الليلة الرابعة: مجلس الحر الرياحيّ

يَا صَاحِبَ العَصْرِ الطُّفُوفُ تَشَرَّفَتْ

لَمَّا بِهَا نَزَلَ الحُسَيْنُ وَنَوَّرَتْ

لَكُمُ العَزَا فَبِكَرْبَلا نَزَلَ البَلَا

حَيْثُ الشَّهَادَةُ بِالدِّمَاءِ تَصَوَّرَتْ

فَبِهَا مَصَارِعُ عِتْرَةٍ عَلَوِيَّةٍ

مِنْ آلِ أَحْمَدَ بِالكَرَامَةِ قُدِّرَتْ

وَبِهَا مَصَارِعُ خَيْرِ أَصْحَابٍ وَفَوْا

لِإِمَامِهِم بِعُهُودِهِمْ مُذْ أُعْطِيَتْ

صَدَقُوْا وَجَادُوْا بِالنُّفُوسِ رَخِيصَةً

دُونَ الحُسَيْنِ وَأَهْلِهِ مَهْمَا غَلَتْ

حَتَّى هَوَوْا فَوْقَ الصَّعِيدِ وَضُرِّجُوا

بِدِمَائِهِمْ وَجُسُومُهُمْ قَدْ قُطِّعَتْ

َمْ جَاهَدُوا أَعْدَاءَهُمْ بِبَسَالَةٍ

كوَبُطُولَةٍ خَيْرَ المَلَاحِمِ سَطَّرَتْ

كَالحُرِّ إِذْ لَبَّى النَّدَاءَ بِتَوبَة

غَسَلَتْ ذُنُوبَاً بِالدِّمَاءِ تَطَهَّرَتْ

قَدْ كَانَ حُرَّاً فِي الحَيَاةِ عَزِيزَهَا

وَلَهُ السَّعَادَةُ فِي الجِنَانِ تَخَلَّدَتْ

وَكَذَا زُهَيْرٌ ذَلِكَ البَطَلُ الَّذِي

لَمَّا دَعَاهُ السِّبْطُ فَرْحَتُهُ بَدَتْ

َأَجَابَ دَعْوَتَهُ وَفَازَ بِنَصْرِهِ

حَتَّى فَدَاهُ بِنَفْسِهِ حِيْنَ اهْتَدَتْ

وَسَعِيدٌ المِغْوَارُ يَقْضِي نَحْبَهُ

مُتَلَقِّيَاً عَنْهُ السِّهَامَ كَمَا أَتَتْ

مُتَسَائِلاً أَوَفَيْتُ يَا بْنَ مُحَمَّدٍ

َيُجِيبُهُ هَذِي الجِنَانُ تَفَتَّحَتْ

أَبْوَابُهُا وَتَوَاصَلَتْ أَنْهَارُهَا

أَنْتُمْ أَمَامِي وَالمَنِيَّةُ قَدْ دَنَتْ


43


شعبي:

زينب إجت يم احسين       تمشي او تعثر

قله اتحارب العدوان      نيتك لو تسالمه

قالتله ينور العين      وانصارك يخويه اشلون

هم اعرفت نيتهم       لو صار الزحف بالكون

اخاف ابساعة الشدة      يا مظلوم بيك اتخون

وانته اعلم يبو السجاد     وهم عدهم حرم واولاد

ما ترضى تيتمـهــــا      وخافن من تشوف المـوت

مر الموت ما ينراد   قاللها اخطبت بيهم بس حطيت بضعوني

والهم رخصت يختي      اوما رضيوا يعوفوني


44


لجلي عافوا الدنيا        او نيتهم يواسوني

وانصاري ينور العين   اهل دين اوّفا اوطيبين

دوني او دون هذا الدين     تـود اعداي الـف مــرة

تحـييها او تخذمـهـــا

أبوذية:

