الليلة العاشرة

مجلسُ الطِّفلِ الرضيع

ما زلتُ اسألُ والمدامعُ هُمَّلُ
وأقلُّ نائبةٍ دهَتْكَ بكربلا
لَهْفِي عليكَ فقد حَمَلْتَ مِنَ البِلا
لو أنَّ بعضَ أسَاك قُسِّمَ في الورى
ودَّعْتَ سبعيناً مضَوا لحتوفِهم
وتذُبُّ عنْهُم ما استطعْتَ مِنَ العِدَى
حتى إذا صُرعَ الأحِبَّةُ كلُّهم
أَعْطَوكَ طِفْلاً لا حِراكَ بِهِ وقَدْ
فأَخَذْتَه في حِجْرِك الزَّاكي إلى
علَّ العدوَّ إذا رآهُ يُغِيثُهُ
تَدعو عسى ينْجُو الصغيرُ من الأَذى
لكنَّهم خَذَلوا أمانيها فَقَدْ
قَدْ أَثْكَلوا أُمَّ الحسينِ بهِ كَمَا
أيموتُ ظَمْآناً حفيدُ محمَّدٍ

أيُّ الخطوبِ على فؤادِكَ أثْقَلُ
مِنْ مَسِّها الجبلُ الأشمُّ يُزلزلُ
ومِنَ الأَسى ما لا يُطاقُ ويُحْمَلُ
لأَبادَهم جَزَعاً… كذلك يَفْعلُ..
هذا تعانِقُه وذاكَ تُقبِّل
ولأَنْتَ أَصدقُ مَنْ يَذِبُّ وأَنْبَلُ
وبَقِيتَ وحدَكَ بينَهم تَتَنقَّلُ
أَرْدَى بِهِ عَطَشٌ وعَزَّ المَنْهَلُ...
نهرِ الفُرات ودَمعُ عينِك يَهْمِلُ
وَتركْتَ خَلْفَكَ طِفْلةً تَتَوسَّلُ
ليكونَ مؤنِسَها إذا ما تَرْحَلُ
ذَبحَ الصَّغيرَ بِسَهْم غَدْرٍ حَرْمَلُ
مِنْ قَبلُ أسيادٌ لهُ قَدْ أَثَكَلوا
وحفيدُ هِندٍ في القصورِ يُدَلَّلُ ؟؟


107


نعم..
ساعدَ اللهُ قلبَ الحسينِ عليه السلام، أَخذَ ابنَهُ عبدَ اللهِ الرضيعَ، ليسقِيَه شربَةً مِنَ الماء، بَعدَما جَفَّ الحليبُ في ثَديَي أمِّه.. فرواه القومُ سهماً ذَبَحوه منَ الوريدِ إلى الوريد.

(لحن الخضيب)

هذا رِضِيعي مِنِ الظّما اصْطَكَّت سْنُونَه     
يا لُوعِتي لذاكِ الطِفِلْ مِنْ غَارتْ عْيونه    
يِبْستِ شْفَافه منِ الظَما ومِنْكِسِفْ لُونه      
والقاسي صوَّبِ عْليه سهْمِ المَنونة
نادى الحْسِيْن بْلُوعِتَه وابْنَه يِهدُّونه
رِمى بدمَّه للسَّما وتذرِف عْيونَه
 
ما تْعاينُونَه منِ العَطَشْ غَارتِ عْيونه
وانْفِطَر كَبْدَه يا ويلي وانخِطَفْ لُونه
خِذَه ابوُه منِ الخِيم للقُوم يِسْقُونه
وصابْ السَّهَم هذا الطِفِلْ المَقْصَدْ يِذِبْحونه
كَلْه دِمَا كِلَّه مصاب وزادَتِ همُومه
دمعِ المُصاب بلوعِتَه كِلْهُم يِوَدْعُونه

أما أمُّه الرباب..ساعدَ اللهُ قلبَ أمِّه.. كأنّي بها تخاطبُ رضيعَها..

