مجلس مرور الموكب الحسينيّ على مصارع الشهداء

رُبوعُ المجدِ مُقفِرةٌ خَوَالِي يَرُنُّ بِها صَدَى الحُجَجِ الخَوالي
غَداةَ السِبطِ وَهوَ نَبيلُ فِهرٍ غَدَا غَرَضاً لِغاشِيةِ النِبالِ
فَصارَ إذا أصابتهُ سِهامٌ تكسَّرت النِصَالُ على النِصَالِ
فَتىً يلقَى الوُفودَ بِطَلْقِ وَجهٍ شمائلُهُ أَرَقُّ من الشِّمالِ
عَجِبْتُ يموتُ مِن ظمأٍ ويجرِي الـ ـفُراتُ العذبُ يَطفَحُ بالزُلالِ
وَيَهويِ لِلرمِالِ لِحَرِّ وَجْهٍ ولم تَهوِ النُجومُ عَلى الرِمالِ
ويبقى مثلَ قرنِ الشَمسِ جِسمٌ له بهَجيرِ حَرِّ الشَمسِ صَالِي

31


وَرُبَّ مَصونَةٍ للطُّهْرِ طَهَ تَبَدَّتْ تَستَشيِطُ منَ الحِجَالِ
وَتُجهِشُ بالبُكاءِ عُقَيْبَ دِلٍّ فيا لِبُكاً تعقَّبَ من دَلالِ
وَنَاعٍ صَكَّ سَمعَ الدهرِ نَعياً وَفَجَّرَ مَسْمَعَ الرِّمَمِ البَوالي
يطوّحُ مُعْلِناً بِمَحاقِ بَدرٍ عَرَاهُ خَسفُهُ عند الكمالِ
لَشُقَّ له ضِراحٌ لا ضَريحٌ وَهِيلَ التُربُ منهُ على الهِلالِ 1

 

أشاهد كربله دايم واراها وأحن عالظلّت اخوتها وراها
علي السجاد رد ليها وراها او ثلث تيّام اعله الوطيه

التمهيد للمصيبة ( گـوريز):

لمّا سَيَّر ابن سعد الرؤوس إلى الكوفة, أقام مع الجيش إلى الزوال من اليوم الحادي عشر, فجمع قتلاه وصلّى عليهم ودفنهم, وترك سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم, ومن معه من أهل بيته وصحبه بلا غسل ولا كفن ولا دفن, تسفي عليهم الصبا ويزورهم وحوش الفلا.


32


وأمّا علي بن الحسين عليه السلام فإنّه لمّا نظر إلى أهله مجزّرين, وبينهم مهجة الزهراء, بحالة تنفطر لها السماوات, وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً, عظم ذلك عليه واشتدّ قلقه, فلمّا تبيّنت ذلك منه زينب الكبرى بنت عليّعليهما السلام أخذت تسلّيه وتصبّره, وهو الذي لا توازن الجبال بصبره وفيما قالت له:
"ما لي أراك تجودُ بنفسك يا بقيّةَ جدّي وأبي وإخوتي, فوالله إنّ هذا لعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيكَ ولقد أخذَ الله ميثاقَ أناسٍ لا تعرفهم فراعنةُ هذه الأرض, وهم معروفون في أهلِ السماواتِ أنّهم يجمعون هذه الأعضاءِ المقطّعةِ والجسوم المضرّجة فيوارونها, وينصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يُدرسُ أثرُه, ولا يُمحى رسمُه على كرورِ الليالي والأيّام, وليجتهدنّ أئمّةُ الكفرِ وأشياع الضلالِ في محوِهِ وتطميسِهِ فلا يزدادُ أثرُهُ إلّا علوّاً".

