الليلة الخامسة

للهِ دَرُّكَ من فتىً دَرَّاكَا
فيكَ الخِصالُ الطيباتُ تَجمَّعتْ
قد نِبْتَ عن سِبطِ النبيِ مُحمدٍ
عَلِمَ الكفاءةَ منكَ في يومٍ الوغَى
فملكتَ من صِيدِ الرجالِ رقابَها
فعليكَ ياثقةَ الحسينِ تحيةً
أدَّيتَ ما حُمِّلتَ خيرَ رسالةٍ
وقُتِلتَ مَظْلوماً بِلا عونٍ سِوى
فبَكَى الحسينُ لطفلةٍ خَلَّفْتَها
وإذا اليتيمةُ ناشدَتْ مِنْ عمِّها
يا عمُ إنَّ أبي نأى عنْ ناظري

بالخَلقِ والخُلُقِ الإلهُ حَبَاكا
يا مسلمُ ابنَ عقيلٍ خُذْ بُشْراكا
يوماً إلى أرضِ العراقِ هَدَاكا
وبذا الحسينُ على الأُلى ولّاكا
وقلوبَها حتى أبَتْ تَلقَاكا
تَحيا بها واللهُ قد حيَّاكا
حتى إذا داعي الخلودِ دَعاكا
عينُ الحسين لِبُعدِها تَرْعاكا
وبَكَى الحسينُ لعُظْمِ ما وافاكا
يا عمُ قلْ لي ما الذي أَبكاكا
وعلى أبي تُجري الدموعَ أراكا

أبوذية:
حِميِدَه صاحتِ اوناحَتْ وحِنّتْ        اضْلوعي الدَهَرْ اطْواها وحِنَّتْ
مِسَحْتِ ادْموعي بِجفُوفي وحِنّتْ      علَهْ مُسلم اُبويه الـﮕِـطَع بِيْنَه


51


(لحن أمانة هالوصية)
حِميدَة مِسْتِحِيَّة          تِصِدْ لحسين هِيَّه
تِرِيدْ اتسِأله كِلْ ساعْ    على ابوها الشِّفِية
آه مسلم مسلم مسلم     آه مسلم مسلم مسلم
مِشَتْ مِحْتَارة يَمَّه       رِمَقْها أُبو اليِّمة
يِصِيحِلْها تِعالي         اجَتْلَه بأقصى هِمَّة
صارتْ اتْهِم اتْهِم اتْهِم  آه مسلم مسلم مسلم
يا عمِّ احكيلي اصَّار    ولاتِخفيلي ٱخبار
تِرَاني قلبي حاسِسْ      أُبويه راسَه يِنْدار
حزني خيَّم خيَّم خيَّم     آه مسلم مسلم مسلم

هناك محطَّاتٌ كثيرةٌ منيرةٌ في حياةِ مسلمِ بنِ عقيلِ (رضوان الله عليه)، يَقْتبسُ منها الإنسانُ الدروسَ، ويَسْتلِهمُ منها الفضائل، فتنيرُ له دربَه في حياتِهِ اليومية، ويتزوَّد منها بما يقرِّبُه إلى الله عزَّ وجلَّ ورسولِهِ وأهلِ بيتهِ عليهم السلام. والقربُ من الله عزَّ وجلَّ يكونُ بعبادتِهِ وطاعتِه، والقربُ من الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم وأهلِ بيتهِ عليهم السلام يكونُ بطاعتِهم. وحيثُ إنَّ الإشارةَ إلى بعض تلك المحطات، يتوقَّفُ على إطلالة على عرضٍ مختصَرٍ لشخصيته، فإننا سنُقدِّمُ تعريفاً موجزاً حولَه تمهيداً لذلك.


52


تعريفٌ مختصر:
ولادتُه وأسرتُه: وُلدَ مسلمُ بنُ عقيلٍ في المدينةِ المنوَّرة سنة 22هـ.

والدهُ هو عقيلُ بنُ أبي طالبٍ بنِ عبدِ المطلب بن هاشم، وعمُّه أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام، وعمُّه الآخر جعفرُ الطَّيارُ الشهيدُ في مؤتة. فهو من أَكْرمِ الأصولِ وأطهرِها، ومِنَ الذين نشأوا بين خيرِ الآباءِ والأعمام.

أمُّه أُمّ وَلَدُ (أي جارية)، يقال لها حَليَّة، اشتراها عقيلُ بنُ أبي طالب.