(آه) ردُّوك يبني ابسَهِم مَفْطوم     يالْرِحِتْ عنِّ المَاي مَحْروم
بَعْدَك لحرِّمْ لَذَّتِ النُّوم             واصْبَغْ يَعَگْلِي سُودِ الهْدُوم
                    وابكِي علِيك بْقَلُب مَآلوم

أبوذية:

الطِفِلْ ظامي يبو السَّجاد وِرْداه     آهُو شَمَّامهَ أخويه اوذِيل وِرْداه
النذِلْ سدَّد ابسهِم وِرْداه             كِطَعْ نَحْرَه على شَرْبَةٍ مَيَّه

لقد استطَاع الإمامُ الحسينُ عليه السلام أن يُنقِّيَ مسيرَته الرائِدَةَ مِنْ كلِّ أصحابِ المطامعِ والمصالح، ولم يبقَ معَه إلا المُخلِصون الواعون، الذين سَطَّروا أروعَ الصفحاتِ، وأَبْيَنَ المواقِف، حيثُ لم يُغيِّروا مواقفَهم، ولم يَتركوا إمامَهم، ولم يَستسلموا لأعدائهم.


108


وكانت أكبرُ عمليةِ تنقيةٍ قامَ بها الإمامُ الحسين عليه السلام في طريقِهِ إلى كربلاء حينَما أَخبرَ الناسَ بنبأِ استشهادِ مسلمِ بنِ عقيلٍ عليه السلام، حيثُ تفرَّقَ الناسُ عنه يميناً وشمالاً، ولم يبقَ معه إلا الذين خَرجُوا مَعَهُ مِنْ مكةَ المكرَّمة، والقليلُ ممن التحقَ به في الطريق.

فالتأثيراتُ مِنْ ذِكْر الموتِ كانت تقعُ موقعَ الفزعِ والهَلَعِ على أصحابِ المطَامع، فكانوا يَهربُون ويَتركون الرَّكْبَ الحسينيّ، في حين أن استمراريةَ ذِكْرِ الموتِ والشهادةِ والقَتْل كانت تُحدِثُ نتائجَ مغايرةً في المخْلِصينَ الوَاعين، في أنصارِ الحسينِ وأهلِ بيتِهِ،
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ.

ولهذا كانَ أصحابُ الحسينِ تَزدادُ وجوهُهم إشراقاً، ومواقفُهم رساليةً، وثباتُهم أُسطوريَّة، كُلَّمَا أَحَدَقَ بهمُ الخوفُ، وأحاطَ بِهِمُ العدوُ، واقتربتْ منهُمُ المواجَهة.

وكان لهؤلاء الأبطال موقفٌ - وأيُّ موقفٍ هذِهِ الليلة - ليلةَ عاشُوراءَ، حيثُ إنَّ الإمامَ الحسينَ خَطَبهُم حينَما جَنَّ ظلامُ هذه الليلةِ، بعد أنْ جَمَعَهُم قائلاً:


109


"أُثني على اللهِ أحسنَ الثناء، وأَحمَدَهُ على السَّراءِ والضَّراءِ. اللهُمَّ إنِّي أحمدُك على أنْ أكرمْتَنا بالنبوّة، وعلَّمتنا القرآن، وفقَّهتنا في الدين، وجعلتَ لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئِدة، ولم تجعلْنا  من المشركين. أمَّا بعد، فإني لا أعلمُ أصحاباً أَوْلى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أَبرَّ ولا أَوْصَلَ من أهلِ بيتي، فجزاكُم الله عنِّي جميعاً".

وقد أَخبَرني جدّي رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّي سأُسَاقُ إلى العراقِ، فأَنزِلُ أرضاً يُقال لها: عَمُورا وكَربلاء، وفيها أُسْتشْهَدُ، وقد قَرُبَ الموعِد.

ألَا وإنَّي أظنُّ يومَنا مِنْ هؤلاءِ الأعداءِ غداً، وإنّي قَدْ أَذِنْتُ لكم، ف?نطلِقوا جميعاً في حلٍّ، ليس عليكم منِّي ذِمامٌ، وهذا الليلُ قد غَشِيَكُم فاتّخِذوه جَمَلاً، ولْيأخُذْ كُلُّ رجلٍ منكم بيدِ رجلٍ من أهلِ بيتي، فجزَاكُم الله جميعاً خيراً، وتفرَّقوا في سوادِكم ومدائِنِكم، فإنَّ القومَ إنما يَطلِبوني ولو أصابوني لذَهِلوا عن طلبِ غيري"!..

