الليلة الثالثة

عَيْنُ جُودِي عَلَى الشَّهِيدِ القَتيلِ
كيفَ يَشْفِي البكاءُ فـي قَتـلِ
قاتَلوا اللهَ والنَّـبيَّ ومَولاهـمُ
يَا لِكربٍ بكربـلاءَ عظيـمٍ
هيَ نفسُ الحسينِ نفسُ رسولِ
ذَبَحُوه ذَبحَ الأضاحي فيَا
وَطأوا جسـمَه وقد قطَّعُـوه
أَخذُوا رأسَـه وقد بضَّعـُوه
نَصَبُوه عَلَى القَنَـا فدمَائِـي
واسـتباحُوا بناتِ فاطمةَ الز
حَمَلوهُنَّ قد سُبينَ عَلَى الأ

واتْرُكِي الخَدَّ كَالمَحِيْلِ المُحِيلِ
مولايَ إمامِ التنزيلِ والتأويلِ
عَلِـيَّاً إذْ قاتَلوا ابنَ الرسُولِ
ولِـرُزءٍ عَـلَى النَّبـيِّ ثقيـلِ
اللهِ نفـسُ الوصيِّ نفسُ البتولِ
قلبُ تصـدَّعْ عَـلَى العزيزِ القتيلِ
وَيْلَهم مِن عقابِ يـومٍ وَبيـلِ
إنَّ سـعيَ الكفارِ في تضليلِ
لا دمُوعِـي تَسِيلُ كلَّ مَسِـيْلِ
هـراءِ لمَّا صَرَخْنَ حولَ القتيلِ
قْتـَابِ سـبْيَاً بالعُنفِ والتهويلِ

شعبي:

ساقِ الضِعِينَه احسِين مِنْ مَكَّه
نـادهْ مـحمَّدْ يـا عـزيزي او گِرَّةِ العِين
او بـاچِرْ يوگَفِ الـحاج يا سيدِ المُسِلمين

او مِشَه ابْلِيلْ اوْ وَحـشَه الـكَعَبة والخلايقْ دمِعْها ٱيسيِل
لا ويـنْ گاصِـدْ ما تِگلِّي ابْهَلْ سَفَرْ وِين
والـيـومْ يـومِ الـتَروِيَه يـبنِ الـبهَاليل


31


گَلَّــه يـخُويه گاصِـد آنَـه الـغاضِريَّه
وٱنْ كـانْ تِـسأَلْ عـن اِحرامي يا شِفِيَّه
وٱنْ كـان تـِسأَلْ عن مِنى ويَّه الضَحايه
ذُولـه الأَضـاحي مـا مِـثِلْهم في البَرايه
وٱنْ كـانَ تِـسأَلْ عن المشعَرْ يا عِضِيدِي
بـالسَّهَمْ يِـسْگونه وِهُـْو يِـْفحَصْ ابيديه اوْ
وآنـي أحِـجْ فـيها وٱهـلْ بِـيتي سِوِّيه
ثـُوبي الـيسِلْبوُنه بـعدْ ذِيـجِ الاراذِيـل
كِـلِّ ٱخـوْتَك بَـعدِ الـذَبِحْ تُـبْگه عَرايه
بـعدِ الـذبِحْ يِـبْگُون أويلي ابْغِير تَغْسِيل
أُوگَفْ أنـا مِـحتار وبْـحِضنيِ ٱوْلـيدي
دَمَّـه عـلى صدري يخويه واللهِ ايْسيل

أبوذية:
اگُول ابيَقْضِتي اولا هَجَر بالطَّفْ     تِـكَمْلِ الناسْ حجِّ البيتْ بالطَّفْ
وانَهَ مُحرِمْ صُبَحْتِ اليومْ بالطَّفْ     احِـجْ كَـعْبةْ ذِبـيحْ الغَاضريه

إنَّ من أهمِ الأسبابِ التي دعتْ الإمامَ الحسينَ بنَ عليٍّ عليه السلام إلى أن يُحِلَّ إحرامَ حجِّه، بإبدالِهِ إلى عمرةٍ مفرَدةٍ، ويخرجَ من مكةَ، ويتوجّهَ إلى العراق، بسرعةٍ وعلى عجلٍ، في يومِ التَروية - رغمَ أنَّ النَّاسَ كانوا يتوجهونَ إلى عرفاتَ لأداء مناسك الحج -، هو أنَّ الإمامَ الحسينَ عليه السلام أحسَّ بأن الجهازَ الأمويَ عازمٌ على إجهاضِ نهضتِهِ المباركة، والتخلّصِ منْهُ باغتيالهِ خلالَ أيامِ الحجّ، وإهدارِ دمِهِ، فعزَمَ على الخروجِ من مكةَ فوراً، لكي يفوِّتَ الفرصةَ على أعداءِ الدين.

