الليلة الثانية: مجلس الوصول إلى كربلاء

كَرْبَلا لَاْ زِلتِ كَرْبَاً وَبَلَا                  مَاْ لَقِيْ عِنْدَكِ آَلُ المُصْطَفَى

كَمْ عَلَى تُرْبِكِ لمَاَّ صُرِّعُوا               مِنْ دَمٍ سَالَ وَمِنْ دَمْعٍ جَرَى

وَضُيوفٍ لِفَلاةٍ قَفْرَةٍ                     نَزَلُوا فِيها عَلى غَيْرِ قِرَى

لَمْ يَذوقُوا المَاءَ حتّى اجْتَمَعُوا          بِحَذا السَّيفِ عَلى وَرْدِ الرَّدَى

وَوُجوهٌ كَالمَصابِيحِ فَمِنْ                قَمَرٍ غَابَ وَمِنْ نَجْمٍ هَوَى

يا رَسولَ اللهِ لَوْ عَايَنْتَهُمْ               وَهُمْ ما بِيْنَ قَتْلٍ وَسَبَى

مِنْ رَمِيضٍ يَمْنَعُ الظِّلَ وَمَنْ            عَاطِشٍ يُسْقَى أَنابِيبَ القَنا

لَرَأَتْ عَيْناكَ مِنْهُمْ مَنْظَراً               لِلْحَشَى شَجْوَاً وَلِلْعَيْنِ بُكا

لَيْسَ هَذا لِرَسولِ اللهِ يا                أُمَّةَ الطُّغْيانِ والبّغْيِ جَزَا

جَزَّرُوا جَزْرَ الأَضَاحِي نَسْلَهُ            ثُمَّ سَاقُوا أَهْلَهُ سَوْقَ الإِمَا


15


قَتَلُوهُ بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُمُ                  أَنَّهُ خَامِسُ أَصْحَابِ الكِسَا

مَيِّتٌ تَبْكِي لَهُ فَاطِمَةٌ                 وَأَبُوها وَعَلِيٌّ ذُو العُلَى

شعبي:

في الغاضرية وقف مهر الظامي احسين              اوظل عن اسمها ينشد أصحابه الطيبين

قالوا اطفوف او نينوى والغاضرية                   اوشط الفرات اوعقر يا حامي الحمية

ينصار في هاي الأرض نصبوا اخيام                 هذي منايانه ترى هيّه اتحوم أمامي

كم شاب روحه اتروح منّه القلب ظامي              كلنه نظل في هالأرض من غير تكفين

أبوذيّه:

برض الطف مهر احسين ما سار                   وكف وبوكفته لحسين ما سار

إشارة بهالأرض للحرم ما سار                     اومنها اتروح للطاغي هديّه


16



لمّا خرج الحسين عليه السلام من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة مرّ بمنزل يسمّى بقصر بني مقاتل، وكان ركب الإمام يسير والحرّ يسير إلى جانبه بألف فارس حيث كان عبيد الله قد أرسله ليضيّق على الحسين ويجعجع به..

فبينا القوم يسيرون إذ خفق الحسين عليه السلام بخفقة وهو على ظهر جواده، ثمّ قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين، فأقبل عليه ولده عليّ الأكبر فقال له: أبه ممَّ حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بنيّ، إنّي خفقت خفقة فعنَّ لي فارس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم، فقال عليّ بن الحسين: أفلسنا على الحقّ؟ قال: بلى، والذي إليه مرجع العباد، قال: أبه، إذا لا نبالي أن نموت محقّين، فقال الحسين عليه السلام: جزاك الله خير ما جزى ولداً عن والده.

وعندما وصل إلى عذيب الهجانات قال لأصحابه: من منكم يعرف الطريق على غير الجادّة؟ فقال الطرماح ابن عديّ: أنا يا بن رسول الله، فقال الحسين عليه السلام: سر على بركات الله، فأخذ الطرماح بزمام الناقة، وأنشأ يقول:

يَا نَاقَتِي لا تَجْزَعِي مِنْ زَجْرِي            وَامْضِي بِنا قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ

بِخَيْرِ رُكْبَانٍ وَخَيْرِ سِفْرِي                 إِلى رَسُولِ اللهِ أَهْلِ الفَخْرِ


17


السَّادَةِ البِيضِ الوُجُوهِ الزُّهْرِي            الطَّاعِنينِ بِالرِّماحِ السُّمْرِي