فقال له إخوتُه وأبناؤه وبنو أخيه وأبناءُ عبدِ الله بنِ جعفر:لِمَ نفعلُ ذلك؟ لنبقَى بعدَك، لا أرانا اللهُ ذلكَ أبداً. بدأَهم بهذا القولِ العباسُ بنُ علي عليه السلام وتَابَعَهُ الهاشميون، والتفَتَ الحسينُ إلى بني عقيلٍ وقال: حسبُكُم من القَتْلِ مُسلِم، اذهبوا، قد أذِنْتُ لكم. فقالوا: إذاً ما يقولُ الناسُ، وما نقولُ لهم؟ إنَّا تَركْنا شيخَنا وسيِّدنا وبني عمومتِنا خيرَ الأعمام، ولم نرمِ بسهمٍ ولمَ نَطْعنْ برمحٍ ولم نضربْ بسيفٍ، ولا نَدري ما صَنَعوا. لا واللهِ، لا نفعلُ ذلك، ولكنْ نَفْديك بأنفُسِنا وأموالِنا


110


وأَهْلينا، نقاتلُ مَعَك حتى نَرِدَ مورِدَك. قبَّح اللهُ العيشَ بعدَك.

ثم جاء دورُ الأنصار، فقال مسلمُ بنُ عوسَجَةَ (رضوان الله عليه):
أَنحنُ نُخْلِي عنك؟ وبماذا نعتذرُ إلى اللهِ في أداءِ حقِّك؟ أما- واللهِ- لا أُفارقُك حتى أَطْعَنَ في صدورِهم برمحي، وأَضْرِبَ بسيفي ما ثبت قائِمُهُ بيدي. ولو لمْ يكنْ معي سلاحٌ أقاتلُهم به لقذفتُهم بالحِجَارةِ حتى أموتَ معك.

ثمّ قالَ سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الحنفي: واللهِ، لا نُخَلِّيكَ حتى يعلمَ اللهُ أنْ قدْ حفِظْنا غَيبةَ رسولهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِيك. أَمَا واللهِ، لو علِمْتُ أني أُقتل ثمّ أُحيا أَم أُحرَقُ حياً ثمّ أُذْرَى، يُفعَلُ بي ذلك سبعين مرّةً، لما فارقتُك حتى ألقى حِمامِي دونك. وكيفَ لا أفعلُ ذلك، وإنَّما هي قَتْلَةٌ واحدةٌ، ثُمّ هي الكرامةُ التي لا انقضاءَ لها!!

وقال زهيرُ بنُ القَين: والله، وددت أني قُتلتُ، ثم نُشرتُ، ثم قُتلتُ، حتى أُقتَلَ كذا ألفَ مرة، وأن الله عزّ وجلّ يدفع بذلك القتلِ عن نفسِك، وعن أنفسِ هؤلاء الفتيان من أهلِ بيتك!

ثم تكلّم باقي الأصحاب بما يشبهُ بعضُه بعضاً، فجزَّاهم الحسين خيراً".

وهكذا أوضحت المقالات عن عمق الإيمان، ووضوح الرؤية وثبات الموقف.

وجاء يوم عاشوراء ليجدَ أولئك الأشاوسُ عميقَ ذلك الوعي


111


والثبات.

وتنادبتْ للذَبِّ عنهُ عِصْبةٌ             ورِثُوا المَعالي أَشْيُباً وشَبابا
مَنْ يَنتدْبُهم لِلكَرِيهةِ يَنْتَدِبْ             مِنْهم ضَراغِمَةُ الأُسودِ غِضَابا
خَفُّوا لداعي الحربِ حينَ دَعاهُمُ      ورِثُوا بِعَرْصةِ كربلاءَ هِضَابا
أُسُدٌ قدِ اتَّخذوا الصوارمَ حِليةً         وتَسربلوا حَلَقَ الدُّروعِ ثِيابا
وجَدُوا الرَّدى من دونِ آلِ محمدٍ      عَذْباً وبَعْدَهُمُ الحياةَ عذابا

وتفرَّغَ أصحاب الحسين عليه السلام هذه الليلة ليعدّوا للمواجهة يوم غدٍ، ثم لينقطعوا إلى الله تعالى قياماً وقعوداً، ركوعاً وسجوداً. ذكر السيد ابن طاووس في اللهوف أنّ اثنين وثلاثين رجلاً عبروا من معسكر عمرِ بن سعد إلى معسكر الحسين عليه السلام تلك الليلة، وبقوا معه حتى نالوا الشهادة.

