الليلة الخامسة

قصيدة السيّد رضا الهنديّ الموسويّ

كيفَ يَصحُو بَمَا تَقولُ الّلوَاحِي             مَن سَقَتهُ الهُمومُ أنَكَدَ رَاحِ

كيفَ تُهْنِينيَ الحياةُ وَقَلبِي                  بَعدَ قَتلَى الطُفُوفِ دَامِي الجِرَاحِ

بَأبِي مَن شَرَوْا لِقَاءَ حُسينٍ                 بِفِرَاقِ النُفوسِ وَالأروَاحِ

وَقَفُوا يَدْرَؤونَ سُمرَ العَوالِي               عنهُ والنَبلَ وَقفةَ الأشباحِ

فَوَقَوْهُ بِيضَ الظُبا بِالنّحورِ الـ              ـبيضِ والنَّبلَ بِالوجوهِ الصِباحِ

فِئَةٌ إنْ تَعاوَرَ النّقعُ لَيلاً                    أطْلَعوا في سماهُ شُهُبَ الرِّماحِ

وإذا غَنَّتِ السيوفُ وَطَافَت                أكْؤسُ الموتِ وانْتَشَى كُلُّ صَاحِ

بَاعَدوا بينَ قُربِهِم والمَواضِي             وَجُسومِ الأعداءِ والأرواحِ

أدرَكوا بالحُسين أكبرَ عِيدٍ                 فَغَدَوا في مِنَى الطُفوفِ أضاحِي

بِأبِي الوَارِدُونَ حَوْضَ المَنايَا             يَوم ذِيدُوا عنِ الفُراتِ المُباحِ

بِأبِي اللّابِسونَ حُمرَ الثِّيابِ                طَرَّزَتهُنَّ سَافِيَاتُ الرِّياحِ


39


نصّاري:

غدوا هذا اعله حرّ الگاع مطروح                  وذاك ايعالج اودم منحره ايفوح

او هذا امن الطعن ما بگت بيه روح               اوذاك امن الطبر جسمه تخذّم

ويلي هذا الرمح بفّاده تثنّه                         وهذا بيه للنشّاب رنّه

وهذا الخيل صدره رضرضنّه                      وهذا وذاك بالهندي موزّر

كان أول قتيل بين يدي سيّد الشهداء الحرّ بن يزيد الرياحي، وقد كان شريفاً في قومه ورئيساً في الكوفة، فلمّا رأى القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليه السلام وسمع صيحة الإمام ينادي:" أما من مغيث يغيثنا، أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله"، جاء إلى عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟! قال: إي والله، قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس، وتطيح الأيدي، قال الحرّ: أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟ قال عمر بن سعد: أما والله، لو كان الأمر إليّ لفعلت، ولكنّ أميرك قد أبى ذلك.

فأقبل الحرّ حتى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل يقال له قُرّة بن قَيس. فقال: يا قُرّة، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا. قال له: أما تريد أن تسقيه؟ قال: فظننت أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال، وكره أن


40


أراه يصنع ذلك. فقلت له: أنا منطلق فأسقيه.

قال: فاعتزلت ذلك المكان، فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذته مثل الرعدة. فقال له صاحبه: يا ابن يزيد، والله، إنّ أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟! قال الحرّ: إنّي- والله- أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحرّقت. ثمّ ما لبث أن أقبل ملبيّاً نادماً منكسراً على ما فعله من منعه الحسين عليه السلام من المسير في أرض الله العريضة، جاء إلى الحسين ويديه على رأسه وهو يقول: اللهم إليك تبت فتب عليَّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك، فلمّا دنا من الحسين عليه السلام قلب ترسه وأقبل وقد نزل عن فرسه، وجعل يقبّل الأرض بين يديه، فقال الحسين عليه السلام:" من تكون أنت ارفع رأسك"؟! قال جعلني الله فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت، وأنا تائب إلى


41


الله تعالى ممّا صنعت فترى لي من توبة.

فقال الحسين عليه السلام: "نعم، يتوب الله عليك، فانزل"، قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري، فقال له الحسين عليه السلام: "فاصنع- يرحمك الله- ما بدا لك".