بالطف من لهيب الحرب والحـر     سال اوذاب دم العبد والحـر

سعيد او زهير الليث والحــر      هووا مثل النجوم اعله الوطيه


45


لمّا وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء وقف جواده ولم يتحرّك فسأل الحسين عليه السلام عن الأرض. قال له زهير: سر راشداً ولا تسأل عن شيء حتّى يأذن الله بالفرج, إنّ هذه الأرض تسمّى الطفّ فقال عليه السلام : فهل لها اسم غيره؟ قال: تسمى كربلاء فدمعت عيناه وقال: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء, ههنا مناخ ركابنا ومحطّ رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا وهنا محلّ قبورنا بهذا حدّثني جدّي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

ان كان هذي كربلا بشروا     بلايا نزلوا ترى لاحت علامات المنايا

لازم بجانب هالنهر نقضي ظمايا  واجسادنا تبقى على الغبرا سليبه

كم شاب ما يهنى بشبابه يظل معفور    وكلنا بثراها نظل عرايا مالنا قبور

هذي مصـارعنا ووعدنا يوم عاشور    اوطير المنون اسمع على راسي نعيبه

ثمّ جمع ولده وإخوته وأهل بيته ونظر إليهم وبكى وقال: اللهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلى الله عليه واله وسلم وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا وتعدّت بنو أميّة علينا. اللهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين.


46


الحرّ هو الذي أوصل الحسين عليه السلام إلى كربلاء وكان ذلك في الثاني من محرّم, لكنّه لم يكن يتوقّع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه إذ توافدت الجيوش إلى كربلاء تترى حتّى اكتملوا يوم العاشر من محرّم ثلاثين ألفاً فسأل عمر بن سعد: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله, قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي..

فتركه ووقف موقفاً من الناس ثمّ أخذ يدنو من الحسين عليه السلام قليلاً, فقال له المهاجر بن أوس: أتريد أن تحمل فسكت وأخذته الرعدة فقال له متعجّباً: لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أراه منك؟ فقال الحرّ: إنّي أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار, والله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وأحرقت, ثمّ ضرب جواده نحو الحسين عليه السلام منكّساً رمحه قالباً ترسه مطأطئاً رأسه حياءً من آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم رافعاً صوته: اللهمّ إليك أنيب فتب عليَّ فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك، ووجّه الحرّ نداءه إلى الحسين عليه السلام : جعلت فداك يا بن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا أبا عبد الله إنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي مواسياً لك في نفسي حتّى أقتل بين يديك فهل ترى لي من توبة، فقال الحسين عليه السلام : نعم يتوب الله عليك فانزل،


47


قال الحرّ: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري, فقال له الحسين عليه السلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك، فتقدّم وخطب في القوم وأنّبهم على خذلانهم للحسين عليه السلام وممّا قاله: «دعوتموه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كلّ جانب فمنعتموه التوجّه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن وأهل بيته وأصبح كالأسير في أيديكم... وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات... وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلّفتم محمّداً في ذرّيته...» فحمل عليه رجال يرمونه بالنبال فرجع حتّى وقف أمام الحسين عليه السلام وبعد الحملة الجماعيّة واستشهاد عدد من أصحاب الحسين عليه السلام ، حمل على أصحاب عمر بن سعد وهو يرتجز ويقول:

إِنِّي أَنَا الحُرُّ وَمَأْوَى الضَّيْـفِ      أَضْرِبُ فِي أَعْنَاقِكُمْ بِالسَّيْفِ

عَنْ خَيْرِ مَنْ حَلَّ بِأَرْضِ الخَيْفِ       أَضْرِبُكُمْ وَلَا أَرَى مِنْ حَيْفِ

وكان معه زهير بن القين يحمي ظهره فكلّما شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر واستنقذه، ولا زال يقاتلهم حتّى عقر فرسه فوثب عنه وأخذ يقاتلهم راجلاً حتّى قتل نيفاً وأربعين رجلاً فلمّا رأوا ذلك منه شدّت عليه الرجالة وصرعته, فحمله أصحاب الحسين عليه السلام ووضعوه أمام الفسطاط, فأتاه الحسين


48


وكان به رمق ودمه يشخب فجعل يمسح الدم والتراب عن جبينه وهو يقول: أنت الحرّ كما سمّتك أمّك وأنت الحرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة.

