الليلة التاسعة
مجلسُ القاسم عليه السلام
 

أنْعِمْ بشبلِ غَضَنْفَرٍ مُستَشْرِسِ
لم يَبْلُغِ العشرينَ إلا أنَّه
ما راعَهُ حَشْدٌ لجندِ أميةٍ
وبكفِّهِ سَيفُ الوصيِّ المُجتبى
ناداهُمُ لَوْ تُنكَرونَ فإنْني
فغدا يُجندلُهم ويَسْحَقُ جُندَهم
فإذا بِهم صَرْعى لديهِ ومَنْ نجا
لمّا رأَوه مُعالجاً نعلاً لهُ
نادى أيا عمَّاه أدرِكْ قاسِماً
عُدْ يا بُنيَّ معي لأُمِّك عَلَّها
فأعادَهُ نحوَ السُرادَقِ عمُّه

حضَنَ الحِمامَ حَضانةَ المُستأنِسِ
بَلغَ الرِضا وجوارَ خيرِ الأَنفُسِ
فمَضَى ينازِلُهم نزالَ الأَشْوسِ
والرعبُ يسبِقُهُ سِبَاقَ الأَحْمَسِ
مِن صُلبِ حيدرَ والرسولِ الأقدسِ
ويَصدُّهم صَدَّ الفتى المُتمرّسِ
فَيفِرُّ من صولاتهِ بِتحرُّس...
غَدَروا به والغدرُ دأبُ المبلِسِ
فَأتاهُ يَأتَزِرُ الدموعَ ويَكتسي:
بالعَوْدِ تَأنسُ بعد طُولِ تَوجُّسِ
لكِنَّما جَسَداً بغيرِ تَنفُّسِ


97


شعبي:
شَاَله اوْ لَلِمْخَيَّم بِيْه سَدَّرْ         وحَطْ جاسِم يويلي الصَفِّ ال?كبر
گِعَدْ ما بينهُم والدَّمِعْ فَجَّر       تِشِبْ نارَهْ او عْلِيْه اتْراكَم الهَم
يَمْ جاسِم غِدَتْ للحَرَمْ حَنَّه       لمَّن شافِتَه ابدَمَّه تِحَنَّه
أُمْه اتْصيح يا جاسِمْ امْهَنَّه      ابْهلْزّفَه يَبَعْدِ الخَال والعَم
آَني امِ الشباب أبْچِي            ومِنْ عيني الدمِعْ سَاجِمْ
لاتِرْحَلْ يَبعْدَ أهلي              وارْحَمْ حالي ياجاسِم

رَبّيتَك اوْ چِنْتَ احلم.. ليلةْ زَفِّتَك أفْرح
وأعَلِّگ للزفافِ شْموع.. وبْضَيْ طَلِّتَكْ اسْرَحْ
صَعِبْ اوْصِفْ إلك جَرْحي.. هذا اليوم لُو أشْرح
خابِ الأملْ بعيوني و?للهْ بحالتي عالِم

كُلْ أُم مِثلي بالدِّنيه يومِ الفَرح تِنْتِظْره
واترَّبي ولَدْها سنين حتى لُوَكُبَر عُمْره
يِسْعِدْها ويَفرِّحها ومنها گَلُبْها يْسِرّه
يرفعْ راسْها بعرِسه وامَّه ابَّهجِتَه اتساهِم

ما تِتمَّنه يِفْجِعَها بالموتِ او يَخلِّيها
واعليه تِظَلْ تتحّسَّف وهمْ تصفِگ اياديها
ورمْلَه فِجَعْها الجاسِم اوْخَلَاها ابَّواجِيها
تِمنِّيتَك تِفَرِّحني اوترِدْ للخِيَم سالِم


98


محَّدْ يِحسْ بالفاگِد       إلا اللِّي فِگدْ مِثْلَه
اصْبَغْ راسي بِدْمُومَه   وبْكِلْ حَسْره اتْسلَّه
واليْفِگِدْ ضَنَا غالي     هَاي اعْلِيه مُوسَهْله
رمْلَه اشْتِصْطِبِر بَعْدَه   تِگْضِي بالحزِنْ لازمِ

