الليلة الخامسة: مجلس مسلم بن عقيل

لِمُسْلِمٍ عَيْنَ الهُدَى سُحِّي دَمَا
أَفْدِي فَتىً بَكَتْ لَهُ أَمْلَاكُهَا
أَفْدِيهِ مِنْ فَادٍ شَرِيعَةَ أَحْمَدٍ
أَفْدِي فَتىً يَرَى الحَياةَ مَغْرَماً
صَالَ وَجَالَ دُونَ دِينِ مُحَمَّدٍ
فَاسْتَخْرَجُوهُ بِالجِراحِ مُثْخَناً
مُذْ صَعَدُوا القَصْرَ بِهِ رَنَا إِلَى
رَمَوْهُ حَتَّى كَسَّرُوا عِظَامَهُ
يَا لَيْتَ عَيْناً قَدْ رَأَتْكَ مُسْلِماً
أَهَلْ دَرَى رَامِيهِ مِنْ أَعَلَى البِنَا
يَا أَرْضُ ابْلَعِي وَيَا جِبَالُ انْقَلِعِي
وَيَا حَشَا الإِسْلامِ شُبِّي ضَرَمَا
وَالمَلَأُ الأَعْلَى أَقَامَ المَأْتَمَا
حَتَّى اسْتُبِيحَ مِنْهُ مَا قَدْ حُرِّمَا
 بَعْدَ الحُسَيْنِ وَالمَمَاتَ مَغْنَمَا
حَتَّى هَوَى بِحُفْرَةٍ مُجَرَّمَا
لَا يَسْتَطِيعُ المَشْيَ مِنْ نَزْفِ الدِّمَا
 نَحْوِ الحُسَيْنِ بَاكِياً وَسَلَّمَا
 وَسَحْبُهُ بِالحَبْلِ كَانَ أَعْظَمَا
تُسْحَبُ بِالأَسْوَاقِ نَالَهَا العَمَى
قَلْبَ النَّبِيِّ وَالوَصِيِّ قَدْ رَمَى
وَانْتَثِرِي حُزْنَاً لَهُ شُهْبَ السَّمَا

27


(شعبي)
وسفَه على مسلم يقتلونه         من القصر وسفه يذبَّونه
بالأحبال مسلم يجرونه          ما واحد اللي وقف دونه
شاوين أخوته ما يجونه         لونهم يجون ويشوفونه

يا مسلم وين ذاك اليوم             عمَّك يجيك يعاينك غارق بدمَّك
يا مسلم لا حد من الناس يمَّك      غريب بهالبلد ما لك معين

المجلس:
مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة أرسله الإمام عليه السلام بعد أن وصلت إليه الرسائل بالبيعة، وصل إلى الكوفة وكانت النّاس مجتمعة معه على بيعة الحسين عليه السلام ولكن في نهاية المطاف لم يبق معه أحدٌ يدلّه على الطريق؛ لذلك يسمّى بغريب الكوفة، جاء يمشي في ذلك الليل البهيم، حتّى وصل إلى دار لامرأة من المؤمنات تسمّى طوعة، فقال لها: أمة الله اسقني شربةً من الماء، (إنّه عطشان، غريب، وحيد) سقته الماء ولكنّه بقي واقفاً، فقالت له: يا هذا ألم تشرب الماء؟ قال لها: نعم، قالت: يا هذا ما وقوفك على باب داري؟ إذهب إلى بيتك،
إذهب إلى عشيرتك. فأجابها: يا أمة الله ليس لي في هذا المصر من عشيرة، ليس لي في هذا


28


المصر من قرابة، إنّ أهلي بعيدون، أهلي في المدينة، فهل لك أن تضيِّفيني سواد هذه الليلة ولعلّي مكافئك يوم القيامة؟ قالت: ومن أنت حتّى تكافئني؟ قال: أنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب غدر بي أهل الكوفة.

(مجردات)

يقلله وعينه مستديره                 لا أهل عندي ولا عشيرة
غريب وعمامي بغير ديره         ومثل حيرتي ما جرت حيرة
أنا مسلم الفاقد نصيره

أدخلته إلى دارها فلم يزل تلك الليلة في بيتها راكعاً ساجداً تالياً للقرآن حتّى دنا الفجر فصلّى صلاته وصلّى ما شاء من النفل، فبينما هو كذلك وإذا به يسمع وطء حوافر الخيول التي أرسلها عبيد
الله بن زياد فاستلَّ مسلم سيفه وخرج إلى الأعداء وهو يقول:
هُوَ المَوْتُ فَاصْنَعْ وَيْكَ مَا أَنْتَ صَانِعُ         فَأَنْتَ بِكَأْسِ المَوْتِ لَا شَكَّ جَارِعُ
فَصَبْراً لِأَمْرِ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ                     فَحُكْمُ قَضَاءِ اللهِ فِي الخَلْقِ ذَائِعُ

