الليلة الرابعة
وصولُ الحسينِ إلى كربلاء
 

يا محنةً خشَعَتْ لها الأرزاءُ
عجزتْ عقولُ الخلقِ عن إدراكِها
هي محنةُ السبطِ الغريبِ وقدْ أَتى
فتوقَّفَتْ خيلٌ لهمْ عن سيرِها
ناداهُمُ أيُّ البقاعِ بقاعُنا؟؟
الغاضريةُ والطفوفُ ونَينَوى
نادى إذاً هي كربلا فتهَيأوا
فهنا سنُذْبحُ يا رفاقُ ومِنْ هنا
وهنا سنُترَكُ دُونَ غُسْلٍ في العرَا
بالهمسِ يُوصي أختَه سبطُ الهدى
فستُحملين بلا دِثارٍ في المَلا
وتُرحَّلينَ إلى قُصورِ أميْةَ
فلْتَصبري يا بنتَ حيدرَ إنَّه
شاءَ الإلهُ بأنْ يراكِ سبيةً
ويرى وحوشَ الليل تشربُ من

وتواضَعتْ لجلالها العَلياءُ
فطغى سكوتٌ والسكوتُ رِثاءُ
أرضَ الطفوفِ وأهلَه النجباءُ
تأبَى مَسيراً فالمُرادُ بَقاءُ
قالوا له تَتَعدَّدُ الآراءُ
أو كربلاءُ فكلُّها أَسماءُ
كربٌ عظيمٌ ها هُنا وبَلاءُ
 تُسبى النساءُ وزينبُ الحوراءُ
ورؤوسُنا يلهو بها السُّفَهاءُ
صَبراً إذا ما جاءَ عاشوراءُ
والكلُّ ينظُرُ والرُؤى ٱستهزاءُ
لتُسبَّ فيها فاطمُ الزهراءُ
قدرٌ بأسفارِ البَلا وقضاءُ...
ويَرى رضيعي ضرّجتْهُ دماءُ
دمي فيُقامُ لي عند البتولِ عزاءُ


43


شعبي:

خُويه يا زينبْ لارضِ الحزنْ جينا
يمَّ الخِدر يخْتي بهالبقعة مدفنْنَا
اصِبْرِي يبعدِ الروحْ أبداَعَةِ الزَهره أُمْنا
وعباسْ مِنْ تلِگيه امگطَّعه إدِينه
منْ تنظُري جثتي ياخويه مَرمِيَّه
داري الخدِرْ خُويه وعينِچْ على ارقْيَّه
والليلْ لو چَلچَلْ خايفْ تجي لِينَه
خويه يا زينبْ لارضِ الحزنْ جِينا
يمِّ الخِدرْ يختي بهالبقعة مدفنَنْا
اصبري يبعدِ الروح ابْداعَةِ الزَّهره
وعباس مِنْ تِلْگِيه امگطَّعه ادينه
مِشى الوالي بجميعِ ٱهلَه وَسِرْنا (عائلاتنا)
احِمْلَه اشْلون مقْتَلْكُم وَسِرْنا(سبينا)
حَضْري ثيابِ السودْ البسِيهم ٱعلينه
وْوَاجِبْ علَّيه اوصِّيچْ ياخُويه واتْمنى
ساعةْ تشوفينا محزوزةْ رُگَبنْا
السَّهِم لَتْجِيسِيه متوسِّط بْعينَه
خايفْ على گَلبِچْ لاتنظُري اليه
امِسْحِي دَمْعَتْها منْ تِبچِي اعليَّه
واحنَه جِثَثْ عالگاَعْ بالدِّما امْغَسْلينه
حَضْري ثيابِ السودْ ٱلبسِيهم اعلينَه
وواجِبْ عليَّه اوصيچْ ياخويه واتمنى
أُمنا ساعةْ تِشوفينا محْزوزَةْ رُگَبْنا
السهم لتجيسيه متوسّط بعينه
وكِفِيليْ يِحْدِي بِضْعُوني (وَسِرْنا)(مشينا)
واسِيرْ اوْيَه العِدا خُويه سِبيه

أبوذية:
الدَهَرْ شَتَّتْ شمِلْنَه اومَنْ يِلِّمَّه      افراﮔـَك الوطنْ دَلَّالي مَنْ يِلِمَّه
رَيحانَةْ رسولِ اللهِ مَنْ يِلِمَّه         طِلَعْ خايفْ مِشَه لِلْغاضِريه