مكةُ كانت محطةً، وليستْ هدَفاً:


32


حينَ غادرَ الإمامُ الحسينُ مدينةَ جدِّه رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مدينةِ مكةَ، لم يكنْ مطلَقاً يفكِّرُ في اتخاذِها مستقرّاً لإقامتِهِ، إنما أرادَ أن يتخذَها محطةً يتوقفُ فيها مدةً من الزمن، ثم يواصلُ بعدَها المسيرَ إلى العراقِ. وحينَ وصلَ الإمامُ الحسينُ إلى مدينةِ مكةَ، وأقامَ في جوارِ بيتِ اللهِ الحرام، زارهُ كثيرٌ من الصحابةِ والتابعينَ، وطلبوا منه الإقامةَ في هذهِ المدينة.

لو بقيَ الإمامُ الحسينُ عليه السلام لاغتالَهُ الأمويّونَ في مكةَ، وفي خلالِ إقامتِهِ في مدينةِ مكةَ لم تنقطعْ عنه وفودُ أهلِ الكوفةِ وهي تدعوه إلى القدومِ إلى العراق، ولم يكنْ الإمامُ راغباً في البقاءِ في مدينةِ مكةَ، لأنه يعرفُ نوايا الأمويّين وخططَهم لقتلهِ، وقد أعدُّوا العِدَّة لذلك، ومن المحتملِ أنَّهم جعلوا توقيتَها في موسمِ الحج.

وقد فوَّتَ الإمامُ هذه الفرصةَ عليهم بخروجِهِ قبلَ وقتِ التنفيذِ، في الثامنِ من ذي الحِجة سنة (60 هـ)، على الرغمِ من معارضةِ عددٍ كبيرٍ من الصحابةِ والتابعينَ وبني هاشم لهذا الخروج. ويبدُو أنَّ الإمامَ قد حسَمَ أمرَهُ، واتخذَ قرارَهُ بالرحيلِ إلى العراق.

الإمامُ الحسينُ عليه السلام يخرجُ من مكةَ حفاظاً على حُرمتِها:
فخرجَ لأنّه لا يريدُ أن يكونَ سبباً في انتهاكِ حرمةِ هذهِ المدينةِ، وبيتِ الله الحرام، ولهذا أجابَ عبدَ الله بنَ الزُبيرِ حينَ قالَ له: لو أقمْتَ في الحجازِ ثُمَّ طلبْتَ هذا الأمر لما خالفتُ عليك، قائلاً


33


عليه السلام له: "إنَّ أبي حدثني أنَّ لها كبشاً به تُستَحَلُّ حرمتُها، وما أُحِبُّ أنْ أكونَ أنا ذلكَ الكبشُ".

ويبدُو مما تقدَّم أنَّ الإمامَ كان يعرفُ أن الأمويينَ سوفَ يطلبونَه، ولن يتركوهُ حيّاً على كلِّ حالٍ وفي أيِّ مكان، وقد أكّدَ ذلك في قولِهِ لٱبنِ عباس: "واللهِ، لا يدعونَني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلَّطَ اللهُ عليهم مَنْ يُذِلُّهم".

لم يكنْ أهلُ مكةَ ممَّنْ يَتولَّى أهلَ البيتِ عليهم السلام:
وفضلاً عمَّا تقدَّمَ من الأسبابِ التي دعت الإمامَ إلى الخروجِ من مكَّة، فهو يعرفُ أنَّ بيئةَ مكةَ غيرُ ملائِمةٍ لاتخاذِها مكاناً لثورتهِ ضدَّ الحكمِ الأموي، لأنَّ أكثرَ الموجودينَ فيها لم يكنْ هواهم معَ الإمام الحسين، وفيهم منْ يميلُ إلى الأمويينَ، وقدْ أثبتتِ الأيامُ فيما بَعْدُ ما ذكرهُ الإمامُ الحسـين في هذا الأمر، فقد أعلنَ عبدُ الله بنُ الزبير ثورتَه ضدَّ الأمويينَ منها، وانتهتْ نهايتَها المعروفة، وانتَهكتْ حرمةَ بيتِ الله.