ولمّا أن بدء القتال، حمل الحرّ على القوم وهو يرتجز:

إنّي أنا الحُرُّ ومَأوَى الضَّيفِ             أضرِبُ في أعنَاقِكُم بِالسَيفِ

عن خَيرِ مَن حَلَّ بأرضِ الخَيفِ


فقاتل قتالاًَ شديداً حتى أكثر فيهم القتلى، فعقروا فرسه، فجعل يقاتلهم راجلاً، فحملت عليه الرجّالة وتكاثرا عليه حتى قتلوه، فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يديه عليه السلام وبه رمق فجعل يمسح التراب عن وجهه، ويقول: "أنت الحرّ كما سمّتك أمّك، حرّ في الدنيا والآخرة". ثمّ أنشأ الحسين يقول:

"لَنِعمَ الحُرُّ حُرُّ بَنِي رِيَاحِ         صَبورٌ عِندَ مُشتَبَكِ الرِّمَاحِ

لَنِعَمَ الحُرُّ إذْ وَاسَى حُسينَاً        وَجَادَ بِنَفسِهِ عِندَ الصَبَاحِ"

وهكذا كان يصنع الإمام مع كلّ شهيد يسقط من أصحابه، كان يمشي إليه، يضع رأسه في حجره، يقبّله ما بين عينيه، يبكي عليه، ويبشّره بالجنّة.


42


ولكن الموقف الصعب حينما سقط الحسين على رمضاء كربلاء، من الذي مشى إليه؟، من الذي وضع رأسه في حجره؟، من الذي مسح عنه الدم والتراب؟، من الذي نعاه وبكاه؟!، جاءته أخته زينب عليها السلام تنظر إليه ورأسه على رأس رمح طويل، صاحت: وا أخاه، وا سيّداه، وا حسيناه.
عاشوري:

ما تدري يخويه شلون حالي          شحال الغريبه بغير والي

براس الرمح راسك گبالي            وكلمن شاف ذي الحال بكالي


ولكن الموقف الأصعب على قلب الحوراء زينب عليها السلام هو لمّا أمر عمر بن سعد أن تُرضّ الأجساد بحوافر الخيل، وقفت عشيرة بني رياح وأحاطوا بجثمان الحرّ وجردوا سيوفهم، وقالوا: لا والله لا يُرضّ جسد رئيسنا بحوافر الخيول، فقال ابن سعد لهم: ويلكم لقد خرج على الأمير، قالوا: نعم خرج عليه ساعة من الزمن وأطاعه دهراً من عمره، خاف ابن سعد وقوع الفتنة، فقال: ويحكم احملوا جثمان الحرّ خارج الميدان.

هذا والعقيلة زينب واقفة أمام الخيمة تنظر إلى عشيرة بني رياح يحملون جثمان الحرّ خارج الميدان، وتنظر إلى جهة أخيها الحسين عليه السلام،


43


والحسين عليه السلام قد رضّت الخيل صدره وظهره، وهي تنادي: يا قوم أما فيكم مسلم يدفن هذا السليب...!
نصّاري:

العشيرة شالته بحرّ الظهيره         الكلّ منهم عليه شالته الغيره

بس ظلّوا لماعدهم عشيره          ضحايه بالشمس من غير تغسيل


لذا وجّهت نداءها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

نصّاري

يابه يجدّي تعالوا لبنكم غسّلوه           والكفن ويّاكم دجيبوه‏

وجيبوا گطن للجرح نشّفوه               وعلى اكتافكم لحسين شيلوه‏

يجدّي مات محّد وگف دونه               ولا نغّار غمضله عيونه

وحيد يعالج او منخطف لونه             ولا واحد بحلگه ماي گطر

يجدي مات محد مدد ايديه                ولا واحد يجدّي عدل رجليه

يعالج بالشمس محّد گرب ليه             يحطلّه اظلال يا جدّي امن الحر

قوموا غِضَابَاً مِن الأجدَاثِ وانتدِبُوا      واستَنقِذُوا من يَدِ البَلوَى بَقَايَانَا

هَذا حُسينٌ بِلا غُسلٍ ولا كَفَنٍ             عَارٍ تَجولُ عَليهِ الخَيلُ مَيدَانَا


44