روَى ابنُ عبَّاس قال: لما أَتَتْ على الحسينِ سنتانِ من مولدِه،


44


خرجَ النبيُ صلى الله عليه وآله وسلم في سفرٍ له، فلما كانَ في بعضِ الطريقِ وقفَ فاسترجع، ودمِعَتْ عينَاه، فسُئِلَ عن ذلك؟ فقالَ: هذا يخبُرني عن أرضٍ بشاطئِ الفُرات، يقالُ لها: كربلا، يُقتلُ بها ولدي الحسينُ بنُ فاطمة، فانبَرى إليه نفرٌ من أصحابِه فقالوا له: "منْ يقتُلُه يا رسولَ الله؟!". فاندفَعَ يجيبُهم بنبراتٍ متقَطِّعةٍ حزينةٍ قائلاً: "رجلٌ يقالُ له: يزيد، لا باركَ اللهُ في نفسِه. وكأنِّي أنظرُ إلى مصرعِهِ ومدفنِهِ بها، وقدْ أهدَى برأسِهِ. واللهِ، ما ينظر أحدٌ إلى رأسِ ولدي الحسينِ فيفرحُ إلا خالفَ اللهُ بين قلبِهِ ولسانِهِ...". ولما قَفِلَ النبيُ من سفرِهِ كانَ مغموماً، فصَعِدَ المِنبرَ ووعظ المسلمين، وقد حَمَلَ حفيدَيه وريحانتَيه، فرفَعَ رأسَهُ صَوبَ السماء وقال: "اللّهُمَّ، إني محمدٌ عبدُك ونبيُّك، وهذا أطايبُ عترتي، وخيارُ ذُريّتي، وأرُومَتي، ومَن أُخلِّفُهم في أُمّتي.. اللَّهُمَّ، وقد أَخبرني جِبريلُ بأنَّ وَلَدي هذا- وأشار إلى الحسين - مقتولٌ مخذول، اللهمَّ فباركْ له في قتلِهِ، واجعلْهُ من ساداتِ الشهداء، إنَّك على كلِّ شيء قدير. اللهم ولا تبارِكْ في قاتلِهِ وخاذِلِهِ...".

وانقلبتْ ساحةُ الجامعِ إلى صرخةٍ مدوِّيةٍ من البكاءِ والعويل، فقال لهم النبي: "أَتبكون ولا تنصرونَه؟ اللَّهمَّ فكُنْ أنتَ ولياً وناصراً!!".

قال ابنُ عباس: وبقيَ النبيُ متغيِّر اللونِ، مُحمَرَّ الوجه، فصَعِدَ المِنبرَ مرةً أخرى، وخَطَبَ الناسَ خطبةً بليغةً موجزة، وعيناهُ تهملانِ دُموعاً، ثم قال: "أيُّها الناس، إنِّي قد خلّفْتُ فيكم الثقلين: كتابَ اللهِ


45


وعترتي وأَرومتي (ومزاجَ مائي) وثَمَرتِي، ولن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض. ألا وإنِّي لا أسألُكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أنْ أسألَكم المودَّةَ في القربى، فانظروا أنْ لا تلقَوني غداً على الحوض، وقد أبغضْتُم عترتي...."، إلى آخرِ الخطبةِ الشريفة، ثم نزِلَ عن المِنبر، ولم يبقَ أحدٌ من المهاجرينَ والأنصارِ إلا واستيْقَن أنَّ الحسينَ مقتولٌ...

وهكذا كان النبيُ صلى الله عليه وآله وسلم، قدْ أخْبَر بما يجري على وَلدِهِ الحسين عليه السلام، وأخبَرَ بتلكَ الأرض وما يجري عليها. لذلك نرى أن الإمام الحسين عليه السلام لما خرج من مكَّةَ، وركْبُهُ يسير، وإذا بجوادِ الحسينِ عليه السلام قد وقفَ عن المسيرِ، فنزِلَ عنه وركبَ جواداً غيرَه، فلمْ يسِرْ، فبعثَهُ فلم ينبعثْ، وزجَرهُ فلم ينزجر، حتّى بدّلَ سبعةَ أفراسٍ على بعض الروايات، فالتفتَ إلى أصحابِهِ وقال: ما اسمُ هذه الأرض؟ قالوا: أرضُ الغاضريّة، قال: هل لها اسمٌ غيرُ هذا؟ قالوا: تُسمّى نينوى... العقر...شاطىءُ الفرات، قال: هل لها اسم غيرُ هذا؟ قالوا: تسمّى كربلاء، فقال عليه السلام: أرضُ كربٍ وبلاء. ثمّ قال: انزِلُوا، هاهنا مناخُ ركابنا، هاهنا تُسفَك دماؤنا، هاهنا واللهِ تُهْتَكُ حريمنا، هاهنا والله تُقتَلُ رجالُنا، هاهنا والله تُذبَحُ أطفالنا، هاهنا والله تُزارُ قبورُنا، وبهذه التربةِ وعدني جدِّي رسولُ الله، ولا خُلْفَ لقوله..

