مجلس دفن الأجساد الطاهرة

للهِ مَطروحٌ حَوَتْ مِنهُ الثَرَى نَفْسَ العُلى والسؤدَدَ المعقودَا
ومُجرَّحٌ مَا غَيَّرت منهُ القَنَا حُسْناً ولا أَخلَقْنَ منهُ جَديدا
َقَد كانَ بَدرًا فَاغتَدَى شمسَ الضُحَى مُذْ ألبَسَتهُ يَدُ الدماءِ لُبودَا
وَتُظلُّهُ شَجَرُ القَنَا حتَّى أَبَتْ إرسالَ هاجرةٍ إليهِ بَرِيدَا
وَثَواكِلٌ في النوحِ تُسعِدُ مثلَها أَرَأَيتَ ذا ثكْلٍ يكونُ سَعيدا
وغَدَتْ أسيرةَ خِدرها ابنةُ فاطمٍ لم تَلقَ غيرَ أسيرِها مَصفودَا
تَدعو بلفهةِ ثاكلٍ لَعِبَ الأَسَى بفؤادِهِ حتَّى انطوَى مَفْؤودَا
تُخفي الشَجَا جَلدًا فإن غَلَبَ الأَسَى ضَعُفَتْ فأبدَتْ شَجْوَها المَكمُودا

47


نَادْت فَقَطَّعتِ القلوبَ بِشَجوِها لَكنَّما انتظمَ البيانُ فَريدَا
إنسانَ عَينِي يا حسينُ أُخيَّ يا أَمَلِي وِعقْدَ جُمانيَ المنضُودَا
مَالي دَعوتُ فلا تجيبُ ولَمْ تَكنْ عوَّدتَنِي مِن قَبلِ ذَاكَ صُدودَا
ألمِحْنةٍ شَغَلَتْكَ عنِّي أمْ قِلىً حاشاكَ إنَّكَ ما بَرِحْتَ ودودا1

 

يخويه احسين ما تلتفت لينه اوتشوف اللي جره اخلافك علينه
عگب الخدر والله انسبينه أوعلي السجاد ويانه ولينه
عليل أوعلى الناگه امگيدينه اوتفت حتى الصخر جرّت ونينه

التمهيد للمصيبة (گـوريز):

إنّ مصيبة كربلاء جعلت الإمامَ زين العابدين عليه السلام من البكّائين الخمسة, وتركت في قلبه جرحاً عميقاً, وهذا ما أجاب به أهل الكوفة في قوله:
"فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي (صلوات الله عليه) بالأمس وأهل بيته معه, ولم ينسني ثكل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم, وثكل أبي وبني


48


أبي ووجده بين لهاتي, ومرارته بين حناجري وحلقي, وغصصه تجري في فراش صدري..".
واستمرّ حزن الإمام زين العابدين عليه السلام والبكاء على أبيه ولم يزل باكياً ليله ونهاره, حتَّى قال له بعض مواليه: إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين, فقال عليه السلام: يا هذا إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله, وأعلم من الله ما لا تعلمون, إنّ يعقوب كان نبيّاً فغيّب الله عنه واحداً من أولاده وعنده اثنا عشر, وهو يعلم أنّه حيّ فبكى عليه حتَّى ابيضّت عيناه من الحزن, وإنّي نظرت إلى أبي وإخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي, فكيف ينقضي حزني؟! وإنّي لا أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة.
خصوصاً أنّ جميع السبايا رأوا مصارع بني فاطمة, ولكن مرّة واحدة, أمّا الإمام زين العابدين عليه السلام فقد رآهم مرّتين, الأولى عندما خرج السبايا من كربلاء, وأمّا الثانية فعندما رجع الإمام لدفن الجثث الطاهرة.

المصيبة:

فقد روي أنّه لمّا ارتحل عسكر ابن سعد من كربلاء, وساروا بالسبايا والرؤوس, نزل بنو أسد إلى جسد الحسين عليه السلام وصار لهم بكاء وعويل، ثمّ إنّهم اجتهدوا على أن يحرّكوه من مكانه


49


ليشقّوا له ضريحاً, فلم يقدروا, أن يحرّكوا عضواً من أعضائه..
فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم أَعرابي على متن جواده وقد ضيّق لثامه، فلمّا رأوه انكشفوا عن تلك الجثث الزواكي. فأقبل الأعرابي, ونزل عن جواده, وصار منحيناً كهيئة الراكع, حتّى أتى ورمى بنفسه على جسد الحسين عليه السلام فجعل يشمّه تارة ويُقبّله أُخرى وقد بلّ لثامه من دموع عينيه..

