء عليه السلام تنظر إلى جراحاتي تارة وإلى وجهك تارة أخرى وتلطم على رأسها وتبكي:

سقاني جدي ابكاسه يبويه وهالحضر يمي       والزهـره وعلـي الكرار وياه الحسـن عمـي

يبويه اوبكوا عد راسي او تحنوا كلهم بدمي       او كاسك من تجي مذخور يحسين او بذل جهده

عظّم الله أجوركم وفاضت روح عليّ الأكبر فقال الحسين عليه السلام : أمّا أنت يا بنيّ فقد استرحت من الدنيا وضيمها وقد صرت إلى روح وريحان وبقي أبوك وما أسرع لحوقه بك.

ثمّ نادى الحسين عليه السلام فتيان بني هاشم ليحملوا جثمان عليّ الأكبر فجاؤوا ببساط وحملوا عليه أشلاءه الممزّقة وجاؤوا به إلى


94


إلى المخيّم فخرجت العقيلة زينب مبادرة إليه وهي تنادي: يا حبيباه يا ثمرة فؤاداه، واولداه وامهجة قلباه، فجاءت وانكبّت عليه فبكى الحسين عليه السلام رحمة لبكائها وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون وقام وأخذ بيدها وردّها إلى الخيمة.

هوى فوقه وصفق راحن عليه راح       شافه والنبل شابك عليه راح

صاح ابصوت يا زينب علـي راح       يبويه اظلمت الدنيـا عليــه

يَا كَوْكَباً مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ       وَكَذَا تَكُونُ كَوَاكِبُ الأَسْحَارِ


95