هذا وزينبُ تسمعُ مقالَة أخيها الحسينِ، فخنقتْها العَبْره...


46


(لحن الفراق)
ها يَخُويه... هي هِيَّه ارضِ لِطْفُوف
ها يخويه... جِسمك تْگَطْعه بالسيوف
ها يخويه... امنِ القَهَر مِنْ هسَّه ماشوف

گِللِّي يحسين... شلون اظَل للظِيم وحدِي
گِللِّي يحسين... ابْقِي دمعاتي ٱعلى خَدِّي
گِللِّي يحسين... احَلْفَكْ ابْهادينا جدِّي
خَلْنَه نِرْجَع... لٱرضْ جَدْنا ياحبيبي
خَلْنَه نِرْجَعْ... خُويه لتّزيِّدْ لِهِيبي
خَلْنَه نِرْجَعْ... شوفَةِ ٱعيونَك طِبيبي
يگِلهه

(عكراوي)

خويه لَتْزِيدي آلامي والجْروح آه آه
تَرا يومِ العاشِرْ يَخُويه يَكثِّر النُّوح
يَزِينَبْ مِنْ تِشوفي النَّحَر مذبوح آه آه
مِنِّي وتشوفي الدِّمَهْ مَسْفُوحْ

ثمَّ إنَّ الحسينَ عليه السلام جَمَعَ إخوتَه، وأبناءَ عمومِهِ، وأهلَ بيتِه، ونظرَ إليهم وبكى وقال: "اللهمَّ، إنَّا أهلُ عِترةِ نبيِك مُحمَّد، قدْ أُخْرِجْنا وطُردنا وأُزْعِجْنا عن حرمِ جدِّنا، وتعدَّتْ بنو أميّةَ علينا. اللهُمَّ فخُذْ لنا


47


بحقِّنا، وانصرْنا على القومِ الظالمين...".

بقيَ هذا المخيَّمُ عامراً بالأهلِ والأصحابِ، وزينبُ عليها السلام في عِزَّةٍ ومَنَعَة، معها إخوتُها وعشيرتُها وأهلُ بيتِها.

أقولُ: يا مُحِبُّ، هذا يومَ نزلوا في كربلاء، وكان إلى جنبِ النساءِ وفخرِ المُخدَّراتِ زينبَ عليها السلام الحسينُ والعباسُ وعليُّ الأكبر والقاسمُ، لكنْ ما حالُ قلبِ زينبَ وأخواتِ زينبَ يومَ عاشوراءَ وليلةَ الحادي عشرَ من المحرَّمَ، حيثُ كانت الحوراءُ تنادي: أَخي حُسين، لكنَّها ما تَسمعُ جواباً، أَخي عَباس، ما تَسمعُ جواباً، لا ترى إلا مَن صافح الترابُ جَبينَه، وقَطَعَ الحِمَامُ أَنينَهُ...

ما حالُ قلبِ زينبَ عليها السلام وهي تَرى أخاها الحسينَ جُثَّةً بلا رأس...، وباقي الشهداءِ مُجزَّرين كالأضاحي على رمضاءِ كربلاء...