وفي ضوءِ ما تقدَّمَ، لم تكنْ مدينةُ مكَّةَ ملائمةً لثورةِ الإمامِ الحسين، ولكنَّه أرادَها أن تكونَ المنطلَقَ الأولَ لإعلانِ ثورتِهِ على حكم يزيدَ بنِ معاوية، الذي خرجَ على تعاليمِ الدينِ الإسلامي، وأقامَ حكماً ظالماً لا يقومُ على مبادئِ الإسلامِ وسُنّةِ الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم.

من دلالاتِ خروجِهِ عليه السلام في اليومِ الثامنِ عشر من ذي الحجة:


34


لقد خرجَ الإمامُ من مدينةِ مكَّةَ في اليومِ الثامنِ من ذي الحِجَّة. وٱختيارُ هذا اليومِ له دلالتانِ:
اختارَ هذا اليومَ ليتفادى ما يدبِّره الأمويونَ من محاولةٍ لٱغتيالِهِ، وقد انتدبوا لذلكَ عمرو بنَ سعيدٍ الأَشدق، الذي فاجأه خروجُ الإمامِ الحسينِ وأفشلَ خطّتَه، ولم تفلحْ كلُّ محاولاتِهِ في منعِ الإمامِ الحسين منَ الخروج.

إنَّ هذا اليومَ هو اليومُ الذي يفيضُ فيه حُجَّاجُ بيتِ اللهِ الحرامِ إلى عرفات، وفي هذا اليومِ يُعلنُ الإمامُ سخَطَه وثورتَهُ على حكمِ يزيد، وهذا الخروجُ يمثّلُ رسالةً ثائرةً إلى كلِّ بقاعِ البلادِ الإسلاميةِ في العالمِ، وبذلكَ استطاعَ أن يوصلَ إعلانَ ثورتِهِ إلى كلِّ بقاعِ الدنيا.

لذلكَ خطبَ عليه السلام في مكَّةَ:
"أَيُّهَا الْنَّاسُ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلَىَ وُلدِ آَدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَىَ جِيْدِ الْفَتَاةِ. وَمَا أوْلَهني إلى لِقَاءِ أسْلافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوْبَ إلَى يُوَسُفَ. كَأَنِّيْ بَّأَوْصَالِيْ تُقَطِّعُهَا عُسْلانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النْوَاويسِ وَكَرْبَلاءَ...".


وَكَأَنِّيْ بِهِ يُلَبِّيَ (سَلَامُ الْلَّهِ عَلَيْهِ) بِهَذِه الْتَّلْبِيَةِ فِيْ آخِرِ حِجَّةٍ له:
لَبَّيْكْ يَا رَبِّي عَنْ جُوَارَك أنَا مَطْرُوْد
                       لَبَّيْكْ يَا رَبِّي يِذِبْحُون ارْجَالِي وَاظَل مَفْرُوْد
لَبَّيْكْ يَا رَبِّي وَقَلْبِيْ مِنْ الظَّمَا ممْرُود
                      لَبَّيْكْ أنَا خَايِفْ وَكُلُّ الْنَّاس مَأْمُوْنَة


35


لَبَّيْكْ أنَا حسيْن الْسِّبْط وَانْتَ الْعَالِمِ بْحَالِي
                     لَبَّيْكْ فِيْ مَرْضَاتِك يِذِبْحُونْ لِي اطْفَالِي
لَبَّيْكْ نِسَوَانِي تْسَافِرُ مَالِهَا وَالِي
                    ولَبَّيْكْ أنَا خَايِفْ وَكُلّ الْنَّاس مَأمُونَة
لَبَّيْكْ يَا رَبِّي وِاقْبَلْ نُسْكِيْ وَالْاعْمَالِ
                   لَبَّيْكْ وَاقْبَلْ تَّلْبْيَاتِي بذَبْحِة الْابْطَال
لَبَّيْكْ حَتَّى الْشَّمِر يَصْعَد صَدْرِيْ بِالنِّعَال
                  لَبَّيْكْ أنَا خَايِفْ وَكُلّ الْنَّاس مَأْمُوْنَة