زوجاتُه وأولاده:

تزوّجَ بابنةِ عمِّهِ رقيةَ بنتِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام المعروفةِ برقيَّةَ الصُّغرى، فولدَتْ له عبدَ الله، ويقالُ إنَّها رافقتْ أخاها الإمام الحسين عليه السلام مع ابنِها عبدِ الله في خروجِهِ من مكة، فاستُشْهِدَ عبدُ الله في كربلاء وأمُّه تنظرُ إليه على يدِ عمروِ بنِ صُبيحٍ لعنه الله، حيثُ أصابَهُ بسهمٍ وكان واضعاً يدَهُ على جبينه ليتَّقِيَهِ، فأصابَ السهمُ كفَّه ونَفَذَ إلى جبهتِه، فسمَّرها بِهِ، ولم يستطِعْ تحريكَ يدهِ، فطعنَه آخرُ برمحٍ في قلبِه.

كما تزوَّج مسلم بأُمِ وَلَدٍ فولدت له محمَّداً الذي استُشهِد في


53


كربلاء، على يدِ أبي مَرْهَم الأزدي، ولقيطٍ بنِ إياس الجَهْني.

كما نَقَل الشيخُ الصدوقُ في أماليه قصةَ طفلين صغيرين لمسلمِ بنِ عقيل، أُسِرا من معسكرِ الإمامِ الحسين عليه السلام، ثمَّ أُخِذا إلى عُبيدِ الله بنِ زيادٍ، فأوصى السجَّانُ بالتضييق عليهما في المأكلِ والمشربِ وغير ذلك، فكانا يصومانِ النهارَ، فإذا جنَّهما الليلُ أَفْطَرا على قُرصيِن من شعيرٍ، وكُوزٍ من الماء. ثمَّ تَذْكُرُ الروايةُ كيفيةَ خروجِهِما من السجنِ وهروبِهِما حتى إلقاءِ القبضِ عليهما، ثمَّ قَتْلِهِما بقطعِ رأسَيهما.

وهناكَ مقامٌ لهما بالقربِ من مدينة المسيَّب العراقيّة.

صفاته الخلقية:

عُرِفَ بقوّةِ البدنِ والفتّوةِ، ففي بعضِ كتبِ المناقبِ: أرسلَ الإمامُ الحسينُ عليه السلام مسلمَ بنَ عقيلٍ إلى الكوفةِ، وكانَ مثلَ الأسدِ، وكان من قوَّتِهِ أنَّه يأخذُ الرجلَ بيدِهِ فيرمي به فوقَ البيت.

كما أشارتْ بعضُ المصادرِ إلى شبَهِهِ بالنبيِ صلى الله عليه وآله وسلم ، فعن أبي هُريرةَ أنَّه قال: "ما رأيتُ من وِلْدِ عبدِ المطَّلبِ أشبَهَ بالنبيِ صلى الله عليه وآله وسلم من مسلمِ بنِ عقيل.

سيرتُه:

شاركَ مسلمُ بنُ عقيلٍ في معركةِ صفِّينَ سنة 37هـ، ولِبَسالتِه


54


وشجاعتِه، جَعَلهُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام على مَيمَنةِ المعسكرِ معَ الحسنِ والحسينِ عليهما السلام، وعبدِ اللهِ بنِ جعفرَ الطيَّار، على الرغمِ من أنَّ عُمْرَ مسلمٍ لمْ يبلغْ آنذاكَ الثامنةَ عشرَ عاماً.

بعدَ موتِ معاويةَ وانقضاءِ مدةِ الصُّلح، وتَخلُّفِ معاويةَ عن بنودِ الصلحِ، أرسلَ الإمامُ الحسينُ عليه السلام مسلماً عليه السلام في أواخرِ شهرِ رمضانَ سنة 60 للهجرة، إلى أهلِ الكوفةِ بعد أنْ كَتبوا إليه الكُتبَ يَشْكون الحالَ، فأتى مسلمٌ المدينةَ المنوَّرةَ، وصلَّى في مسجدِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ غادَرَها إلى الكوفة. ولمَّا وصلَ الكوفةَ، نَزلَ دارَ المختارِ بن أبي عبيدةَ الثقفي، وبايعه 18 ألفاً من أهلِها، وكانوا يتردَّدون عليه بشكلٍ علنيّ، فأرسلَ كتاباً إلى الإمامِ الحسينِ عليه السلام بتاريخ 12 ذي القعدة مع عابسِ بنِ شبيبٍ الشاكري، يُخبِرُه ببيعةِ أهلِ الكوفة لِه.