اشْحالْ امِ الحزِنْ زِينبْ او كَلثَم
اشحال الحرَمْ و شْحال اليِتَامه
گامتْ تذكرِ احسِين او عَمَامَه
غِدَتْ للحَرَمْ بالصِيوان حَنَّه
اوْ ذِيجْ تْصِيح رَاحَوا كِلْ اَهَلْنه
و ليلة تصيح يوليدي يلأكبر
عَسَنْ يومِ اللِّفِيَنه يومِ الأگَشَرْ
او رَمْلَه اتْصِيح يَوْلِيديَ يَجاسِم
اگِعِدْ عاينِ الحَالْ الفِوَاطِم
عَليها اللِّيل مِنْ خيَّم او اظَلْم
لِيلْ اهْدَعِش مِنْ خيَّم ظَلامة
اوْ عَليها الهظُم فوگ الحِزِن خيَّم
هاي تْصيح يَبْني اوْ تِجُرْ ونَّه
بَعِدْ ذاك الشَمِل هَيهاتْ يِلْتَمْ
نايم عالثره او جسمك امطبّر
اوْلاَ هَلْ عالخَلُگْ شَهرِ المْحَرَّم
ابْدَال العِرِسْ عالتِّربان نايم
گُبْعَتْ بالمِذَّلَه اوْ لِبْسَتِ الهَمْ

48


الربابْ اتْصِيح يَبْني او نُور عِينَاي      وِرَمْ صَدري او دَرَّتْ لك ثَداياي
يَعبدَ الله انگِطَع بِرْباك رَجْواي           او عُگُبْ عِينك عَليَّه النُّوم يِحْرَمْ

كأنِّي بها وجَّهَتْ نِدَاءَها إلى جدِّها رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم: جَدّاه يا رسولَ الله... صلَّى عليكَ ملائكةُ السَّماء، هذا حسينُك بالعَرَا، مسلوبَ العِمَامِةِ والرِّدا، مذبوحَ الرأس من القَفَا...
 

يجدِّي گُـوم هذا احسين مَذْبوح
يجدِّي ما بـگُتْ لَه امنِ الطَّعِنْ
يجدِّي ماتْ محَّدْ وِگَـفْ دُونه
وِحِيدْ ايعالِجْ او مِنْخِطِفْ لُونه
يجدَّي ماتْ محَّد مدَّدِ ايديه
يِعالِجْ بالشمِسْ محَّدْ گـُرَبْ لِيه
على الشاطي او على التِّرْبان مَطْروح
روُح يجدِّي گَلبِ اخُويه احسين فَطَّرْ
او لا نغَّارْ غَمّضْ لَه اعيونه
اوْ لاَ واحِدْ ابحْلـگَـه ماي گَطَّر
اوَ لاَ واحِدْ يجدِّي عِدَلْ رِجْليه
يحطْ له اظلال يا جدَّي مِنِ الحَرّ

بعد، إلى من توجِّهُ زينبُ نداءَها؟

كأني بها نادتْ: أمّاهُ يا زهراءُ، ليتكِ حاضرة وتَريْن ولدَك الحسينَ:
يمِّ الحسنْ يا زهرا تِعالي               وشُوفي كربلا شْسَوَّتْ بحالي
تِقلَّله

(لحن لفى عاشور)

بُقيتْ محيَّرهَ يُمه             بْوحْدي واصفِقْ الكفِّين
لا عبَّاس يبرالي             يا يُمه ولا الحْسِين
ما بِينِ الصفا ومَرْوة        تِسْعى بالحِجيجِ النَّاس


49


وانا زينبْ صِرِتْ اسعى      بِينْ حْسِين والعبَاس
ياهو اللي اصِلْ يمَّه          وٱشوفْ جِسْمَه بلا راس
واصِيحْ بْلوعتي وهمِّي       واصيحْ بصوتْ يا ابنُ ٱمِي
واويلي على المظلوم        على المظلوم واويلاه
مِثِلْ ما تِفْتِدي الحِجَّاج        تقرِّب للذبِحْ قُربان
انا القُرْبان قدَّمَتَهْ             خُوي المِنْذِبِح عَطْشان
ظَلْ مَرْمِي تلاتْ تيَّام         بلا غُسلٍ بلا يا كْفَان
واصيح بلوعِتي وهَمِّي       واصيح بصوت يا ابن امي
      واويلي على المظلوم على المظلوم واويلاه

كأني بالزهراء تجيبها:

يُمه يا زينبْ انا يمِّك مو بِعيده      انا شِفْتِ حْسِين مِنْ حَزَّوا وِرِيدَه
ثلاثْ تِيام يمَّه ساكنَه البِيدَا          يُمه انا نُوبه ادوِّر خِنْصُر ايده
                   ونُوبه ادوِّر كَفْ عِضِيْدَه

أَفاطمُ لو خِلْتِ الحُسينَ مُجدَّلا      وقدْ ماتَ عطشانا بشطِّ فُرات


50