القاسمُ بنُ الحسنِ بنِ عليِ بنِ أبي طالب عليهم السلام

نشأَ القاسمُ نَشأةً مباركة، إذ ربَّاه أبوه الإمامُ الحسن عليه السلام لثلاثةِ أعوام، أَبْرَزَتْ فيه ملامِحَ الفِطْنةِ والذكاءِ والشجاعة. وبعد شهادةِ أبيه عليه السلام تَولَّاهُ عمُّه الحسينُ عليه السلام، وأحسنَ تربيتَه، حتى أصبحَ ذلك الفتى المغوارَ الذي لا يَهابُ الموت، يَسأَلهُ الإمامُ الحسينُ عليه السلام: بُنَي قاسِم، كيفَ تجِدُ طعم الموتِ عندك؟ فيجيبُه القاسمُ عليه السلام: واللهِ يا عمُّ، أحلى من العسل.

وفي كربلاءَ كان من جملةِ الذين أَذِنَ لهمُ الإمامُ بالرحيل، وأَبَوا أنْ يعيشوا دونَ بذْلِ مُهَجِهِم دونَ الحسين عليه السلام.

وبعد استِشْهادِ أصحاب الحسين، تَقدَّم الفتى المغوارُ، واستأذَنَ عمَّه في القتالِ، ولم يأذن الحسينُ له، وأَرْجَعَ القاسمَ بكسرةِ الفؤاد. أما بعد استشهاد الأكبرِ وأبناءِ جعفرٍ الطيار وأبناءِ مسلمِ بنِ عقيل، ما تحمَّلَ القاسمُ مشهدَ عمِّه الحسينِ، يُنادي: هل مِنْ ناصرٍ ينصرُنا،


99


هل مِنْ ذابٍّ يَذُبُّ عن حرم رسولِ اللهِ؟ هَل مِن مُوَحِّدٍ يَخافُ اللهَ فِينا؟ هل مِن مُعين يرجُو ما عِندَ اللهِ في إعانَتِنا؟". خرج ينادي: لبيَّكَ عَمُّ أبا عبد الله.

أَقبَل الحسينُ عليه السلام إِليه، ضمَّهُ إلى صَدرِهِ، وقال له: يا بنَ أخي، أنتَ البقيَّةُ مِنْ أخي الحَسَن، فلا أحبُّ أن أُعرِّضَكَ لِضَربِ السُّيوف. قال القاسم: سيِّدي ومولاي، خُذْ مني هذِهِ الوصية، أَخَذَها الحسينُ منه، فَتَحها، وإذا هي كتابٌ من الإمام الحسن لأخيه الحسينِعليه السلام، يقول فيها: أخي أبا عبد الله، ائْذَنْ لولدي القاسِمِ بالشهادة بين يديك. وكأنْه يقولُ اسمَحْ لي بأنْ أكونَ شريكاً معك في كربلاء:
(نعي طور لِفى عاشور)

لسانُ حالِ الحسين ع يخاطبُ أخاه الحسن ع..
آه يا خويه آه يا خويه آه يا خويه آه
يا خُويه الحسنْ آنه احْسِينْ بْمِحِنْتِيْ اليومْ اشكِيلَك
اوِّنْ يالمُجْتَبى لإبنَكْ القاسمِ بالوِفا امْثِيلَك
بِالطَفْ مِنْ نِظَرني اليومْ واَنا ابْضيگ انادِيلك
صاحْ ابْصوتْ عِدْ عيناك لفْديِلك يعمِّي الرُّوح


100


آه يا خويه آه يا خويه آه يا خويه آه

امنِ اجاني جاسِم، ويِطْلِبْ مِنِّي يِدْخِل المِيدان
چَنِّي شِفْتَك اگْبَالي تِقَدْمَه للحرُب فرَحان
وانه بالحسْرة والُّلوعة حِضَنْتَه وِالگَلُبْ وَجْعَان
شِبِيهَك يا أُخويَ شْلُون اشَوْفَه عالثَّرى مَذْبوح

آه يا خويه آه يا خويه آه يا خويه آه

نَظَر الحسينُ عليه السلام إلى القاسمِ عليه السلام نظرةَ عطفٍ ورحمةٍ، وسالتْ دموعُهُ على خدَّيه. كأني به تذكَّرَ يومَ رحيلِ أخيهِ الحسنِ عليه السلام وهو يلفظ كبدَهُ المسموم ثمّ دَنَا من القاسمِ وضمَّه إلى صدرِهِ

(عاشوري)

يِگِلَّه.. وداعَة الله يا عيوني آه… آه...       نِيَّتْكُم وَحْدِي تِخَلُّوني
هانْ عليكمُ يا ويلي تِوَدْعوني آه… آه….   يا عمِّي ودَاعْكُم للقَلُبْ يفطِر

ثمّ قامَ الحسينُ عليه السلام، وألبسَ القاسمَ ثوباً على هيئةِ الكفن، عمَّمَهُ بعمامةِ الحسنِ عليه السلام، وأعطاهُ سيفَ أبيه


101


لسانُ حالِ العباسِ عليه السلام مخاطباً القاسمَ ابنَ أخيه الحسن عليه السلام.