واشتكى جماعةٌ من أتباعِ بني أميةَ إلى يزيدَ من حالِ الوالي النُّعمانِ بنِ بشيرٍ، واتَّهموهُ بالضَّعف، وطالبوا بتغييرِهِ لعدمِ مواجهتهِ حركةَ مسلمِ بنِ عقيلٍ عليه السلام بالقوةِ والبَطْش، فوافَقَ يزيدُ على جعلِ عبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ والياً عليها، مضافاً إلى ولايتهِ على البصرة، فقدِمَ ابنُ زيادٍ إلى الكوفةِ، ومَعَه جمعٌ من خاصَّتِه، وأخذَ يهدِّدُ الناسَ ويتوعَّدُهم، وأخذَتْ سياسةُ التهديدِ تؤثِّرُ في النفوسِ الضعيفة، فتحوَّلَ مسلمٌ عليه السلام إلى دارِ هانئِ بنِ عُروةَ، وصارَ الشيعةُ يتحوّلونَ إلى دارِهِ بشكلٍ مَخْفيّ، إلى أنْ اعتُقِلَ هاني بنُ عروة، فخرَجَ مسلمُ


55


بنُ عقيلٍ عليه السلام يوم 8 من ذي الحجة هـ، فتخلَّفَ أهلُ الكوفةِ عن نُصرتِه حتى بقيَ وحيداً.

أضحى مسلمٌ وحيداً يمشي في أزقَّةِ الكوفة، لا يجِدُ أحداً يدلُّه على الطريق، وبعد أنْ أنهكَه العطشُ، وَقَفَ أمامَ إحدى الديارِ، فأحسَّتْ صاحبةُ الدارِ بوجودِهِ، وكانت تُدعى طَوْعة...
 

وَلنَّه وحَدَه والوكِتْ وَكِت الاغْروب         
غِمَدْ سِيفَه او وِكَفْ خوَّاض الاحروب        
ابَّابْ لكنْ حاير ابْمالتْ هَلَه             
ولنْ حُرْمه طِلْعتِ امنِ البابِ ٱله        
اتْصيح ياهذا أشوفَكَ على الباب         
سِكَتْ عنها او ردَّت اعليه الجواب      
ﮔـَال اريدَنْ ماي ﮔَـالت طلبِتَك         
ما يجوزْ ابَّابْ غيرَك ظَلِّتَكْ        
صِفَنْ واتْحَسَّر وﮔـالتْ هَلَكْ وِين        
ﮔَـالت ادخُلْ على الراسِ او على العين
ياهَلَه ويامرحبه بجَيْتَك يَحُر
بيِّنَتْ كوفان ويَّاك الغَدُرْ

اوْ لَا يعرِفْ امنين مَنْفَذ هالدروب
ابَّاب لكنْ غِدَتْ تِهْمِل دمْعِتَه
مُوشْ نفسَه والحرايب ثوبِ ٱله
اتْصيح هذا الشخصْ شِنْهي وﮔْـفِتَه
ومِنْ يِحلَّك توكَّفِ ابْاب الٱجنْاب
ﮔَـال اريدَنْ ماي راحتْ جابته
ماي هسَّه اشْربِتْ شِنهي وﮔْـفِتَك
صِفنْ واتّحسَّر وسمِعَتْ حسْرِتَه
ﮔَـلها مُسلم بالصِّدِك طارش احسين
ياهَلَه ابطارشِ احسين وجَيِّتَه
يبِنْ هاشم يا فَخَرْها والذُّخُر
ذاك ثوبِ ٱلها او الذِّل لِبَسْتَه

تقولُ الرواياتُ خرجت طوعةُ ظُناً منها بأنّه ولدُها، وإذا بها ترى سيِّداً جليلاً واقفاً على بابِ بيتها. قالت: يا عبدَ اللهِ، ماذا تريد؟


56


قال لها: أَمَةَ اللهِ، هل لي بشَربةٍ من ماء؟ أتت لهُ بالماءِ فشرِبْ، ثمَّ دخلتْ دارَها، وبعدَ لحظاتٍ عادتْ إلى البابِ فوجدَتْهُ ما زال واقفاً، قالتْ له: يا هذا، أمَا شربْتَ الماء؟ قال: بلى، قالت له: إذاً اِمضِ إلى أهلِك وبيتِك وعشيرتِك. لمَّا سَمِع مسلمٌ بالأهلِ والعشيرةِ، تذكَّرَ عليَّ بنَ أبي طالب، تذكَّر فاطمةَ الزهراء، تذكَّرَ الحسنَ، تذكَّرَ الحسينَ الغريبَ، هذه هي عشيرتُه.