قِبَلِ مَا يِشِيْلْ مِنْ مَكَّةَ ظَعَنَ الْدِّيْنِ وَالْقُرْان
                 ابُوْ السَّجَّادِ بِالْكَعْبَةِ قَامَ يَطَّوَّفَ الْنِّسْوَان
زَيْنَبْ بِالْعَفْافِ تَطُوْفُ بَيْنَ اخَوَتُهَا عَنِ لُرِّجَال
                ابُوْ السَّجَّادِ بِالْيُمْنَىَ وَابُوْ فَاضِلٌ عَلَىَ لَشِّمَال
وَبِخَدَهَا الْشَّرِيفِ دُمُوْعُ بَسّ تَنْظُرَ الَىَّ الْهِلَال
               وَابُوْ الْيَمَّةِ لَمْحِ زَيْنَبْ وَادْرِكَ عِلَّةٍ الْاحْزَان
لَمَحَهَا تُعَايِنُ الْكَعْبَةِ وَعَلَىَ خَدِّهَا الْدَّمْعِ نِثَار
               وَيَزِيْدُ الْنَّوْحُ مِنْ زَيْنَبَ بَسّ تَنْظُرُ صَدَعَ الْجِدَار


36


عَرَّفَهَا حُسَيْنِ تَتَذَكَّرُ وِلَادَةُ حَيْدَرْ الْكَرَار
                     وَتَذَكَّرْ مَسْجِدٍ الْكُوْفَةِ وَضَرْبَةٌ الزُلْزَلتُ الْاكْوَان

تَطُوْفُ وَبِيَدِهَا الْعَبَّاسِ وَعَلَىَ خَدِّهَا الْدَّمْعِ سَايِلْ
                     تَقُلْهُ تُذَكِّرُ يَوْمَ ابُوْنَا يَقُوْلُ مَنْ تَخْتَارِيْنَ لَكِ كَافِل
قُلْتُ لَهُ يَوْمَ وَدَّعَنِي قَلْبِيْ اخْتَارَ ابُوْ فَاضِل
                    غيور وليدك العباس وبحمايته ما بنهان

وَاذّا الْامَامِ الْحُسَيْنِ يَأْمُرُ الْعَبَّاسِ وَالَهَواشِمْ وَأبْنَاءِ عُمُوْمَتِهِ وَأوْلَادَهُ بِتَجْهِيزِ الْمَحَامِلِ وَالْهَوَادِجِ وَأتَمِرُوا بِأَمْرِهِ:
وَتَزَلْزَلَتِ مَكَّةَ بِأَهْلِهَا وَارْتَفَعَ مِنْهَا الْوَنِيْنَ           سَمْعُو الْكَعْبَةِ تُنَادِيْ يَأَبَنْ امِيْرِ الْمُؤْمِنِيْنَ
                      نَاعِيَةً تَصْرُخُ وَكَمْ نَاعِيَةً تَصْرُخُ لِوَدَاعِ الْحُسَيْنِ

لقد حاولَ ابنُ الحنفيةِ أنْ يُقنِعَ أخاهُ الحسينَ عليه السلام بالبقاءِ في مكةَ المكرَّمة، وألَّا يلحقَ بالأماكنِ النائيةِ في الصحاري وشُعَبِ الجبال، وأنْ ينتقلَ من بلدٍ إلى آخرَ، كما اقترحَ عليه أن يذهبَ إلى اليَمن.

فلمَّا رأى الحسينُ عليه السلام شدّةَ حِرْصِ أخيه عليه، أرادَ أن يهدِّئَ روعَه، فقالَ له: "أَنظُرُ فيما قُلتَ"، كان ذلكَ في آخرِ ليلةٍ للحسينِ بمكة. وفي سَحَرِ تلك الليلة تهيَّأَ الحسينُ ورَكْبُهُ لمغادرةِ البيتِ الحرام، فلمَّا سمعَ ابنُ الحنفيّةِ جاءَ مسرعاً، وأخذ بزمامِ دابّةِ أخيه الحسينِ وهو يقول: يا أخي، ألمْ تعِدْني النظرَ فيما سألتُك؟


37


فقال الحسينُ عليه السلام: "بلى... ولكنْ أتاني رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما فارقتُكَ، وقالَ لي: يا حسينُ ٱخرجْ، فإنَّ اللهَ شاءَ أن يراكَ قتيلاً"، فبكى ٱبنُ الحنفيةِ ثمَّ قالَ للحسينِ عليه السلام: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، فما معنى حملِ هؤلاءِ النساءِ والأطفال، وأنتَ على مِثْلِ هذا الحال؟ فأجابه عليه السلام: "شاءَ اللهُ أن يراهُنَّ سبايا!!"، فغرق ابنُ الحنفية بدموعِهِ.

