مجلس الموكب الحسينيّ في الكوفة

أأنسى حُسَيناً بِالطفوفِ مجدَّلاً على ظَمَأٍ والماءُ يَلمَعُ طَامِيَا
وَوَاللهِ لا أنسَى بناتِ محمَّدٍ بقيْن حَيارَى قَدْ فَقَدْنَ المُحَامِيَا
إذا نَظَرَتْ فوقَ الصعيدِ حُماتَها وأَرْؤُسُها فوقَ الرِماحِ دَواميَا
هُناكَ انثَنت تَدعُو ومِن حُرقِ الجَوى ضرامٌ غَدَا بينَ الجوانحِ وارِيَا
أُنادي ولا مِنكم أرَى من مُجاوبٍ فَمَا بالُكم لا تَرحَمونَ صُراخِيَا
ولم أنسَ حولَ السِبطِ زينبَ إذ غَدَتْ تُنادي بِصوتٍ صَدَّعَ الكونَ عَالِيَا
أَخِي لم تَذُقْ مِن بَارِدِ الماءِ شُربَةً وأَشْرَبُ ماءَ المُزْنِ بَعْدَكَ صَافِيَا
أخي يا هِلالاً غَابَ بَعدَ كَمَالِهِ فأَضحَت بِهِ أيَّامُ سَعدِي لَيَالِيَا
أخي صِرْتُ مَرمَىً لِلحَوادِثِ والأَسَى فَليتَكَ حَيَّاً تَنظُُرُ اليومَ حَالِيَا

39


أخي لو تَرى السَجَّادَ أضحى مُقَيَّداً أسيراً يُقَاسِي مُوجِعَ الضَربِ عَانِيَا
عَليَّ عَزيزٌ أن أرَاكَ مُعَفَّراً عليكَ عَزيزٌ أن تَرَى اليومَ مَا بِيَا
أَحَاشيكَ أن ترضى نَروحُ حَواسِراً سبايا بِنَا الأعداءُ تَطوِي الفَيَافِيَا 1
(ويلي)..ان صحت بويه يشتموني وان صحت خويه يضربوني
ومن الضرب ورمن امتوني ومن البچه عمين اعيوني

أنادي هلي اولا يسمعوني


التمهيد للمصيبة ( گوريز):

ورد أنّه لمّا وضعت السيّدة الزهراء عليها السلام ابنتها زينبعليها السلام أخذها النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وقال يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا.
وكانت السيّدة زينب عليها السلام على علم بخروجها مع الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء, ولم تفاجئ به, وقد علمت من جدّها وأمّها وأبيها بهذه المصيبة, وبهذه المهمّة التي اختارها الله لها, حتَّى يقال أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا عقد قرانها على زوجها عبد الله


40


بن جعفر, شرط عليه أن يأذن لزينب عليها السلام بالخروج مع أخيها فقبل, ولم تنفع محاولات الآخرين ثنيَ زينب عليها السلام من الخروج مع أخيها, ولهذا وقبل أن تغادر العقيلة الحجاز استأذنت من زوجها عبد الله بن جعفر, أن يسمح لها بالسفر مع شقيقها سيّد الشهداء, فأذِنَ لها في ذلك، ولما عزم الإمام أن يسافر دخل عليه عبد الله بن عبّاس ليعدله عن السفر إلى العراق، فقال له الإمام عليه السلام: "يا بن عبّاس ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت نبيّهم من وطنه وداره وقراره، وحرم جدّه، وتركوه خائفاً مرعوباً، لا يستقرّ في قرار، ولا يأوي إلى جوار، يريدون بذلك قتله وسفك دمه، ولم يشرك بالله شيئاً، ولم يرتكب منكراً، ولا إثماً".
فأجابه ابن عبّاس بصوت حزين النبرات قائلاً:
"جعلت فداك يا حسين, إن كان لا بدّ لك من المسير إلى الكوفة، فلا تسر بأهلك ونسائك...".
فقال له الإمام الحسين عليه السلام:
"يا ابن العم إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في منامي، وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه.. إنّه أمرني بأخذهنّ معي، يا ابن العم إنّهن ودائع رسول الله، ولا آمن عليهنّ أحداً..".


41


المصيبة:

ويقول بعض الرواة: إنّ حفيدة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم السيّدة زينب عليها السلام قالت لابن عبّاس وهي باكية العين:
"يا ابن عبّاس تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلفنا ها هنا ويمضي وحده, لا والله بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟..".
وكانت السيّدة زينب عليها السلام قد علمت ما سيجري على أهلها من القتل, فخفّت إلى أخيها حينما كانوا في الخزيميّة، وهي تقول له بنبرات مشفوعة بالبكاء:
يا أخي إنّي سمعت هاتفاً يقول:

ألَا يا عَينُ فَاحتفِلي بِجُهْدٍ فمَنْ يَبكي على الشهداءِ بعدِي
على قَومٍ تَسوقُهُم المنايا بِمقدارٍ إلى إنجازِ وَعدِ

فأجابها الغريب روحي له الفداء:
يا أختاه كلّ الذي قُضي فهو كائن, ومن قبل قد أخبرها بما هو كائن أبوها أمير المؤمنين عليه السلام.
فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إلى آخر ساعة من ساعات حياته الشريفة, يخبر ابنته زينب عليها السلام بتفاصيل ما سيجري عليها من كربلاء.


