المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
إذا كان "ما جرى في عاشوراء فريداً في تاريخ الإنسانيّة, ولم تشهد الإنسانيّة واقعة مثلها على مدى حياتها"1, كما يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله, الذي استقى كلامه من معدن الرسالة وأهل بيت النبوّة عليهم السلام, الذين قالوا: "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله", كما عن إمامنا الحسن عليه السلام2, و"لا يوم كيوم الحسين", كما عن إمامنا زين العابدين عليه السلام3, فإنّ هذا الأمر يُلقي على عاتقنا مسؤوليّة خاصّة في كيفيّة التعاطي مع هذه الحادثة الاستثنائيّة, إن من حيث المضمون, أو المنهج, أو التحليل والدراسة, أو الاستفادة على صعيد الدروس والعبر..أو غيرها من الجوانب.. ولا ينبغي الاكتفاء بعرض الحادثة كما ذكرها المؤرّخون والرواة, فإنّها- وعلى ما في هذا العرض من غثٍّ وسمين لدى بعضهم أحيانا ً- ستتحوّل حينئذٍ إلى مجرّد حدث تاريخيّ لا يربط الماضي بالحاضر, ولا يستشرف المستقبل, وهو ما يتنافى مع عاشوراء التي يُنْظَرُ إليها كنهج وإلى كربلاء التي يُرتبط فيها كقضيّة.

وقد قام العديد من العلماء والمحقّقين والباحثين, وعلى طول التاريخ, بتقديم الشيء الكثير على صعيد البحث والتحقيق والدراسة, غير أنّ أهميّة هذه الواقعة, وعمق أبعادها وتجذّرها في الوجدان وعظيم ما تحمله من دلالات, جعلت منها معيناً لا ينضب ماؤه ولا يرتوي ورّاده, فبالرغم من جميع ما قدّم إلى الآن, تبقى الكثير من الجوانب التي يجد القارئ, أو الباحث, أو المحقّق أنّها لا زالت بحاجة إلى بحث وتمحيص, وتحليل وتعميق..

ومن هنا جاء اهتمامنا, في معهد سيّد الشهداء, عليه السلام للمنبر الحسينيّ, بالجانب البحثيّ والتحقيقيّ العاشورائيّ, والذي عزمنا على العمل عليه من خلال أمرين: الأوّل: الندوات واللقاءات, والثاني: الكتب والإصدارت.

ولهذا قمنا بإعداد هذا الكتاب الجديد تحت عنوان: "الكتاب العاشورائيّ بحوث ودراسات", والذي نضع بين أَيْدي القرّاء والخطباء الجزء الثاني منه, على أمل أن يوفّقنا الله, سبحانه, لنتحفهم بأجزاء أخرى لاحقاً إن شاء الله تعالى.

عملنا في هذا الكتاب:

ونلفت نظر القارئ الكريم إلى الآتي:
1- إنّ هذا الكتاب يأتي كجزء من سلسلة لمجموعة من الدراسات والبحوث المتعلّقة بالشأن العاشورائيّ الحسينيّ ينوي المعهد إصدارها تباعاً, والذي يضمّ موضوعات مختلفة ومتنوّعة, وقد يحتوي على ملفّ أو أكثر, أو على موضوعات متفرّقة.

2- يتضمّن هذا الكتاب ستَّةً من البحوث والدراسات, أربعةٌ منها تمّ تعريبُها من اللغة الفارسيّة, واثنان منها كُتبا باللغة العربيّة.
3- لقد جاء النص المعرَّب مع شيء من التصرّف بالحذف والتبديل, أو التقديم والتأخير, أو التغيير في الأسلوب أو صياغة العبارة, حسبما اقتضته الضرورة, أو استدعته السياسات المعتمدة للنصّ في المعهد.

4- اخترنا بعض العناوين التي يكثر الحديث أو التساؤل حولها, ويستفيد من الإجابة عنها القارئ والباحث على حدٍّ سواء, مع إمكان أن يتمّ التعرّض للموضوع نفسه في بحث أو دراسة أخرى في إصدارات أخرى.

5- آثرنا عدم التعليق أو النقد لما جاء في بعض هذه البحوث والدراسات, رغم مخالفتنا في الرأي له, وذلك إفساحاً منّا في المجال للأخذ والردّ العلميّ, الذي لا يصل إلى حدّ التشكيك والتضعيف.

6- إنّ هذه البحوث قد كتبها مجموعة من الباحثين والمحقّقين, كما أشرنا, ومن هنا فإنّها تعبرّ عن رأي أصحابها, ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المعهد.

وختاماً, فإنّنا نطلب من القرّاء والخطباء والباحثين الأعزّاء تزويدنا بملاحظاتهم وإرشاداتهم البنّاءة, سائلين المولى تعالى أن يتقبّل منّا هذا العمل القليل, ويثيبنا عليه الثواب الجزيل بمنّه وكرمه, ويجعله ذخراً لمن ساهم فيه في نشره وحشره, وأن يحظى بالقبول والرضا من ساحة مولانا ومرتجانا بقيّة الله في أرضه, عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني

هوامش

1-الكلمات القصار لآية الله العظمى السيّد عليّ الحسينيّ الخامنائيّ دام ظلّه، ص75.
2-الصدوق، الأمالي ص 177.
3-المصدر السابق، ص547.