أَأُخيَّ إنَّ اللهَ شاءَ بأنْ يَرى           جِسمي على حَرِّ الصعيدِ خضِيبا
ويَرى النساءَ على النياقِ حَواسِراً    أَسْرى وزينَ العابدينَ غريبا
ٱكفُفْ فقدُ خُطَّ القضاءُ بأنني          أُمسيْ بساحةِ كربلاءَ سليباً

شعبي:

قلَّه ودمعِ العيْن فوقِ الخدِّ تَبْديدْ                 حجِّي وسعيِّ في طفوفِ الغاضرية
حجِّي مَهُو بْزَيِّ الحج حجيّ يومْ عاشور        صدري الكعبةْ والحَجَر نحري المَنْحور
وحِجر النِبي اِسماعيل الأكبرْ بدرِ الْبدور        أما طَوافي حولْ اخيامٍ خِليِّه

ورجع ابنُ الحنفيةِ إلى المدينةِ كسيرَ القلبِ دامعَ العينين، حتى جرى ما جرى على الحسينِ وعيالهِ من قتلٍ وسبيٍ، ودخلَ بِشْرُ بنُ حَذْلَم ينعاه في المدينة.

روى المؤرّخونَ أنَّ الإمامَ السجادَ عليه السلام لمَّا قدِمَ المدينة، نَصَبَ الخيامَ، وأَمَرَ بأنْ يُنعى الحسين... وبدأ الناسُ يتوافدونَ على خيمةِ الإمامِ لاطِمِي الرؤوس، وإذا بمحمدِ ابنِ الحنفيةِ أخِ الإمامِ الحسينِ يصِلُ إلى مكانِ الإمامِ زينِ العابدين...


38


والإمامُ ينادي: أيُّها الناسُ، قُتِلَ والدي الحسينُ، وطافوا برأسِهِ إلى جميعِ البلدانِ، وإذا بمحمدٍ يَقَعُ مِنْ على ظهرِ جوادِهِ

يـﮕِـلَّك وتِهِلْ دمعاتْ عِينَه                    يَشِبْل حْسين ابُوك حسين ويِنه
يـﮕـلَّله يا عمِّي بُويَ انذِبَحْ وٱحنا انسبينا     يا عمِّي قَلبي كيف اعدِّدْلك صْدُوعَة
منْ كربلا للكوفْة للشامِ الفِجِيعَة              تَصدِّق يا عمِّي من فعايلها الشنيعة
                       والله ذبْحَوْ على صدْرَه رِضِيْعَه

عمِّ يا زينَ العابدين، ذَبَحوا أباك، ذبَحوا أعمامَك... قال: بَلى يا عم....

فجعل الإمامُ عليه السلام يقُصُّ عليه القِّصة، وعيناهُ كأنّهما المِيزاب، وبيدِهِ خِرقةٌ يمسحُ بها دموعَه، فلمْ يزلْ يخبرُهُ حتى لم يبقَ له قوةٌ أبداً.

مجردات

مْـحمَّدْ يَعمِّي جِيتَك ايتيم      او ظَلْ معي بس الحريم
شَقِلَّكْ يا عمِّي ماليِ لْسَانْ    على وجوهُهِنْ فرّنَ النسوانْ

قال الراوي: فما كانتْ إلا ساعَةَ، وقد أتَتْ نساءُ أهلِ المدينة، فتلقّتْهُنَّ نساءُ الحسين عليه السلام بلطمٍ يكادُ الصخرُ يتصدَّعُ له، ثم دخلوا إلى المدينة، فلمَّا دخلَ الإمامُ عليه السلام إلى دارِ الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم وجدَها مُقْفرة، خاليةً من سُكانها، موحشةً لفقْدِ الأئمةِ الهُداة...