ثمّ قال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله: تقدّما أمامي حتّى أصلّي الظهر فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه ووقف سعيد أمام أبي عبد الله فكلّما جاءت السهام نحوه يميناً وشمالاً قام بين يديه فما زال يتلقّى النبل بنحره وصدره حتّى أثخن بالجراح وسقط إلى الأرض وهو يقول: اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود, اللهمّ أبلغ نبيّك عنّي السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح, فإنّي أردت بذلك ثوابك في نصرة ذريّة نبيّك محمّد صلى الله عليه واله وسلم ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام قائلاً: أوفيت يا بن رسول الله؟ قال الحسين عليه السلام : نعم, أنت أمامي في الجنّة, ثمّ قضى نحبه فوجد فيه ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

أمّا زهير فوضع يده على منكب الحسين عليه السلام وقال مستأذناً:

أَقْدِمْ فُدِيْتَ هَادِيَاً مَهْدِيَّا   فَاليَوْمَ أَلْقَى جَدَّكَ النَّبِيَّا

وَحَسَنَاً وَالمُرْتَضَى عَلِيَّا      وَذَا الجَنَاحَيْنِ الفَتَى الكَمِيَّا

وَأَسَدَ اللهِ الشَّهِيدَ الحَيَّا


49


فقال الحسين عليه السلام : وأنا ألقاهم على أثرك, وكان يرتجز في حملاته قائلاً:

أَنَا زُهَيْرُ وَأَنَا ابْنُ القَيْنِ      أَذُودُكُمْ بِالسَّيْفِ عَنْ حُسَيْنِ

فقتل عدداً كبيراً من الأعداء ثمّ عطف عليه كثير بن عبد الله والمهاجر بن أوس فقتلاه فوقف عليه الحسين عليه السلام : لا يبعدنّك الله يا زهير ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.

وقال الحسين عليه السلام بعد ذلك لبقيّة أصحابه:

يا كرام, هذه الجنّة فتحت أبوابها واتصلت أنهارها وأينعت ثمارها وهذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومكم ويتباشرون بكم, فحاموا عن دين الله ودين نبيّه وذبّوا عن حرم الرسول.

وخرجت حرائر الرسالة وبنات الزهراء من الخيمة وصحن: يا معشر المسلمين ويا عصبة المؤمنين ادفعوا عن حرم الرسول وعن إمامكم المنافقين لتكونوا معنا في جوار جدّنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

طلعت زينب اونادت او من عدها الدمع سكاب

يا هي آنه تعرفوني       يفرسان الحرب يطياب


50


آنه الطاهرة أمي       وبوي علي داحي الباب

ماني امعوده اعلى الذل   اولاني للهضيمة احمل

خواتي اللي دمعها ايهل      تراهـي ابذمـة البـاري

او ذممكـم يـا ضياغمها

فبكى أصحاب الحسين عليه السلام وقالوا نفوسنا دون أنفسكم ودماؤنا دون دمائكم وأرواحنا لكم الفداء فوالله لا يصل إليكم أحد بمكروه وفينا عرق يضرب.

قضوا حق العليهم دون الخيام         ولا خلوا خوات احسين تنضام

لمن طاحوا تفايض منهم الهام      تهاووا مثل مهوى النجم من خر

وَقَفُوا يَدْرَؤُونَ سُمْرَ العَوَالِي              عَنْهُ وَالنَّبْلُ وِقْفَةَ الأَشْبَاحِ

أَدْرَكُوا بِالحُسَيْنِ أَكْبَرَ عِيدٍ             فَغَدَوْا فِي مِنىَ الطُّفُوفِ أَضَاحِي


51