يجاسِمْ عمِّي إفْديها هالأنْفَاس آه آه       لِإبِنْ بِنْتِ النِّبي هذا اشرفِ النّاس
خلْ وجْهَكْ وِسَطْ هالحَرُب نِبْراس آه آه  يا نورِ الحسنِ يبني آنَه عبَّاس

بماذا يجيب القاسم عليه السلام؟

يِكِلَّه إيْ يَعمِّي الموتْ يِسْوَه آه آه            مِنِيْتِي وَيْ أميري احسِينْ حِلْوة
عَسَلْ هالموت و امْنِ الحِزِنْ سَلْوه آه آه     لْعُمْرِ ابنِ الزِّجيِه الرُّوحْ فِدْوه

مضَى القاسمُ إلى خيمةِ أمِّهِ رملة، أرادَ القاسمُ أن يودِّع أمَهُ وعمَّتَهُ زينبَ وبناتِ عمِّه. أَحَطْنَ بهِ منْ كلِّ جانب، هذه تقول له أبلِغْ سلامي إلى أخي علي الأكبر، وهذه تقول أَبلِغْ عمِّي عنِّي السلام. أمَّا زينبُ عليها السلام، كأني بها اقتربتْ منهُ تقول: وَلَدي يا ابنَ أخي يا قاسمُ، عندما تَرى أباك الحسنَ، أبلِغْهُ عنِّي السلام، وقلْ له إني أَمْسيتُ غَريبة...

وكان هناكَ وصيةٌ لأمِّهِ… ولسانُ حاله:

أَوصِّيكْ يا يُمْه وِصِيَّه      تْسِمْعِين لَفْظِ جْوابي
شبَابْ لُو شِفْتيهم           بالله اذُكْرِي شْبَابي
محرومْ مِنْ شَمِّ الهِوا      مِنْ دون كِلَّ صْحابي
عطشانْ أنا يا والِدَه       حين الشِرِبْ اذكْريني

ثمَّ ودَّعها ونزِلَ إلى الميدان. يقول حَمِيدُ بنُ مسلم: خَرجَ إلينا غلامٌ وجهُهُ كفِلْقَةِ القَمَرِ، جَعَلَ يَضْرْبُ بالسيفِ ويقول:


102


إنْ تُنكِروني فأنا نجلُ الحسن        سِبْطُ النبيِّ المصطفى والمُؤتَمن
هذا حسينٌ كالأسيرِ المُرتَهَنْ        بينَ أُناسٍ لا سُقُوا صَوبَ المُزَن

وبينما يقاتُلهم قتالَ الأبطالِ، رغمَ عطشِهِ وصِغَرِ سنِّهِ، حتى قَتَل منهم عدداً كبيراً، إذ انقطَعَ شِسْعُ نعلِهِ، فانحنى ليُصلِحَهُ، وإذا باللعينِ اغتَنَمَ هذه الفرصةَ وقال: واللهِ لأُثكِلَّنَّ به عمَّه، فجاءَهُ من خلفِهِ، وضرَبهُ بالسيف على رأسِهِ، فوقَعَ منادياً: يا عمَّاه، يا أبا عبدِ الله، أَدركني، عليكَ منِّي السلام، فلمَّا سَمِعَ الحسين عليه السلام نداءَ القاسمِ، أَسْرَعَ إلى الميدان، وضَرَبَ قاتِلَهُ، وأَقبَلَ إليه فَرَآهُ مخضَّباً بدمائِهِ، وقال: عَزَّ واللهِ على عمِّك أن تدعُوَهُ فلا يجيبُك، أو يجيبَك فلا يعينُك، أو يعينَك فلا يُغني عنك...