هكذا هوَ حالُ الإمامِ زينِ العابدينَ عليه السلام. أمّا حالُ زينبَ عليه السلام، كأنَّي بها لمّا نظرتْ إلى دارِ الحسينِ خالية:
اشـْلونْ اطُـب الدَّار يَحسِين          ٱو داركْ اشُـوفَنْها ابـيا عِين


39


اشْيفيد دمعي او صفِگ الٱيدين       سِطَرني الدهَرْ سطْرَه ابسبعين
ابـفگْدكَ يـسُورْ الـهاشميين            مـا چِنَّـه يبْنُ اميِ مْحسَبْين
                         تِتْفَرَّج علينا الدِواوين

كأني بها ذهبتْ إلى قبرِ أمِّها الزهراء، أُمّاه يا زهراءُ، أتيتُ إليكِ ناعيةً الحسين. أُمَّاه، ذَبَحوا أخي الحسينَ عطشانَ ظمآنَ. أمَّاه، سبَونا من بلدٍ إلى بلد، ومن مكانٍ إلى مكان....

الزهراءُ تجيبُها بلسانِ الحال:

يزينبْ يُمه اخبريني اريدْ ٱسمَع شِنو اللي صار
                               ترا همِّچْ هِدَمْ حِيلي يابنتِ المُرتضى الكرَّار
خِبريني ينورِ العِين ترا گَلْبِي توجَّر نارْ
                              اُخوتِچْ ليش مارِجْعَوا ولا اولادِچْ الٱطهار
الگَلُبْ مِشتاگ يايُمة للحسين اللي يحمِيِ الجَار
                              آه يازينبْ آه يازينبْ آه يازينبْ آه
شْعَجَبْ جيتيني مهضُومة وجيتي امحمَّلة أحزان
                             الدمعْ جاري على خدِّچ وتحچِي دْموعِچِ الأشْجانْ
ييُمَّة فرغي هَمْ گلبِچْ ترا گَلبِي إلچْ وَجْعانْ
                           أَموتَ أنا ولاانظْرِچْ شِلتي امنِ الحزِنْ ألوانْ
             آه يا زينبْ آه يا زينبْ آه يا زينبْ آه

تجاوبُها زينب عليه السلام


40


شَجَاوِبْ يُمة شَرْدَ اَحْچي على گَلبِي الهمومْ اجْبال
                            ابْياَ هَمْ أبْدِي وِبْيا ضِيْم يَنكْبةْ ٱشْكيلِچ ويَاحَال
اذا تْسألِين عنِ اخواني جُثَثْ ظَلوا على لِرْمَال
                           ابْوادي كربلا انْذِبْحو كِلْهُم والدِّما سيَّال
ورِكَبْتِ ٱعلى الِهزِل ويْه الأعادي مْربَّطة بأحبال
                           آه يايمه آه يايمه آه يايمه آه
يَيُمَّة ٱخواني وٱولادي ظمايا بِقَوا مسلوبين
                          لا جاسمْ ولا الاكبرْ ظَلوا عالثَرى امْطاعين
وحِمَه خِدري بعمَدْ ضِرْبُوه على اجْبينه وسهمْ بالعين
                         منْ بعدِ الضرِبْ بِسْهَام گِطْعوا يسرِتَه وِليْمِين
اسكُتْ لو اكمِّلْ لِچْ عن اعزيزِچْ حبيبي حسين
                         آه يايمة آه يايمة آه يايمة آه
يَلِحْبَيبةْ احسَنِّچ نِحلْتي ولونِچْ اتغيَّر
                        امنِ اَجتْ سيرةِ حسينِ اهْنا اشُوفَنْ حالِچْ اتكدَّر
هذا بس حچِي بلسانْ بدليلِچْ هالكُثر اثَّر
                        ماينلامْ انا گَلبي لوَن باحزانَه يتفجَّر
           آه يا يمة آه يا يمة آه يا يمة آه


41


شِفْتَ انا السبِطْ عالگَاعْ ومِنِ جْر وحَه يسيل الدَّم،
                            بسهِمْ مسمُومْ بالدَّلال وشِفتْ دلَّالهْ ٱمْخذَّم
رحِتْله بونِّتي وهمِّي لگِيته ضامي يِتألمْ
                           رِدِتْ اسگِيه منِ ادمُوعي لگِيتْ ٱعيوني صبَّتْ دَم
بُقيت انا انْحب بْكِتْره اجاهْ الشِمِر محزَّم
                          دِفْعني بحقدَه من عِندَه وبِدَه يحزْ نحرَه يامَعظَّم
         هالمصيبة هالمصيبة هالمصيبة آه


42