42


فلقد ذكروا أنّه دخلت العقيلة زينب عليها السلام على أبيها أمير المؤمنين عليه السلام, لمّا ضربه ابن ملجم المراديّ، قالت: أبه حدّثتني أُمُّ أيمن بحديث كربلاء وأُحبُّ أن أسمعه منك يا أبة، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: بُنيّة الحديث كما حدّثَتْكِ به أُمُّ أيمن بُنيّة: كأنّي بك وبأخواتك سبايا في هذه البلدة, وأنتم أذلّاء تخافون أن يتخطَّفكم الناس، وما مرّت الأعوام إلا وزينب عليها السلام أسيرة في هذه المدينة، وإذا بأهل الكوفة قد خرجوا يتفرّجون على بنات أمير المؤمنين، فقامت زينب عليها السلام خاطبة فيهم قالت: ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أَيَّ دمٍ لرسول الله سفكتم, وأَيَّ كبدٍ له فريتم, وأيَّ كريمة له أبرزتم, وأيَّ حرمةٍ له انتهكتم؟

ما توهَّمتُ يا شقيقَ فُؤادِي كان هَذَا مُقَدَّراً مكتوبا
ما تدري يخويه اشلون حالي ابراس الرمح راسك اگـبالي
كلمن شاف ذل حالي بكالي عدوانك عليّه غدوا يبكون

صعدت امرأة من أهل الكوفة إلى سطح دارها وسألت من أيِّ الأُسارى أنتم؟ فأجابتها أُمُّ كلثوم: نحن أُسارى آل بيت رسول الله، فنزلت المرأة إلى صحن دارها وجمعت لهنّ ثياباً وأُزراً ومقانعَ, وصارت توزّعها على بنات رسول اللهصلى الله عليه و آله و سلم.. ويلي


43


ابيا حال ما تدرون صرنه سبايا بستر الروس حرنه

اويّه العده للشام سرنه

ونظر أهل الكوفة إلى أطفال الحسينعليه السلام جياعاً, قد أضرّ بهم الجوع, وقد مرّت عليهم ثلاث ليالي من غير طعام, فبان عليهم الضعف والجوع, وخاصّةً لمّا رأوا بأيدي أطفال الكوفة شيئاً من الخبز والتمر, فصاروا يمدّون أيديهم إلى ذلك الطعام, فصار النّاس يجمعون لهم الطعام ويناولونه يتامى الحسينعليه السلام، التفتت زينب عليها السلام، وإذا بنساء أهل الكوفة يتصدّقون على أطفال الحسينعليه السلام، فصارت تأخذ ذلك الطعام من أيديهم وتُلقي به إلى الأرض وتنادي: يا أهل الكوفة إنّ الصدقة حرام علينا... ويلي
 

تتصدق الوادم علينه وعطايا الخلك كلها امن ادينه
ما خاب ظنّه اليعتنينه ايظل كل سنه ايروح اويجينه
يوسفه الدهر هل خان بينه اخونه انذبح واحنه انسبينه

ثمّ لمّا أخذ أهل الكوفة يحدّقون بالنّظر إلى أخوات الحسينعليه السلام وحرمه صاحت زينب عليها السلام: غضّوا أبصاركم عن بنات رسول


44


الله.. ويلي...

هذهِ زينبٌ ومن قبلُ كانت بفِنا دارها تُحطُّ الرِحالُ
أمسَت اليوم واليَتامَى عَليها يا لِقومِي تَصدَّق الأنذالُ

والذي زاد آلام زينب عليها السلام, أنّ بعض النساء اللواتي سبين معها (حيث كان معها أكثر من عشرين امرأة من نساء الأصحاب) صارت عشائرهن في الكوفة تخلّصهن من السبي ينادي المنادي: فلانة الأسديّة, فتخرج, فلانة المذحجيّة, فتخرج, كأنّي بزينب تلتفت يميناً شمالاً ألا من ينادي أين زينب الهاشميّة؟
أين بنات علي عليه السلام؟ أين بنات فاطمة الزهراءعليها السلام؟
إلى أين تتوجّه زينب عليها السلام؟ وقد فقدت كافلها عبّاس.

أنا منين ابو فاضل أجيبه يطفّي نار دلالي ولهيبه
يبن حامي الحمى وليث الحريبه ترضى تصير اختك سليبه
أحِمَى الضَائِعَاتِ بَعدَكَ ضِعنَا في يَدِ النَائِباتِ حَسرَى بَوَادِي

45


هوامش

1 - لسيّدة زينب للقرشيّ ص 38 نقلاً عن الطراز المذهّب.