يگله أو تهمل اعيونه أو يحاچيه يبويه اعله الترب لليوم بعدك
تَرِيباً سَلِيباً يا عَزيزَ محمّدٍ وَلمَ يَأتِ مَن يَبكِي عَليكَ وَيَدْفنُ

فأقسموا عليه بحقّ هذا الجسد الطريح إلّا ما عرّفتنا عن نفسك, فكشف لثامه وإذا به الإمام زين العابدينعليه السلام، يقول بنو أسد ثمّ أقبلنا إليه لنعينه على جسد الحسين عليه السلام, فبكى بكاءاً شديداً، وقال: إنّ معي من يعينني عليه، ثمّ إنّه بسط كفّيه تحت ظهره الشريف وهو يقول: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم, هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثمّ أنزله وحده لم يشرك معه أحداً منّا فرأيناه قد وضع خدّه على نحره الشريف وهو يبكي.


50


حط خدّه اعله نحره أوظل يشمّه وينادي أو دمع عينه يسجمه
يبويه اخلافك الدنيه مظلمه يگله أو ينتحب وادموعه اتسيل

وضع خدّه على نحره الشريف وهو يقول: طوبى لأرض تضمّنت جسدك الشريف، أمّا الدنيا فبعدك مظلمة وأما الآخرة فبنورك مشرقة، أمّا الحزن فسرمد, وأمّا الليل فمسهّد, حتّى يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت فيها مقيم، وعليك منّي السلام يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثمّ إنّه أشرج عليه الِلبْنَ وأهال عليه التراب. ثمّ وضع كفّه على القبر وجعل يخطّ القبر بأنامله.
وذكر أنّه كتب: هذا قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالب الذي قتلوه عطشاناً غريباً، ثمّ التفت إلينا وقال: انظروا هل بقي أحد؟ فقالوا: نعم يا سيّدنا بقي بطل مطروح حول المسنّاة.
وكلّما حملنا جانباً منه سقط الآخر لكثرة ضرب السيوف والسهام. فقال: امضوا بنا إليه، فمضينا فلمّا رآه انكبّ عليه يقبّله وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك منّي السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته.

يعمي اخلاف عينك يسرتنا اعداك دنهض واشهر سيفك الفتاك
هذا لواك ما تنهض تشيل لواك نايم يا ذخر زينب وچلثومه

51


ثمّ أنزله في ملحودة قبره وأهال عليه التراب. وبعد أن دفن الأجساد الطاهرة, وجاء إلى الكوفة, وإذا بعمّته زينب عليها السلام قالت: يا بن أخي أين كنت هذا اليوم؟ قال: عمّه مضيت إلى دفن أبي الغريب.

تگله يعمه من الظهر لسّاع دگلي كنت غايب وين
سمعها وزادت أحزانه دم سالت دموع العين
گال الها غبت عنك رحت يم جسم أبوي احسين
رحت الوالدي شفته أنا ثلث تيام فارگته
يعمه وإدْفنت جثته ورضيعه البسهم مفطوم

وسدته على صدره

زينب سمعته وصاحت انشدك يا علي نشده
يعمه عادة الميت يصير علترب خده
يعمه اشلون إدْفنت ابوك وراس ما عنده
سمع عمته وهلّ دمعه يگلها ومختلف وضعه
يعمّه ابدال خد احسين صار اعلى الترب نحره

52


التوت وتحيرت زينب صاحت والدمع يجري
يعمه يا علي السجاد ضاق من الهظم صدري
انا نشدك عن ابو فاضل اخوي اللي كفل خدري
شلعت السهم عن عينه دفنت اوياه كفّينه
يعمّه الجود چـاوينه إجيت او ما جبت وياك

جوده ورايته الخضره

 

عباسُ تَسمعُ ما تقولُ سُكينةٌ عَمَّاهُ يَومَ الأَسرِ مَن يَحمِينِي
أَوَلَسْتَ تَسمَعُ زَينَباً تَدعوكَ مَن لي يا حِمَايَ إذا العِدَى نَهَروني

53


هوامش

1- القصيدة للسيّد هاشم البحرانيّ رحمه الله.