بِكَى ونادى يا جاسِمْ إشْبِيدي           يا رِيْت السِيفْ قَبْلَك حَزْ وِريدي
يا عمِّي هانْ عليكُم تِخَلُّوني وحيدي   وعَلى خيامْنا يا عمِّي الخِيلْ تِكْثَر
يعمِّي من ضِرَبْ هامِتَك نِصِّين        يبعدَ أهلِي اصوابْ اليوِجْعك وين
يعمِّي اشلونْ أشيلك للصِواوين        وانْتَه من الضرِبْ جِسْمَك مْخَذَّم

أرادَ الحسينُ أن يرفَعَ القاسمَ إلى خيمةِ الشهداء، وضَعَ صَدَرَهُ على صدرِهِ، وحمَلَهُ إلى المخيَّمِ ورِجْلاهُ تَخُطَّان في الأرض؛ لأنّ الحسينَ أصبحَ منحنيَ الظَهر لعُظْمِ المصاب.

ثمّ دخل إلى الخيمةِ، وضَعَه إلى جانبِ وَلَدِه الأكبر، وجَلَسَ بينهما، صار تارةً ينحني على ولدِهِ الأكبر وينادي: وا عليَّاه، وتارةً ينحني على


103


ابنِ أخيه القاسم، وينادي: وا قاسِماه...

يَرمْلَه
گُومي يَرمْله ودِّعي ابنِچْ المظلوم آه آه آه
جابَه العِزِيز حسين يتحسَّر وْمَهمُوم آه آه آه
أبُّو السَّجاد جابَه والگلُبْ مآلوم

يِگلَّه
صُبَحْ ظَهري يَبويه ?علِيك مَجْسوم آه آه آه
يا رِيحَةِ الغالي المُجتبى المَسموم
إِبْنِچْ يَرَمْله اتْحنَّه بْفيضِ الدْمُوم آه آه آه

وإذا بالحوراءِ زينبَ تقول: أخي يا أبا عبد الله، عظَّم الله لكَ الأجرَ، هذه النسوة يُرِدْنَ الدخولَ والبكاءَ على أولادِهن، فدخلت رملةُ، صارتْ تَحومُ حولَهُ، وتَخْضِبُ وجهَهَا من فيضِ دمِهِ، ولسانُ حالها:
يُمَّة يُمَّة فَتِّح عيونك لأُمّك
يُمَّة يُمَّة انا ?ريد لْصَدْري اضُمَّك
يُمَّة يُمَّة أَمْسَحِ جْروحَك واشِمَّك

ياضِوَه العِين ياوحيدِي بغُربِتي
ياضِوَه العِين يُمَّة شاهِدْ حالتي
ياضِوَه العين والله كُربَةْ كُرْبتي


104


لِيَّه جَابَك          عمَّك وظهرَهْ كِسَرْتَه
لِيَّه جَابَك          ادْمُوعَه ع خدودَه نِظَرْته
لِيَّه جَابَك          دمَّك المسفوح شِفْتَه

(بحر طويل)

يقاسِم يُمَّه ردِ اجوابْ      امَّك آنه مَحرومة
قَلْبِي كَمْ سهِمْ مِنْصَاب     ومِنِّي الروحْ مالُومَه
مَمْرودَه عيُوني اعلِيك     تِصِبِ ادْمُوعَها مِنْ دَمْ
لِيلْ انْهار افكِّر بِيْك        يا مَنْ لِلْجَرِحْ بَلْسَم
قَلْبُ امَّك بُقَى يناديك       نَهاري بعدَك اتْعتَّم
تِنَام اعْلى التِرِبْ القِيك     مَطْولْ يَبْنِي هالنُومه؟

مِثِلْ شَمْعةْ ضِوِّية جَان      شَبَابَك ياعزيزِ الرُّوح
يَورْدَة مشكِّلة بأغْصَان      تِهِلْ دمْ مِنْ اَثَرْ لِجْروح
شَبَاب وزينةِ الشُّبان         يَجَاسِم يَبني يامذبُوح
ثيابِ الزَّفه صارْ اكْفَان     ابدَّمه امْغرَّكَه اهْدُوُمه

أبوذية:

ضُلُوع امَّك يجاسِم حَنه بِيها      عِليك وهَظُم هَجْرك حَنَه بِيها
إيدك ما اكُولن حَنَه بِيها           دمِّ وترابِ منِ الغَاضرية


105