الضَّارِبِينَ بِالسُّيوفِ البُتْرِي                يَا مَالِكَ النَّفْعِ مَعَاً وَالضُّر

أَمْدِدْ حُسِيْناً سَيِّدِي بَالنَّصْرِ                عَلَى الطُّغَاةِ مِنْ بَقَايَا الكُفْر

ولم يزل ركب الحسين عليه السلام يسير، وإذا بجواد الحسين عليه السلام قد وقف عن المسير فنزل عنه وركب جواداً غيره فلم يسر فبعثه فلم ينبعث وزجره فلم ينزجر حتّى بدّل سبعة أفراس على بعض الروايات، فالتفت إلى أصحابه وقال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض الغاضريّة، قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمّى نينوى... العقر...شاطىء الفرات، قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمّى كربلاء، فقال عليه السلام: أرض كربٍ وبلاء، ثمّ قال: انزلوا هاهنا مناخ ركابنا، هاهنا تسفك دماؤنا، هاهنا والله تهتك حريمنا، هاهنا والله تقتل رجالنا، هاهنا والله تذبح أطفالنا، هاهنا والله تزار قبورنا، وبهذه التربة وعدني جدّي رسول الله ولا خلف لقوله..

ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين وأنا معه، فوقف فسأل عنه فأخبر باسمه فقال: هاهنا محطّ ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم.

بَيْنَما السِّبْطُ بِأَهْلِيهِ مُجِدَّاً فِي المَسير              وَإِذا الهَاتِفُ يَنْعَاهُمْ وَيْدَعُو وَيُشِير


18


إِنَّ قِدَّامَ مَطَايَاهُمْ مَنَايَاهُمْ تَسِير                    سَاعَةَ إِذْ وَقَفْ المُهْرُ الَّذِي تَحْتَ الحُسينْ

فَعَلَا صَهْوَةَ ثَانٍ فَأَبَى أَنْ يَرْحَلَا                    فَدَعَا فِي قَوْمِهِ يَا قَوْمُ مَا هَذِي الفَلا

قِيلَ هَذِي كَرْبَلاءٌ قَالَ كَرْبٌ وَبَلا                   خَيِّمُوا إِنَّ بِهَذِي الأَرْضِ مَلْقَى العَسْكَرَيْن


وَبِهَذِهِ تُيَتَّمُ الأَزْوَاجُ مِنْ أَزْوَاجِها                 وَبِهَذِي تَشْرَبُ الأَبِطَالُ مِنْ أَوْدَاجِها

وَتَهاوى أَنْجُمُ الإِشْرَاقِ عَنْ أَبْرِاجِها              غَائِباتٍ فِي ثَرَى البَوْغاءِ مَحْجُوبَاتِ بَيْن

وكما أخبر سيّد الشهداء عليه السلام جرت كلّ المصائب على هذه الأرض، ولذلك لمّا عاد الإمام زين العابدين عليه السلام ومعه السبايا من الشام ومرّوا على كربلاء، أوّل ما التقى بجابر بن عبد الله الأنصاريّ جعل يخبره بما جرى على تلك الأرض قائلاً: يا جابر هاهنا قتل أبو عبد الله، يا جابر هاهنا ذبحت أطفال أبي، يا جابر هاهنا والله قتلت رجالنا، وسبيت نساؤنا، وأحرقت خيامنا..

يجابر ما دريت اشصار بينه                    يجابر هالأرض بيها انولينه

يجابر وانذبح بيها ولينه                       يجابر ذبحوا واحد وسبعين


19


يگله والدمع فيّض الوديان                    قتل خلصوا اعمامي ابهذا المكان

ظلت بس يتامه اوجمع نسوان                اوعندي الهالفواطم عدل ما تم

شگلك يجابر مالي لسان                       على وجهين فرّن النسوان

حسبالهم بالكون وليان                        جابر يعمي ريتك تشوف

يوم الرحت للشام مكتوف                     وعماتي تتراجف من الخوف

وَالَهْفَتاهُ لِبَنَاتِ الطُّهْرِ يَوْمَ رَنَتْ              إِلى مَصَارِعِ قَتْلاهُنَّ وَالحُفَرِ

رَمَيْنَ بِالنَّفْسِ مِنْ فَوْقَ النِّياقِ عَلَى           تِلْكَ القُبُورِ بِصَوْتٍ هَائِلٍ ذَعِرِ


20