فقال لها - ودموعُه تتحادرُ على خدَّيه -: أَمَةَ اللهِ، أنا غريبٌ، ليس لي في هذا المِصْرِ أهلٌ ولا عشيرة، لستُ أدري لماذا بكى؟ هل تذكَّر مصابَ فاطمةَ، أمْ غُربةَ علي بنِ أبي طالب؟

يِقِلْها ودْموعَه غِزيرة          أنا غَريَبْ لا أهلْ عندي ولا عِشيرة
غِريبْ وعْمَامي بْغير دِيرة    ومِثِلْ حيرتي ما جِرَتْ حِيرة

قال لها: هل لك بمعروفٍ، ولعلَّي مكافئُكِ يومَ القيامة؟

قالت له: يا عبدَ الله، مَن أنتَ حتى تكافئَني يومَ القيامة؟

قال: أنا مسلمُ بنُ عقيلِ بنِ أبي طالب، رسولُ الحسينِ بنِ عليٍ عليه السلام، كذَّبني هؤلاءِ القومُ وأخرجوني من دياري، ثمّ خَذَلوني ولم ينصروني، وتركُوني وحيداً.

أبوذية:

انـه مُسلم وعِندِچْ ضِيف هالِّيل        افْرِحَتْ طُوعه ومنْها الدَّمع هَلِّيل


57


على رحبِ اوسِعَه والوجَّه هالِّيل      بـِسْرور اتـفضَّل ومِـنَّه عَليَّه

أدخلته دَارها، قدَّمت له طعاماً فلم يأكلْ. هذه آخرُ ليلةٍ، وغداً اللقاءُ. قضى ليلته بالصلاةِ والدعاءِ إلى الفجر. وكان لهذهِ المرأةِ ولدٌ غرَّهُ مالُ ابنِ زياد، عندما عَلِمَ بوجودِ مسلمٍ في دارِهم، أَخبَر عبيدَ الله بنَ زياد، فأرسلَ اللعينُ عدداً من الأعداءِ، وحاصروا البيت.

أَخبَرتْه طُوعةُ بذلك، وقالتْ له: ما رأيتُكَ نِمْتَ ليلةَ أمس، قال لها: اِعلمي أنَّه قد غَفَتْ عيني، فرأيْتُ عمِّي أميرَ المؤمنين، ما رأيتُه من سِنين، وهو يقولُ لي: العَجَلَ العَجَلَ، عجِّل إلينا، وما أظنّهُ إلا أنُّه آخرُ أيامي.

فخَرَجَ إليهم عازماً على القتال.

أخذَ الأعداءُ يجتمعونَ عليه منْ كلِّ حدَبٍ وصوب، فِرقةٌ يضربونَه بالحجارة.. وفرقةٌ بالسِّهام والنبال.

تقولُ الرواياتُ إنَّ نساءَ أهلِ الكوفةِ ٱجتمعن وصِرن يضربن مسلماً بالحجارة من على سطوحِ منازلِهنّ….أَيْ وا مسلِماه…

وحَفَرُوا له حُفرة، وسَتَروها بالتراب، وبينما هو يقاتُلهم وإذا به يَسْقُطُ في الحفرة، فحَمَلُوا عليه من كلِّ جانبٍ، قيَّدوه وأخذوه إلى ابن زياد…

هذا وطوعةُ تخاطبُ مسلماً: كيفَ أنظرُ إلى وجهِ عمِّك عليٍّ ابنِ


58


أبي طالب، أَتُقْتَلُ وأنت ضيفي؟

ولسانُ حالِها..

ظَلَّت تناديهم يا هِلْ كُوفان ارحمُوه         هذا ابنَ أخو الكَرار لا تِسِحْبوه
صاحتْ يا مُسلم يا عظمها خجلتي بِيك    وٱنا حُرمة وضِعِيفة ما أقدَرْ أحميك

ثم بكى مسلمٌ، فقيل له: هل مثلُك يبكي؟ قال: والله، ما لنفسي أبكي، لكنْ أبكي لأهلي المُقبلين.. أبكي للحسين وآلِ الحسين.. يعني أبكي للحسين والعباس... أبكي لزينبَ والأطفال...

