ليلة العاشر: مجلس شهادة الطفل الرضيع

مَدَى العُمْرِ لَا أَنْسَى عَقِيلَةَ حَيْدَرٍ
تُوَدِّعُ أَهْلِيهَا الكِرَامَ وَتَنْثَنِي
تَقُولُ لَهُ يَا لَيْلُ رِفْقاً بِحالِنا
بِرَبِكَ لَا تُبْدِي الصَّباحَ فَإِنَّهُ
أَطِلْ يِا رَعَاكَ اللهُ وَقْتَكَ إِنْ تَجِدْ
أَطِلْ لِوَدَاعِ الطَّاهِراتِ حُمَاتَها
أَنَا زَيْنَبُ الكُبْرَى سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ
وَهَذِي جُيُوشُ الظَّالِمينَ تَرَاكَمَتْ
يُرِيدُونَ قَتْلَ ابْنِ النَّبِيِّ وَصَحْبَهُ
أَطَالَتْ مَعَ الَّليْلِ الحَدِيثَ مِنْ الأَسَى
فَلَوْ فَهِمَ الَّليْلُ البَهِيمُ كَلَامَها
وَلَوْ كَانَ ذَا حِسٍّ وَيَعْرِفُ قَدْرَهَا
تُخَاطِبُهُ فِي أَنْ يُطِيلَ ظَلَامَهُ
شَكَتْ هَمَّهَا لِلَيْلٍ وَالَّليْلُ أَخْرَسُ
وَمَرَّ عَلَيْها وَقْتُهُ وَتَصَرَّمَتْ
وَلَاقَتْ مُصَاباً لَوْ أُصِيبَ بِبِعْضِهِ
لَقَدْ شَاهَدَتْ قَتْلَ الحُسَيْنِ بِعَيْنِها

عَشِيِّةَ أَمْسَتْ وَالقَضَاءُ مُخَيِّمُ
مَعَ الَّليْلِ مِنْ فَرْطِ الأَسَى تَتَكَلَّمُ
فَأَنْتَ بِنَا مِنْ شَمْسِ صُبْحِكَ أَرْحَمُ
صَباحٌ بِهِ جَيْشُ الضَّلَالَةِ يَهْجُمُ
طَرِيقاً وَلَا تَخْفَى لِجَوِّكَ أَنْجُمُ
فَصُبْحُكَ فِيهِ مِنْهُمُ يُهْرَقُ الدَّمُ
وَهَذا حُسَيْنٌ وَالزَّمَانُ مُحَرَّمُ
عَلَيْنا فَهَلْ فَيمَا يُرِيدُونَ تَعْلَمُ
وَإِنَّكَ تَدْرِي مَنْ حُسَيْنٌ وَمَنْ هُمُ
وَأَجْفَانُها كَالمُزْنِ تَهْمِي وَتَسْجُمُ
لَرَقَّ لَهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ يَفْهَمُ
أَجَابَ نِدَاهَا لَكِنِ الَّليْلُ أَبْكَمُ
عَلَيْها وَمَا لِلَيْلٍ أُذُنٌ وَلَا فَمُ
وَزَيْنَبُ حَيْرَى وَالفُؤَادُ مُكَلَّمُ
دَقَائِقُهُ وَالصُّبْحُ بَالشَّرِّ مُفْعَمُ
أَشَمُّ الرَّوَاسِي الشَّامِخاتِ يُهَدَّمُ
وَهَلْ مِنْهُ أَدَهَى فِي الزَّمانِ وَأَعْظَمُ


55


ورد في زيارة الناحية المنسوبة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: السلام على عبد الله الرضيع المرمي الصريع المتشحّط دماً والمصعِّد بدمه إلى السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه. وفي الخبر أن الحوراء عليها السلام جاءت به إلى أخيها الحسين عليه السلام تحمله فدفعته إليه وهي باكية وقالت: أخي خذ طفلك. قيل: فجعلها في حجره يقبّله، ويقول: بُعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدّك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم خصمهم، ثمّ أتى به نحو القوم يطلب له الماء قائلاً: يا قوم قد قتلتم إخوتي، وأولادي وأنصاري وما بقي غير هذا الطفل، وهو يتلظى عطشاً من غير ذنب أتاه إليكم، فاسقوه شربة من الماء، فاختلف العسكر فيما بينهم، فمنهم من قال: إذا كان ذنب للكبار فما ذنب هذا الطفل؟ ومنهم من قال: اقتلوه ولا تبقوا لأهل هذا البيت باقية.

فلمّا رأى ابن سعد ذلك صاح بحرملة: ويلك يا حرملة اقطع نزاع القوم، قال: فما أصنع؟ قال: ارمِ الطفل بسهم. قال حرملة: فرأيت رقبته تلمع على عضد أبيه الحسين عليه السلام، فرميت الطفل بسهمي (آجركم الله) فذبحته من الوريد إلى الوريد. فلمّا أحسّ الطفل الرضيع بحرارة السهم أخرج يديه من القماط واعتنق أباه، وجعل يرفرف كالطير المذبوح، فملأ الحسين عليه السلام كفّه من دمه، ورمى به نحو السماء قائلاً: اللهمّ لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح.


56


تلقه حسين دم الطفل بيده               وذبّه ليقتل بحضنه وليده
سال وترس كفه من وريده             وذبَّه للسما وللأرض ما خر
نظر طفله ورقبته شلون مالت        حنَّ ودمعته من العين سالت
يبويه من السهم روحك شقالت        ذبح وعطش بويه ذقت الاثنين

يقول أرباب المقاتل: لمّا رمى الحسين عليه السلام دم رضيعه المذبوح نحو السماء ما سقطت منه قطرة، وقال عليه السلام: هوَّن ما نزل بي أنّه بعين الله، يا ربّ، إن كنت حبست عنّا النّصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير منه، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين.

ثمّ جاء به إلى المخيّم فاستقبلته ابنته سكينة قائلةً: أبه يا حسين، لعلّك سقيت أخي الماء وجئتنا ببقيّته؟ فقال الحسين عليه السلام: بنيّة خذي أخاك مذبوحاً من الوريد إلى الوريد، عندها صاحت واأخاه واعبد الله.

(مجردات)

يبويه الطفل للماء أخذته          ابسهم العدى مذبوح جبته
شنهو الذنب هويه لعملته         والماي حاضر ما شربته
يبويه الطفل عني وَغطّيه         ما لي قلب بالعين اصد ليه
اشوفه ذبيح ومادّ رجليه         هذا لخفت منه طحت بيه

ثمّ جاءت إليه أمّه فرأته والسهم مشكوك في نحره صاحت واولداه:
يا ماء عيني وحياة قلبي                من لبلائي وعظيم كربي
رجوت أن تكون لي نقم خلف        وسلوة لي عن مصابي بالسلف


57


ردوك يبني بسهم مفطوم        يا لرحت عن الماي محروم
بعدك لحرم لذة النوم             واصبغ يعقل سود الهدوم
                 وابكي عليك بقلب مالوم

يَا سَاعَدَ اللهُ قَلْباً لِلرَّبَابِ فَقَدْ        رَمَاهُ حَرْمَلَةٌ سَهْماً فَأَرْدَاهُ


58


     
السابق الصفحة الرئيسة التالي