جعل يقاتلهم قتال الأبطال حتّى قتل منهم مقتله عظيمة، فأرسل قائدهم إلى عبيد الله بأن يمدّه بالعديد، ولم يزل يقاتلهم حتّى أُثخِن بالجراح، لأنّ القوم كانوا يرمونه بالحجارة والنّار من أعالي السطوح، آجركم الله، وكان مسلم قد اشتبك بضربه مع بكر بن حمران فضربه


29


مسلم على يده فقطعها، وأمّا بكر فقد ضرب مسلماً على فمه الطاهر فقطع شفتيه إلى النصف، فتساند مسلم إلى الجدار ليستريح قليلاً، يقول المؤرّخون: وإذا برجل من القوم يضربه بعامود من حديد فخرّ إلى الأرض فتكاثروا عليه حتّى أخذوه إلى عبيد الله بن زياد (كلّ الذي كان يجري على مسلم كانت تراه تلك المرأة المؤمنة طوعة) كأنّي بمسلم يخاطبها عندما أخذوه إلى عبيد الله بن زياد:
(فائزي)

قلها يطوعه اليوم ما تحصل سلامه          أوصيك إن كان نزل بهالبلد يتامه
قولي ترى مسلم يبلغكم سلامه                وأجرك على الله والنبي سيد الكونين

ثمّ إنّهم أدخلوه إلى القصر وهو مثخن بالجراح ومقيّد بالحبال، فلم يسلِّم مسلم على عبيد الله فقال له أحدهم: لما لا تسلم على الأمير؟ فقال مسلم: "إنّه ليس لي بأمير" فقال عبيد الله: إن سلَّم أو لم يسلِّم فإنّه مقتول لا محال. ثمّ شتم عبيدُ الله علياً والحسن والحسين وعقيلاً فقال له مسلم: أنت وأبوك من أحقّ بالشتم، فاقض ما أنت قاضٍ. فأمر ابن زياد أن يصعدوا به إلى أعلى القصر لضرب عنقه ورمي جسده إلى الأرض، وفعلاً صعدوا به إلى أعلى القصر، وجاؤوا بالجلاد ليضرب عنقه، فقال له مسلم: يا هذا أمهلني لحظات حتّى أصلّي، فصلّى ركعتين ثمّ اتجه نحو المدينة وسلم على الحسين عليه السلام.


30


إلك ابعث يبو اليمه سلامي             وهاي آخر تحيات يا إمامي
من فوق القصر يرموني ظامي        وحيد وحاطت الظلام بيَّه

آجركم الله، فقدّموا مسلماً إلى القتل ورفع بكر بن حمران سيفه وضرب مسلماً على عنقه ففصل الرأس عن الجسد، رحم الله من نادى وامسلماه أي واسيّداه أي واشهيداه، وألقوا بعدها جثمانه
الطاهر من أعلى القصر.

(أبو ذية)

عادة اليستجير يكون ينجار          وعن قتله حليف الشرف ينجار
مثل مسلم صدق بالحبل ينجر       وتتنومس بقتله علوج أميه

أقول: هذا حال الكوفة، ولكن كيف تلقّى الخبر مولانا الإمام الحسين عليه السلام؟ يقولون: إنّه لما وصل الخبر إلى سيّد الشهداء عليه السلام دعا بحميدة بنت مسلم بن عقيل، وضعها في حجره، صار يمسح على رأسها، أحسّ قلب الطفلة بالشر، فالتفتت إلى الإمام وقالت: عمّي أبا عبد الله هل أصاب والدي مكروه؟

بمسحك على راسٍ تركت القلب ذايب            هذا يا عمي من علامات المصايب
قلبي تروَّع حيث بويه بسفر غايب                طوَّل الغيبة يْعُوده الله بعجل ليه
ضمها بصدره والدمع يجري بالخدود           وقلها يا حميدة والدك ما ظنتي يعود
شهقت وظلت تنتحب وبروحها تجود           ونادت يا عمي لا تفاول بالمنيه


31


(لحن الفراق)
عمي يا حسين            قلي بويه وينه
عمي يا حسين            من زمان ما بين علينه
عمي يا حسين            كنَّى بويه قاتلينه

(أبو ذية)

القدر كل عام عام الفرح يا عم        على المسكون كله يكون يا عم
بطلي النوح لا تبكين يا عم             أشوفك والحزن يشتدّ عليّ


32


     
السابق الصفحة الرئيسة التالي