أمّا الحسين عليه السلام، فقد قضى بعض هذه الليلة في تفقّد التلاعِ ومواقعِ الأرض التي تحيط بالمخيَّم، ووضع خطّة الحرب، وأمر بحفر خندقٍ حول الخيام التي أمر بتقريبها، وسدَّ الفراغَ بينها.

كما قضى شطراً من هذه الليلة في انقطاعٍ إلى الله تعالى، تلاوةً لكتابه، وذكراً لآلائه، وصلاةً لقدسِه تبارك وتعالى. وكان قد قال للقوم لما أرادوا الحرب عصرَ يومِ التاسع: إنّ الله تعالى يعلم أني أحبُّ الصلاةَ له، وتلاوةَ القرآن، وكثرةَ الاستغفار. بينما قضى الشطرَ الآخرَ من ليلته الأخيرةِ هذه مع أهله وعياله، في توديعِهم وإعدادِهم لتحمُّلِ


112


الرزايا ومواجهةِ المصائب ورحلةِ السبي الطويلة التي هي بانتظارهم.

ورُوي عن الإمامِ زينِ العابدين عليه السلام أنه قال: "إني لجالسٌ في تلك العشية التي قُتل أبي في صبيحتها، وعندي عمتي زينبُ تمرِّضُني، إذ اعتزل أبي في خباءٍ له، وعنده (جون) مولى أبي ذر، وهو يعالج سيفَه ويصلحُه، وأبي يقول:
يا دهرُ أفٍ لك مِن خَليلِ      كَمْ لكَ بالإشراقِ والأصيلِ
مِن صاحبٍ أو طالبٍ قتيلِ    والدهرُ لا يَقْنعُ بالبديل
وإنما الأمرُ إلى الجليل        وكُلُّ حيٍ سالكٌ سبيلِ
          ما أقربَ الوعدَ مِنَ الرحيلِ

فأعادها أبي مرتين أو ثلاثاً حتى فهمتها، فعرفتُ ما أراد، فخنقتْني العبرةُ، فرددتُ دمعتي ولزمتُ السكوت، وعلمتُ أن البلاء قد نزل!

وأما عمتي زينبُ عليها السلام، فإنها لما سمعت ما سمعت، وهي امرأةٌ، ومن شأن النساء الرقّةُ والجزع، فلم تملك نفسها دون أن وثبت تجرّ أذيالَها وهي حاسرةٌ، حتى انتهت إليه وهي تنادي: وا ثكلاه، ليت الموتُ أعدمني الحياة، اليوم ماتتْ أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفةَ الماضين وثمالَ الباقين.

فنظر إليها الحسين عليه السلام نظرَ رأفةٍ ورقّةٍ وقال: يا أخيّة، لا يذهبن بحلمك الشيطانُ. قالت: بأبي أنت وأمي، استقتلتُ نفسي فداك، فردَّ الحسين غصّتَهُ وترقرقتْ عيناهُ بالدموع، فقالت: ردّنا إلى


113


حرمِ جدِّنا رسولِ الله، فقال: هيهاتَ، لو تُرك القطا ليلاً لغفا ونام!

فقالت: وا ويلتاه، أفتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرحُ لقلبي وأشدُّ على نفسي. فقال لها الحسين: أخيّة، اتقي الله، وتعزَّي بعزاءِ الله، واعلمي أن أهلَ الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا
يبقون.

كأني بزينبَ تكلّم أخاها الحسين، تطلب منه أن تودّعَهُ في آخر ليلة من عمره:
الليلة هالليلة خَلِّيني هالليلة              بْقُربك يا خويه ساعاتٍ طِويلة
لا تِخَبِّي بجفونك دْموعَك ياغالي         أنا أقرا بعيونَك احزانِ الليالي
خليني أشِمَّك والشيْبِ الخَضِيب          وِلْصَدْري اضُمَّك ساعاتٍ طِويلة
هالليلة هالليلة خليني هالليلة…         آخر ليلة بعُمْرك يا حسين هالليلة
خليني أَضُمك يا غالي واشِمَّكْ           خلّيني يَمَّكْ أَشْبع نَظَرْ مِنَّك…
آخر ليلة بعمرك أصعب ليلة بعمري     خليني يمّك أنظر نور وجهك أشبع نظر منّك
                شلونِ الليالي تمر الليالي من دونك يا غالي

خليني أشمّك ولصدري أضمك             خليني بقربك يا حسين هالليلةّ

ثم سمعت بقيةُ النسوة، فجئْنَ وبكينَ ونصبنَ المناحة.