(عاشوري)

آه… وينَ الِذي يوصَل بهالحين..آه آه    لأرضْ مكة ويَخبِّر حسين…
مُسلم وحيد وما اله مْعِين..آه آه           كِتْفوه وظلْ يدير العين

كأني بمسلمٍ (رضوانُ اللهِ تعالى عليهِ) يقولُ حينَها:
يا حسين رِدُّوا لا تجُوني           خانَوا اهلِ الكُوفة بعدما بايعوني
وللفاجِر ابنِ زيادْ سلِّموني         وانتَوَ يا هَلي عنِّي بْعَاد

تقول الرواية: كانت الدماءُ تسيلُ من ثغرِ مسلمٍ، وكأنَّه أرادَ أن يواسيَ أبَا عبد الله بذلك السهمِ الذي أصابَ ثغرَه. قال مسلمٌ: اسقوني شربةً من ماء، جاءوا له بالماء، وكلَّما أرادَ أن يشربَ امتلأَ الكأسُ بالدماء، فيطلبُ كوباً آخرَ من الماء، حتى فعلَ ذلك ثلاثاً، ثم رمى الكأس من يدِهِ... وكيفَ لمسلمٍ أن يشربَ ومحبوبُه يُحرَمُ من الماءِ ويَتلظَّى ويموتُ عطَشاً؟


59


كأني بهِ توجَّه إلى الإمامِ الحسينِ قائلاً: كيفَ أشربُ سيّدي وتموتُ أنتَ عطشانَ؟

ثم أَدخَلوه على ابنِ زيادٍ فأمر بقتلِه، فصعدوا به إلى أعلى القَصر، قالوا له: هل عندك حاجة؟ قال: بلى، وجَّه وجهَهُ إلى ناحيةِ الحسينِ قائلاً: السلامُ عليكَ يا أبا عبد الله، السلام عليكَ يا بن رسولِ الله، السلام عليك يا بنَ أميرِ المؤمنين...

إلكْ ابعثْ يَبو اليِّمة سلامي         وهاي آخرْ حَياتي يا إمامي
من فوقِ القَصِر يرموني ظامي     وِحيد وحاطَتْ الظُّلَّام بيَّه

لِنُسلِّم مع مسلمٍ على حبيبِنا الحسين: السلامُ عليكَ يا أبا عبد الله، السلامُ عليك يا بنَ رسول الله

عظَّم الله لكم الأجر.. وإذا بهم يَقْطَعون رأسَه ويَرمون به من أعلى القصر، فوقَعَ على الأرض جُثَّةً بلا رأس…

رحمَ اللهُ من نادى وا مسلماه… وا غريباه…

لكنَّ الفجيعةَ كانت عندما وصلَ الخبرُ إلى إمامِنا الحسين، فمصابُ مسلمٍ كان أولَ المصائبِ التي أبكتْ أبا عبدِ الله عليه السلام وزينب.

وكانت لمسلمٍ ابنةٌ تُدْعى حَميدة، فدعاها الإمام… لمَّا دخلتِ الخيمةَ، تارةً تنظُرُ إليها زينبُ وتبكي، وتارةً تنظر إليها أمُّ كلثوم وتبكي، جَعَل يُلاطفها، أَجْلَسَها في حِجْرِهِ وصارَ يمسحُ بيده على رأسِها وَيَعطفُ عليها، فاستشْعرت المصيبة، وقالت: يا عمَّ، ما لي


60


أراكَ تعطفُ عليَّ عطفَكَ على اليتامى، فهل أصابَ والدي مكروه؟!

ويلي
بْمَسْحَك عراسي تِرَكْتِ القَلُبْ ذايب          هذا يَعمِّي مِنْ علاماتِ المُصايب
ﮔَـلبي تِروَّع وابوي بسَفَر غايب              طوَّلِ الغيبه والله يْعَودَه بعجلْ ليَّه
ضَمْها لْصدْره والدمِعْ يجري بالخْدود        وقَلْها يا حميدة والدِك ما ظَنِّتي يْعود
شِهْقَتِ وْظلَّتْ تنتِحِبْ وبْروحها تْجُود         ونادتْ يا عمِّي لا تفاولِ بالمنية

(طور الخضيب)

بُويه يُمسلِمْ خاطري حِيلِ انِكسَر بِجْفاك        وعيني اعْلى دربَك ناطِرة
تتمنَّى شُوف اخْطَاك
عُمري زْغَيَّر ابهالعُمر محتاجه آنه ارْباك    لاتترِكْ اعْيالك تَرا مانِحتِمِلْ فرَكاك
                           آه يا مسلم آه يا مسلم آه يا مسلم آه

عمِّي انِشْدَه ابكِلْ وكِتْ عنّك آنه ابْحسْرة    يِمْسَحْ على راسي واحِسْ بعيونه الِفْ عَبْرة
مقْدَر اترجِمْ دمعِتَه همَّه اصْبَحْ اشْكِثْره      عمِّي يجيني ابكِلْ حزِنْ جنَّه انكِسَر ظهره
                           آه يا مسلم آه يا مسلم آه يا مسلم آه


61