للهِ صَبرُ زينبِ العقلية كمْ صابرتْ مصائباً مهُولة

33


المصيبة:

نعم سارت زينب عليها السلام ومعها عيالات الأصحاب- وكنُّ عشرين امرأة- وسيّروهن على أقتاب الجمال, بغير وطاء كما يساق سبي الترك والروم, وهن ودائع خير الأنبياء ومعهن السجّاد علي ابن الحسين عليه السلام - وعمره ثلاث وعشرون سنة- وهو على بعير ضالع بغير وطاء وقد أنهكته العلّة, ومعه ولده الباقر عليه السلام وله سنتان وشهور.
ويا لهول ما رأت النساء لمّا مرّت على جثث القتلى، أُمٌّ تنظر إلى ولدها ملقىً على وجه الأرض والدماء تجري من جسده، وأُخت ترى أخاها على وجه الثرى, هذا ملقىً على يمينه وهذا ملقىً على شماله وذلك ملقىً على ظهره, إلّا الحسين عليه السلام فإنّه مكبوبٌ على وجهه قد قطع الشمرُ رأسه والجمّالُ يديه, فلمّا رأته أُخته زينبعليها السلام على تلك الحالة صاحت: يا جدّاه يا رسول الله هذا حسينك بالعراء, مذبوح من القفا, مسلوب العمامةِ والرّدا، بأبي المهموم حتى قضى, بأبي العطشان حتى مضى, بأبي مَنْ لا هو غائبٌ فيُرتجى, ولا جريحٌ فيداوى بأبي مَن شيبته تقطر بالدّماء.


34


يجدّي گـوم شوف احسين مذبوح على الشاطي وعلى التربان مطروح
يجدّي ما بگت له امن الطعن روح يجدّي گـلب اخوي احسين فطّر
يجدّي مات محّد وگـف دونه ولا نغّار غمّضله اعيونه
يعالج بالشمس منخطف لونه ولا واحد ابحلگـه ماي گـطر

قالوا ثمّ همّت زينبعليها السلام بأن ترمي بنفسها على جسد الحسينعليه السلام، فناداها زين العابدينعليه السلام: عمّة زينب ارحمي حالي، ارحمي ضعف بدني، إذا رميتِ بنفسك فَمَن يُركِّبُك وأنا مقيّد على ناقتي؟ عمّة زينب ودّعي أخاكِ وأنت على ظهر النّاقة، فجعلت زينب تطيل النظر إلى جسد أخيها الحسينعليه السلام وهي تقول: أخي حسين أودعتُكَ اللهَ السميعَ العليم، يا ابن أُمِّ لقد جاؤونا بالنّياق مهزولة لا موطّأة ولا مرحولة..
لمن تشتكي زينب حالها وهي التي لم تعرف السبي قبل هذا اليوم, يعزّ عليك يا أمير المؤمنين أن ترى ابنتك زينب عليها السلام في ذلّ السبي, كأنّي بها توجّهت إلى أبيها عليّ عليه السلام

بويه يحيدر ما تجينه وتشوفنه اشلون انسبينه
واشوف الزمان شعمل بينه أخونه انذبح واحنا انولينه

35


زينب عليها السلام امتنعت من أن ترمي بنفسها بطلب من الإمام السجّاد عليه السلام ولكن باقي النساء ما تمالكن أنفسهن، كلُّ امرأة رمت بنفسها على جسد عزيزها, واعتنقت سكينة جسد أبيها الحسين عليه السلام يقول الشيخ الكفعميّ: كانت تحدّث أنّها سمِعَتهُ يقول:

شِيعَتِي ما إنْ شَرِبتُم عَذبَ ماءٍ فاذكُروني
أو سَمِعتُم بِغَريبٍ أو شَهيدٍ فاندِبوني

يعني:
بني سكينة قولي لشيعتي أنّ أبي مات عطشاناً فاذكروه, وقضى غريباً فاندبوه.
ولم يستطع أحد أن ينّحيها عنه حتى اجتمع عليها عدّة منهم وجرّوها بالقهر.
 

يبويه برضالك يو غصباً عليك يجرني العدو من بين ايديك
وأنا اصرخ وادير العين ليك وادري بحميتك ما تخليك

لكن معذور يلحزوا وريديك


36


مَن لي حِمىً بَعدَ الحسينِ وَمعتَصَمْ إنْ جَلَّ خَطبٌ فَادِحٌ وبِنَا أَلَمْ
ناديتُ لَمَّا غَابَ بَدْرُ سَمَا الكَرَمْ يَا غَائِبَاً عن أَهلِهِ أتَعودُ أَمْ

تَبقَى إلى يَومِ المَعادِ مُغَيّباً


37


هوامش

1- القصيدة للسيّد إبراهيم الطباطبائيّ رحمه الله.