(نعي)

تدرونْ بِيَّه هاشمية               چِلْمَةْ عَدُو تِصْعَبْ عَليَّه
أنا ?منينْ إِجَتْني الغاضِرية      رِحْتُوا جَمِعْ مِنْ بين إدَيَّه
وصُّوا بنا گبلٍ تِرِحْلُونْ          ومِنْ گَبْلٍ عالغَبْرة تِنَامون
يحسين اْنتَه نورِ العْيون         حُرْمَه وغِرِيبه لا تِگِطْعون


114


مَشِفْنا الأهِلْ كِلْهُم يغيبون      وعنِّ الوطنْ كِلْهم يِشِيلون

ثم إنَّ الحسين عليه السلام أنبأهم بما يحلّ بهم من رزايا ومِحَن، وأوصاهم بتقوى الله، وتحمُّلِ ذلك بصبرٍ واحتساب.

وكان للحسين عليه السلام وداعٌ مع أخواته وإخوته وبناته وأبنائه، وكان له وداعٌ خاصّ بطفلِهِ الصغيرِ عبدِ الله، يطيلُ النظرَ إليه، ويتأمل محيّاهُ وشَبَهَهُ بجدِّهِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذا وداعٌ، ووداعٌ آخرُ يومَ عاشوراءَ يومَ غد، لما قُتل أصحابُ الحسين وأهلُ بيته، ولم يبقَ معه أحدٌ ينصره، وإذ بزينبَ تأتي إليه بطفلِه الرضيعِ بعد أن جاءت به إليها أمُّهُ الرباب، وهي تقول: هاكُم رضيعَكم يا آل محمد، فأخذه الحسينُ بدورِه، ومشى به إلى الأعداءِ رافعاً إيّاه أمامَهم، منادياً: يا قوم، إنْ كان للكبارِ ذنبٌ فما ذنبُ الصغار. خذوه واسقوه جرعةً ماء، فلقد جفَّ صدرُ أمه من اللبن!


فالتفت عمرُ بنُ سعدٍ إلى حرملةَ بن كاهلٍ وقال له: اقطعْ نزاعَ القوم، فرماهُ حرملةُ بسهمٍ فذبحه من الوريد إلى الوريد، فسال الدمُ وأَخرج الطفلُ يَديه من القماط، وجعل يرفرفُ على صدرِ أبيه الحسينِ كالطير المذبوح. وضع الحسين يدَهُ تحت منحره، فلما امتلأت دماً رمى بها إلى السماء.

الله اكبر


115


فالتَقَطَ مما هَمَى مِنْ مِنْحَر الطَّفْلِ دِما      ورَماه صاعداً يشكو إلى ربِّ السما
                              وينادي يا حكيمُأنتَ خيرُ الحُكَما

(نعي): نصاري

تِلَگَّى حْسينْ دمِّ الطِفِل بِيْدَه      اشْحَالَه اليِنْكِتِلْ ابحُضْنه اوْلِيده
شاله ومِلا چَفَّه منِ وْرِيده       ارمَاه للسِمَا وللگَاع ما خَرْ

ولما عاد إلى أمّهِ ورأتْ رضيعها مذبوحاً، صرخت: واو لداه، وا ذبيحاه.

ساعد اللهُ قلبَ الوالدة،

تگله يبني

يايمه يايمه يايمه يايمه

يبني يبني ليشْ نايم عالتُرابْ
مِنْ شِفِتْ نَحرك تِراني راسي شَاب
نار عطشك يالإبن تكويني
حرمَلَه ابسهمه فِجَعْ قَلْبِ الصَّخَر
ابسهم المثَلَّث ذِبَح ذاك النحر
ريتْ قبله نزفت اشراييني
جيتَ اخِبْركْ يُمَّه دَرّْ مِنِّي الحِلِيب
يمه اناغيلك أنه ما مِنْ مُجيب
امعوده لو جيتك اتناغيني
كنتْ متوقِّعه افِطْمَك بيد ابوك
بعدَكِ انْتَ ازغَيَّر لَتْشوف العذَاب
نار عَطْشَك يالإبن تِكويني
يا يمه يايمه يايمه يايمه
ونار ماتِطْفه ولو وسْطِ البحر
ريت قبله نِزْفتِ اشراييني
يايمه يايمه يايمه يايمه
اكِعِدْ وإفتح عيونَك يالحبيب
امْعَوِّده لو جيتك اتناغيني
يايمه يايمه يايمه يايمه
اخوانك وعمك يجون يلاعبوك

116


مو طِريح اعلى الرمُل ويْسِلْبوك       حتى غسلَك صار دمعة عيني
حتى غسلك صار دمعة عيني          يايمه يايمه يايمه يايمه

نعي لسان حال الرباب لفقد الرضيع (طور الفراق)
آه ياابني      يالْ عَليك احرِگَوا گَلْبي
آه ياابني      امْنِ البِچِي مااشوف دَرْبي
آه ياابني      وشَكْوِتي للباري ربي

يبني وشلون      تغفى يبني عيني بَعْدك
يبني وشلون     اشوفَه خالي گبالي مَهْدك
يبني وشلون     مِنَّ اشُوف بْعيني لَحْدَك

نارِ الفْراگ     يالزِغِير بگَلُبْ امَّك
نار الفراگ     يمه مَلْهوفة ارْدَ اضُمَّك
نار الفراگ     شِفْتَك امْفيَّضِ ابدَمَّك

الغاضرية      شْخلَّتِ بعمري وسنيني
الغاضرية      للأبدْ خَلَّتْ ونيني
الغاضرية      ذَبْحِتَك وذَبْحتِ احسيني

شاهِدِ الربابَ بعين قلبِك ليلةَ الحادي عشر، عندما جنَّ الليل..


117


أخذت الرباب طفلَها المذبوح بعدما درّ ثدياها..كأنّي بها تخاطبه بصوتٍ حزين يُفجِعُ القلب...

(لحن سامحيني)

يالولد نام     راح أقلك قِصَّه عَنِّ الغَاضريه
يالوِلد نام     يا عسى النُّومه يا عبدالله هِنِيه
كانْ ما كانْ   قِصَّةَ أحزانْ
بيها ناغيلك    يا عبدَالله وأكَلْمك
أَدري عَطْشان  والقَصِدْ جَان

تِلْتِهي بالقِصَّه حتى أقدَرْ أَنومَك
نامْ وَبلكَتَ اللهْ يِرْحَم حَالك ابْهاي
وانتَ نايم تحلَم إنك شاربِ الماي

يالوِلد حِيفْ      صِرْنه بالطِّيف

نِنْدِعِي تشربْ ولَوْ قَطْرةٍ مَيَّه
يالوِلَدْ نام يا عسى النومه يا عبدالله هنيه

يبني معذورْ      قَلبَكْ ايْفور
مِنْ ظَماك وأدري ما تِفْهَم كَلامي

بعدك اصْغير      سِتَّةِ اشْهور
اشْلونْ أفهْمَك يبني راحِ تْموتْ ضَامي
والحَرَمْ صاحَنْ تَعالَنْ خَلْ نِسَكْتَه


118


تِبْتِسِمْ له عَمْتَه وتِضْحَك له أُخْتَه
نِدْري يِرْتاح      يِبْطِلِ صْياح
لو نِظَرْ قامت تِهِزْ مَهْدَه رُقَيَّه
يالوِلَدْ      نام يا عسى النومه يا عبدالله هنيه

أبوذية:

مآتم للحزِنْ نِنْصُبْ وَنَبْنِيْ             رِمَاني حَرْملة ابسَهْمَه ونبني
الطِفِلْ عادَهْ يِفِطْمُونه                  وانا بني انْفِطَمْ يا ناسْ بِسْهَام المِنيَّة
ومُرْضِعَةٍ ناحتْ بجنبِ رضيعِها      مولَّهةً والوجدُ بادٍ وكامنُ
رأتْهُ وما بَلَّتْ حُشاشَةَ صدرِهِ         ثديٌ ولا أحْنَتْ عليه الحواضِنُ


118